هواية أسامة

(مسرحية للأطفال )

ياسين سليماني

[email protected]

(المنظر : غرفة عادية فيها في الجانب الأيمن

تلفزيون متجه إلى ناحية اليسار التي وضع

 فيها كرسي أمامه طاولة .)

 (يدخل أسامة وهو طفل في نحو

 التاسعة من العمر وبيده كرة يلعب

 بها، ثم يضعها جانبا.)

 أسامة (متأففا): أف... لقد خرجت أمي ولم تأخذني معها ... دائما هي هكذا ، تقول لي "أنت كبير، يجب أن تبقى في المنزل لترعاه" ... أنا أرعى المنزل ؟ من يرعاني أنا؟ من يشتري لي الحلوى ؟ من يأخذني إلى قاعة الألعاب البعيدة؟

 (يضرب بالكرة إلى الأرض فترجع إليه)

الكرة : العب معي أنا.

أسامة (منتبها إلى الصوت): من هذا الذي يتحدث؟

الكرة : أنا... أنا.

 (يفرح أسامة ويبحث من جهة إلى أخرى)

أسامة : إنه صوت صديقتي حسنا لقد عادت من رحلتها... لقد قالت لي أنها ستعود هذا الأسبوع وتلعب معي كثيرا...(يبكي) جميع أصدقائي سافروا ... بقيت أنا وحدي ... حتى في الشارع لا أجد أحدا يلعب معي..( يبحث بعينيه من جديد) أين أنت؟ (ينادي) حسنا ؟ حسنا؟

الكرة: أنا هنا ...(تصرخ) أنا هنا.

 ( ينتبه إلى الكرة وهو مندهش ، يأخذها

 ويقربها من أذنه )

الكرة : مابك؟ هل أصابك مكروه؟

أسامة( ضاحكا ) : مكروه ؟ كرة تعرف المكروه ؟ ألست أنت التي تأخذين الركلات أكثر من أي جبان؟

الكرة : أنا جبانة؟

أسامة : ومن غيرك؟... قولي لي كيف تكلمت؟

الكرة : كما تتكلم أنت .

أسامة (متأففا) : أتريدين إزعاجي؟

الكرة : لا... ولكني رأيتك تتأفف حين دخلت ثم رميتني... أنسيت المتعة التي تشعر بها وأنت تلعب بي ؟ أنسيت أصدقاءك الذين ربحتهم آخر مرة؟

أسامة : كلا ...لم أنسَ.

الكرة : نسيت كم لعبت بي على شاطئ البحر وكنت لا أغرق كي تأتي أنت ورفاقك تتلقفونني وتلعبون بي من جديد؟

أسامة : كلا ... لم أنسَ ...لا ، لم أنسَ... أمضيت معك وقتا جميلا... في الحي... على الشاطئ

 ( يتذكر) آه أيها الشاطئ ...آه أيها البحر... دائما أنت رائع.

الكرة : لماذا لا تذهب إليه إذن؟

أسامة : لم تسمح لي أمي بعد... ما زالت تنتظر إلى أن تأخذ المرتب.

الكرة : هكذا هي أمك... مرتبه انتهى قبل أسابيع ... يجب أن تنتظر أكثر.

أسامة : كلامك صحيح ، لقد اشترت لي الكثير من الأشياء ... الملابس... حتى أنت.

الكرة : نعم ، أنا أيضا اشترتني من مرتبها الذي تقاضته آخر مرة.

أسامة : أنت الكرة العشرون في حياتي... رأيتك من بين الكثير من الألعاب... دمى، حيوانات، مسدسات ، سيارات،غير أنك كنت الأجمل بينهم.

الكرة : أنا يلعب بي الجميع... الأطفال والكبار ، أما الدمى والحيوانات والمسدسات والسيارات كما تقول فهي للأطفال الصغار... الصغار جدا.

أسامة : صحيح ، أنا كبير ، يجب أن ألعب بالأشياء التي تناسبني .

الكرة : أنسيت الأغنية التي غنيتموها على الشاطئ ؟

أسامة : أية أغنية؟ ( متذكرا) آه ... أغنية الكرة؟

الكرة: نعم ، أغنية الكرة ، هيا نغنيها ... هيا ( يتكاسل ) هيا نغنيها...

 ( يغنيان معا أغنية كرتي الجميلة)

 أسامة (يرمي بالكرة فجأة): لا أيتها الكرة ... لا ... أنت لا تعطيني السعادة ... لا تعطيني السعادة التي أريدها ... أمي دائما تقول لي أنك تأخذين كل وقتي ... أنت لا تفيدينني في شيء ... بالعكس أعود من اللعب بك متعبا جدا ورائحة العرق الكريهة تنبعث مني ... نعم ،أنت تضيعين كل وقتي ... كل وقتي...

 (يضربها إلى الخارج)

 ها هو الصيف ... بطوله وبعرضه، الكرة، الكرة، دائما الكرة، ثم أسبوع واحد في البحر مع الكرة أيضا ... مللت ... أف . .

 (ينظر إلى التلفزيون)

أسامة(سعيدا): صحيح، صديقي التلفزيون ... أنت صديقي الحقيقي، أنت تملأ أيامي ... فيك أشاهد الأفلام المرعبة (يشير بيده ممثلا حركة رعب)، والأغاني الراقصة (يرقص رقصة سريعة) والحكاية الرومانسية (يضع كلتا يديه على خده كوسادة ويغمض عينيه  كالحالم) والمناظر الـ....

(يقاطعه صوت يأتي من جهة التلفزيون)

التلفزيون: ألم تتذكرني إلاّ الآن؟ أيها الماكر...

أسامة (ناظرا إلى التلفزيون): لا تقل لي أنك أنت أيضا تتحدث !

التلفزيون: أجل، وهل الكرة أحسن مني ؟

أسامة: ليست أحسن منك، ولكن كيف تتكلم أنت ؟

التلفزيون: دائما أتكلم... أنت الذي لم تنتبه.

أسامة: صحيح... دائما كنت تتكلم، أمي دائما تقول لي: قالوا في التلفزيون ... قالوا في

 التلفزيون... ) يسأله) رأسك هذا فيه الكثير...

التلفزيون: الكثير... الكثير...

أسامة: أنا سعيد يا صديقي التلفزيون أننا معا... أحب الجلوس معك... أمي أيضا تحبك كثيرا، دائما تناديني لأتفرج على "مهند ونور"... مهند يخون نور، نور تبكي... مهند يندم...  نور تبكي... الجميع يبكي، أمي كذلك تبكي... وأنا... كذلك أبكي) ينتحب( .

التلفزيون: وتشاهد أمك الطبخ أيضا...

أسامة: نعم ... السيدة رزقي... تصنع الحلوى، أمي تقلدها... عشر بيضات، أمي عشرون، رطل دقيق، أمي رطلين... يطهى الكعك... عند أمي.... يحترق...(باشمئزاز) وتفوح رائحة الاحتراق في أرجاء المطبخ حتى تختنق... ثم تبدأ أمي بلعن الطباخة ولعن...

التلفزيون(مكمّلا): ولعن التلفزيون أيضا...

أسامة: أنت لا دخل لك...

التلفزيون(متباكيا): دائما تظلمونني... أعطيكم المعلومة المفيدة، والصورة الجميلة، والصوت العذب، وأنتم...

أسامة(مواسيا): لا عليك يا صديقي... أنت صاحبي حقا، فأنا أشاهدك كثيرا في المنزل، أنهض صباحا فأبقى معك ساعتين، وأعود من المدرسة فأشاهدك لساعتين... وفي الليل... أشاهدك...أشاهدك حتى أنام...

التلفزيون(متفاخرا): أرأيت ؟ أنا أفضل من الكرة... أنت لا تستطيع أن تلعب في المنزل وفي فراشك...

 أما أنا فتستطيع...كما أني (مشمئزا) لا أجعلك تعرق فتنبعث منك رائحة كريهة...

أسامة: نعم...أنت أفضل من الكرة...أنت صديقي... أنا دائما معك لساعات طويلة.

 يطيل المد في الكلمتين الأخيرتين)

التلفزيون: أتعرف كم ساعة تكون فيها معي ؟

أسامة(يعدّ): ساعتان صباحا، وساعتان ظهرا،و....أربع...لا، خمس ساعات ليلا....إثنان و إثنان وخمسة..

التلفزيون: تسع ساعات يا صديقي .

أسامة: نعم... تسع ساعات ياصديقي...

التلفزيون: غن معي إذن أغنيتي المفضلة...

أسامة: أغنية الكرة ؟

التلفزيون(متباكيا): لا تعرف أغنية صديقك المفضلة ؟

أسامة(متذكرا): آه...أغنية التلفزيون...أعرفها....أعرفها....

 (يغنيان أغنية التلفزيون، تتحدث عن فضائل الجهاز وفوائده)

 (ينتهي أسامة من الأغنية فيبقى يفكر بصوت مسموع)

أسامة: تسع ساعات مع التلفزيون ؟ أليست كثيرة ؟ نعم ...أنا أعود من الخارج فأشاهد وأشاهد وأشاهد إلى أن أنام...البارحة رأيت كابوسا في الليل...قالت أمي أنه بسبب أفلام العنف التي أسهر عليها...نعم، البارحة ظللت أتقلب في فراشي ونهضت أصرخ من الخوف...

التلفزيون(مناديا): ما بك يا أسامة ؟.... ما الذي تقوله ؟...

أسامة(منتبها): ماذا؟آه...كنت أقول(غاضبا) أنك انت أيضا تضيّع وقتي...نعم، أنا منذ أن أعود إلى المنزل لا أفتح محفظتي أبدا... حتى المعلمة، ضربتني كثيرا لأني...

التلفزيون(يقاطعه): أنت لا تعرف أهميتي يا أسامة...أنت لا...

 (يسرع أسامة فيغلق التلفزيون)

أسامة: لا...كنت مخطئا حين فعلت هذا...نعم، المعلمة ضربتني كثيرا لأني لم أقرأ  دروسي...(متذكرا)

 صحيح!! المعلمة!! معلمتي أعطتني هدية قبل انتهاء العطلة...أين محفظتي ؟...أين

 هي؟...(يبحث عنها) نعم، المعلمة الجميلة، أعطتني هدية وقالت لي (مقلدا إياها) إنه خير أصدقائك .

(يجد محفظته فيأخذها ثم يبدأ في البحث فيها)

أسامة(وهو يبحث): أين الهدية؟ أين الهدية(يجدها فيقول فرحا) آه...إنها هنا...

 (يخرج كتابا)

أسامة: آه أيها الكتاب...أكثر من شهر وأنت في المحفظة دون أن أزورك "في السنة مرة"

 (يغني الثلاث كلمات الأخيرة) حرام...(يرجع إلى الجد) سأرى ما تقوله أنت

 (يضع المحفظة جانبا)

 إذن...هذا هو الكتاب...

الكتاب(متثائبا): نهارك سعيد يا أسامة .

أسامة: ضاحكا( : نهارك أسعد ... أنت أيضا تتحدّث؟ بل تتثاءب كذلك؟

الكتاب: للأسف يا أسامة... في كل المحافظ التي أدخلها لا أستريح فيها...جميع الأيادي تأخذني . يستمتعون بي لساعات طويلة...الوحيد الذي تركني نائما طيلة هذه المدة هو

 أنت...(غاضبا) لماذا تركتني في المحفظة ولم تسأل عني ؟

أسامة: لا تغضب...لا تغضب... ها قد أتيت إليك...

الكتاب(غاضبا دوما): إذا كنت لا تحتاجني فامنحني لغيرك...أنا لا أحب الكسالى والنائمين أمثالك...

أسامة: أنا كسول ؟ أنا نائم ؟

الكتاب(مصرا): نعم...أنت كسول ونائم...لا تعرف إلا اللعب بالكرة أو مشاهدة التلفزيون...يا لك من غبي...أعطتك معلمتك هدية فتركتها...شهرا كاملا أيها الغبي...أيها الغبي...

أسامة(غاضبا): لا تقل أني غبي...لست غبيا... لست غبيا...

الكتاب: أثبت لي ذلك...

أسامة: كيف ؟

الكتاب: اقرأني...فإذا وجدتني ممتعا فأنت ذكي وإلا فأنت....

أسامة: لا تقل غبيا، لا تقل غبيا...سأقرؤك...

 (يتصفح الكتاب ويقرأ فيه بعض الأسطر فيعجبه)

الكتاب:ماذا ؟ هل أعجبك ؟

أسامة: أس ،دعني أقرأ...

 (يقرأ المزيد)

 جيد....نعم...............جيد.........

الكتاب: ما هذا الجيد ؟

أسامة:ما هو مكتوب فيك....إنه جيد....

الكتاب: أفضل من الكرة ؟

أسامة(دون مبالاة): أجل....أفضل من الكرة.

الكتاب: وأفضل من التلفزيون ؟

أسامة:أجل...أفضل من التلفزيون.

الكتاب(صارخا في وجهه): ولماذا إذن لم تقرأ في حياتك ولا كتابا واحدا ؟

أسامة(مهتما):نعم، لا أذكر أني قرأت كتابا واحدا في حياتي...من قال لك هذا؟

الكتاب: أصدقائي الكتب في المكتبة المدرسة، قالوا أنهم يرون كل التلاميذ يدخلون فيأخذون بعضهم، إلا واحد فقط...(يضحك) سمّاك أصدقائي "أسامة الكسول".

أسامة(غاضبا): لا لن أكون كسولا بعد اليوم...سأثبت لك هذا وسأثبت لكل أصدقائك الكتب أني نشيط...

الكتاب:ما الذي أعجبك فيَ ؟

أسامة(سعيدا): مكتوب فيك معلومات كثيرة...آه...لم أكن أعرف شيئا عنها...كل هذه الأشياء موجودة فيك؟

الكتاب:لا...أنت لم تر إلا القليل...

أسامة:هل هنالك المزيد ؟

الكتاب: طبعا...هنالك دائما المزيد...حين تجلس على ذلك الكرسي وتتمعّن في الكلمات والجمل، وتجد أشياء لا تفهمها فتسأل عنها أمك أو معلمتك، أو تبحث عنها في كتب أخرى ،ثم لا تعجبك فكرة من الأفكار، فتكتب عن رأيك وتقول لماذا هذا جيد ولماذا هذاسيء...وتصبح لديك أنت أيضا أفكارك الخاصة.

أسامة: تصبح لي أفكاري الخاصة ؟

الكتاب: وهكذا تكون إنسانا جيدا تعرف الأشياء الجيدة من السيئة...يصبح لديك رأس مليء بالعلوم...

أسامة(سعيدا): مليئا بالعلوم ؟

الكتاب: نعم، إذا قرأت الكثير والكثير...

 (يرن المحمول فجأة)

أسامة(منتبها): آه، أمّي نسيت محمولها...

 (يأخذ المحمول)

أسامة: أمي، أنت المتصلة ؟ نعم، لقد نسيته في المنزل....قبضت مرتبك ؟ لا...لا...لا أريد شيئا...كرة جديدة ؟ (يضحك) لا لقد مضى وقت الكرة ...التلفزيون ؟ أيضا...مضى

 وقته....أنا مع صديقي الجديد...لا تعرفين اسمه ؟...إنه الكتاب...نعم ...نعم...(للكتاب) لقد وعدتني... أن تأتيَ لي بكتب أخرى إذا قرأتك كاملا..

الكتاب: إذن...ماذا تنتظر؟ اجلس وأقرأني...

أسامة: قبل ذلك...لقد تعلمت في المدرسة أغنية عن الكتاب...هل تعرفها ؟.

الكتاب: بالطبع، أعرفها.

أسامة: هيا نغنّيها معًَا...

الكتاب: نعم، هيا نغنيها.

 (يغنيان أغنية "كتابي")

 ) يسدل الستار(