ثمن المسجد الأقصى

أو صفحة من حياة القائد مصطفى السباعي

بقلم : محمد الحسناوي

المشهد الأول

( المكان : المركز العام للحركة الإسلامية – حي الشهداء في دمشق . الزمان : مساء يوم ثلاثاء من صيف عام 1954م . يظهر جانب من باحة المركز : في صدر المجلس منضدة وكرسي ، وراءهما صف من الكراسي يجلس عليها كل من المراقب العام للحركة الدكتور مصطفى السباعي في الأربعين من عمره ، يعتمر "سيدارة" باكستانية على رأسه ، وحلة من سترة وبنطال زرقاوين ، وشيخ  ذو ملامح  هندية ، وشاب في الثلاثين هو عريف الحفلة . وأمامهم يظهر طرف من جمهور الحاضرين ، معظمهم من الشباب الجامعي والحلقة الثانوية وبعض الشيوخ المعممين .)

عريف الحفلة : بسم الله الرحمن الرحيم . أيها الإخوة الكرام . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

نفتتح لقاءنا المبارك بتلاوة من الذكر الحكيم ، يرتلها علينا الأخ عادل لبابيــدي.

عادل : ( وهو رجل في الأربعين ، متوسط الطول . شعره كله أبيض من غير شيب ، أبيــض البشرة ، يلبس لباساً صيفياً : قميصاً أبيض وبنطالاً رمادياً ) .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ( سبحان الذي أسرى بِعبدهِ ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلــى المسجدِ الأقصى الذي باركنا حوله ، لِنُرٍيَهُ من آياتِنا . إنه هوَ السميعُ البصير . وآتينا موسى الكتابَ ، وجعلناهُ هدىً لبني إسرائيل ألاَ تتخذوا من دوني وكيلاً . ذريةَ من حملنا مع نوحٍ ، إنهُ كانَ عبداً شَكوراً . وقضينا إلى بني إسرائيلَ في الكتابِ ، لَتُفسدُنَّ في الأرضِ مرَّتَيْـنِ ،وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كبيراً . فإذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا ، أُولي بأسٍ شديدٍ ، فجاسُوا خِلالَ الديارِ ، وكانَ وعداً مَفعولاً . ثمَّ رددنا لكم عليهم الكرَّةَ ، وأمددناكم بِأموالٍ وبنيـنَ ، وجعلناكم أكثرَ نفِيراً . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسِكم ، وإن أسأتم فَلَها . فإذا جاءَ وعدُ الآخـرةِ لِيَسُوءوا وجوهَكم ، ولِيَدخلوا المسجدَ ، كما دخلوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، ولِيُتًبِّروا ما علَوا تَتبيــراً . عسى ربُّكم أن يَرحَمَكم . وإن عُدتم عُدنا ، وجعلنا جهنَّم للكافرِينَ حصِيراً . ) صدقَ الـلهُ العظيم. الفاتحة .

العريف : أيها الحفل الكريم . برنامجُنا لهذا اليوم : كلمة للأخ المراقب العام حول مؤتمر بحمدون ، ثم كلمة لضيفنا الهندي الشيخ عبدالله السرهندي ، الذي نرحب به بالمناسبة ، باسمكــم جميعاً . الآن يتفضل الأخ الدكتور أبو حسان ، ليلقي كلمته .

شاب : ( يهتف بصوت عالٍ ) الله أكبر ولله الحمد .

الجمهور: الله أكبر ولله الحمد .

السباعي : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسله ، وعلى دعاة الحق والخير إلى يوم الدين . أيهـا

الحفل الكريم . أيها الإخوة الأحبة . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :

الجمهور: وعليكم السلام ، ورحمة الله وبركاته .

السباعي : إن (المؤتمر الإسلامي المسيحي ) الذي انعقد الأسبوع الماضي في بحمدون بلبنان ، قد كتبت عنه الصحف ، وتحدثت عنه وكالات الأنباء بما فيه الكفاية ، لذلك لن أعيد على أسماعكم تفاصيله ، لاسيما نص كلمتي التي رأت الوفود أن تُلزم القائمين على المؤتمر بأن يفسحوا المجال لها ، لأن الكلمة التي أُلقيت باسم الإسلام عن( الإسلام والشيوعية )غير معبرة عن وفود العلماء المسلمين الذين حضروا من أنحاء الأقطار العربية والإسلامية ، مثل باكستان وإيران وتركية ، مع العلم أن الداعين للمؤتمر هم ( جمعيـة أصدقاء الشرق الأوسط) التي نتحفظ عليها وعلى أنشطتها، وما لبينا الدعوة إلا للدفـاع عن الإسلام وقضايا المسلمين . كان ظاهر المؤتمر محاربة الشيوعية ، وباطنه الالتفاف على قضايا العرب والمسلمين ، ولا سيما قضية فلسطين .

الشاب : ( يهتف بصوت عالٍ ) الله أكبر والقدس لنا .

الجمهور: الله أكبر والقدس لنا .

السباعي : لقد قلت لهم فيما قلت : ألا إن ذهب (ترومان) و(أتلي) لو صُبَّ علينا صبَاً لن يحول دون انتشار الشيوعية ، ما دامت الجماهير في هذه الحالة المحزنة ، كما أن استعمال العنـف والقوة في مقاومة الشيوعية لن يزيدها إلا شدة ، وما على الذين يخافون منها إن كانــوا يَغارون على مصلحة شعوبهم إلا أن يعملوا على رفع مستواها ، والقضاء على شكواها ،وتحطيم قيود العبودية عن أفكارها وآرائها وأجسامها وبطونها .وأما الشيوعية كغزوٍ استعماريٍّ ، فنحن لنا من دمائنا من آيات الكرامة ما يجعلنا نقف في وجه كل اعتداء وغزوٍ أمام أية قوة مهما عظمت ، ولكنا نسأل هؤلاء الذين يخوفوننـــا بالغزو الروسي : لماذا لم يعملوا على جلاء القوى الاستعمارية عن أوطاننا وبلادنــا إذا كانوا يكرهون الغزو الأجنبي .

شاب: ( يهتف) الله أكبر ولله الحمد .

الجمهور: الله أكبر ولله الحمد .

السباعي : إننا نعلن بكل وضوح أن علاقاتنا مع الدول الكبرى يجب أن تكون على قدم المساواة ، لا أن نفضل دولة على أخرى ، وإذا أردنا أن نعطي فنأخذ أكثر منه ، وإذا أردنا أن نتعاون، فلنكن متعاونين مع الجهة التي تُخلص في صداقتنا، وتتمنى لنا خير بلادنا . فإذا لم تكـن هناك دولة من تلك الدول الكبرى ، تريد لنا الخير ، فلنكن حذرين من غدر الذئاب وتزاحم اللصوص . أما أن ننحاز إلى ذئب دون ذئب ، ونحن كالحمل الوديع ، فليس معناه إلا أن نكون طعمة سائغة لمن اعتادوا أكل الحملان الوادعة المسالمة . 

الشاب : ( يهتف ) دعوتنا إسلامية ، لا شرقية ولا غربية .

الجمهور: دعوتنا إسلامية ، لا شرقية ولا غربية .

السباعي : نرحب بضيفنا الشيخ عبد الله السرهندي ، الذي قدم إلينا حاملاً معه رسالة من أخينــا الحبيب الأستاذ أبي الحسن الندوي ، أطال الله عمره ، وجعله ذخرأً للإسلام والمسلمين في شبه القارة الهندية ، ونفع بعلمه وورعه المسلمين أجمعين . وبالمناسبة أوصـــي الإخوان جميعاً ، بإكرام ضيفنا ، وتسهيل زيارته العلمية لبلاد الشام ، وهي مناسبــة لتتعرفوا منه على أحوال إخوانكم المسلمين في الهند ، ولكي تعرفوه على قضايانا أيضاً.

الشاب : ( يهتف ) الهند لنا ، والعرب لنا .

الجمهور: الهند لنا ، والعرب لنا .

الشاب: أضحى الإسلام لنا ديناً .

الجمهور: أضحى الإسلام لنا ديناً .

الشاب : وجميعُ الأرض لنا وطنا .

الجمهور : وجميع الأرض لنا وطنا .

الشاب : الله أكبر ولله الحمد .

الجمهور : الله أكبر ولله الحمد .

السرهندي: ( شيخ فوق الخمسين بملامح هندية ، وزيّ هندي ، أسمر البشرة ، نحيف الجسم ، لحيته سوداء ، يتكلم بلكنة هندية ، ولغة عربية فصيحة ، بشيء من البطء )

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين . أحييكم بتحية الإسلام ، فالسلام عليكم ورحمة اللــه وبركاته .

الجمهور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

السرهندي: أيها الحفل الكريم . أحمل لكم تحيات إخوانكم في شبه القارة الهندية ، وعلى رأسهـــم فضيلة شيخنا الأستاذ أبي الحسن الندوي ، وأحبّ أن أُطمئنكم إلى أن أحوال المسلميــن هناك في تحسن مستمر ، برغم المضايقات الطائفية ، فجامعة ( عليكرة ) الإسلاميـة  ، يتخرج منها العلماء  ، ومدينة ( لكهنؤ ) عامرة بالمدارس الشرعية ، وهناك جمعيــات إسلامية أسست من أجل جمع كلمة المسلمين في الهند ، وتوحيد مواقفهم السياسية فــي الانتخابات ، وفي الدفاع عن حقوق المسلمين في كل ميدان . كما أحيطكـم علماً بــأن المسلمين في الهند يعيشون معكم في قضايا فلسطين والجزائر .

الشاب : الله أكبر ولله الحمد .

الجمهور : الله أكبر ولله الحمد .

السرهندي : أما عن شخصي الضعيف ، فأنا مهتم بدراسات الحديث الشريف ، وأحقق المخطوطات المتعلقة بهذا العلم  الذي تخرجت فيه. وفي دمشق هذه المدينة الجميلة الشريفة من بلاد   الشام توجد ( المكتبة الظاهرية ) ، وهي أغنى مكتبة في العالم بمخطوطات الحديــث .وأنا منذ الصغر أحلم بزيارة بلاد الشام ، التي أوصى رسولنا الكريم باللجوء إليها في آخر الزمن أو الفتن ، لأنها ظئر الإسلام . كم فيها من مواقع إسلامية تاريخية ، وكم دفن فيها من الصحابة الكرام ، رضي الله عنهم ، وأرضاهم . ولعلكم تعلمون ، أن هذا الحي يسمى  حيَّ الشهداء ، لأنه يضم عدداً من قبور الصحابة الشهداء ، وهذا المقام يقع مقابل هــذا المبنى الذي نتحدث فيه مباشرة . فما أسعدنا بقربهم ، وبذكراهم ، رضي الله عنهــــم وأرضاهم .

الشاب: ( يهتف ) الرسول زعيمنا .

الجمهور: الرسول زعيمنا .

الشاب : ( يهتف ) صلى الله على محمد ، صلى الله عليه وسلم .

الجمهور : صلى الله على محمد ، صلى الله عليه وسلم .

                   

المشهد الثاني

( المكان : دار عربية في مدينة حلب . المناسبة : حفلة زفاف . الزمان : مساء يوم خميس صيفاً .

فناء الدار ينقسم إلى إيوان يجلس في صدره كبار المدعوين والعريس والمنشدون والشيخ عبد الله السرهندي ، والقسم الثاني باحة واسعة فيها عرائش العنب والياسمين وبعض أشجار البرتقال ، وجمهور حاشد من المدعوين شباباً وكهولاً . وبين الحين والآخر ينهض شابان بلباس تقليدي : شملة ذهبية على الرأس وزنار عريض على وسط البدن ، وكل من القميص والسروال البنيين مزينان بنقوش ذهبية ، ويحمل كل منهما سيفاً وترساً ، ليلعبا على صوت النشيد ( لعبة الحكم ) حيث يتواجهان بسيفيهما بين حين وآخر، فيتدخل شخص ثالث يفصل بينهما ، ليستأنفا الكرة مرة بعد مرة . بعض الشباب يسعون بالقهوة المُرَّة وبكؤوس الماء والشراب ) .

المنشد : (والمنشدون يرددون معه) 

يا حـافظَ القــرآنِ           بوركتَ من إنســـانِ

مُهَـذَّبَ اللِســـانِ           بِأَطيـبِ المعانــــي

           

شَرُفـتَ بِالإفضـالِ            يا حـافظَ (الأنفــالِ )

جمعـتَ كلَّ غــالِ           والـدُرَّ والــــلآلي

شاب: ( يهتف فيتبعه لفيف من الجمهور بهتاف الزفاف المعهود) صلُّوا على محمد . زين .. زيـن. مكحول العين . واللي يعادينا . .. الله عليه .

الشاب : باسم الأخ العريس ، وباسم المدعوين ..نرجو أستاذنا الشيخ عبد الفتاح أن يلقي كلمـــة بهذه المناسبة الجميلة .

الشيخ عبد الفتاح : بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله إمــام المجاهدين ، وعلى آله وصحبه أجمعين . إنها لمناسبة مباركة أن نبتهج بزفاف أخٍ لنا الشاب محمد عادل ، وهو ابتهاج مضاعف لأن أخانا العريس قد فاز أيضاً بالشهــادة الثانوية على الرغم من عمله في النهار ، وذلك في مدارس الحركة الإسلامية الليلية ، وفوق ذلك وفقه الله تعالى إلى استكمال حفظ القرآن الكريم . أيّ نوع وأيّ إنسان هـذا الذي قبلت منه عروسه مهرها بما يحفظ من القرآن الكريم ؟ لا نعجب إذا علمنا أنــه هو ابن المجاهد الشيخ عادل المقدسي ، الذي كان دليلاً لكتيبة الحركة الإسلامية فــي معارك القدس الشريف ، وحماية المسجد الأقصى حتى استشهد بجوار الحرم هو وعدد من إخواننا مجاهدي الحركة الإسلامية الذين كان يقودهم أخونا المراقب العام مصطفى السباعي . إن أخانا محمد عادل شاب نشأ في طاعة الله ، وهو يعدُّ نفسه من العائديـن وليس من اللاجئين . فهنيئاً لأخينا زفافه ونجاحه في الدراسة  ، كما نهنيء الأخــت عروسه ، وهي إحدى الناشطات في ميدان الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ . ونسأل الله تعالى أن يوفقهما إلى إنشاء بيت مسلم ، يكون لبنة قوية في بناء المجتمع الإسلامي الجديد . إنه على ما يشاء قدير . مرة أخرى نهنيء الأخوين العروسين وذويهما ، وندعو الله عزَّ وجل أن يبارك لهما وفيهما . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الشاب: (لفيف من الجمهور يردد معه ) صلُّوا على محمد . زين .. زين . مكحول العين . واللـي يعادينا ..الله عليه .

أيها الحفل الكريم . معنا اليوم ضيف كريم من الهند ، وهو الشيخ عبد الله السرهندي ،

يحب أن يشاركنا فرحنا بكلمة يتفضل بها علينا . أهلاً بك ومرحباً . أنت في أهلك يا شيخنا ، فتفضل مشكوراً .

السرهندي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أيها الحفل الكريم . كم أنا سعيد بمشاركتكم فــي أفراحكم ، وبالمناسبة أقدم تهانيَّ للشابين العروسين ولذويهما ، وأحب أن أبدي إعجابي بطريقة احتفالكم ، التي ليس فيها مخالفات شرعية ، لأن الفرح البريء ، وإعـــلان الزفاف من نعم الشريعة ، فكيف التواصي بالحق ، والدعوة لبناء مجتمع إسلامي حقيقي ولا تستغربوا إذا قلت لكم: إن هذه الصحوة الإسلامية موجودة أيضاً عندنا في شبــه القارة الهندية ، وحتى بين الجالية الإسلامية في أوروبة وأمريكا ، التي زرتها فــي رحلاتي العلمية .

لقد تشرفت وسعدت بزيارة إخوانكم في مدينة درعا ومدينة اللاذقية وســـوف أزور مدينتي دير الزور والحسكة وبقية المحافظات السورية ، لأن بلاد الشام عزيزة علـى قلوب المسلمين . وسوف أحدث أهلي عن وليمة العقيقة التي حضرتها مع وجهاء أهل حوران ، وعن نقابة صيادي السمك الإسلامية التي التقيت عدداً من أفرادها في الساحل السوري . وسوف أزور مدارس محو الأمية ، والعيادات الطبية الخيرية ، وثانويـــة المعهد العربي الإسلامي ، وكلها مؤسسات حضارية ، أقامتها جماعتتكم الإسلاميـــة الراشدة . فهنيئاً لكم أعراسكم ، وهنيئاً لكم عملكم لبناء المجتمع الإسلامي المنشــود . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الشاب : ( ولفيف من الجمهور يردد معه ) صلُّوا على محمد . زين .. زين . مكحول العين . واللي يعادينا ..الله عليه .  

                   

المشهد الثالث

 ( المكان : غرفة في فندق أمية ، الكائن وسط دمشق ، فيها سرير واحد ، وأربعة كراسي ، يجلس عليها كل من ساكن الغرفة ، وهو الشيخ الهندي ، والدكتور السباعي ، ومحمد المبارك : في عمر السباعي وزيّه ، إلا أنه يعتمر طربوشاً أحمر ، ورجل آخر سمين قصير من آل الطباع . الوقت مساء ) .

السرهندي : ( مبتسماً ) أهلاً وسهلاً بكم . أنا رغبت بهذا اللقاء ، لأنني انتهيت من زيارة سوريــة الجميلة ، وسوف أسافر إذا سمحتم لي بأقرب فرصة ، لكنني عندي موضوع مهــمّ ،                          أريد أن أعرضه على أخي الشيخ السباعي ، إن لم يكن لديه مانع ، والموضــوع ذو أهمية خاصة ، يحتاج إلى صراحة تامة ، وإلى كتمان .

السباعي : نحن قدرنا رغبتك ، وقد جئنا خصيصاً لسماع الموضوع الذي تتحدث عنه . أما الحاضرون ، فهم موضع ثقة . وهما الأخ الأستاذ محمد المبارك ، أحد قيادي الحركـة الإسلامية ، والنائب في المجلس النيابي ، والأستاذ في كلية الحقوق . ثم الأخ أبو مأمون الطباع  . وبإمكانك أن تأخذ حريتك التامة في الحديث .

السرهندي : في الحقيقة إن غرض زيارتي لكم ليست لغرض علمي وحسب ! ( بدت الهشة والترقب على وجوه السباعي ورفيقيه ) بل جئت أولاً لأقدم لتنظيمكم الإسلامي خدمة خالصة لوجه الله تعالى .

السباعي : وهذا يزيدنا اهتماماً بزيارتك ، والاستماع لحديثك .

السرهندي : أما اختياري الحديث مع الحركة الإسلامية السورية ، فلأسباب كثيرة ، منها دور سورية ودور حركتكم المهم في المنطقة بعد القطر المصري ، أو بموازاته أيضاً . فضلاً عـن حرصي على خدمة الإسلام والمسلمين في الهند وغير الهند .

السباعي : نشكرك على اهتمامك .

السرهندي : لقد سررت كثيراً بالحفاوة الأخوية التي لقيتها منكم ومن إخوانكم في كل المحافظــات السورية التي زرتها ، وقد تعرفت على وجوه النشاط المتعددة للجماعة في المياديــن الثقافية والسياسية والاجتماعية ، ووجدت إقبالاً جماهيرياً واسعاً نحو جماعتكم ، لاهتمامكم الحقيقي بقضايا شعبكم وهمومه ومشكلاته ، وسعيكم الجاد للبناء والإصلاح ، كما وجدت عددًا كبيراً من الأحزاب القومية والماركسية التي تنافسكم في الساحة ، وتحاول التضييق عليكم ، والحدّ من نشاطكم ، وأنتم ليس لكم مصدر مالي إلا اشتراكات أعضاء تنظيمكم ، الذين هم في أكثريتهم فقراء ، في الوقت الذي يستعين فيه غيركم بالدول الكبـرى ، مثل الشيوعيين ، فيشترون السيارات والمطابع ، ويستأجرون البيوت الواسعة ، ويؤسسـون الصحف ، وأنتم ما تزال أدوات عملكم قليلة أو مهلهلة ، وإقبال الناس على دعوتكم لـن  يستمر إذا لم تطوروا أنفسكم وطرق عملكم .

المبارك: ماذا تقترح علينا ، لكي نطور أنفسنا ، وطرق عملنا .

السرهندي : عندي اقتراحان .

السباعي : الأول ؟

السرهندي : الاقتراح الأول أن تساعدوا أنفسكم ، بالتقليل من مشاغل حركتكم ، أقصد أن إصـلاح الأوضاع الداخلية في سورية ، يستغرق جهوداً كثيرة ، إذا أعطيتموها حقهــا ، مثل محاربة الفقر والمرض والبطالة والعصبيات الجاهلية والأمية ... خذوا جهل المواطنين المسلمين بأمور دينهم ، وكم يحتاج هذا الجانب من مال ورجال وأوقات وجهـــود تستغرق أجيالاً . أما المسائل الخارجية  مثل قضيـة  فلسطيـن والجزائـر ، فلهـا أهلها ، ولكم أنتم أهلكم . فتتفرغون وتستطيعون مواجهة منافسيكم من الأحزاب الأخرى

السباعي : ما رأي الأخ أبي هاشم بهذا الاقتراح ؟

المبارك : نحن جماعة إسلامية تهتم بكل شؤون المسلمين ، ولا يجوز التخلي عن القضايا العامـة ، ولو كانت في كشمير أو فلسطين أو الجزائر . وترتيب الأولويات يتعلق بالواجب الشرعي وبأهمية الواقعة وتغير الأحداث من جهة ، وبقرارات المؤسسات في حركتنا من جهة ثانية.

السباعي: أوضح لك القضية يا شيخ عبد الله . في الأوضاع العادية يهتم كل مواطن بترتيب بيتــه الداخلي ، لكن إذا تعرض بيت الجيران للحريق ، فأنا مضطر لإسعاف الجيران ، وتـرك تنظيف بيتي مؤقتاً ،من باب صلة الرحم أو حرمة الجيرة ، أو خشية أن تمتد النار من بيت الجيران إلى بيتي أنا أيضاً .

السرهندي: ومع ذلك هذا اقتراح من أخيكم الضعيف ، وأرجو أن تعرضوه على مؤسساتكم التنظيمية .

السباعي : الاقتراح الثاني ؟

السرهندي : أما الاقتراح الثاني ، فهو بكل تواضع ، أن تقبلوا مني أن أساعدكم ماليًا .

السباعي : هذا الاقتراح سهل علينا أن نقبله يا شيخ عبد الله ( يضحك الحاضرون معاً ) .

المبارك : يا ليت كل اقتراحاتك من هذا النوع ، يا شيخ عبد الله  ( يضحكون مرة أخرى ) .

السرهندي ( مبتسماً ) أنا أتكلم عن جدّ يا إخوان .

السباعي : ونحن نقبل اقتراحك بجدّ . أيضاً .

السرهندي : كم تحتاجون من مال لتنطلق جماعتكم الانطلاقة الشاملة ؟

السباعي : نحن لا نستطيع أن نقدر المطلوب ، لأننا لا نعلم ظروفك وإمكاناتك . فاقترح أنت ،ونحن نشكرك على إحسانك .

السرهندي : من هذه الناحية ... اطمئنوا .

المبارك : أنت زرت مراكز عملنا في المحافظات السورية ، ورأيت مقدار حاجتنا  لأثاث المراكز ، من كراسي ومناضد ، ومكبرات صوت ، وآلات طابعة ، وخطوط هاتف ...

السرهندي : هل يكفيكم خمس مئة ألف دولار سنوياً  ؟

السباعي : ( مذهولاً ) أنت ذكرت حاجتنا إلى مطبعة وصحف وسيارات ، وهذا غير المتفرغيــن الذين سوف يعملون بهذه الوسائل ، وغير الأسر التي سوف يعيلونها من ورائهم .

السرهندي : مليون دولار سنوياً ؟

السباعي : إن المشروع الإصلاحي الذي تعرضه علينا أكبر بكثير من الأرقام التي تعرضها علينا . أنا أفهم عليك ، وأنت تفهم علي . نحن جماعة غير محدودة في قطر واحد ، وأنت تعلـم أن تغيير خططنا ، أو تعديل برامجنا على الشكل الذي تعرضه ، يكلف أكثر بكثير مـن هذه الأرقام .

السرهندي : فعلاً إن الشيخ السباعي فهم عليَّ تماماً ، وإن حاجتكم أكبر بكثير من هذه الأرقــام ، ولكيلا أطيل عليكم ، فأنا مفوَّض أن أعرض عليكم ( شيكاً ) مفتوحاً وأنتم تحددون الرقم المطلوب . وثقوا أن كل ما تطلبونه سينفذ .

السياعي : طبعاً أنت لا تستطيع وحدك ، ولا الجماعة الإسلامية في الهند تستطيع أن تقدم هذه الأموال ؟

السرهندي : طبعاً . أنت تقدر أن هذا العرض من دولة كبرى ، تعرض صداقتها عليكم بالتأكيد .

السباعي : ( منفعلاً ) يا هذا ، أنت لست بشيخ ، ولست مرسلاً من الأستاذ أبي الحسن الندوي  .

السرهندوي : الشيخ الندوي ، لا علاقة له بهذه الأمور .

السباعي : فاعلم أنك قد غششتنا ، كما غششت الأستاذ الندوي ، الذي أرسل معك رسالة تزكيــة ، فاحتفينا بك ، وأدخلناك مراكزنا وبيوتنا وبيوت عملنا .

السرهندي : وأنا جئتكم بمقترحات إصلاحية لوجه الله تعالى .

السباعي : هذه ليست مقترحات إصلاحية . هذه مقترحات تضليلية تدميرية ، فلسنا مغفلين إن كنـت أنت مفغلاً ، ولا نحسبك مغفلاً .

السرهندي : معاذ الله !

السياعي : أنت لا تخاف الله تعالى . أنت تحاول شراء جماعة إسلامية ، جاهدت في فلسطيــن ، وبذلت الغالي والثمين ، وما تزال تبذل . أَجِبني بِكَم تبيع روحك يا هذا ؟ هل تبيعها بكل ذهب الأرض ودولاراتها وروبلاتها ؟ طبعاً  لا تبيع ، ومع ذلك بعنا أراحنا لله تعالى .اعتبرْ زيارتك لنا وللقطر السوري انتهت ، واعتبرْ نفسك منذ هذه اللحظة مطروداً من عندنا ، ولا نُمهلُك أكثر من أربع وعشرين ساعة لتغادر هذه البلاد ، وإلا أبلغنا وزارةَ الداخلية بِأمرِك ، فتُلقيك خارج الحدود السورية . انتهى اللقاء . هيا يا إخوان !