الكتابة مخاض لا يمكن تحديد لحظتها حوار مع الشاعرة المغربية رحيمة بلقاس

clip_image002_2a797.jpg

أولا:التعريف بالشاعرة

من خلال هذا الحوار الجميل الذي أجراه معها الإعلامي زهير إبراهيم مراسل لمجلة عشتار العراقية:

1 ــ من هي رحيمة بلقاس الأستاذة المبدعة والإنسانة؟

هي زفرة حرى من رحم الأنات، من أرض التعب تحكي قصة الهروب من غطرسة الوجع، روح تسائل الأمل عن مسكن الحقيقة، عن سبب هذا التوهان في مجرة تتفوضى بالزيف والصخب، أحنو لأفق بنكهة الشمس، تضفي على القلوب المعذبة بهجة بكل لغات الأرض.

رحيمة بلقاس مولدها وحياتها إلى أن حصلت على البكالوريا  بالدار البيضاء،  وبعدها عاشت بين الرباط وسلا، أستاذة اللغة العربية، متزوجة وأم لثلاثة أولاد، وفاعلة جمعوية. تعشق الأدب والطبيعة والإنسان، تميل إلى المسالمة وتسعى إلى أن يعيد العالم العربي ازدهاره الفكري والحضاري.

لي منشورات متعددة في الشعر والقصة القصيرة جدا والقصة الومضة والقصيدة الومضة  بالشبكة العنكبوتية، ولي حوارات أدبية. وبعض قصائدي نشر بجرائد ورقية عربية، كما نشرت لي جرائد مغربية بعض المقالات.

لها إصداران شعريَّان” عناق سحر الحياة” و ” أحلام باكية”.

لي إصدار في ق ق ج مشترك مع أدباء من مختلف الأقطار العربية بعنوان:” قصص بلا حدود”

ولها إصداران قيد الطبع ” حين يتكلم الغبار” مجموعة قصص قصيرة. و ” للزوابع أصابع تنحتني” شعر.

2 ــ متى وجدت المحترمة رحيمة بلقاس في نفسها القدرة على خوض غمار الكتابة أولا ثم  متى بدأت تشعرين بأنك تقفين على عتبة الموهبة الشعرية خاصة وعندها شعرت بأنك تلمسين مفاتيح أبواب الخفقات واللحظات الشاعرية ؟

علاقتي باللغة العربية بدأت منذ نعومة أظافري، كان لي ارتباط قوي مع والدي تغمده الله برحمته، كان أميا وكنت يده اليمنى التي تكتب له رسائله وتترجم أفكاره، وبهذا وجدتني يوما بعد يوم أتعلم معه المزيد، ونما بروحي حب القراءة والمطالعة، فاكتشفت ميولي للكتابة، وكانت لي محاولات ولكن خجولة ولم تعرف طريقها للظهور نظرا لطبيعة التربية المحافظة، وللرقابة المجتمعية التي كبرنا على احترامها حتى في التعبير بالقلم.

وعرفت موهبتي الظهور بعد سن متأخر وبعد أن حركتني مواقف وغيرتي على وطني المغرب وقوميتي العربية، لتستيقظ بي الرغبة بمصالحة القلم ومصالحة نفسي والعزم على التحدي، وكلما توغلت في أعماقي أكتشف ذاتي أكثر.

3 ــ  الأستاذة الطيبة رحيمة بلقاس أين تجدين نفسك أقدر بالتعبير عما يدور في خاطرك هل  بالسرد النثري أكثر، أم بالقصائد ذات نظام الشطرين الصدر والعجز وماذا يمكن أن تقولي عن الشعر الحديث في المقارنة بالشعر القديم؟

استهوتني الكتابة السردية والنثرية بكل أشكالها، أقضي وقتا ليس بالقليل في قراءتها ومسايرة مستجداتها، ولي كتابات وافرة في الق ق ج وفي القصة الومضة وفي الخواطر والقصيدة النثرية. وأعشق القصائد ذات نظام الشطرين الصدر والعجز ولي محاولات في هذا المضمار.

أما عن رأيي في شعر الحداثة مقارنة مع الشعر القديم أو بالتحديد الدقيق”قصيدة النثر والقصيدة العربية بنظمها العمودي” بكل صدق لست ناقدة لأخوض في هذا المجال ولكن هذا لا يمنع، كقارئة ومتفاعلة في الساحة الأدبية، أن يكون لي رأي: القصيدة العربية كما عرفناها قبل الإسلام ومنذ العصر الجاهلي، كانت تلقائية ولا تخضع لأي قيود أو أوزان، فاللغة العربية لغة شاعرة كما قال عباس محمود العقاد “فإذا كان الشعر روحا يكمن في سليقة الشاعر حتى يتجلى قصيدا قائم البناء، فهذا الروح في الشعر العربي يبدأ عمله الأصيل مع لبنات البناء، قبل أن تنتظم منها أركان القصيد” وهنا يقصد عباس محمود العقاد أن اللغة العربية لغة شاعرة في حروفها قبل أن تتألف منها الكلمات، وقبل أن تكون تفاعيل وبيوتا وبحورا.

وأقول أن الشعر كان قبل العروض وقبل الوزن وليس العكس، نظم الشعراء بالسليقة ليكتشف الخليل بن أحمد الفراهيدي العروض في القرن الثاني الهجري، ومن هنا يمكن يوما ما أن يجد النقاد أوزانا وإيقاعات وبنيات لما يسمى اليوم بقصيدة النثر.

4 ــ مدينة الميلاد لديكم كما عرفت من جدارك أنه من مدينة الدار البيضاء“، أي ذكريات تحفظها مخيلة الأستاذة رحيمة بلقاس عن هذا المكان الذي نشأت وترعرعت فيه ؟

مدينة البيضاء هي ياسمين يعطر ليالي الغربة التي أقضيها بعيدا عنها، صدقا لا تغمرني نسمات الهواء إلا منها، أستنشقها انطلاقا وبياضا، محبة وصفاء.

بين أزقتها تحبو ذكرياتي الجميلة، لازلت أذكرني طفلة بأرقى المدارس بنظري، وأنا بضفيرتي المنمقة بشريط موحد بيني وزميلاتي ووزرتي البيضاء التي كانت تغطي الفوارق الطبقية، فيشعر الجميع بوحدة الروح الطفولية.

ولا أنسى أروع أيام قضيتها بالمكتبة البلدية التي كنت أنهل منها ما طاب لي من الشعر القديم والحديث ومن دراسات حوله، وكان لها الأثر الكبير في تعميق الحب الذي أحمله للشعر والأدب العربي.

البيضاء هي القلب النابض للمغرب ولي.

5ــ إن سمحت لي الشاعرة الكريمة بسؤال خارج عن مجال حوارنا هذا ألا وهو ماذا تشكل لك القرية عن المدينة. أهي فعلا تلك الطبيعة الخلابة والماء والهدوء والراحة أم أن هاته الأشياء فقط أفكار تقطن بالأذهان  منذ درستها في المدرسة  وذهبت مع الأمس تحوم في هيئة أحلام الطفولة..أم ماذا ؟وكيف ترى العيش بالقرى وخصوصا بالنسبة للمدرسين أمثالك و خصوصا حديثي التخرج على سبيل الحصر ؟كيف مرت لديك مرحلة التدريس وما هي الأشياء التي مازالت لصيقة في مخيلتك في هذه المهنة التي لا تخلو من متاعب ؟

بمدينة كبيرة ترعرعت وقضيت طفولتي وشبابي، وبأخرى كذلك تستمر حياتي، ضجيج وصخب وخوف، الجريمة تكثر وتتكاثر يوما بعد يوم، وطعم الألفة والاطمئنان والجوار والتآزر يكاد ينعدم، كل من الساكنة يطارد خيط سراب، يعدو ويعدو إلى أن يتوقف محركه فيغادر في صمت الإهمال والنسيان، حتى نعمة التفاف الأهل وحضور جميع الأحبة قد لا يتوفر في بعض الأحيان.

وربما هذا ما جعل للبادية سحر في عيني،  في القرية البيوت الجميلة والمتواضعة والمتقاربة، المزارع والمواشي وصياح الديك وأصوات العصافير وخرير المياه، التسامح والتعاون والإحساس بالأمان، وراحة البال والاستمتاع بالوقت قدر الإمكان.

والجميل أن عملي كمدرسة جعلني أعيش سنة بالبادية، كان لها أثر عظيم على نفسيتي، شعرت بروح الكرم والصفاء والقناعة والتحلي بقيم التعاون والتآزر بين الناس، رغم الفقر والحاجة.

6ــ شاعرتي الكريمة رحيمة بلقاس كما تعلمين فلكلِّ مبدع عربي أو أوربي أو غيره قلمه و أدواته وبالتالي أسلوبه الخاص في التعبير، ماذا عن أسلوبك أنت وأدواتك في الكتابة الإبداعية؟ولمن تبدعين وما هي رسالتك في الكتابة عموما ؟

المبدع يرافق اليراع ويبث الورقة مكنونه من أفراح وأوجاع. ويبقى للنقاد دور تصنيف هذا الإبداع، وأي كتابة إلا وتحمل رسالة في هذه الحياة، وأجد حرفي يميل لمشاركة الوطن الحبيب المغرب والعالم العربي كوطني الكبير، فيعبر عما تتوالى عليه من صراعات وتدني الأوضاع.

7ــ سيدتي الفاضلة رحيمة بلقاس لا شك أن لبعض المدرسين الذين قاموا بتدرسيك  أثراً على حياتك سواء كانت إيجابا أو سلبا إن كان ممكن لك أن تذكري لنا بعضا من هاته الأثر عليك وكيف كانت علاقتك معهم ومع تلاميذك أثناء ممارسة عملك في الصف المدرسي ؟وما هو الدرس الذي ترين أنه يجب أن تقدميه للأجيال التي ستدرس الأجيال  الناشئة معك في المؤسسة أو في مؤسسات أخر و في علاقتهم بالمدير ثم أصدقائهم في العمل التربوي ثم التلاميذ  ؟

المدرسة لها أثر كبير على نفسية الطفل، ومهمة المدرس مركبة وصعبة، فهو أولا يتعامل مع مشروع جيل لمجتمع الغد، وهو إنسان هش وشديد الإحساس. وثانيا فهذا الإنسان صفحة بيضاء ويمكن تلويثها بمداد أسود قاتم كما يمكن تجميلها بلوحة تبهج الألوان بصفاء أفق تطل منه زرقة الحياة.

وقد عشت التجربتين، كان لبعض المدرسين أثرهم السلبي علي، ولبعض الآخر دورهم الايجابي جزاهم الله، ولن أنسى أبويَّ فهما بحنانهما مدرستي الأولي.

والنصيحة التي أقدمها حسب تجربتي في التدريس، للمدرس أن يقرب تلاميذه منه، وأن يكسب ثقتهم أولا، وأن يكون بمثابة الأب الرءوف أو الأم الرءوم، إن أحبك تلميذك سيأخذ منك ما تقدمه له من زاد، وإن كرهك سيرفضك ويرفض كل شيء منك ولو كنت مقتدرا ومتمكنا من مادتك.

 8ــ أستاذة رحيمة فلنعد إلى مجال الإبداع واسمحي لي أن أطرح عليك هذا السؤال هل لديك وقت معين في الكتابة أم كل الأوقات مواتية ؟

الكتابة مخاض، لا يمكن تحديد لحظتها ولا ملامح المولود القادم بعد وضع الإبداع. على المبدع أن يستغل ساعة الدفق الشعوري الذي تنتابنا في بعض الأحيان.

9ــ كما تعلمين أيتها الطيبة الشاعرة النبيلة رحيمة بلقاس أنه إلى يومنا هذا ليس هناك تعريف محدد للشعر  فهل من الممكن أن تعرفي الشعر من خلال إبداعاتك المتنوعة من ديوان” عناق سحر الحياة” ثم إلى “أحلام باكية” والبقية إن شاء الله ستأتي ؟وهل الإبداع يمنح من الخيال أم من المحيط أم لابد من تواجدهما معا أم ماذا في نظرك   ؟

الشعر موهبة وإحساس، يتميز بالقدرة على دمج الواقع بالمتخيل، تترجمه النصوص بصور شعرية إبداعية تميز شاعرا عن الآخر، النص الشعري يحتاج لوحدة الموضوع وهذا ليس سوى دفقة مشاعر وانفعالات تتربص بالشاعر ذات لحظة، فتتدفق الكلمات منه في سربال مزركش بألوان وحده ينفرد بها، إن النص كلما انسجم مع صاحبه تكتمل معالم الجمال فيه، وكلما ارتبط بالكونية يقترب من الآخر أكثر، بحيث يغدو البوح بوحا جماعيا يعبر عن الكاتب والقارئ في ذات اللحظة، الشعر يرتقي بصاحبه حين يستطيع أن يشارك القراء انفعالاتهم واهتماماتهم ومشاكلهم، وحين يجد القارئ نفسه في كل نص، كما أنَّ عقد صلة وثيقة مع تراثنا الشعري ترتقي بقصائدنا، وكلما أكثر الموهوب من القراءة وممارسة الكتابة وبإصرار، ارتقى واكتسب آليات التعبير السليم والجميل.

إن النص الذي يتملكني هو ذاك الذي تتكامل فيه اللغة بفصاحتها والصور بجماليتها والموسيقى بإيقاعاتها الداخلية والحرف الهادف، بتعبيره عن الإنسانية، وحسن السبك والحبكة في اقتناص اللفظ.

و الكتابة بصفة عامة والشعر خاصة ،مثل النبتة التي قد تبقى كامنة لسنوات أو عقود ، لا تنبت وتزهر وتثمر إلا إذا توافرت المناخات الملائمة ، وهو يمنح من المحيط ومن الأعماق، فينسكب حبرا من انزياحات واستعارات وصور شعرية وجمالية لفظا وبيانا وفصاحة لغة، وترميزا وتخييلا، فيأتي بحلة تميز شاعرا عن الآخر.

10ــ هل للأستاذة المتميزة الخلوقة رحيمة بلقاس أن تتحف أسماعنا وكذا القراء بشيء مما تكتب وخصوصا عن غزة التي هي جمرة في قلوبنا لما تكابده من محنة مع الأعداء الغاشمين الصهاينة لعنهم الله  ؟

سعف غزة

يا موت انتشر

كابد على ركام الأجساد، الوقوف

وامتلئ…

أزهر والتف على كومة النور

تشابك على ليل استثنائي

ارم سدوف الوجوم

فوق الحتوف… وابتهج

معين الدمع نضب

من رحم العصيان انْبَثِقْ

لا تنأ نزوحا

إلى قيظ الحزن

رفيف العبور يغري … فاقترب

الفلك تدور

على وقع الحبور، تتهجى السير

لتطهر وجه صبح

من آثار رجس الغزاة… وتثور

من صمت الحليف تتبرأ، تمور

يتخلّقُ في عيون

تخرج من تحت أقدامهم

يبْرُؤهم من هون

عمَّدَ خيامهم

فلا فداء لهم

يأوي من الهزيع الأخير

من أبناء الجواري

من ديجور تلبد وجه الأديم

سواك يا موت …فانتشر

على قاب احتراق

سعف غزة

تطاول السماء

تشق صهد العتمة

تدبُّ على حين غرة

فوق كهولة وقت

في لجِّ اللهب

تصعد الجبل

أعيروها رمق الريح

تروض بروق الوجع …إلى مراتع الشمس

من قبضة الغيم تنفلت

من تعاقب كسوفات ليت…تنتقم

على هام الرزايا

طفولة في قماط حرية

ترثي شيوخ الفتاوى

والجبابرة في ذروة التمادي

على غير المجد

تأبى غزة…الذل

أيا موت انتشر

هذه الزهور تنتثر

من فيحاء الثرى

ستنمو…

نعود…

للحظات نشتهيها…تشتهينا

11ــ لكل إنسان منذ أن خرج إلى هاته الحياة الدنيا أشياء تميزه عن الآخرين فهل لك هوايات في الحياة  ؟ .ما هي   ؟وهل لك أن تقربينا أكثر من رحيمة بلقاس الطفلة ثم الأم والإنسانة والأستاذة والشاعرة في علاقتك مع أبنائك والزوج وفي علاقتك مع المدرسة  وفي علاقتك مع تلاميذك والإخوة والأصدقاء  ؟

هوايتي منذ الصغر قراءة القصص والروايات وأجد متعة ساحرة في قراءة لشعر بكل تصنيفاته، وأهوى السفر إلى المناطق الخضراء والغابات والبحر، أرتاح بالخلوة مع الطبيعة وموسيقاها الخلابة، من هدير وخرير وزقزقات وتغريد وحفيف ونقيق… لا أروع من لحظات الهدوء والصفاء بعيدا عن الضوضاء والصخب.

الطفلة لا تزال تعيش بي، تشاركني صفاء روح ونقاء سريرة، لا أعرف الحقد، ولا أستطيع العيش في المستنقعات.

وقد شاءت الأقدار، ألا تختلف حياتي داخل المنزل عن الأخرى التي أمارسها خارجه في عملي، أنا الأم بالبيت وأنا هي بالفصل، هذا الإحساس بالطفل وبما يحتاجه من حنان جعلني قريبة من تلامذتي، وحملني إلى التفاني في بيتي بتكريس كل وقتي لأسرتي وبيتي.

12ــ كما لا يخفى علينا جميعا أننا عندما نمنح أنفسنا لشيء معين نلتزم له حتى نتمه ونهيئه على أحسن وجه وأظن أن هذا الالتزام فإلى أي مدى تجدين نفسك ملتزمة كشاعرة ومبدعة ومدرسة بقضايا الوطن؟

قضايا الوطن تربينا عليها، ومن آبائنا تشبعنا بروح الوفاء والمسؤولية نحو كل ما يمس معتقداتنا، وتعتبر حرمة من الوطن من أقدس المقدسات التي لا نسمح بمسها، والوطن كما أراه وكما ورثته من آبائي هو العالم العربي برمته، ولهذا تجد القضية الفلسطينية تأسر اهتمامنا ونحملها وجعا، ونحمل ما أصاب هذا الوطن من انتهاكات وشتات وجور واغتصاب.

13ــ كيف يمكننا أن نحث فلذات أكبدنا على حب الوطن وما هي المنهجية المتبعة لنغرس فيهم القيم الصالحة ونبذ الطالحة علما أن الإعلام الدخيل اليوم أضحى أشكالا غريبة تخترق بيوتنا من حيث ندري أو لا ندري ؟وكيف ندعو الوزارة المعنية بالتعليم أو المكلفة بالإعلام  إلى نهج سياسة جديدة تساير العصر في غرس الروح  الوطنية وخصوصا في إدماجها بشكل جلي في المناهج التعليمية وكذا احترام أولي أمورنا وتوقير كبارنا حتى نقضي على ما يسمى الآن “التشرميل”أو الإرهاب أو الفكر التكفيري “داعش”؟

كيف نجعل ناشئتنا يحبون وطنهم؟ سؤال عصي، ومهمة صعبة في زحمة إعلام مضاد وزيف ونفاق واهتمام الأغلبية المسؤولة بصالحها الخاص.

حب الوطن فطرة في الإنسان، لا اختيار له، الوطن والهوية والدين نفرض على المولود مع صرخته الأولى لمعانقة الحياة، وهو صفحة بيضاء، عيونه تبتسم للكل ببراءة وصفاء. إذاً ليس ذنبه إن كره أبويه أو إن تمرد على وطنه ودينه، فذاك تقصير منهم أكيد.

الطفل هو رجل الغد، وعلينا أن نُنْشئه في بيئة سليمة ليكون نعم المواطن الصالح والإنسان المسؤول.

ولا يمكن هذا في ظل ما تتعرض له أوطاننا من نهب واللامبالاة في توزيع الثروات والالتفات للأمان الاجتماعي، بحيث نشعر المواطن بالأمان، وأقصد هنا توفير التعليم الهادف والناجح بالمجان، والعناية بصحته خصوصا الأمراض المزمنة بالمجان، وأن تعفى الفئات الصغيرة والشباب الذي يكون في بداية التأسيس لحياته من الضرائب والإحباطات التي لا تزيد إلا إنهاكهم وإفشالهم. الإرهاب والفكر السلبي غالبا ما يكون ضحاياه الفاشلون والمتمردون على أنفسهم أولا، فلنصنع ناشئة ناجحة ، هذه مسؤوليتنا جميعا.

14ـ هناك عبارة تقول أن الشعر لا يموت إذا استجاب لحاجات ضرورية جوهرية لدى الإنسان، والتي هي ليست في الأصل سوى مزيج من ذاكرة وواقع واستحضار لأشياء متأصلة في روح هذا الإنسان نفسه ..والملاحظ في قصائدك المنشورة هنا وهناك والمنشورة في دواوينك المعلومة وغير المنشورة هذا النفس الحزين فيها وكذا التعبير في بعض الأحيان بكلمات تحمل حمولات قوية  من التفاصيل التي تتكئ بالعام إلى ذاكرة تأبى النسيان .نسيان الجذور كما أيضا واقع الحال المتغير والمتحرك بشكل سريع . ماذا يمكن  أن تقولي في هذا؟

القلم يترجم فكرا ووجدانا، فيولد النص كما شاء له الكاتب أن يكون، نسخة منه في دفقة شعور، ويولد ذات النص بتعدد قرائه، فمع كل قارئ تكتشف الكثير من الجوانب التي غابت عمن قبله، وعلى العموم فالإبداع لا يخلد إلا إن لامس القلوب وعبر عن الإنسان بكينونته وكونيته.

15ــ أثناء قراءتي للكتب والمجلات وتفحصي لعالم الانترنيت وقعت أمامي مقولة تقول بأن “الكتابة” تموت عندما يموت ضمير الإنسان ويكون الكاتب عبدا مطيعا للسلطة ومسؤوليها.. فما رأي الشاعرة الكريمة رحيمة بلقاس في هذه المقولة وهل تنتفي هنا حرية الكاتب ؟

الكتابة نابعة من الذات، وإذا لم تصدقها القول تأتي لقيطة لا تشبهك، واللقيط لا أب له، هذا قولي في هذا المضمار، علينا ألا ننافق وعلى كل المثقفين أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذا الوطن، إن كانوا يحبونه حقا، وأن تكون كلمة الحق أسبق  وأصدق من أجله وليس من أجل غرض في نفس يعقوب.

16ــ اليوم صار العمل الجمعوي شيئا ضروريا وملحا للنهوض بالإنسان والوطن معا فما نظرتك للعمل الجمعوي هل ترين  أنه يساهم في إيقاظ الهمم لدى الناشئة  أم  أنه مازال لم يرق بعد إلى تلك المهمة الصعبة..؟

في المجتمعات الحديثة، بات العمل الجمعوي الذي من المفترض أن يضطلع به ما يصطلح عليه بالمجتمع المدني، ضروريا وحيويا. لأنه يقوم مقام الدولة بوظائف لا حصر لها: اجتماعية واقتصادية وثقافية وفنية وحقوقية …وفيه يجد المواطن، من مختلف الشرائح والمهن والاهتمامات، ضالته. ويحقق ذاته ومعنى لهويته وإشباعا لروحه وتحقيقا لمصلحته. والأفراد المتلاحمون في التنظيمات الجمعوية ، المتلاحمة بدورها فيما بينها نوعا ما من التلاحم، تحقق في آخر المطاف مصلحة الجماعة، مصلحة الأمة. فكلما كان المجتمع المدني أكثر تطورا، انعكس ذلك اطراديا على أنماط المجتمع والدولة. أي طبيعة النظام السياسي ومستوى تطور الديمقراطية فيه، وأيضا النظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، علما أن مكونات كثيرة من المجتمع المدني تشكل مراكز قوة وضغط لتصحيح الاختلالات التي ترتكبها الحكومات.

17ــ الأستاذة المحترمة رحيمة بلقاس الانترنيت باعتباره من اكتشافات العصر الحديث وثورة في عالم  التواصل ونقل الخبر بسرعة مذهلة فهل ساهم الإنترنت  في بزوغ مواهبك المدفونة خاصة بعالم الكلمة الصادقة.. أم أنه مجرد حلقة تواصل بين مُختلف البشر ؟وما نظرتك إلى الإبداع في العالم الافتراضي.؟

للانترنيت الفضل في عودتي للقلم، والشبكة العنكبوتية حققت تواصلا ثقافيا جميلا لمن استطاع أن يستغلها إيجابا، فالإبداع بكل أشكاله عرف غزارة وتلاقحا على المستوى الوطني والعربي والعالمي، والإبداع يحتفظ بدوره في خدمة التراث والإنسان سواء كان ورقيا أو رقميا، إلا ان الإبداع الرقمي حقق لنا تساوي الفرص في النشر والانتشار، لا فرق بين مبتدئ وخبير، كما أعطانا فرصة كبيرة للاطلاع والقراءة لكل ما جد واستجد في الساحة الأدبية تشكل كبير وسريع.

18ــ ماذا تمثل لك هاته الكلمات: الإبداع، الطفولة، الموسيقى’الزواج’الحب’الكتابة الحرب ‘السلام؟

الإبداع: نعمة.

الطفولة: براءة.

الموسيقى: صفاء.

الزواج: وفاء.

الحب: أمان.

الكتابة: رسالة.

الحرب: خراب.

السلام: أمنية.

19ــ الكلمة الأخيرة للأستاذة الكريمة رحيمة بلقاس.؟

باقة ورد إلى كل عاشق للحرف وللكلمة الراقية والهادفة،وتحية إلى أولئك الذين يشجعونني من خلال متابعتهم المستمرة وقراءتهم لخربشاتي، وتحية خاصة مع كل التقدير للشاعر والإعلامي زهير إبراهيم الذي منحني فرصة للأقرب للقارئ الكريم، وأتمنى أن تكون خربشاتي في مساوى ذائقتكم الراقية وشكرا للجميع.

رحيمة بلقاس الشاعرة المغربية

أغازل حرفي عله ينصفني و يرسمني ذاتا لا طالما حلمت بها....... سعيدة جدا بمرور أحبة الأدب و الاطلاع على كل ما أنشره

وسوم: العدد 800