مع الشاعرة سوزان سامي

الشاعرة سوزان سامي لـ مجلة سطور :

الوطن حاضر في كل نصوصي

حاورها / وسام الفرطوسي

هناك من زاخو بدأت صرختها الاولى للحياة لتشهد بغداد والموصل طفولتها ونضجها وعشقها للادب العربي ،كانت تحن حنين الطير الى الازقة الطينية هناك في زاخو، كانت تبكيها احاسيسها لذكرياتها ،ما دفعها لتوثيقها منذ ضغرها ،ترى في ذكرياتها جمال لا يضاهيه جمال، تتذكر كلمات كتبتها لأمها وهي تحبو بسنينها الاولى، منذ ذلك الحين كانت تعرض بضاعتها للمتلقي وكان متلقيها الاول والدها الذي ما كان يصدق ان هذه اليافعة تكتب بأناملها الصغيرة، مما بعث الزهو بنفسها ودعاها هاجسها في ان تقف الى جانب قلمها وتخط نتاجها .

س- كيف ترسم الكاتبة والشاعرة سوزان سامي بداياتها..؟ ومن هي هذه الكاتبة التي وقعت اناملها هوامش الكتابات..؟

البداية يرمي بها القدر في طريق الانسان. أن يخلقك الله وفيك الشِعر تلك هي البداية. في أعوامي القليلة الأولى، سبع أو ثمان منها، مدّ لي أبي المغفور له بالكتب الصغيرة لكنها لم تتسع لرغبتي وقابلياتي الاستيعابية، فجاء بأخرى أكبر من عمري فابتهجتُ بها وقرأتها، حينها تنبأ لي أبي بالكتابة. في الثانوية احتضنت رغبتي في الكتابة مدرسة اللغة العربية في الموصل وفاجأتني بفوزي بقصة قصيرة كنت قد كتبتها في درس الانشاء، هي أرسلتها للمسابقة السنوية في المحافظة. سعادتي كانت لا توصف بأول فوز لي، أحرزت المراتب الثانية والثالثة لثلاث أعوام متتالية.

شغفي بالقراءة لا حدود له، وأكتب كلما اختنقت الكلمات في داخلي. أكتب حتى أحس بالنشوة وأقرأ حتى أسترد ما فقدته من الخيال. أحب التمرغ في الوهم والتلاعب به.

س- هل تجد سوزان سامي نفسها مبعثرة بين الشعر والقصة إلى جانب انشغالاتها ، وهل حققت سوزان ما ترغب ..؟

ليست بعثرة بقدر ما هي حيرة مرتبة، فأحياناً أحب أن أجمع بين القصة والشعر في نص واحد، أكتب القصة شعراً أو أكتب الشعر قصة حسب ما يمليه عليَّ الظرف الواقع آنذاك، لكني أجد ذاتي في القصة أكثر وأطمح لكتابة الرواية ممستقبلاً. كما أن للترجمة مكانتها الخاصة عندي فقد زاولتها طوعاً لسنين في كندا وامتهنتها بعد ذلك، أنا أعتبر الترجمة مروضة ومجددة للأفكار والخيالات وتدفعها للولوج في عوالم جديدة باستمرار، لكن تبقى للقصة القصيرة الغلبة في ميولي الكتابية، وهذا مقطع من قصة قصيرة بعنوان ( الحبل) من مجموعتي القصصية ( يُفضي إلى الجنون) الجاهزة للطبع في بغداد:

(المساء حائر كعادته بعد كل غروب، المركب القديم الذي أفنى طفولته وشبابه عليه لم يعد يصلح ليمخر عباب البحر. قدماه الحافيتان تحملان جسداً مريضاً، هزيلاً بظهر محدودب. يتكئ على عصا غليظة بينما يعود لبيته مردداً على طول الطريق: "لا إله إلاّ الله" عند كل خطوة. يجوب الأزقة غير آبهٍ بالحجارة أو بحرارة التراب، يتجه بعينين ضريرتين لبيت من القصب لا باب له ولا شباك ولا تفترش أرضه سوى بضع علب مفككة من الكارتون. يجلس على أحدها بينما يجدل شرائطاً مبللة من ألياف النخيل ويبرمها ليصيّرها حبلاً طويلاً متيناً يلفه على ركبته المثنية ثم يبدأ بصقله وإزالة الزوائد).

بالنسبة للطموح فأنا لا أزال في بداياتي ولا أظن بأنني حققت ولو جزءً يسيراً من طموحي في عالم الكتابة لكنني ألقي بما في جعبتي على الورق دون أن أخطط، ولماذا أكترث؟ أنا أختنق، والكلمات تحتضر في خيالي فلأكتبها قبل أن يتقاذفها النسيان وتمضي للخواء، لن أدعها تتلاشى دون الامساك بها. سألقمها نار هواجسي وانفعالاتي لكني أتمنى في قرارة نفسي أن أكتب الرواية وأطمح لذلك.

س- ما الغالب على قصائدك وهل هناك ابهام..؟؟ وهل هناك من لا يفهم قصائدك ..؟؟

المشاعر التي لا تتحرك باتجاه الانسانية من الأفضل لها أن تنتهي أو تموت. كتبت للجمال بكل أشكاله، جمال الحب، والصديق، والأم والرجل والطفل والنبات والحيوان، كل شئ جميل يثير فيّ الكتابة والتصوير الشعري أو القصصي. هذا مقطع من قصيدتي ( النورس الهارب):

أشتاقك يا بحراً لا أتشبع بملوحته

ضمني كنورس هارب لأيامك الحزينة

فأنهال عليك بالقرنفل الأحمر

مرّغ جدائل خريفي برضابك

جللني بضياء من نجومك القابعة هناك

س- قيل عن سوزان قلم حسن ونشاط احسن واختيار جميل. وقيل الكبيرة دائما قلبا وقلما .ما تقولين لهولاء؟

أقول بأن قلبي كبير بحبي لكم وقلمي كبير بثقتكم واعتزازكم بما أكتب. أنا فعلاً سعيدة جداً لأن الآخرين يحسنون فهمي وقراءتي. كل نشاط أقوم به خاصة في المهجر هو انعكاس لمحبتي وفخري بالوطن أمام الثقافات الأخرى والله الموفق لنا جميعاً.

س- هل تسعين لكتابة نص مفتوح ؟

لم يسبق وأن فكرت بكتابته لكن لا مانع عندي من التفكير فيه رغم أن النص المفتوح بحاجة لتفرغ وتركيز واهتمام ولن ينجح إذا ما تبعثرت اهتمامات الكاتب وأنا اهتماماتي موزعة بين الشعر والقصة والترجمة ماعدا قراءة الروايات التي تأخذ مني وقتاً طويلاً.

س- كيف تتمخض كتابة وولادة القصيدة الشعرية لديك، وهل هي من خيالك، أم استيحاء حالة ما؟؟

الشعر حالة الهام وهطول للكلمات على أرض الخيال الذي يمتلكهُ كل شاعر. حينما أمرّ بحالة شعورية معينة كالفرح أو الحزن أو الغضب إلخ.... ينعكس ذلك على دواخلي فتخرج الصور لا إرادياً وأحس بأن دفقاً من الكلمات يريد أن يخترق رأسي لينزل على الورق أو في الحاسوب، الشعر هو غالباً خيال بأساس من الحقيقة.

س- ما هي علاقتك بالكتابة ؟ لمن تكتبين ؟ وما هي الرسالة التي تودين إيصالها ؟ وهل لديك مؤلفات؟؟

لا أدري كيف أصف لك علاقاتي بالكتابة، أعتقد من الأفضل أن أصف علاقتي بالكلمات، بها أستدل على طريقي وأتجنب الضياع، بالكلمات أحدد رؤيتي للأشياء، للجمال، للقبح، للحب ، للكره وهكذا. أكتب للجميع، لأني أهتم بأن يقرأ لي المثقف والمتعلم ونقيضيهما من الجنسين وبكافة الاعمار. صوتي يحمل معاناة الانسان في كل شئ ومن كل شئ. الانسان الشرق أوسطي هو قضيتي، أكتب له ومن أجله وعنه ويهمني أن يقرأ لي ويفهمني.

صدرت لي مجموعتان شعريتان بالعربية ( دوّامات من العسل الماطر) و ( تريمتان لمنفى واحد) خلال عامي 2011 و2012 ومجموعة بالانكليزية ( في الظل) عام 2013 ، كما لي مجموعة قصصية بالعربية ( يُفضي إلى الجنون) تحت الطبع في بغداد ومجموعة قصصية بالانكليزية ستجهز للطبع خلال شهر من الآن ان شاء الله، وقد ترجمت رواية للروائي سعيد رزفان زاخولي من الكردية للعربية لصالح المركز القومي للترجمة في القاهرة عام 2012 وكذلك ترجمت مسرحية الربيع الأسود للدكتور المسرحي المعروف حازم كمال الدين من العربية للانكليزية لتقدم كمسرحية على خشبة المسرح في كندا الشهر القادم، وكذلك ترجمت رواية لأحد الروائيين العرب من العربية للانكليزية وسأعلن عنها حينما يسمح لي مؤلفها بذلك.

س- هل ما زلت تتبعين الايادي العابثة بقلمك ؟؟

لازلت وسأبقى، أنا مع من يقف ضد العبث بحياتنا، العبث الذي خلق الضياع والجهل والعنف واليتم والترمل والفساد. قلمي مسخر لمحاربة العابثين مهما بلغت سطوتهم. كتبت قصيدة (نبض يحتضر) وهذا مقطع منها:

اعتقيني ياسياط القهر من جبل يموت

بفخاخ ترتكب الخطيئة

ها أنا ذا والنزع الأخير نلتهمني

يقضمني الهجير كواحة حمراء تهرسها الضباع.....

س- ماذا كتبتي عن المرأة شعرا ومقالا ؟؟

كإمرأة لست راضية تماماً عما كتبت بشأنها، لازلت في حيز التقصير، لا أقول المتعمد لكن التقصير من قلة الحيلة. لازلت بحاجة لأن أكتب لها وعنها، فهي مضطهدة المضطهدين كما تقول الدكتورة نوال السعداوي. المرأة الشرق أوسطية تقضي حياتها بين المطبخ والسرير وإذا حاولت أن تخرج من هذه الحدود التي رسمها الرجل لها فهي تجابه نتائج أكبر من طاقتها في الاحباط والاذلال وسرقة الجهد.

س- كيف تصفين علاقتك بالآخر؟

ايجابية قدر المستطاع، لا أحمل كرهاً أو ضغينة داخلي للآخر وحينما أشعر بكراهية الآخر لي أحاول أن أتوارى عن حياته كي لا أسبب له أو لي ألماً أو شعوراً معيناً كالغضب مثلاً. قليلون هم من ارتبكت علاقتي بهم كأصدقاء.

س- هل كان في قصائدك عتابا ولمن ؟؟

نعم في نصوصي الشعرية أو القصصية يحتل العتاب حيزا كبيراً ومهماً، فقدعاتبت من يظلم ومن يرتضي الظلم كمبرر لتلافي العواقب. عاتبت الخائن واللص والجبان والمخادع والعنيف والمهزوز والمهزوم (امرأة كانت أم رجلاً). يجب أن نعالج السلبية في شخصياتنا من خلال ابراز نتائجها في الشعر والقصة. هذا مقطع من قصيدتي ( شهقات سياط) من قصائد المجموعة الشعرية الثانية كتبتها بعد أن انتهيت من قراءة رواية الخبز الحافي للروائي محمد شكري:

نمّ أيها الممسوخ

تأوه وأنت تفترس البغايا

باعد بين ندين في اراجيح المساء

حدج في خطيئتك

انزع غطاءك

تداع كثور جاهز للسلخ

التهم بقايا النتن العالق في فمك

ليسيل كمياه ساخنة بين ساقيك...........

س- كيف تجدين الضفة الاخرى بعد ان عبرتي؟؟ " حين أنهكني المدّ في العبور الى الضفة الأخرى"

وجدتها منهكة مثلي، وحيدة وتتطلع إلى الحياة والحب. وجدتها تبكي أياماً ضاعت هباء وزمناً مجهولاً قد يضيعها أكثر. الضفة الأخرى عالم يمتاز بالمغامرة والمخاطرة وانتظار المفاجأة. هذا النص ( الضفة العمياء) كتبته وأنا في قمة البحث عن ذاتي، ترجمته للانكليزية ونال اعجاب من قرأوه في كندا من الشعراء والمثقفين، وهذا مقطع من النص:

ممنوعةٌ أنا، منذ أولِ قُبلةٍ، من ارتشاف شفتيك

حسناً،

سأكتفي بحدادي عليهما،

أراقبُ الملكوتَ يموت فيهما ثم يحيى

يحتضر بي السبيلُ

فألقي بأرضي على كتفي، وشمسي تبارك سكوني

أظلّ أجري وأجري

فتبكي الشوارع وتتعب الطرقات

انتظرني ياصديقي، فالمواعيد ماتتْ قبل عام

س- بماذا حاكيت الاطفال وهم يتجرعون الالم ؟ بماذا حاكيت الامهات اللواتي ثٌكلن بأولادهن؟

كتبت نصوصاً شعرية وأخرى قصصية للطفل الذي ذهب الإرهاب أو الفقر بأحد أبويه أو كليهما. تألمت لمستقبله المفعم بالمخاطر وهو لوحده في طريق مليئة بالذئاب والثعالب البشرية، حاكيت فيهم البراءة المذبوحة والجمال الحزين والموهبة الضائعة والطموح المشوه، كذلك جسدت حزني وغضبي في نصوص من شعر أو قصة للأمهات اللواتي ثكلن بأولادهن وحرمن من فلذات أكبادهن بلا ذنب أو مبرر سوى أن الإرهاب يريد ذلك، حاكيت فيهن الدموع التي لا تنضب والقلب الذي لا يكف عن النحيب والذكرى.

س- ما مدى حضور الهمّ الوطني في كتاباتك؟

الهم الوطني هو الحاضر دوماً في ما أكتب وحتى إن كتبت في الحب فأنا أعني الوطن ضمنياً. نعتب على الوطن ونتعبه في عتابنا لكنه يغفر لنا ويحبنا ولا يعتب علينا يجب أن نكتب للوطن، لقد نزف كثيراً ولا زال ينزف. لقد تجاوز الانسان في ايقاع الظلم بالوطن والأغرب أنه يعتب عليه.

س- ما حكاية قصيدة/ أ,ب,ت,ث ؟

هذه الكلمات قفزت إلى خيالي كانعكاس لفترة طويلة من تفجيرات سادت مدن العراق. أثار غضبي استخفاف الارهابيين بالوطن والمواطنين. أعتبرهُ نصاً بسيطاً بروح الحماسة والحب. هذا مقطع من النص:

أ , ب, ت ,ث

بؤر في مدن عرجاءْ

تملاُ هذا الوطنَ سمّاً

وتسدُّ عليه اﻷنباءْ

تختارُ لهباً من ماءٍ

كيف بلهبٍ أصله ماءْ

ما مدى تأثير الكلمات التالية بسوزان سامي :

الخيانة : لا أخلاق.

الحب : شعور سامي.

الموت: حق لكنه مخيف.

كلمة اخيرة تقولها سوزان سامي للآخرين ؟

الحياة قصيرة فلنستغلها في الحب ومن أجله بشرط أن لا يكون على حساب سعادة الآخرين. محبتي لسطور المعروفة بحرصها لتقديم الأفضل وامتناني لها لمنحي فرصة اللقاء بالقارئ الكريم من خلالها.