بنت الذوات

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

       مسرحية

المشهد الا ول :

 أحد الأغنياء يقف كل يوم مع ابنته الوحيدة في شرفة قصره المطلة على أحد الشوارع الرئيسية في المدينة  ويتاملان حركة المارة

صاحب القصر : انظري يا ابنتي الى هذا الرجل الفقير المسكين ..

ابنته عفاف : ما به يا أبي ؟ هل الفقر سبة او عار ! ؟

الأب : لا ..لا. يا ابنتي .. لا. .  إني أقصد ألا يستطيع أن يفكر بطريقة يغير فيها حاله ويبدل وضعه ؟

الابنة : الفقر والغنى من الله يا أبي  المهم الرضا والشكر أم نسيت يا أبي !

الأب : لا لم أنس  وأعرف أن الفقر والغنى من الله  أقصد إنه لو حاول أن يجدّ ويعمل بهمة أكبر لا شك أن الله يعينه

الابنة : والله يا ابي إن كان فقيرا فسبب زوجته وإن كان غنيا فسبب زوجته فكما أنه ما من عظيم إلا وراءه امرأة  كذلك ما من تعيس  إلا وراءه امرأة  ثم تضحك .

الأب : سبحان الله  هكذا إذن فالزوجة دائما هي سبب فقر زوجها  وسبب غناه وسبب سعادته وسبب شقائه وتعاسته !!

الابنة : نعم يا أبي  في الأغلب  ان لم يكن هناك سبب آخر يتعلق بالزوج وحده ..

الأب بعصبية : أقسم غير حانث لازوجنك  من أفقر رجل في المدينة  لأرى كيف تعيشين معه وتؤثرين فيه !! ؟

الابنة : أنا طوع أمرك يا أبي  افعل ما تراه وأنا راضية

المشهد الثاني :

الأب يطلب من العم مبروك القيم على حديقة المنزل ان يبحث له عن أفقر رجل بالمدينة ويأتي به

يذهب العم مبروك ويعود بعد ساعات ومعه (قمامي الحمام ) الذي يشرف على تسخين مياه الحمام ويقول : لم أجد أفقر منه في المدينة كلها يا سيدي، ولكنه قوي .. جلد .. صبور وقنوع ثم يلتفت مبروك إلى الرجل ويقول له :

أدخل يا  رجل أدخل لا تخش شيئا

الرجل : السلام عليكم يا سيدي

الأب : وعليكم السلام ، تفضل اجلس – يا ابني – ما اسمك ؟

الرجل : اسمي اسماعيل يا سيدي

الأب : اين تسكن يا اسماعيل ؟

اسماعيل : ليس عندي مسكنا ولا مأوى، أنام حيث اعمل ، في الحمام

الأب : لا بأس .. يا اسماعيل ..لا بأس وأخذ يحادثه ثم عرض له ما عزم عليه  وبعد أن اطمأن اسماعيل نادى الأب على مبروك وقال له: اذهب وأحضر لنا المأذون بسرعة ولا تتأخر

يرجع مبروك بعد فترة وجيزة ومعه المأذون

مبروك : تفضل سيدي الشيخ ..تفضل

المأذون :  السلام عليكم

الأب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، تفضل ..أهلا وسهلا – وبعد تقديم  واجب الضيافة – تفضل سيدي باشر عملك

المأذون يقوم بعمله حسب الأصول ثم يتقدم من الأب مهنئا :

مبروك يا سيدي وأرجو ان ترى الخير الدائم بهذا الزواج والصهر ويقول لإسماعيل بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما بخير    

المشهد الثالث :

 تذهب عفاف مع زوجها وتعيش معه حيث يعيش، وبعد مدة

عفاف : يا اسماعيل لقد وفرت من مصروفنا مبلغا لا بأس به، ما رأيك لو استأجرنا غرفة خارج هذا المكان تكون مناسبة لسكننا ؟

اسماعيل : انا ليس عندي مانع ، افعلي ما ترينه مناسبا يا حبيبتي .

عفاف : علمت أن جارتنا العجوز أم أحمد عندها غرفة في بيتها لا تحتاجها وسوف استأجرها  ،  نعيش معها فهي وحيدة   ،

اسماعيل : ام أحمد جارتنا العجوز التي تسكن هنا بقربنا  ؟ فكرة جيدة  اذهبي اليها من الغد .

وهكذا انتقلت عفاف مع زوجها الى بيت ام أحمد، ومرت الايام وفي كل يوم تشتري عفاف لازم من لوازم البيت مما توفره من كسب زوجها وتقول : ( الرجل جاني والمرأة باني ) .

وفي احد الايام وبعد أن استراح اسماعيل من تعبه تقدمت منه عفاف بكل محبة ووداد وقالت له :

عفاف : اسماعيل يا حبيبي  سمعت اليوم أن تاجرا كبيرا يعتزم الذهاب بتجارة ضخمة . ويحتاج لعمال يذهبون معه بأجر مغري ، ما رأيك لو سجلت اسمك عنده وسافرت معه  ، لعلنا نوفر من الكسب مبلغا نحسّن فيه وضعنا ! ؟

اسماعيل : أفعل ، متأكدة أنت من هذا الخبر ؟

عفاف : نعم متأكدة .

إسماعيل : وأنت كيف تعيشين ؟

عفاف : لا تهتم لأمري ، سأعمل ..إني أتقن الكثير من الأعمال..

وهكذا سافر اسماعيل في تجارة التاجر .

عفاف : يجب أن اعمل أنا  لابد من مساعدة زوجي ، اني أتقن صناعة ( الحصر  ) .. وبعد مدة قالت تخاطب نفسها : سأشتري نولا خشبيا واحيك السجاد

اسماعيل كان يرسل لها ما يكسبه من مال مع اهل الثقة من معارفه فتضم عفاف كسبهاالى كسبه حتى تيسر لها مبلغا لا بأس به .

 عفاف تخاطب نفسها : والآن يا عفاف آن الأوان كي تقومي بعمل جيد يفرح به اسماعيل عند عودته، سأشتري بعض الثياب الجديدة وبعض أدوات الزينة  وسيراني اسماعيل جديدة   وجميلة   وسيفرح كثيرا .

مازالت تكلم نفسها : لا...لا.. ليست المرأة المحبة  هي التي تهدر مال زوجها على العطور والثياب  وأدوات الزينة  ، المرأة العاقلة هي التي تحافظ على مال زوجها وعلى بيتها ونفسها     .

ماذا ستفعلين يا عفاف ! ماذا ستفعلين ؟ قطبت جبينها  فكرت  ..   صاحت: وجدتها ..سأبني قصرا مثل قصر والدي المال وفير والحمد لله .  سأفاجئ الجميع  أبي وإسماعيل و...

نفذت عفاف  ما عزمت     عليه  وبنت القصر قريبا من قصر والدها

عفاف : لم يبق إلا عودة اسماعيل... مضى على سفره ثمانية عشر شهرا ، وهذا أوان عودته...

ولكن إلى أين يعود ! ؟ وهو لا يعرف سوى مكان عمله في الحمام ، وبيت الحاجة أم محمود ؟

إنها معضلة..إني سابقي أمر هذا القصر سرا وافاجئ اسماعيل وكذلك أفاجئ والدي بما فعلت وأنجزت !

المشهد الخامس :

لا بد من  عمل شيء لأحصل على إسماعيل  ماذا ستفعلين يا عفاف  ماذا ستفعلين ؟

قالت بعد تفكير : نعم ..نعم..إنها فكرة سأطلب من الخادمتين مراقبة الطريق فإذا شاهدتا شخصا غريبا يراقب قصر والدي فلتحضراه لا شك أنه اسماعيل قد جاء يبحث عني .

وبعد أيام عادت الخادمتين ومعهما رجل حيران وخائف

 يا سيدتي.. يا سيدتي  هذا سيدي إسماعيل معنا ...

عفاف : اسماعيل ! ! – كادت تصعق من وقع الكلمات – وكان اللقاء صامتا والقلبان فقط يخفقان بلهفة المشتاق

اسماعيل : هل أنا في حلم ؟ وبدأ يبكي كالأطفال..

عفاف : أهلا بعودتك الى بيتك يا إسماعيل ( وامسكت بيده، وسحبته الى الغرفة الكبيرة وهي تخاطب الخادمتين وتقول :

جهزا الحمام لسيدكما .

وحكت عفاف لزوجها كل الذي فعلته في غيابه

عفاف : هذا القصر قصرك

إسماعيل:  بل هو قصرك أنت  يا عفاف

عفاف : إنه قصرنا وسوف نزرعه بالحب  والوداد يدا بيد

اسماعيل يحضنها : يدا بيد ياحبيبتي يدا بيد .

وبعد شهرين من هذا التاريخ  كان اسماعيل قد أسس متجرا صغيرا وبدأ العمل فيه

عفاف : الآن يا اسماعيل يجب أن ندعو والدي ونعرفه على القصر

اسماعيل : ونطلعه على الذي فعلناه معا

عفاف : إذن يجب أن يسهر عندنا نهاية الأسبوع ، وسأعد له طبقا من الحلوى كان يحبه من يد أمي عليها رحمة الله

اسماعيل : عندها سيعرف ماذا تفعل المرأة العاقلة ويعرف دورها في حياة الرجل ... وصدق من قال : الرجل جاني والمرأة باني .

انتهى

وسوم: العدد 683