العطاري: قضية الشاعر بحث دائم عن الوجع الجميل

العطاري:

قضية الشاعر بحث دائم عن الوجع الجميل

عبد السلام العطاري

 العلاقات الدولية / اتحاد كتّاب الانترنت العرب

حاوره: أحمد الخطيب

كان اللقاء مع الشاعر الفلسطيني عبد السلام العطاري، لقاء شعرياً من خلال مشاركته في فعاليات مهرجان عرار الشعري الذي أقيم في حاضرة الشمال مؤخراً، فأنصتُّ له، وهو يقدم مفردة الأرض، مشحونة بجرأة التأصيل، وقدرته على الإتيان بما وراءها من حلم وإيثار وتضحية، العلامات الفارقة التي تميّز تجربته، هذه التجربة التي بدأت في المقالة السياسية، للتوجه أخيراً إلى مقامات الشعر العربي، الديوان الحاضر في الذاكرة العربية منذ الآف السنين.

الشاعر العطاري المولود في بلدة عرابة من أعمال محافظة جنين العام 1965، من المثقفين النشطاء على المستوى المحلي الفلسطيني، والمستوى العربي، قطع في فترة زمنية وجيزة مسافات شاسعة للالتحاق بركب شعراء الأرض والإنسان، حاملا مفردته هوَ، وصوته وبصمته التي أصبحت دالة على هويته الشعرية.

في هذا الحوار نحاول أن نقرأ الشاعر العطاري من خلال أسئلة مفردة ولكنها جامعة لما تتضمنه من خلفيات ثقافية وفكرية.

 هل لنا أن نطلع على صورة عبد السلام العطاري الشعرية؟

 الصورة الشعرية المكوّن الرئيس للنص والرؤيا المكمّلة لقضيته والصورة تشبيه الواقع في مخيلّة يرسمها الشاعر لتطير في سماء بلاغة الفكرة، والفكرة الصورة من واقع معاش لحواري وقيعان الحياة الريفية في بلاد الطفل الذي أبحث عن سيرته عن الطفل الذي كُنته بين ربّات الجرار وقطّافات الزعتر والسارحات إلى السهل والعائدات في ظهيرة تنعف شمسها ظلا على ظلِ فيء حطب يتماوج هودجه على رؤوسهن لتكون الصورة الرافضة للمعاش العادي الهامشي المكتَسب لطفرة التهجين والتدجين، والصورة آية النص في اكتمال فاتحته ...أقول.

 

هناك ثمة واقعة ما تبحث عنها في متون نصوصك، ربما هي واقعة الحبّ أو الحلم أو التمرّد على الأشياء الجامدة، كيف يرصد الشعر هذه الواقعة على صعيد الرؤى؟

 بطبيعة الحال هذه قضية الشعر والشاعر، البحث الدائم عن واقعته والتعب المستقر الذي لا يفارقهما، الوجع الجميل في وخزاته، فكلما تقدمنا أكثر في النبش عنها كانت ترافقنا وتتكاثر لتكون غير حلم وغير حبّ، وان سيطر الحبّ والحلم في الحبيبة على روح النص في وجهين لجسد واحد اسمها الأرض وتعويذتها صلوات مريم حين تهز جذع نخلتنا لنعيد تذوق شهد الرّطب ونغمض العينين على حلمِ الحلم بها، لذلك تلك القضية في النص الشعري، والقصيدة الذي لا تحمل قضية، أي قضية تحمل لها دلالتها الحياتية، تكونك الجسد الجامد بلا روح بلا معنى وهي النص الساكن في عتمة الزوال بلا روح.

 ربما نتصور تقاربا ما بين المثقف والسلطة، فإلى أي مدى يستطيع المثقف الحفاظ على هوية النص الإنسانية غير المتصالحة مع النظم الحالية في إطار هذا التقارب؟

أعتقد أن هذه المسألة في الألفية الثالثة وفي ظل المتغيرات الكثيرة التي أحاطت بنا من انفتاح كوكب الأرض على اتساعه دون انغلاق لنوافذ ودون حواجز وحجّاب بيننا أصبحت لا سلطة غير سلطة المثقف على نفسه (في أغلب الأحيان) وأصبح الواقع غير ذلك فالمثقف هو الحرّ في تقديس حرّية الثقافة وخطابها المفتوح دون تحفظات ودون خروجها عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحافظ على إنسانيته وإنسانية المتلقي، واعتقد أن التقارب بين المثقف والسياسي لا يمكن أن يتحقق إلاّ بمقدار معرفة السياسي أن المثقف بوصلته وحارس مهمته في سياقها الوطني، فالمثقف مَطلبي بالطبع وهذا شيء مؤكد وهذه مهمته الطبيعية التي تقضي بأن يكون على حدّ ثغر الحياة بكافة مهماتها وأطرها الاجتماعية والسياسة والاقتصادية واليومية بمختلف صنوفها؛ كون المثقف هو نائب الجماهير تحت قبة سماء الكون في رفع خطابها شعرًا رواية نصًا مقالة .. إلى أخره. لذلك أعتقد أن المثقف الحقيقي القادر على خلق التوازن بين ( الأنا والنحن) غير الساعي للاكتساب او تحقيق مصالحه الخاصة؛ أينما كان سيكون كما هو عليه، واقترابه من السلطة هي المحطة الكاشفة التي تكشف وجه المثقف الحقيقي عن غيره.

 ماذا عن «عرّاب الريح» ؟

 فكرة عرّاب الريح كانت منذ العام 2006 عندما كتبت قصيدة عرّاب الريح وكانت الرغبة أن يكون اسم الديوان في تلك الفترة الذي جاء باسم( دوثان) وعندما كانت قصيدة ( دوثان) ملت لرأي أصدقائي وتحديدا الصديق الشاعر مراد السوداني بأن يكون اسم الديوان ( دوثان) لما للنص من حكاية المكان وبطل المكان وعلى مواجهة مع حالة الاستلاب للأرض وللاسم معًا، ونُشرت قصيدة ( عرّاب الريح) في سياقه إلى ان صار وتحقق في العام 2013 ( عرّاب الريح) بكامل صورته وبكامل مجموعته عن دار الشروق. فإذا كان ( دوثان) يتحدث عن المكان البطل فإن ( عرّاب الريح) يتحدث عن الإنسان البسيط المحبّ والفلاح العاشق لأرضه والمرأة التي تجدّل شعرها تحت فيء زعرورة في تلال بلادي واختصر أن ( العرّاب) اتخذ من الإنسان بطلا لقضيته الشعرية.

 ماذا عن المشهد الثقافي الفلسطيني؟

 المشهد الثقافي في بلادي:( دهشة؛ صدمة؛ فراغ وامتلاء) وأنا في حيرة من أمري مع توصيفه ليس من باب الإحباط إذا ما وجدتني في صدمة وفراغ، أو من باب التفاؤل إذا ما كنت في دهشة أو امتلاء. لا ادري إلى أين تشير بوصلة المشهد في مركبٍ تكثر فيه عصيّ التجديف ويقلّ المجدّفون، الخطاب غير الخطاب واللغة وعاء مخروم يتساقط المعنى على أرض فسرعان ما يتبّخر، واعتقد هذه حالة المشهد الثقافي العربي، في ظل حالة عدم فهمٍ حقيقي لمعنى الفعل الثقافي في ظل الكتابة من أجل استعراض بطولات وهمية تخضع لإستراضاءات قرّاء مجهولين واستعطاف أعجاب أو ما يسمى في لغة الثقافة الإلكترونية (like).

ما هو جديدك؟ وإلى أين يتجه موضوعا وتحديدا؟

 لا أفكر كثيرا وإنما الفكرة هي من تجدني وتفكّر بي، وأعني حقيقة ما أقول، فالصدفة في السؤال لو كان هذا السؤال منذ وقت لن أجد جوابا له، لأنه لا تحضيرات لفكرة في فكرتي، فأنا ما زلت احترم الفكرة عندما تَحضُرَني وتُحضِرُني إليها لأكون معها وفيها وتستدرجني إشراقتها إلى فضاء جديد رحب، لذلك الآن هو السؤال في حينه ووقته لأنني في تحضيرٍ لمجموعة شعرية تحمل( عنوان الليلما بعد الفاصل) فإذا كان (دوثان) هو بطل المكان و(عرّاب الريح) بطله الإنسان، فهذه المرّة ستكون الحبيبة هي قضية (الليل ما بعد الفاصل) وبطلته الوحيدة.