حوار مع الأستاذ إحسان قاسم الصالحي

حوار مع الأستاذ إحسان قاسم الصالحي

حوار : الأستاذ عبد الحكيم قماز – الجزائر

 وُلِدَ عام(1936) بمحلّة (المصلّى) بكركوك في جمهورية العراق من أبوين وسط عائلة معروفة ذائعة الصيت، من أسرة تعليمية محبة للعلم والعلماء والكتب ، مترعرعاً في كَنَف الأستاذ العلاّمة اللغويّ والتاريخيّ  ( قاسم بك بن مصطفى بك الصالحي)  - أول مدرّس للغة العربية في (ثانوية كركوك) عند تأسيسها في عقد العشرينيّات ولغاية الخمسينيّات من القرن العشرين ، حيث تخرّج من بين يديه معظم مثقّفي ( محافظة كركوك)، والذي ظلّ مرجعاً لألوف من طلاّب العلم والمعرفة باللغتين العربية والتركية وأدبائهما وشعرائهما والسابرين في أغوارهما، حتى وافاه الأجل سنة(1963).

هكذا تربى استاذنا الصالحي في رياض الكتب منذ نعومة أظفاره . وكان يقرأ الكتب العربية والتركية ويهوي الرسم والخط لذا توطدت علاقاته مع مشاهير الخطاطين أمثال الخطاط التركي حامد الآمدي والخطاط هاشم البغدادي ومهدي الجبوري ووليد الاعظمي وعلي الراوي .

أكمل استاذنا الصالحي دراسته الابتدائية والثانوية في كركوك والتحق الى كلية التربية- قسم العلوم -  الفرع البايولوجي سنة 1954 ببغداد وتخرج فيها سنة 1957 . وطيلة هذه الفترة كان يجتمع مع الشيخ أمجد الزهاوي ومحمود الصواف ونجم الدين الواعظ في مجالس علمية .

أحيل على التقاعد بعد أن أمضى (27) عاماً في التدريس .

ترأس مؤسسة الأماني الإسلامية في محافظة كركوك سنة 1961 م .

مختص في الدراسات النورية .

وحالياً مشرف عام مركز النور للدراسات الحضارية والفكرية باستانبول .

شارك في العديد من المؤتمرات والندوات حول رسائل النور  داخل تركيا وخارجها ، كمصر، المغرب، الجزائر،الأردن، سوريا، اليمن، استراليا، الفلبين، ماليزيا، الشارقة ...وغيرها

حاوره الاستاذ عبد الحكيم قماز :

ما سبب اهتمامكم بترجمة ونشر ''رسائل النور'' لبديع الزمان النورسي؟

 ج/ بدأ اهتمامي برسائل النور عندما رأيت الإيمان الحيّ والسلوك القويم لدى طلاب النور، عِلمًا أنهم لا يُجيدون قراءة القرآن ولا أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، لأنّهم مُنِعوا من العربية سنين طويلة، لكنّ رسوخ الإيمان في سلوكياتهم أقوى بكثير. إعجابي بأخلاق طلاب النور دفعني إلى قراءة رسائل النور بلهفة، حيث انبهرتُ بهذا الكلام الجديد، عِلمًا أنّي قرأتُ ''في ظلال القرآن'' لسيد قطب 25 مرّة، وكلّ كتب الفكر الإسلامي للمودودي والندوي وأبو زهرة وغيرهم، لكنّني وجدتُ كلامًا قارًا وكأنّني أقرأ القرآن من جديد، وكان ذلك في سنة 1976 .

مَن أسَّس مدارس النور؟

ج/ مدارس النور ليست مدارس تقليدية، وإنما مساكن للطلبة الجامعيين على الأكثر، يعيشون فيما بينهم سلوكا إسلاميا وإيمانيا، وهي وقف لله تعالى، أوقفها أصحابها لطلاب النور من كل الاختصاصات: الهندسة، الطب، الآداب وغير ذلك، ويكون على رأسهم مدبّر، يجمعون الجيران والأقارب وغيرهم ويدرسون هذه الرسائل يوميًا بعد كلّ صلاة أو في أيّام معيّنة.

وهل كانت مدارس سرية؟

ج/ لا، ليست مدارس سرية، ولا هي مدارس معلنة، وإنّما كما قلت سابقًا.

كم يُقدَّر الآن أتباع مدارس النور؟

 ج/ لا يمكن حصر عددهم، لأنه ليس تشكيلاً كعمل التنظيم، ولهذا لا توجد إحصاءات حقيقية، وكلّ ما في الأمر أنّك لا تجد قرية ولا شارعاً ولا زنقة، كما يقولون في اسطنبول مثلاً، إلاّ وتجد فيها مدرسة نورية، بينما لا يعرف النّاس هذا.

ما مضمون رسائل النور؟

ج/ هو تفسير حقيقي للقرآن العظيم، والنورسي يقول: ''ما كتبتُ إلاّ ما شاهدتُ''، هذا كلام غريب.

وهل هو تفسير على منهج الصوفية؟

ج/ لا، ليس صوفيا، النورسي يقول إنّه ليس بصوفي، فهو يتّفق معهم في شيء ويختلف معهم في شيء، يتفق معهم في الزُّهد والتّقوى، الإيثار وغير ذلك، ويختلف معهم في عدم وجود البيعة ولا أوراد معيّنة، وهو يحبّ كلّ الطرق الصوفية، لكنّه لا يربط نفسه ولا طلابه بها.

إذاً، رسائل النوّر تفسير للقرآن العظيم؟

 ج / نعم، رسائل النور تفسير حقيقي للقرآن العظيم، وكيف نفهمه في الوقت الحاضر، فهو إنزال القرآن الكريم على الوقت الحاضر، أو إسقاط الوقت الحاضر على القرآن العظيم، فهي تجعلك تمشي مع القرآن، فكلّ مَن يقرأ رسائل النور يجد أنّ أجزاء من جسمه قد تغيَّرت، ليس الفكر فقط، بل القلب والروح أيضًا. فعندما تقرأ رسائل النور، وتقرأ الآيات الكونية وتنظر إلى الكون، تقرأ تجلّيات أسماء الله الحسنى في كلّ شيء، وهذا شيء جديد لا يوجد في التفاسير الأخرى. تقرأ أسماء الله الحسنى عندما تنظر إلى الجبل أو إلى البحر أو إلى أيّ حادثة كونية كالزلزال أو غيرها، وحتّى لو نظرت إلى شجرة تقرأ تجليات أسماء الله الحسنى، أنت تقول هذه شجرة البرتقال، لكن انظر تجلّي اسم الحيّ والقيوم والقدرة والحكمة والغِنَى والخبير وغير ذلك، وهذا يكون عند طالب النور آنيا، لكن عند غيره يكون شيئا افتعاليا، فالأول ينظر بدقّة للأمور التي حوله.

هل يمكن للشباب وحتّى الحركات الإسلامية الاستفادة من تراث النورسي؟

 ج/ نعم، يمكنهم الاستفادة من تراث النورسي، إذا تمكّنوا من التغلُّب على ما عندهم، لأنّ الشخص المنتمي إلى جماعة أو إلى حزب إسلامي أو إلى حركة إسلامية، يعتزّ بما هو موجود عنده، ومن الصعب أن يقرأ شيئًا آخر، وحتّى إذا قرأ شيئًا آخر يقول الموجود عندنا أحسن. فتراث النورسي يفيد حركته وحركة غيره، فالصوفي إذا قرأه سيستفيد، والسلفي إذا قرأه سيستفيد، وحتى الإخواني لو قرأه سيستفيد، وأيّ حركة يمكن لها أن تستفيد من فكر النورسي، وحتّى الحركات الغريبة جدًّا يمكن لها أن تستفيد منها، لأنّ الرجل يتكلّم عن شيء فطري.

هل تعتقد أنّ القادة الإسلاميين في تركيا وعلى رأسهم أردوغان وغول وداود أوغلو وقبلهم أربكان، هم من خريجي مدارس النور؟

 ج/ لا، ليس هكذا، كلّهم استفادوا من رسائل النور، وحتّى أردوغان عندما كان رئيسًا لبلدية اسطنبول زار أحد مؤتمراتنا وألقى كلمة عظيمة جدًّا قال فيها: ''رسائل النور خزينة، وكنز يبحث عمّن يكتشفه''، ونشرنا هذه الكلمة في مجلة النور، وداود أوغلو أيضا استفاد من رسائل النور .