مرض من غير إجازة

د. محمد رشيد العويد

قال : أعرف لك خبرة بالمرأة ومعرفة بطباعها .

قلت : إنما هي قراءات واطلاعات ومتابعات لشؤونها . على أي حال فإني أشكر لك هذا الظن بخبرتي ومعرفتي بطباعها .

قال : أريد أن أسألك عن مثل عامي شائع في بلدنا إن كان يصف طبعاً من طباع المرأة أو حالاً من أحوالها .

قلت : وماذا يقول هذا المثل ؟

قال : (( المرأة كالسجادة .. تحتاج كل شهر إلى نفضة )) .

قلت : وهل وجدت أثراً لهذا المثل في زوجتك ؟

قال : أتريد الحق : نعم . وجدت فيه انطباقاٌ كبيراً عليها .

قلت : هكذا أغلب النساء .. فلا تقلق .

قال : أغلبهن يحتجن إلى هذه (( النفضة )) .

قلت : على العكس تماماً ؛ إنهن يحتجن حلماً مضاعفاً من الزوج وصبراً أجمل عليهن .

قال : ولكنك قلت : هكذا أغلب النساء !

قلت : إنما عنيت أن أغلب النساء يصدر عنهن كل شهر ما يثير غضب أزواجهن عليهن … لكن هذا لا يستدعي العقاب الذي شبّهته بـ (( النفض )) للسجاد .

قال : وماذا يستدعي إذن ؟

قلت : كما أخبرتك .. يستدعي مزيداً من حلم الرجل وصبره .

قال : وما معنى كل شهر .. ولماذا ليس كل شهرين ؟

قلت : وهل تحيض المرأة كل شهرين أم كل شهر ؟

قال : وما شأن حيضها بما نحن فيه ؟

قلت : له كل الشأن . لأن ما يثير غضبك كل شهر إنما يوافق موعداً يسمّى بالدورة الشهرية . ولو راقبت هذا بانتباه لوجدته صحيحاً .

قال : ( وقد رفع عينيه وكأنه يسترجع ماضياً ) : لعلك على حق . ولكن ما صلة دورتها بانقلابها النفسي عليَّ ؟

قلت : إنه على صلة كبيرة بها .

قال : كيف ؟

قلت : لو أصبت بنزف فقدت فيه ربع ليتر من دمك .. أما كنت تولول وتدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور .. ولعلك تطلب إجازة من عملك ؟

قال : لعلي أفعل هذا أو ما يشبهه .

قلت : فإن المرأة تنزف مقدار هذا الدم كل شهر ولا يلتفت إليها أحد !

قال : المسكينة .

( لم أتيقن إن كان جاداً في إشفاقه أو ساخراً ) .

قلت : وأكثر من هذا .

قال : وماذا أيضاً ؟

قلت : تنخفض درجة حرارة المرأة في أثناء الحيض درجة مئوية كاملة . وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تتوقف في جسم الكائن الحي تكون في أدنىمستوياتها وقت الحيض . وتسمي هذه العمليات بالأيض أو الاستقلاب Metabolism . ويقل إنتاج الطاقة .. كما تـقل عمليات التمثيل الغذائي .. وتقل كميةاستقلاب المواد النشوية والدهون والبروتين .

قال : كأنك تريد أن تقول إنها تمرض في دورتها ؟

قلت : مستأنفاً حديثي : وتصاب الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها .

قال : وهل هناك شيء آخر ؟

قلت : ونتيجة للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويبطئ النبض ويـنخفض ضغط الدم . ويصاب أكثر من النساء بالدوخة والفتور والكسل في أثناءفترة الحيض .

( نظرت في صديقي لأرى أثر الكلام في وجهه )

قال : تفضل .. أكمل .

قلت : يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى . وأكثر النساء يصبن بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن . وبعض النساء تكونآلامهن فوق الاحتمال .. مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات ، ومنهن من تحتاج إلى زيادة الطبيبة من أجل ذلك .

قال ، وقد ظهرت علائم الاقتناع واضحة في وجهه : ولا شك في أن هذا كله يضغط على أعصاب المرأة فيثيرها ويغضبها .

قلت : صدقت . تـصاب المرأة بحالة من الكآبة والضيق في أثناء الحيض .. وخاصة عند بدايته .. وتكون متقلبة المزاج سريعة الاهتياج قليلة الاحتمال . كماأن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها . وبعض النساء يصبن بالصداع النصفي ( الشقيقة ) قرب بداية الحيض . وتكون الآلام مبرحةوتصحبها زغللة في الرؤية وقيء .

قال : إن هذه والله لأعراض مرض !

قلت : ومع هذا فإن (( المسكينة )) ، كما وصفتها ، لا تستطيع أن تأخذ إجازة من تلبية طلباتك وطلبات الأولاد .. ومن تبعات البيت وأعماله .. فهل تريدهاأن تحتمل هذا كله لترسم ابتسامة دائمة على وجهها … ويتسع صدرها لهذا وذاك وذلك .. ؟

قال ( وكأنه يعتذر ) : الإنسان عدو ما يجهل .

قلت : وعلى هذا .. فإن المثل الذي ذكرته صحيح في شيء وخاطئ في آخر . صحيح في أن المرأة تحتاج كل شهر .. وخاطئ في تحديد هذا الذي تحتاجهبأنه (( نفضة )) كنفضة السجاد .

المرأة تحتاج ، على العكس من هذا ، إلى مزيد من الحلم عليها ، واحتمال أكثر لاهتياجها ، وتقبل أفضل لثوران أعصابها ، واتساع صدورنا نحن الرجاللها .

قال : ما أجمل وأبـلغ قوله تعالى في وصف محيض المرأة بأنه أذى (( ويسألونك عن المحيض .. قل هو أذى )) .

قلت : وانظر إلى آثار رحمة الله بالمرأة .. كيف خفف عنها واجباتها أثناء الحيض فأعفاها مـن الصلاة ولم يطالبها بقضائها .. وأعفاها من الصوم . وأعفاهامن الاتصال جنسياً بزوجها وأخبـر زوجها بأن الحيض أذى كما جاء في الآية الكريمة التي أشرت إليها .. والآية كاملة تـقول : (( ويسألونك عن المحيضقل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض . ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )) .

قال : سبحان الله . ربها يخفف عنها ما افترضه عليها .. ونحن الرجال لا نرضى أن تقصر في أي من واجباتها نحونا .

قلت : ولعل هذا يكشف عن الحكمة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تطليق المرأة أثناء الحيض .

قال : كم أنا شاكر لك هذا البيان الواضح .. وإني لأرجو أن يعينني الله على أن يتسع صدري لزوجتي أيام حيضها .

قلت : بل ادع الله أن يوسّع صدورنا لزوجاتنا في الأيام كلها .. فنحتمل ما يصدر عنهن ، ونحلم عليهن .

قال : آمين آمين

وسوم: العدد 668