مع الكاتب السوري صاحب رواية "القوقعة"

الكاتب السوري صاحب رواية "القوقعة":

الانتفاضة السورية صاغت هوية جديدة للمواطنة 

فاطمة عطفة

القدس العربي

كاتب وطني حر وإنسان مناضل في سبيل حلم اشتراكي لم تستطع قسوةالطغيان وظلمات السجون المتعددة طوال 13 سنة أن تطفئ نور ذلك الحلم الإنساني الذييؤمن به ويكافح في سبيل تحقيقه من خلال إبداعه الأدبي ودراسته للقانون والتعمقبمعرفة حقوق المواطن وواجباته. 

طموحا للوصول بالمجتمع إلى مستوى حضاري منالعدالة والمساواة والمواطنة المحمية بقوة دستور عصري يراعي الحريات الديمقراطيةوبناء المؤسسات في ظل نظام سياسي عادل قائم على إرادة الشعب واختياره الحر. إنهمصطفى خليفة، مبدع رواية 'القوقعة' التي ستظل علامة فارقة في تاريخ الأدب السوريالمعاصر، وشهادة إنسانية لا تنسى ضد الظلم والاستبداد. وفي هذه الأيام الدمويةالعاصفة التي تمر بها سورية، ما زال الأستاذ خليفة محتفظا بهدوئه وعمق تفكيره ولمتستطع حالة الاستبداد التي تعيشها بلادنا أن تغير من صلابته وشموخه واعتزازه بوطنهوالأمل بمستقبل ديمقراطي كريم. لقد تفضل الأستاذ مصطفى مشكورا بهذا الحوار، وأتركهمع قراء 'القدس العربي' ليحدثهم عن رؤيته لما تمر به سورية والتضحيات التي يقدمهاشعبنا في سبيل الحرية والكرامة. 

بداية هل تعتقد أن الأجواء الكابوسية التيصورتها في روايتك 'القوقعة' يمكن أن تعود إلى سورية؟ 

' لا أعتقد ولا آمل ذلك،فالظروف المحلية والدولية التي ساهمت في إطلاق يد حافظ الأسد في سورية هي غيرهااليوم. 

' ولكن ماذا يجري اليوم في سورية؟ 

' اسمحي لي أن أستعير عبارة للأستاذمحمد حسنين هيكل لأقول: إنّ أسوأ وأقذر ما في سورية يحاول أن يقتل أنبل وأطهر مافيها. النظام السوري بكل ما عرف عنه من وحشية وهمجية يحاول أن يقتل شباب وأطفالسورية وبكل الوسائل والطرق الإجرامية المتوافرة بين يديه. وهي ليست قليلة. 

' بصفتك حقوقيا، وأنت سجين سياسي سابق، برأيك هل ما يجري في سورية هو نتيجة لسنواتالقمع السابقة؟ أم كما يدعي النظام أن هناك من يحرك الخيوط في الخارج؟ 

' إذاعلمنا أن حافظ الأسد وخلال فترة حكمه التي استمرت ثلاثين عاما قد قتل عشرات الآلافمن السوريين وسجن مئات الآلاف وشرد خارج الوطن ما يزيد عن المليوني سوري، وهذا أمرلم يألفه الشعب السوري ولم يقم به أي حاكم لسورية، منذ معاوية بن أبي سفيان وحتىاليوم. ولنتصور أنه خلال أكثر من ( 1400) عام من تاريخ سورية، بما فيها حكمالدويلات والمماليك والعثمانيين والفرنسيين، كان الأسد هو الأكثر تنكيلاً بحق الشعبالسوري. والآن وعلى ضوء الثورات العربية أعتقد أن الشعب السوري ليس بحاجة لمن يحركهمن الخارج فكل أسباب الثورة متوافرة داخليا. إضافة إلى كل هذا فإن الغرب بكامل دولهوإسرائيل خاصة تستميت لبقاء النظام السوري لأنه يؤمن مصالح إسرائيل الحيوية فيالأمن والهدوء على الحدود الشمالية لأنه فعليا قد حيَّد الشعب السوري في الصراعالعربي – الإسرائيلي عبر تحطيمه وتفريغه من الداخل. 

' إذن وقبل الدخول فيالتفاصيل أود أن أسأل: كما ترى من الذي يحكم سورية الآن؟' 

' الحقيقة أن هذا سؤالصعب جدا، ولا تمكن الإجابة عليه استناداً إلى معطيات ومعلومات دقيقة وموثقة،فالنظام السوري نظام باطني وغير شفاف مطلقا، بل الأصح أن نقول معتماً. ولكن،واستناداً لما يتوافر من مؤشرات يمكن البناء عليها، يمكن القول إن بشار ليس هو رجلالنظام القوي، أو بعبارة أخرى ليست لديه قوة وسلطة والده حافظ. وبشار كان الحلقةالأضعف ضمن عائلة حافظ المؤلفة من الأب والأم والأشقاء الخمسة، ولولا سخريات القدرالتي أدت إلى موت أخيه الأكبر بهذه الطريقة لكان الآن جالساً في عيادته ينتظرالزبائن والمرضى. 

على كل حال هذه الحلقة العائلية الضيقة لها دور كبير في حكمسورية، طبعاً بإشراف وتوجيه محمد مخلوف وهو خال الرئيس الذي لعب دور الوصي على بشاربعد وفاة الأب، ويقال إن محمد مخلوف يلعب هذا الدور بناءً على طلب حافظ الأسد قبيلوفاته. وبما أن سورية دولة أمنية بامتياز فمن الطبيعي أن يكون لمجموعة المراكزالأمنية دور هام أيضاً في صياغة سياسات النظام وعلى الأخص الداخلية منها. وهنا أشددعلى كلمة 'مراكز' وليس على كلمة 'أشخاص'. 

' إذن، كيف تبدو لك ردود فعل النظام فيمواجهة الأحداث وخاصة ما ورد في خطاب الرئيس أمام مجلس الشعب؟. 

' دعيني أقولشيئا قد يبدو مستغربا أو مستهجناً لدى الكثير داخل سورية وخارجها، فلو أن بشارالأسد كان يملك مواصفات القادة التاريخيين ورؤاهم وإلهامهم لتحول إلى عبد الناصرجديد. ولم يكن مطلوبا منه الكثير! فقط أن ينزل إلى الشارع على رأس الانتفاضةالسورية متبنياً مطالبها. ولن تنبذه الانتفاضة لأنه يملك ثلاثة جوازاتسفر: 

أولا: الشباب. والثورات في الوطن العربي هي أساساً ثورات شباب. 

ثانيا: حملات العلاقات العامة التي دفع من أجلها ملايين الدولارات للشركات الأجنبية لأجلتسويقه وتلميع صورته داخليا وخارجيا وقد نجحت هذه الحملات نسبياً. 

ثالثا: الممانعة اللفظية للسياسات الإسرائيلية – الأمريكية، هذه السياسات المكروهة جداً منالشعوب العربية عامة ومن الشباب العربي خاصة، والتي تجعل كل من يعارضها 'حتى لوكانت المعارضة ليست حقيقية' شخصيته تتمتع بشعبية بين العرب كافة. إذن، لو استطاعبشار التقاط اللحظة التاريخية لكان أصبح بطلاً ولكان أضفى على حكمه ونظامه الشرعيةالتي يفتقدها ولقاد سورية إلى مرحلة جديدة موفراً الكثير من دماء السوريين وآلامهم. وأكثر من ذلك لكان أصبح الرمز الأكبر للثورات العربية الشبابية بدءاً من تونس ومصروليس انتهاءً بسورية. ولكن ماذا فعل بشار عوضاً عن هذا؟ فضَّل أن يقود حفلة تهريجلبضع مئات من المنافقين جعلهم يتقافزون حوله هاتفين مهللين وبما يرضي جنون العظمةالمتنامي لديه، إن صورة بشار وهو يقهقه منتشياً وممتلئاً بالسعادة داخل مجلس الشعبتفتقر إلى الذوق واللباقة واللياقة 'وهذا أقل ما يمكن أن يقال 'ولا تعبر عن رجلدولة مسؤول لا تزال دماء الشباب الذين قتلتهم قواه الأمنية وحرسه الجمهوري طرية علىأرض درعا وحوران. أما خطابه الذي ألقاه، فلا أقول إلا ما وصفه به أحد شباب الفيسبوك: إن كلام الرئيس بشار إما أن يكون كلاما فارغا، أو كلاما مليئا بالكلامالفارغ. 

' ماذا عن الفتنة الطائفية؟ هل سورية مقدمة على فتنة طائفية؟ 

' هذهالمسألة تحتاج كلاماً هادئاً ومنطقياً. وطبعا المقصود هنا فتنة بين السنةوالعلويين. لنتأمل الصورة الآن في سورية، في الطرف الأول نجد الانتفاضة السورية وهيتجتذب وتحشد بشكل متزايد يوماً بعد يوم المزيد من الشباب السوري ومن مختلف أطيافالشعب السوري، ومن بين عشرات الشعارات والهتافات لم يلحظ أحد ولا أية إشارة أو شعارذي مضمون طائفي حتى ولا تلميحاً. لا بل على العكس هناك تأكيد صارم على وحدة الشعبالسوري ومطالبته بالحرية والكرامة لكل أبناء الشعب ودون تفريق مذهبي أو قومي. وفيالطرف الآخر نجد التحالف بين النظام الأمني وبين رجال الأعمال 'وهم في غالبيتهم منالسنة، تجار دمشق وصناعيي حلب'. هذا التزاوج بين السلطة والنفوذ من جهة وبين المالمن جهة أخرى هو الذي ينجب الفساد. 

أقول إن هذا الحلف سيلجأ إلى كافة الأسلحةالمتوافرة بين يديه لإجهاض وإفشال انتفاضة الشباب هذه. ومن بين هذه الأسلحة 'الفتنةالطائفية'، ولكن هذا السلاح سيكون السلاح الأخير، لأن الفتنة الطائفية من الخطورةإلى درجة أن هذا التحالف إذا أشعلها فإنما يكون يريد هدم المعبد على من فيه، وستحرقنار الفتنة الطائفية أول ما تحرق الطرف الأول من التحالف وهو النظام الأمني ممثلاًبالرئاسة والحرس الجمهوري والأجهزة الأمنية. أما الطرف الثاني وهو التجاروالصناعيين فلديهم المرونة الكافية لكي ينفدوا بجلدهم بأقل الخسائر. ورغم كل هذاأعتقد أن السؤال الرئيسي هو: هل هناك احتمال باندلاع فتنة طائفية في سورية؟. 

إنالانتفاضة السورية – ككل الانتفاضات والثورات – بدأت بصياغة هوية جديدة للمواطنةالسورية واستطاعت بنجاح لا بأس به خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة نسبيا أن تنسفمعظم التأسيس الذي دأب حافظ الأسد ونظامه على بنيانه والذي يتلخص بمقولة: 'أنا أوالفتنة الطائفية' أو 'أنا أو الفوضى'. واستطاعت هذه الانتفاضة العودة بالمجتمعالسوري 'أقله على المستوى الطائفي والعرقي' إلى مرحلة ما قبل حافظ الأسد، والكليعرف أن المجتمع السوري قبل حافظ الأسد كان قطع شوطاً كبيراً في تجاوز العشائريةوالطائفية والعرقية وصولاً إلى المواطنة. 

' ماذا يجب عمله لتجنب الفتنة؟ 

' الأسباب الأهم التي تقول باستبعاد الفتنة الطائفية لها علاقة بالطائفة العلويةذاتها، من المعروف أن هذه الطائفة تفتخر بوطنيتها وسوريتها وبتاريخها النضالي فيالدفاع عن حرية واستقلال سورية، وتعتبر نفسها جزءاً أصيلاً ومكوناً أساسياً منمكونات الشعب السوري. على كل حال لا أريد أن أطيل كثيرا – رغم أهمية وحساسيةالمسألة – ولكن أريد أن أقول أيضاً: أن الطائفة العلوية زاخرة بكم كبير من المثقفينوالمتعلمين وهؤلاء لا يمكن تجييشهم عبر الخطاب الغرائزي والطائفي. ولقد سبق للطائفةأن ردت على حافظ ورفعت في ثمانينيات القرن الماضي عندما حاول التلويح بالحربالأهلية أثناء صراعهم مع الإخوان المسلمين وكان الرد: نحن لا نقبل أن يكون أبناؤنافي القبور وأنتم في القصور. لكل ما سبق لا أعتقد أن لدى الطائفة العلوية استعدادلتحمل وزر جرائم آل الأسد. خاصة وأن بعض هذه الجرائم كان موجهاً إلى الطائفة نفسها. 

' لقد أعلن الرئيس والمسؤولون السوريون عن تبنيهم لمطالب الشباب وأن هناك حزمةمن الإصلاحات منها منح الجنسية للأكراد ومشروع دراسة رفع قانون الطوارئ. 

هلتعتقد بجدية هذه الإصلاحات؟ 

' أولاً أعترض على كلمة 'منح' الجنسية، والقضيةتتلخص بأن هناك مجموعة من الأكراد متواجدة في الجزيرة السورية تم سلبهم أحد حقوقهمالأساسية وهو الحق بالجنسية، والآن إن إعادة هذا الحق لهم لا يعتبر منحاً كما أنهليس إصلاحاً. أما قانون الطوارئ فهنا أريد أن أتكلم كحقوقي وكسجين سياسي سابق لأقولأن النظام السوري قد نجح تكتيكياً نجاحاً كبيراً عندما أوصل الناس إلى قناعة بأنهيقدم تنازلاً كبيراً في هذا الموضوع!! وحقيقة الأمر ليست كذلك، فمسألة الحرية فيسورية لا علاقة لها بقانون الطوارئ الذي لم يطبق في سورية منذ أن تم فرضه – وللعلمفإننا كسجناء كنا نتمنى أن يطبق هذا القانون – لأن ما كان يطبق هو أسوأ بآلافالمرات من قانون الطوارئ، الذي هو على الأقل يحتوي على ضوابط قانونية ويحترم بعضالحقوق الأساسية للمواطن، ولنقل جمد الحياة على سبيل المثال فقانون الطوارئ لا يسمحبالتعدي على هذا الحق، ولكن الواقع الموجود في كل السجون وفروع الأمن أن حق الحياةغير مصان في سورية، وآلاف السوريين ماتوا تحت التعذيب دون أن تكون هناك أية مساءلةقانونية للجلادين. إذن قانون الطوارئ هو قانون كغيره من القوانين وهو فقط يضعقيوداً على بعض الحقوق الأساسية للمواطنين. أما واقع الحال في سورية فهو دولةاللاقانون، الدولة الأمنية ذات الصلاحيات المطلقة، والتي تملك حق الحياة والموت علىالمواطن، ولذلك فإن أية مقاربة لمسألة الحرية في سورية يجب أن تمر عبر هذهالبوابة. 

' هناك شعارات يرفعها الشباب منها الحرية، هل سيستجاب لبعض منها؟ 

' طبعا الشباب يرفعون شعار الحرية كشعار رئيسي وإذا قرر النظام الاستجابة لهذا الشعارعليه أن يقوم بخطوة عملية واحدة وهي: تفكيك وإلغاء الدولة الأمنية البوليسية، ومنثم يستتبعها بخطوات تشريعية وهي: رفع حالة الطوارئ – وهذه من اختصاص الرئيس دستورياولا تحتاج لتشكيل لجنة – ومجموعة القوانين الاستثنائية التي مكنت الأجهزة الأمنيةمن السيطرة على الدولة والمجتمع. 

' في النهاية إلى أين ستصل سورية برأيك؟ 

' قبيل اندلاع الانتفاضة في سورية اجتمع الرئيس السوري مع مجموعة من مستشاريهالأمنيين ورؤساء الأجهزة الأمنية، وكانت حصيلة هذه الاجتماعات المكثفة وضع خطةلمعالجة أية احتجاجات محتملة على غرار الاحتجاجات في تونس ومصر، ومحور هذه الخطةكان اعتماد المعالجة الأمنية كحل وحيد وناجع. ويمكن تلخيص هذه الخطة الأمنية بعنوان'الصدمة والرعب' والتي تقتضي أن تكون القوى الأمنية جاهزة لأن تضرب أية بؤرةاجتماعية بقوة ساحقة، تصدم المحتجين وتشلـّهم وتلقي الرعب في أوصال المجتمع السوريعامة. وتقوي جدار الخوف القائم أصلاً في نفوس الشعب – ولا يستبعد أن تكون الأجهزةالأمنية قد قامت باستفزاز أهالي مدينة درعا لجرّهم إلى الاحتجاج ومن ثم تطبيق هذهالخطة. ولكن ثبات وبطولة أهالي درعا 'التي أضحت ضميرا لسورية' أفشل هذه الخطة، فلاحوران صدمت ولا سورية ارتعبت. ولذلك أقول إن إصرار النظام على الحل الأمني فيمواجهة الانتفاضة قد أدخل البلاد نفقاً لا تبدو نهايته واضحة. ولن يغامر أحدبالتنبؤ في الإجابة على هذا السؤال. وقد تنجلي الأحداث في النهاية عن سيناريو سوريخاص على غرار السيناريو التونسي أو المصري أو الليبي. فلا يبدو الآن أن هناك شيئامؤكداً. ولكن المؤكد بالنسبة لي أن الرئيس بشار لا زال يستطيع أن يؤثر على مجرىالأحداث سلباً أو إيجاباً – إذا كان هو صاحب القرار فعلاً – وبقليل من الشجاعةوالجرأة يستطيع أن يتخذ قراراً بتفكيك الدولة الأمنية، والدعوة إلى حوار وطني شامل،على طريق سورية ديمقراطية.