وترحــــل سيلـــــفي

وترحــــل سيلـــــفي

( عن قصة قصيرة للكاتبة جهاد الرجبي بعنوان "أثناء الولادة")

تأليف : نعيم الغول 

       

المشهد الأول

(الحاضر)

( غرفة معيشة فيها أريكتان وصوفة وطاولة قصيرة الأرجل بينها . إلى يمين ويسار الصوفة آنيتان للزهور فارغتان تعطيان الإحساس بالافتقاد إلى الحياة في البيت. صور أطفال رضع منتشر على الجدران. سيلفي هوشت  شابة في الخامسة والعشرين من العمر ذات شعر اسود فاحم ووجه حاد الملامح وابتسامة مرتبكة تائهة على شفتيها .تجلس على الصوفة . تقلب بين يديها ثياب للصغار وحديثي الولادة. يدخل فرانسوا زوجها. شاب يقترب من الثلاثين طويل القامة اسود  الشعر  وابيض البشرة. يرتدي بزة عسكرية وبيده وردة )

فرانسوا: صباح الخير حبيبتي سيلفي. دخلت من باب الحديقة بعد أن قطفت لك هذه الزهرة لكني

           لم أجدك في فراشك فخمنت انك هنا.

سيلفي : أنت رقيق جدا حبيبي فرانسوا. هل يجب أن تقطف لي وردة كل صباح  ؟

فرنسوا : أنت وردتي وأحب أن اقطف لك وردة لأجمع جمالين أمام عيني.

سيلفي : هل ستتحول من محقق إلى شاعر؟

فرانسوا: معك يتدفق الشعر في قلبي سيلفي.

سيلفي: ولكني لم استطع أن أرد لك كل هذا الحب يا فرانسوا. حبي لك ليس كافيا.

فرانسوا: سيلفي حبيبتي . لا تكوني حمقاء حبك يكفيني ويزيد.

سيلفي( تمسك "بمنتيانة" وتقلبها ثم تحضنها وتبدأ بالبكاء): كم أتوق إلى طفل منك فرانسوا.أنا امرأة بلا أحلام مستحيلة. أنا لا اطمح لأي شيء كذلك التي تطمح إليه النساء. زميلاتي في المستشفي يحلمن بمنصب فيه . بعض النساء يطمحن في الوصول إلى وزارة أو برلمان أو إدارة شركة. منهن من تحلم أن تكون نجمة . ممثلة . مغنية . كاتبة . صحفية مشهورة. أنا بلا طموح. ولكن لي حلم واحد فرانسوا. حلم واحد فقط . هل كثير علي أن احلم بحلم صغير واحد فرانسوا. هل كثير على أن احلم بطفل. أن أكون أما لأطفال يحيون بدفء العائلة؟

فرانسوا: ( بعطف) لا ليس كثيرا. أنت تستحقين كل شيء سيلفي .

سيلفي: لقد عملت جاهدة لاكتساب مهارات التربية ،وتعلمت كيف تصنع الثياب للصغار وحديثي الولادة . انظر . انظر فرانسوا . لقد أعددت الكثير منها بانتظار قدوم مولود جديد لأولد معه ،ويمنحني من روحه معنى الحياة ودفء الاستمرار.

فرانسوا: لكن سيلفي الأمر ليس في يدنا .

سيلفي : لم لا . الطب يتقدم . دكتور أهارون يقول إن كل يوم يأتينا باختراع أو اكتشاف جديد. لماذا تريدني أن افقد الأمل؟

فرانسوا: لأنه لا أمل سيلفي. أرجوك سيلفي . يكفي يجب أن تفهمي أن الأمومة أمر لا يمكنك الحصول عليه إلا بالتبني.

سيلفي : لن أخدع نفسي بأمومة كاذبة. أريده أن ينمو في داخلي. أن يراه قلبي وتدثره أحشائي. أرجوك فرانسوا.. هذه المرة فقط، ولن اطلب منك بعدها إجراء أية فحوص. ألا تعرف  أن رغبتي بالحصول على طفل يربطني به حبل سري من لحم ودم تجعلني أتجرع الحسرة في كل مرة استقبل فيها وليدا لأم أخرى؟

فرانسوا : اعرف. ولهذا فأنا أحس كم هو مؤلم بالنسبة لك أن تعملي ممرضة في قسم الولادة .

سيلفي : كل خلية في جسدي تتوق للأمومة. أحيانا يدفعني هذا الشعور لعمل أشياء مضحكة اخجل منها.

فرانسوا : مثل ماذا؟

سيلفي : صديقنا دكتور موشيه كان مناوبا  قبل أيام  و ضبطني وأنا .. وأنا ..

فرنسوا : أنت ماذا. ماذا فعلت؟

سيلفي (تخفض رأسها بألم وحزن) لا شيء. كان أمرا سخيفا ومضحكا. ( جانبيا ) ولكنه ترك لدي إحساسا عارما بالتلاشي يحاصر كياني ووجودي).

 

 

المشهد الثاني

(عودة إلى الماضي)

( غرفة ولادة فيها سرير وأجهزة إنعاش . سيلفي وحدها في الغرفة تسير في الغرفة تقلد الحامل في حركتها تسند ظهرها إلى يدها رافعة بطنها إلى أعلى وهي تتأوه مفتعلة الألم. يدخل دكتور موشيه وهي على هذا الحال .  تضع يدها على فمها خجلا. تحاول أن تقول شيئا. لكنها تصمت وتنزل الدموع من عينيها بغزارة)

د.موشيه: ( مقتربا منها بخطوات سريعة محاولا التهدئة من روعها) لا باس سيلفي. لا بأس.

سيلفي: ( ترفع رأسها بيأس) دكتور أهارون قال إنني الفحوص تدل على ضعف في الرحم ولكنه لم يقطع بشيء. أجريت فحوصا أخرى متقدمة اكثر وانتظر النتيجة.

د.موشيه: لا تصدقيه. إنها مماطلة أطباء.

سيلفي: لقد تركت بلادي خلفي. ركلت ذكرياتي. مزقت ما تبقى من خيوط تدفعني للتردد. أتيت إلى هنا لأصنع عالمي الجميل الذي من حقي وحدي أن ألونه. موشيه. ما المرأة دون أمومة.  أليست الأمومة مبررا لوجودها وعنوانا لمعنى أن تكون امرأة؟ أليست الأمومة شيئا تحتاج المرأة أن تكون امرأة فقط لتفعله. لماذا اخفق وحدي ؟ ولماذا افقد مبرر وجودي ؟

( تمسح دموعها . تسحب نفسا وترفع ذقنها إلى الأعلى محاولة أن تبدو متماسكة)

         ليت فرانسوا يستمع لي ويعود إلى فرنسا؟ ولكني لن أغادرها دون فرانسوا. إما أن نرحل معا أو نبقى معا.

د.موشيه: وتتركين إسرائيل؟

سيلفي: لقد خدعتني أمي حين أقنعتني بالحضور إلى هنا. لقد أتيت لأصنع مستقبلا جميلا لأبنائي وأسرة كبيرة استمتع بدفئها. لا حياة هنا. لا أمن . لا مستقبل. لا أطفال ألدهم. أنا هنا أذوي. أضمحل. أجف.

د.موشيه( باستهتار وهو يدور في الغرفة باحثا عن شيء): ما هذا الهذيان؟

سيلفي: لقد سئمت انتظار الأيام الآمنة، ما الذي يدفعني لتحمل كل هذا الخوف. في باريس أستطيع أن أحيا أوهامي دون قلق أستطيع أن أتجول بخطوات واثقة ولن تثير مخاوفي الأصوات.

( تلقي برأسها على صدره مطلقة العنان لدموعها)

         أنت صديقنا موشيه. وتعرف أي حلم تحطم في عيوننا. لقد علمتُ فرانسوا كيف يحب الأطفال. آثرت فيه ضحكاتهم وزرعت في عيونه وهج عيونهم. صار مثلي مفتونا بهم وبالأبوة التي دفعته لتقبلها. صارت حلما يطالبني بتحقيقه.

د.موشيه: أنا لا أرى أية مشكلة. ألم ينصحك دكتور أهارون بتبني طفل؟

سيلفي: وكيف اقنع صدري أن يدر الحليب له؟ كيف اقنع نبضات قلبي أن تتسارع هلعا لبكائه؟ كيف اقنع دمي انه يجري في عروقه وهو دم غريب؟ كيف أرى ملامحي .. ملامح فرانسوا .. ملامح  أمي  .. ملامح  أبى فيه؟ أليس هذا ما تعنيه السلالة موشيه.

د.موشيه: المهم أن تحصلي على الإحساس برعاية طفل يحتاجك. طفل يكبر في هذه البلاد.

سيلفي: أنا اعرف . هذه البلاد ملعونة سرقت مني حلمي وجففت رحمي.

د.موشيه: ( بنفاذ صبر وقد بدأ يفقد القدرة على تحمل مزاجها السيئ): سيلفي لقد أصبحت لا تطاقين . صرت حديث القسم كله.  لقد سمعت بنفسي عددا من الممرضين يلقون بالنكات.

سيلفي: اعرف موشيه انهم يحاولون استفزازي وأنا ابتلع سخريتهم بصمت محاولة التركيز على عملي وإتقانه في الوقت الذي يشدني الحنين إلى باريس حيث ترعرعت وتعلمت أول الكلمات. لو كنت هناك لربما كان رحمي يانعا وتحقق حلمي.

د.موشيه: يمكن لحلمنا الكبير أن ينسيك حلمك الشخصي ويمنحك لذة الإنجاز. إسرائيل العظيمة هي طفلك سيلفي. حافظي عليه . امنحيه حبك ليمنحك الأمن الذي تتحدثين عنه وكما جعلنا الذين احتقرونا تحت أقدامنا. يمكننا أن نسحق الفلسطينيين والعرب. ونبني الهيكل. الهيكل سيلفي. نبوءة مجد إسرائيل. الحلم الذي يمكنه أن يعوضك ويجعلك أما لدولة تظل في نظر كل يهودي ويهودية طفلة تحتاج إلى رعاية.

سيلفي: هنا موت. أطفال مسخنا طفولتهم فتلثموا وقذفونا بالحجارة كأننا زناة على ارض طاهرة. هنا موت . هنا رعب ينسل كيد عملاقة تضطرك إلى القبوع كالجرذ داخل بيتك خوفا من انتحاريين في مقهى أو مطعم أو شاليه . كل شيء صار مرشحا لأن ينفجر في وجهنا. هنا موت ورعب موشيه.

د.موشيه: هنا أورشليم. هنا صهيون. هنا ارض الأجداد.

سيلفي: هنا شعب آخر. نساء وأطفال وارض يحرثونها عاشوا فيها قبل أن نعرف اسمنا كيهود. أورشليم  يسمونها القدس .

د.موشيه ( بصدمة): هل أنت يهودية؟

سيلفي: ( تجيب وهي تتجه نحو الباب بغضب) ليس لي دين موشيه. طوال حياتي لم اعبد سوى نفسي ورغم ذلك لم أجد ما يميزني عن أي واحد منكم.

د.موشيه: ( يلقي بنفسه على الأريكة ويبتسم ويهز رأسه بيأس) أتمنى أن تحملي بمسخ سيلفي ويتزوجك حين يكبر( يحس باستفزاز فيرفع صوته صارخا) ليست إسرائيل التي حرمتك الطفل.

سيلفي: بغضب وهي تعطيه ظهرها وتخرج من الباب: ولكنها حرمتني الإحساس بالأمان والأمن.

د.موشيه: سأوصي بمنحك  إجازة لعدة أيام.

سيلفي: ( من بعيد ) بل امنحها لسارة زوجتك. ستكون فرصة رائعة لاجتماعكما.

 

المشهد الثالث

(الوقت الحاضر)

( غرفة المعيشة . فرنسوا أمام الموقد يحاول إشعاله. سيلفي تجلس على كرسي هزاز قرب الموقد)

فرنسوا : موشيه حدثني بما حدث في غرفة الولادة. وهو قلق من بعض الكلمات التي تنزلق عن لسانك سيلفي. هنا في إسرائيل كل اليهود بحاجة لان يشعروا بأنهم كتلة واحدة . مصيرنا مرتبط بالبقاء  هنا وترسيخ كياننا إلى الأبد. لم يحصل أبدا في التاريخ أن كان لنا كيان نمارس فيه حبنا وكرهنا وإنسانيتنا وحتى حيوانيتنا إلا في إسرائيل. أتفهمين ما اعني سيلفي . نحن هنا يهود أحرار. في أماكن أخرى نحن يهود زائد شيئا آخر وناقص حرية. هنا نحن من يقرر وحدنا هناك خارج إسرائيل نقرر ولكن يجب أن يقبلوا . يتعين هناك أن نقوم بحركات التفافية حتى نحقق ما نريد. هنا لا توجد حركات من هذا النوع نحن أحرار في إسرائيل لأننا يهود. فقط يهود.

سيلفي: أحرار ومحتلون. أنا لا افهم كيف يجمع الإنسان في ذهنه بين  تمسكه بحريته وحبه لها وبين تمسكه باستعباد الآخرين وإنكار الحرية عليهم.

فرانسوا: هم أحرار أيضا ولكن حين تكون الأرض أرضهم . ولكن الأرض أرضنا. هل أجبرناهم على البقاء في إسرائيل؟ لديهم كل الدول العربية . لغتهم واحدة . دينهم واحد ومستوى الحضارة واحد انهم يشتركون في كل شيء. فلم لا يذهبون. نحن نرفض أن يكونوا أحرارا على أرضنا تماما كما رفض الأوربيون حريتنا على أرضهم . الأمر بسيط سيلفي فلا داعي للفلسفة.

سيلفي : فرانسوا أرجوك لا تجبرني على الضحك. أنا وأنت هنا منذ مدة ليست بالقصيرة لفهم ما يجري في إسرائيل. الحرية التي تتحدث عنها ليست متاحة للجميع, هل ستقنعني أن يهودي الفلاشة يتمتع بنفس حقوقك أنت يا فرانسوا الأوروبي؟ لا حبيبي فرنسوا. ثم لو افترضنا جدلا أن الحرية المطلقة موجودة في إسرائيل فهل توجد عدالة مطلقة هنا؟ هل من العدل أن يسيطر على حياتنا وأمننا وعقلنا حفنة من المستوطنين الذين يلهبون الحقد في صدور الفلسطينيين ليفجروا أنفسهم في تل أبيب. كم مستوطنه حدثت بها أعمال انتحارية؟

فرانسوا : ولا مرة . ليس من السهل عليهم دخول المستوطنات.

سيلفي : لأنها قلاع  فرانسوا. في إسرائيل يحمون المستوطنات ويتركوننا نحن لنقتل ونموت. أي عدل هذا فرنسوا وأية حرية . حرية الراباي ( الحاخام) في الأمر بقتل من يحاول أن يمد يده للسلام؟

فرانسوا : سيلفي لو لم تكوني زوجتي لقلت إنك عربية. أنت تتحدثين مثلهم.

سيلفي ( تنفخ بنفاذ صبر): كل من يتكلم بصوت العقل في إسرائيل يعتبر عربي أو خائن أو مرتد.أما من يحترف القتل ولا لغة لديه غير لغة القصف بالطائرات وارتكاب المذابح التي تفرخ الحقد والرغبة في الانتقام فهو الجدير بالاستماع إليه.

فرانسوا : نحن ندافع عن أنفسنا ودولتنا. نحن في وسط معاد لا يفهمن ولا نفهمه.

 سيلفي : ما الذي أتى بنا إليه إذن. لماذا لم نبق في أوطاننا هناك عشنا آلاف السنين. هناك جذورنا في أوروبا. قيمنا واحدة ثقافتنا واحدة. لماذا سمحنا لأنفسنا أن نركض وراء أسطورة كاذبة.

فرانسوا: أية أسطورة؟

سيلفي : إن الرب وعدنا بهذه الأرض. إن كان حقنا وعدنا بشيء فبالهلاك والدمار لأننا أسانا الفهم فرانسوا. أوه كم أتوق إلى الرحيل . كم أتوق إلى باريس. باريس الجميلة حيث الأطفال يولدون ويكبرون ويلعبون ويعيشون طفولتهم كلها ويسبغون على الكبار بعضا منها. أما هنا أطفال يسكنون الشوارع أيديهم تجمدت على حجارة كأنهم معها على وعد . يرمون أنفسهم أمام رصاصنا كأنهم يستقبلون خرطوم ماء بارد في حر الظهيرة. فرنسوا لا يمكن أن يختاروا الموت دون مبرر. هؤلاء الصغار يثيرون حيرتي وخوفي ! يزداد اقتناعي كل يوم بأنها بلادهم .. أرضهم . ليست ارضي . أحس أن الأرض هنا تحثني على الرحيل. وما يفعلونه ما هو إلا قرار جماعي تشاركهم الأرض به بطردنا، لن تتوقف حجارتهم صدقني.

فرانسوا: لا تخافي لن يكون بمقدورهم طردنا. لدينا من السلاح ما يكفي لإبادتهم.

سيلفي بسخرية وهي تعدل الكرسي الهزاز قرب الموقد) مرة شاهدت فيلما كانت فيه سيدة عجوز تعمل قوادة وجاءها زبون ولم تعجبه أية فتاة في الماخور فما كان منها إلا أن أعطته جارتها الأرملة الفاضلة بخديعة منها. لقد منحنا الإنكليز هذه الأرض تماما كما فعلت القوادة مع جارتها الفاضلة.

فرانسوا: سيلفي ماذا حدث لك؟ أنت لم تكوني هكذا أبدا.

سيلفي: ( تبكي فجأة) أنا أشفق على هؤلاء الصغار فرانسوا ،و لا أصدق الأكاذيب التي نطلقها عن أنفسنا. أنا لم أكن يهودية قط ،ولم اشعر يوما ببشاعة الصورة التي يوصف بها غير اليهود. أتيت هنا لأعمل وأبني و أسعد نفسي بكل الذين نكون أول شيء يرونه في هذه الحياة. أتيت لأكون معك.

فرانسوا: لا تقولي ذلك أمام أحد من أصدقائنا.

سيلفي : أتخافهم؟

فرانسوا: عليك أن تشفقي علينا نحن. فهؤلاء الصغار الذين تتحدثين عنهم لا يتوانون عن قتل أنفسهم إن مكنهم ذلك من قتل بعضنا. هذه الأرض لا تتسع لنا معا. على أحدنا أن يغادرها.

سيلفي: فليكن نحن. لدينا وطننا الذي ولدنا فيه وتنفسنا عبق طفولتنا في جاداته. ذكرياتنا هناك لا تزال طرية. هناك تحس انك تنتمي للمكان وهو ينتمي إليك . لا ينازعك فيه أحد. لست مضطرا أبدا أن تقول انه وطنك  الهواء يعرف والماء يعرف والسماء تعرف حتى العصافير على الشجر تعرف. أوه كم أحس بها تناديني. تفتح ذراعيها لتحضنني بعد الفراق.

فرانسوا : من؟

سيلفي : باريس فرانسوا باريس. فرانسوا تعرف أنني لن ارحل بدونك. لم لا نرحل.

فرانسوا: وحلمنا؟

سيلفي : أي حلم يمكنه أن يتحقق وسط الدم؟

فرانسوا: حبيبتي أنت متعبة. والداك ما يزالا يلقيان بظلال شخصيتيهما على أفكارك وخاصة والدك جان بيير هوشت.

 

 

المشهد الرابع

( عودة إلى الماضي في باريس)

( سيلفي في ثياب الحداد. ومعها والدتها التي  تلبس السواد أيضا تبدو في الأربعين من عمرها. تجلسان في غرفة استقبال في بيت والدها جان بيير هوشت)

مدام هوشت: سامحيني سيلفي حبيبتي . كان يجب أن آتي إلى مدرستك الداخلية بنفسي لأعلمك  بوفاة والدك.

سيلفي : تبدين متحمسة لمراعاة مشاعري.

مدام هوشت: سيلفي ما هذا الكلام . أنت ابنتي. بالطبع تهمني مشاعرك.

سيلفي : أمي أين كانت مشاعرك يوم رميتموني في مدرسة وأنا طفلة . أين كانت يوم شعرت أنني حمل زائد لن تعرفي كيف تتصرفي به. بل ربما شعرت أنني وأبي شخصين متشابهان ولهذا لم تشائي أن تجدي في شيئا يذكرك به.

مدام هوشت: والدك هو الذي أصر على الاحتفاظ.

سيلفي : حقا؟ اذكر انه قال إن عشيقك هو الذي رفض أن أعيش معكما وخيرك بينه وبيني ولما كنت قد قطعت شوطا بعيدا معه وقطعت كل الخيوط مع أبي انصعت لإرادته.

مدام هوشت: حبيبتي سيلفي لماذا نقلب صفحات دفاتر اهترأت؟ لدينا مستقبل مشرق نعمل من أجله. لقد هجرت (سمييه)  منذ مدة طويلة وذهبت أحقق حلمي في إسرائيل.

سيلفي : ماما لاتهمني أحلامك ولا مغامراتك. لقد تعلمت أن اصنع لنفسي عالما تحيطه أشواك صبار. القليل من الحب يكفيني في صحراء حياتكم. لقد تعودت أن أحيا بلا انتماء لشيء. بلا دين . وحين يشدني الحنين للانتماء اقنع نفسي بان كل إنسان عليه أن يعبد نفسه . رغباته هي تعاليم دينه وجسده هي اللغة المفهومة لكل البشر.

مدام هوشت:  لماذا تلومينني إذن حين عشت حياتي كما ارغب؟ أما تعرَّفتِ على كثير من الأصدقاء ومنحتِ بعضهم جسدك بعض الوقت؟

سيلفي:         بلى فعلت. كنت أتحسس حريتي الكاملة في فعل ما أريد ؟

مدام هوشت:   أنا وأنت لا نختلف. أنا اعرف كل شيء عنك. أنا وأنت غرقنا في الحفلات الليلية والرقص والخمر والسفر.

سيلفي :       كانت محاولة يائسة من طرفي للتخلص من أعباء الحياة اليومية بين المرضى ووصفات الدواء. كانت الروائح القذرة التي تجتاحني في بعض الأماكن التي ارتادها تجعل مواد التعقيم في المشفى الذي اعمل فيه غاية في اللطف.

مدام هوشت: فهل شعرت بان هذا ما تريدينه؟

سيلفي :   كلا ولم اشعر أن أيا من الرجال الذين طوقتني أنفاسهم يمكن أن احبه سوى فرنسوا.

مدام هوشت: أعرفه. يهودي متحمس. التقيته في جمعية الشبيبة اليهودية وسألته عنك. يبدو لي انه   يحبك كثيرا.

سيلفي : أعرف انه يحبني وأنا احبه. وقد نتزوج لولا..

مدام هوشت : لولا ماذا؟

سيلفي : انه يرغب كثيرا في أن نذهب ونعيش في إسرائيل. لا ادري .

مدام هوشت:: حبيبتي إسرائيل رائعة. إنها حلم كل يهودي.

سيلفي: ولكنني لا أحس أنني يهودية. أنا أحس بنفسي فقط . ارقب نبضي أمام دقات الزمن وأسير كيفما تتراءى لي تلك الدقات.

مدام هوشت: إسرائيل ستمنحك معنى جديا للزمن. بناء وجهد وعمل. لا وقت للتفكير بالمشكلات الفردية إن كانت هناك مشكلات. إسرائيل تحل لك كل عقبة. ستجدين المسكن والوظيفة والحرية. ستشعرين بإنسانيتك لأنك تعملين وتبنين. العمل يبني الشخصية . يعطي معنى جديد لكينونتك خاصة وانك امرأة. إذا كان فرنسوا يريد إسرائيل وإذا كنت تحبين فرانسوا يجب أن تتزوجا "وتهبطا" إلى إسرائيل.

سيلفي: ولكننا نسمع عن حروب مع العرب وان إسرائيل تشبه معسكرا كبيرا الكل مجند

         للحرب. هل سنذهب لنحارب ونقتل ونموت؟

مدام هوشيت: هذا هراء. كانت الحرب في العشرين سنة الأولى من تأسيس إسرائيل ثم تعب

                 العرب ولم يعودوا يرغبون حتى في الحديث عن شيء سوى السلام. لا يوجد من

                 يوجد من يفكر جديا في الحرب. هناك الآن مصالح والعرب ليسوا شيئا واحدا . بلاد

                متفرقة كل بلد يسعى لتحقيق أهداف خاصة به . كل بد ينظر إلى مصلحته أولا. ثم انهم يعلمون مقدار قوتنا. ثم إن لدينا أصدقاء بينهم يحافظون على حسن الجوار منذ 

              ويقفون في وجه المتطرفين والمتشددين والمتزمتين وهؤلاء قليل ما أن يظهر أحدهم حتى يلقى به إلى السجن لحماقته وغبائهم يخرج وقد تغير. إسرائيل قوية وفي أمان. ربما كان على العرب أن يقلقوا وليس أنت يا حلوتي سيلفي.

 

 

 

المشهد الخامس

الوقت الحاضر

( غرفة الاستقبال. سيلفي وحدها ترتدي روب دي شامبر فوق ملابس النوم. بيدها فنجان قهوة ووردة . تمسك بسماعة الهاتف. تسمع نغمة مشغول فتغلقه بتأفف. تجلس على الصوفة. تمسك بيديها زهرة تتأمل بها . تشد أوراقها وتند عنها صرخة خفيفة . تركض إلى النافذة وتطل على الحديقة. وتعود لترتمي على الصوفة وتدفن رأسها بين يديها. يدخل فرانسوا ببزة عسكرية . يبدو متعبا.)

سيلفي ( دون أن تنتبه لوجوده): أهكذا تخدعني فرانسوا. تقدم لي وردة بلاستيكية مصنوعة. لماذا لم تقل لي إن ورد الحديقة وأزهارها نفذت. هل كنت سأطالبك بمزيد من الزهور والورود؟ أهذه هي فكرتك عن الحب؟ ورد ولو كان اصطناعيا؟ فهمت الآن لماذا تطالبني بتبني طفل. سيكون جميلا بالتأكيد ولكنه لن يكون حقيقيا تماما كحياتي هنا.

(تنتبه لوجوده تدير وجهها عنه)

سيلفي: غريب عدت مبكرا؟ هل تشعر بشيء ؟

فرانسوا: لا شيء . مجرد إرهاق . طلبت إجازة هذا اليوم . العمل مرهق هذه الأيام.

سيلفي : أنا أيضا لم اشعر بالرغبة بالذهاب إلى المشفى حاولت الاتصال بهم لأخذ إجازة لكن الخط كان مشغولا. فرنسوا لقد عدت أمس متأخرا ونهضت مبكرا أيضا ثم عدت مبكرا. هل هناك شيء؟

فرانسوا : لا شيء يذكر . ذهبت إلى المستشفى الذي تعملين به.

سيلفي : ( تبتسم): كنت تريد أن تراني ؟ فعلت ذلك لأنك تأخرت أمس ولم تقبلني وأنا نائمة وصحوت لأجد وردة اصطناعية؟

فرنسوا( بحرج) : كنت متعبا فنمت على الفور. وحاولت أن اجعل الأمور تستمر كما اعتدنا حتى ولو بوردة اصطناعية. سيلفي سأعتني بالحديقة وستعود أزهارها وورودها لتغرقنا بجمالها وروعتها.

سيلفي : وعود. في المرة القادمة اسألني وأنا اقرر إن كنت سأقبل أم لا .

فرنسوا (ضاحكا) : حسنا ولكن لا تقولي إنني اقلق منامك.

سيلفي: ستقلق منامي إذا لم تقل  لي لم ذهبت إلى المستشفى.

فرنسوا: من أجل امرأة.

سيلفي ( تواجهه وتصيح): من أجل امرأة. مرحى . مرحى فرانسوا. أتتعرف غيري؟

فرانسوا: سيلفي . هل يستطيع من يعرفك أن يعرف غيرك؟

سيلفي : هل يفترض في هذا أن يكون مجاملة؟ من هي ؟ يهودية فرنسية؟ أم بولندية حمراء بشرتها كجلد الخنزير؟

فرانسوا: لا فرنسية ولا بولندية. إنها عربية واسمها عائشة.

سيلفي: فرنسوا قد أكون غير سعيدة بسبب عدم القدرة على الإنجاب. قد اجن وأفكر بالرحيل. ولكنني ما زلت امرأة وإسرائيلية أيضا ولا اقبل أن تعرف امرأة عربية علي. فرانسوا إذا أنا أنجبت سيتغير كل شيء. حتى نظرتي إلى الخوف وعدم الاستقرار قد تتغير. قد أجد في بقية الأمهات هنا عزاء لي واكمل مشواري في البناء ولعمل وإسعاد الناس كما احب . عندها سأشعر بان إسرائيل بحاجة لي أيضا مثل أية أم أخرى . ولكن فرانسوا لماذا يجب أن تطعنني.

فرانسوا: سيلفي بم تخرفين؟ هل قلت إنني احب هذه المرأة وسأتركك. هل قلت أي شيء عن علاقة شخصية بيني وبينها؟ هذه المرأة اعتقلت  لان زوجها مطلوب بسبب محاولات كثيرة لقتل جنودنا في يهودا والسامرة. إنها الخيط الذي كنا نأمل أن نستدل به عليه.

سيلفي : وهل نقلتم التحقيق إلى مستشفاي؟

فرانسوا: لا بل نقلت هي إلى المستشفى في حالة خطرة؟

سيلفي: لماذا؟

فرانسوا: لم تحتمل بعض الضغط أثناء الاستجواب مع أن الأمر لم يتعد بضع صفعات وشد شعر وبعض الركلات كما يحدث عادة في أي تحقيق نجريه.

سيلفي ( بصمت من يرفض شيئا ولكنه يجده مبررا إلى حد ما): عذبتموها؟

فرانسوا: ليس تعذيبا لكنها كانت حامل.

سيلفي :حامل؟ عذبتموها وهي حامل ؟

فرانسوا( بقلق): في الشهر التاسع. سيلفي أنا لم أعذبها. كنت أسال فقط . ولكن حين قالت إنها في الشهر التاسع وان تنتظر مولودا ذكرا منه. شعرت بالغيرة الشديدة ولم أع  ما فعلت. ربما ركلتها . ربما ركلت الطفل في بطنها. لا اذكر . ربما المحقق الآخر. لا اذكر .

سيلفي( بذهول) تركل طفلا لا يزال يعوم في الماء  . يحلم بدنيا دافئة . يعد حنجرته ليصرخ الصرخة الأولى بسعادته لأنه يكتشف إن له أما انتظرته طويلا. دفعت ثمنا كبيرا كي يأتي وتراه. غادرت وطنها وجاءت إلى هنا لتحمل به وتلده وتربيه. هل مات فرانسوا؟ لمن ستكون إذن هذه "المنتيانات" ؟  لمن ستكون النونية التي اشتريتها؟  فرانسوا. هل أصابت ركلتك قلبه وأوقفت نبضه؟ ( تنفجر باكية ) فرانسوا لماذا قتلت سيلفي؟ لماذا قتلت ابني؟

فرانسوا: سيلفي ماذا دهاك.  المرأة هي عائشة وليست سيلفي. والطفل ابن إرهابي عربي وليس ابن فرانسوا. والطفل  والمرأة لم يموتا. تركتهما في المستشفى.

سيلي : لا أصدق. سأذهب إلى المستشفى بنفسي.

فرانسوا: لماذا ؟  افترضي أنها ميتة ؟ ألا تذكري ما قلته لأبيك يوم كان على فراش الموت( كلنا سنموت إن لم يكتشف عقار للموت)؟

سيلفي: موتهما يعني انك لا تؤمن بالحياة. إني ذاهبة.

 

 

 

المشهد السادس

عودة إلى الماضي

(غرفة تحقيق في أحد مراكز الشاباك. الغرفة معتمة خلا ضوء خافت يسقط على فرانسوا  وآخر ساطع على عائشة . فرانسوا جالس على كرسي ويدخن . محقق آخر يدور في الحجرة دون توقف. ضوء خافت أيضا يلاحقه في حركته. عائشة تجلس على كرسي. يتوقف المحقق الآخر خلفها)

 

فرانسوا (للمحقق الآخر): حقق أنت معها. اشعر بشيء من الإرهاق.

المحقق: أتعرفين لم أنت هنا؟

عائشة(تجيب دون أن ترفع نظراتها): لأني فلسطينية.

المحقق: ألوف الفلسطينيين في الخارج. لماذا لم نعتقلهم مثلك؟

عائشة: من قال انهم غير معتقلين؟ ماذا تسمي الاختلال؟

المحقق: اخرسي أنا من يسأل هنا.

عائشة ( غير آبهة): حسنا سأجيبك. عندما توفرون السجون الكافية ستعتقلون الجميع.

المحقق: أنت تثيرين غضبي أيتها الحمقاء. أنا سأقول لك لم أنت هنا. أنت عنا لأنك تخفين إرهابيا.

عائشة ( تنظر إلى نفسها): ولكنكم فتشتموني جيدا.

( ينظر إلى جسدها نظرة تهديد تجعلها تتجمع على نفسها)

المحقق: داخل ملابسك قد نجد شيئا آخر (يشير إلى بطنها) أنت حامل ؟ هل عرفت جنس المولود؟

( يتململ فرانسوا وينفخ دخان سيجارته بعنف)

عائشة(بتحد) : ذكر وقوي ويتعجل الخروج.

المحقق: اهو طفله ؟

عائشة ( ترفع رأسها بشموخ) : عندنا لا تحمل المرأة إلا من زوجها.

( يقف فرانسوا ويدور في الغرفة وقد بدا عليه التوتر الشديد)

المحقق: هو هوه . الشرف. هذا ما تجيدون الحديث عنه . الشرف. إن كان شرفك يهمك عليك أن تخبرينا عن مكانه. نحن اثنان. بل مئات . وأنت وحيدة. ونحن لم نعرف عربية من قبل. جدران ضخمة تفصلك عمن تعتقدين أن شواربهم ستهتز غضبا من أجلك. حتى لو خرجت لتخبري العالم بما يحدث أول شخص سيشعر بالقرف من رؤيتك هو ذلك الفأر الذي تخفينه.  لن يفهم انك أرغمت. لن يفكر إن كنت أردت ذلك أم لم تريديه. لن يهتم لو قلت له إنك ضممت فخذيك ورفست وقاومت. سيفهم شيئا واحدا : هناك من شاركه فيك. لن يرى منك سوى آثار شفاهنا ولمساتنا.

عائشة( تتمتم بكلمات وتظل صامتة)

فرانسوا( يصرخ بنفاذ صبر)  لن نحصل منها على شيء. إنها عنيدة.

المحقق: حتى لو اضطرت لقتلها سأجده.

فرانسوا: هذه الحشرة تكاد تفقدني صوابي رغم ضعفها) جانبيا ( حشرة واستطاعت أن تفعل ما لم تفعله سيلفي. ستأتي بطفل لذلك الجرذ)

المحقق: ستخبريننا بكل ما تعرفين. إن كنت تظنين إننا سنقضي الوقت بالحديث فآنت واهمة. هل شعرت بالألم يوما؟ الألم وحده سيفك عقدة لسانك. قلت إن في بطنك ذكرا قويا يتعجل الخروج؟ حسنا ربما ساعدناه الآن على ذلك. سأفتح بطنك واقطعه أمامك قبل أن ابصق على روحك وهي تخرج من جسمك .

( تظل عائشة صامتة. يشدها من شعرها. ويلفه حول كفه بكل قوته. تظل صامتة. يحدق في  وجهها طويلا. يقوم بحركة تدل على تزايد غيظه . يشد شعرها بقسوة اكثر)

المحقق يفلت شعرها بيأس ويشيح بوجهه عنها. يقترب من فرانسوا ويهمس) أيام مرهقة تنتظرنا موع مواصلة التحقيق. لدينا تعليمات  بإنهاء التحقيق خلال مدة قصيرة. يريدون نتائج سريعة. زوجها خطير ولا بد من الإمساك به قبل أن يقتل مزيدا من جنودنا. لا تنس انهم وعدونا بترقية إذا حصلنا على معلومات. الترقية تعنيني كثيرا لأنني في تلك الحالة سأنتقل لعمليات خارجية  مع الموساد بعيدا عن هذا العمل القذر.

 ( يعود إليها . تواجهه بنظرات ثابتة لا خوف فيها. يبصق على وجهها)

المحقق: يركلها : تكلمي يا بنت الكلب. أين زوجك. أين زوجك. أين زوجك؟

( يتحرك رأسها مع الركلات يمينا ويسار.تضم قسمات وجهها وتعتصرها ألما. تنحي برأسها إلى الأمام . تفتح فمها لتقول شيئا. لكنها تميل وتسقط على الأرض

فرانسوا( باحتقار): هل ماتت.

المحقق( يرفعها من كتفيها ويجلسها على الكرسي): أغمى عليها فقط. ربما هي تدعي الإغماء؟

فرانسوا: تبدو لي الأوامر واضحة. لا يريدوننا أن نؤذيها.

المحقق: ولكنهم أرادوا نتيجة سريعة. وهم يقولون افعلوا ما هو مناسب لاستخلاص المعلومات. نحن القوة الحقيقية هنا.

فرانسوا: لو كنا القوة الحقيقية لفعلنا ما نريد. و أنا أريد ما في بطنها؛ ذاك الذكر القوي المتعطش للخروج.

( تفتح عائشة عينيها بتكاسل ، تحاول النظر حولها لكنها تغمضهما ثانية و تئن. تتلمس بطنها بيد مرتعشة ثم تسحب نفسا من الهواء عميقا وتحاول أن تنهض فيمسك بها المحقق ويرفعها بعنف انطلقت على إثره صرخة منها.)

عائشة: ستقتلني أيها الجبان. أنا في الشهر التاسع.

المحقق( يدور حولها): لا بد أن الغفوة القصيرة جعلتك تلتقين بطيف زوجك. ولابد أن طيفه أخبرك بان عليك أن تعطينا المعلومات التي لديك.

عائشة( ما دمت تعرف أن طيفه زارني فلم لم تعتقله؟

المحقق: ( بغيظ) : أيتها الساقطة)

          ( ينهال عليها ضربا . تحاول أن تتفاداه بيديها لكنه كان يتعمد إيذاءها. يركل بطنها.)

فرانسوا يتجه إلى ركن القاعة ويتحدث جانبيا ): سيلفي غير راضية. وتحاول إقناعي بالرحيل وأنا لن ارحل. وهي لن ترحل بدوني. أنا وهي ارتبطنا ولا فكاك. هي الحياة لي هنا بكل ما تعني من دفء ومرح ومستقبل . وأنا الحماية والضمان ببقاء المستقبل الآمن. لكن سيلفي لا تشعر بالاستقرار لأنها لم تحمل. سيلفي تظن أن وضعنا هنا انعكس على حالتها الصحية وجعلها عاقر.. الفلسطينيون يتكاثرون دون عناء. ومع كل مولود تزداد مشكلاتنا. لماذا يحق لهذه المرأة أن تحمل؟ لماذا يكون ذاك المطارد أبا وأنا لا أستطيع. سيلفي اعرف انك لن ترحلي بدوني. ولكن الرحيل ليس حلا. الحل هو أن نتخلص من سبب مشكلاتنا.)

عائشة( تئن وتصرخ): سيموت طفلي إن لم ترسلوني إلى المشفى.

المحقق: لن نتركك تموتين. كلمة واحدة عن مكانه قبل فوات الأوان. دلينا على مكانه . هيا لننقلك سريعا بعدها إلى المشفى. ألا تفكرين بسلامتك وسلامة الطفل.

عائشة: قلت لا ادري أين هو. المطارد لا يملك عنوانا ليعطيه.

المحقق: أنت تموتين. طفلك يلفظ الأنفاس. قولي شيئا يقنعني لتعيشا. هيا . هيا.

عائشة( من بين أسنانها): أيها اليهودي الخنزير. 0 تصرخ بقوة ألم): إنني انزف

( فرانسوا يتقدم .)

فرانسوا: يكفي ذلك. لننقلها إلى المشفى زوجتي هناك ستساعدها.

المحقق: لماذا هل أشفقت عليها؟

فرانسوا: لا ولكن لا يجب أن نتورط في موتها.

المحقق: لن تموت. إنها قوية . يمكننا أن ننتظر لعلها تتكلم.

( تصرخ عائشة وتقع على الأرض . تغرق بدمها. يدي فرانسوا ظهره)

فرانسوا: اللعنة على كل شيء. لننقلها يا رجل.

( يقترب المحقق منها . يمد قدمه إلى بطنها. تمسك بها وتدفعه . يسقط على الدم . يغطي الدم وجهه. ينهض بسرعة . يصفعها . تبصق في وجهه.

عائشة ( تصرخ ووجهها إلى السماء) : حسبي الله. حسبي الله

( يركض المحقق إلى الطاولة. يستخرج من أحد أدراجها سكينا . يهجم عليها ويطعنها ويشق بطنها . تضاء القاعة إضاءة كاملة على جسد عائشة الملقى على الأرض . والمحقق يخرج الجنين.)

المحقق: ا قد أخرجته أيتها الساقطة. لنر ما سيفعل

فرانسوا ( يحمل الجنين.يصرخ) : انه حقا ذكر. يا الهي كم ينجبون. ينجبون ليحاربوننا. ذاك الفار ينجب ذكرا وأنا لا أستطيع أن انجب فارا. كيف نحيا ونحن نذوي ونجف؟( يتناول السكين ويقطع عضو ذكورة الطفل) ربما أنت أيضا يجب أن تذوي وتجف. حتى حديقة منزلي جفت وتركتني لوردة اصطناعية.  هل تفوق عليّ أبوك ؟ لا.  لن تنفعه أنت ولا كل الأطفال.( يلقي به أرضا)

يقترب المحقق منه. يضع يده على كتفه. ينظر إليه فرانسوا ثم يضع وجهه بين يديه ويبكي)

المحقق: لا تخف فرانسوا. يجب أن ننسق كلماتنا. سنقول إننا تركناها لبعض الوقت لتفكر فتناولت سكين تقطيع الورق وحين دخلنا حاولت مهاجتمك وقتلك فانتزعنا منها السكين . كان دفاعا عن النفس. وسنلقي الجنين في كيس قمامة. وسنمسح آثار كل شيء. وهكذا سينتهي كل شيء.

( يبدآن في مسح الدم ويحضر المحقق الكيس ويفتحه)

المحقق: فرانسوا ضع الجنين فيه.

( فرانسوا ينتفض ويهز رأسه رافضا ويبتعد. يمسك المحقق بالجنين ويرميه داخل الكيس. يتصل فرانسوا . يدخل ممرضان . يضعان جسد عائشة على نقالة ويخرجان).

 

 

المشهد السابع

الحاضر

(مقبرة. حول قبر عائشة  يقف شيخ عجوز وزوجته بملابس فلسطينية ريفية وحولهما عدد من الجنود. تقترب سيلفي ومعها فرانسوا. تضع إكليلا من الزهور على قبر عائشة. يمد يده ليعدل من وضع الإكليل تزيح يده . يقفان قليلا ثم ينسحبان. بعيدا. )

 

بيت فرانسوا وسيلفي. تقف سيلفي في وسط القاعة وبيدها حقيبة ملابس. يقترب فرانسوا منها ويمسك بيدها)

فرانسوا: سيلفي؟ هل ستتريكنني؟

سيلفي: سأترك هذه البلاد جميعها.

فرانسوا: وأنا؟

سيلفي: أنت؟

فرانسوا: نعم أنا. فرانسوا زوجك. هل سترحلين وأبقى هنا؟

سيلفي : طلبت منك أن نرحل فيما مضى.

فرانسوا: لم استطع يومها ولا أستطيع الآن.

سيلفي: أنا لا اطلب منك الرحيل الآن.

فرانسوا: ولكنك قلت انك لن ترحلي بدوني.

سيلفي: حين كنت فرانسوا كنت سيلفي.

فرانسوا: وأنا فرانسوا وأنت سيلفي.

سيلفي: لا لست فرانسوا. انظر إلى يديك. ألا ترى آثار دماء عليهما. بقايا لصرخة طفل مكتومة. ضراعة أم حملت جنينها تسعة اشهر وتمنته ليالي الشتاء الباردة ليتبادلا بعض الدفء. فرانسوا الذي جئت معه منذ سنين وعدني بورود وأزهار وحب واستقرار وصداقة مع كل الناس. أما أنت فلم تعطني سوى الموت والخوف والفزع. لست فرانسوا.

فرانسوا : انتظري قليلا. سأعد حقيبة ملابسي أيضا وسنهاجر. نعم . نعم. سيلفي أنت حبيبتي وعمري . أنت الحياة بالنسبة لي . أنت أهم عندي من كل شيء. سنرحل معا سيلفي. انتظريني( يتحرك باتجاه غرفة النوم)

سيلفي: لست سيلفي. ولن ارحل معك. لن أعيش مع قاتل بعد اليوم.( تخرج من المغلف ورقة وتلقي بها إليه) وهذه نتائج آخر الفحوص أرسلها لي الدكتور أهارون. رحمي ليس جافا أستطيع أن انجب . أنت الذي لم تمنحني الطفل . وداعا يا من كنت فرانسوا. وداعا يا من كنت الحلم بالحب والسلام. الأرض التي لا تمنحك الاستقرار من تلقاء نفسها ليست أرضك ولن تكون. الرحيل هو الحل ( تحمل حقيبتها وتخرج)

ستار