حوار مع الشاعر الإسلامي الأستاذ طاهر العتباني

حوار مع الشاعر الإسلامي

الأستاذ طاهر العتباني

حوار: صهيب محمد خير يوسف *

[email protected]

في بدايات تطلعي إلى عوالم جديدة في الشعر الإسلامي، وفي أثناء بحثي عن المختلف في هذه المدرسة الأدبية، التي تواصل عطاءها منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة عام، وتحديداً في شهر شعبان من عام 1425هـ، كانت معرفتي بالشاعر الكبير الأستاذ طاهر العَتَباني، من خلال مجموعته الشعرية (الجواد المهاجر). ومنذ ذلك الحين، وبناءً على مقارنته بالكثيرين، رأيت أن هذا الشاعر شُعلة مضيئة وصوتٌ مختلف في مسيرة الشعر الإسلامي الحديث؛ وذلك للخصوصية الشعرية والهوية المتفرِّدة التي تميز بها عن غيره، مما يجعل له مكانة خاصة بين الشعراء الذين اشتغلوا على تطوير المفهوم الإسلامي للأدب.

ومن هنا كانت أهمية هذا اللقاء المطول الذي تفضل فيه ضيفُنا - مشكوراً - بالإجابة عن الكثير من التساؤلات حول الأدب والشعر، وحول مسيرته الأدبية والإبداعية:

- لنعُد في البداية إلى الوراء عقدين أو ثلاثة.. هل تؤرخون لنا أبرز محطات الكتابة التي مررتم بها طوال تلك السنوات؟ وكيف ومتى كانت البداية الجديدة الحقيقية؟

- اسمح لي أولاً أن أتوجه بالشكر لشبكة الألوكة على دورها الرائد في خدمة قضايا الثقافة الإسلامية المعاصرة، وبخاصة (موقع حضارة الكلمة) الذي يهتم بمسيرة الأدب الإسلامي، ويبذل القائمون عليه جهداً مشكوراً في خدمة الأدب الإسلامي.

أمَّا ما يخص البدايات فقد كانت البداية الأولى إرهاصاً بقول الشعر في أواخر المرحلة الابتدائية، حيث كان لي شغف بتقليد الأناشيد والمحفوظات التي أحفظها في المدرسة، تمخضت هذه الإرهاصات عن كُراسٍ به بعضُ ما كتبتْ يد الطفل مما كان يترنم به ظانًّا أنه أناشيدُ وشعرٌ كالذي يقرؤه ويحفظه في مقاعد الدرس. كما كان يقيم جدي – في هذه الفترة - في بيتنا جلسة إنشادٍ شعري في المدائح النبوية أظن أنها كان لها الأثر الكبير في صقلِ حاسة التنغيم في نفسي في تلك السن.

في المرحلة الإعدادية أذكر أنَّ معلم اللغة العربية أوقفني في الفصل ليخبر الطلاب أن زميلَهم طاهراً كتب قصيدة عن فلسطين في موضوع الإنشاء...

كل هذا كان مشجعاً لي في ذلك الوقت على أن أتقدم أكثر نحوَ معرفة حقيقة الشعر الذي لم أكن عرفت عنه قصةَ البحور والأوزان التي أتقنتها في بداية المرحلة الثانوية وعرفت أنَّ ما كنت أكتبه ينقصه دقةُ الوزن. عندها أذكر أني فقدت ذلك الكرَّاس الذي كان يحتوي ما كتبته في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.

وفي نهاية المرحلة الثانوية استقامت لي القصيدة لغةً ووزناً، وبدأتُ الدخول في مرحلة البحث عن حقيقة الشعر وحقيقة القصيدة.

بدأت في المرحلة الجامعية قراءة الشعر بكثرة، قديمه وحديثه، واستوقفني بصفة خاصة من المعاصرين ثلاثةٌ: شوقي والشابِّي ومحمود حسن إسماعيل. وكان كل شاعرٍ يعجبني ويؤثر فيَّ أكتب عنه قصيدة كبرهان إعجابٍ به.

ثم بدأت التعرفَ على القصيدة التفعيلية بعد أن أتقنت الكتابة تماماً في الشكل العمودي، فقرأت الحداثيين ممن وقع شعرهم تحت يدي، لا من مصر فقط ولكن من خارج مصر، مثل السياب ودرويش والحيدري والبياتي، وتأثرت بهم كثيراً، وكتبت شعراً كثيراً جدًّا في المرحلة الجامعية، لي فيه رؤيتي الذاتية التي لم تكن منفصلةً عن الرؤية الفنية عند هؤلاء جميعاً.

ثم كانت مرحلةُ تحوُّلي إلى تبني واستلهام الرؤيا الإسلامية للأدب...

- (وعلَّمَني أن أشقَّ الحروفَ، وأُخرج من جوفها الصدقَ والمستحيلْ.. وعلَّمني أن أهزَّ النخيلْ.. وعلَّمني كيف أرسمُ للأرضِ شكلاً جديداً وأغمرَ أرباضَها بالخيولْ)... ماذا عن المحرِّك الأساسي الذي حدد توجهكم إلى الأدب الإسلامي؟

- الحقيقة أني مع كل مرحلةٍ من المراحل السابقة كانت تطرح على نفسي أسئلة كثيرة، تتلون بسِمات كل مرحلة، وفي ختام المرحلة الجامعية وجدت كتاباتِ من قرأتُ لهم - وهم كثيرون جدًّا - لم تحل لديَّ إشكالاتِ كثيرٍ من قضايا الحياة والمجتمع، ووجدتُني مشدوداً إلى محاولة التعرف على الصحوة الإسلامية التي أجابت كتاباتُ كثيرٍ من روادها على أسئلةٍ كانت عالقة لديَّ. من هنا بدأت أتعرف على الأدب الإسلامي من خلال كتاباتٍ مبعثرة هنا وهناك وبمواصلة البحث والتنقيب تكاملتْ لديَّ فكرةٌ مبسَّطة عن الأدب الإسلامي ظلَّت تتعمق بعد ذلك أكثر وأكثر.

- وصلتم، مع قلَّة من الشعراء، إلى بدايةٍ أو نواة لحراك أدبي مختلف، ومشهدٍ شعري إسلامي جديد، له سِمات فنية حديثة، خاصة، ومختلفة عن سمات مُجايليكم وعمن سبقكم من رواد هذا الاتجاه، خصوصاً في مجال شعر التفعيلة وفي تحديث النص الشعري وتطوير فنياته عمقاً، شكلاً وضمناً، ليكُون نصًّا نخبويًّا. فكيف تبلورت لديكم هذه النزعة؟ ولماذا اخترتم هذا الأسلوب؟

- أعتقد أن الفترة التي سبقت الالتزام بالتصور الإسلامي للكون والحياة الإنسان والأدب لديَّ ساهمتْ بشكلٍ فاعلٍ في اكتساب الحساسية الجديدة الخاصة، وما كان مطلوباً هو تحويل بُوصَلة هذه الحساسية الجديدة. فالشاعر المسلم يجب أن يكون مسلماً أولاً، وفي إطار عصره وحساسيته وقضاياه ثانياً، لا أن يجتر ما كتبه من سبقوه. وهو لا يعيش بمعزلٍ عن التيارات الجمالية والفنية في عصره، يأخذ منها ما لا يتنافى مع منهجيته التي اختارها لنفسه.

لقد ظللتُ حتى اليوم أتابع ما يكتب غير الإسلاميين من الشعراء والكتَّاب، وأحيانا أجد نفسي أرجع إلى قراءة ما قرأت قديماً لأتلمس حقيقةَ موقف، أو أُلِمَّ بتغيرٍ حدث في البنية المعرفية والخبرة الجمالية لديَّ ولدى الآخرين.

تحديث النص الشعري وتطوير فنياته عُمقاً، شكلاً وضمناً، يحتاج إلى ديمومة المتابعة لأنك في سِجال من خلال أدبك وشعرك مع الآخرين، هكذا تعلمت من حسَّان، الذي لم يترك السجال مع الآخرين لحظةً، وديوانه شاهد على ذلك. الخبرة الفنية أتعلمها من الجميع، مَن أتفق معهم مضموناً ومن لا أتفق معهم، ومِن هنا يكون التجديد، إضافةً إلى أنك استوعبت ما عند الآخرين.

- هل يمكن أن نعتبر ذلك التحديث نوعاً من "الحداثة الشكلانية"، حيث تتضح فنيَّات الحداثة في الكثير من نصوصكم؟

أولاً: لا مشاحَّة في الاصطلاح - كما يقولون - مادام المصطلح يريد التعبير عن زاوية نظر معينة.

ثانياً: الحداثة في العمل الأدبي، شعراً وغيره، لها جانبان: جانب مضموني – نسبة إلى المضمون - وجانب شكلي:

في المضمون أنا مختلف تمام الاختلاف مع الحداثة، أي في بعدها الفلسفي الذي يقوم على نقض التراث والقطيعة مع الماضي وضرب الثوابت العقائدية والفكرية والحضارية، وأصبح لها امتدادٌ في حقول المعرفة المختلفة. نحن أمة لا ينقطع ماضيها عن حاضرها، وتراثها المعرفي والثقافي مرتبط بدينها وعقيدتها وهو ما لا نفرط فيه أبداً.

أمَّا في مجال الشكل فقل لي بربك: كيف أُحسَب على هذا العصر وأنا لم أستوعب مستجداته المحايدة التي يستعملها الجميع؟ ولذا فعلَيَّ أن استفيد من جوانب من الحداثة تُعتبر إضافةً إلى التراث الإنساني المحايد الذي يمكن أنْ يستعمله الجميع، سواء سميتها "الحداثة الشكلانية" أو سميتها بغير ذلك.

وهنا نقطة خادعة يطرحها أصحاب التجديد الحداثي بجانبيهِ المضموني والشكلي، تتمثل هذه النقطة في طرحهم المموَّه الذي يقولون فيه: إن التجديد في الشكل، الذي هو من مكتسبات الحداثة، لا يصلح إلاَّ مع المضامين الحداثية التي يطرحونها، وقد انطلَتْ هذه الخديعة على كثيرين ممن يكتبون الشعر الحداثي، كما انطلت على كثير من الإسلاميين الذي عكفوا على النموذج القديم وثبتوا عليه.

- ولكن لماذا كان هؤلاء المجدِّدون قلَّةً أو رقماً صعباً؟ وهل لاحظتم عودةَ بعضهم – بعد أن برعوا في تجديدهم - إلى النص المتوازن بين تطلع النخبة والجمهور لا النخبة فقط: هل هو اكتمال لتلك التجربة، أم سعيٌ لإرضاء الطرفين؟!

- هذه طبيعة الأمور.. أنَّ المجدِّدين دائماً يكونون قلَّة، ثم تنتشر رؤيتهم التجديدية في الأجيال التي تليهم، وهنا يصبح ما كان جديداً سائداً. فنحتاج إلى مجددين آخرين ينظرون إلى آفاق أبعد، ويكتشفون مناطق بكراً جديدة، ومن هنا يستمر التقدم كسنَّة من سنن الحياة.

وفي نظري أن الصحوة الإسلامية، على اتساعها، لم تعطِ المسألة الأدبية والشعرية، أو الكلمةَ الجميلة بشكلٍ عامٍّ، الاهتمامَ الكافي. فالخطاب الإسلامي لم يتسع أدبيًّا بالقدر الكافي، وأبناء الصحوة في عمومهم ليس لديهم الثقافة الأدبية الكافية، فالذي يلتزم بدينه من أبناء الصحوة يعكف على قراءة الكتب الفكرية والفقهية والعلمية الشرعية، وقليلٌ هم من يكون له اهتمامٌ أدبي، وإن فَعل فالحد الأدنى، مع أن الأفكار التغريبية ما انتشرت في العالم الإسلامي إلاَّ من خلال الأدب. أفَلا يكون لنا نفسُ السلاح لننشرَ به رؤيتنا الإسلامية؟

أمَّا بالنسبة لقضية النموذج النخبوي والنموذج الذي يتوجه للجمهور، فالنص الجيد يجب ألاَّ يكون مغلقاً تماماً، ويجب ألاَّ يكون بسيطاً لدرجة عدم الاكتراث به من قِبل النخبة. فالأنشودة البسيطة إذا احتوت كيمياءَ الشعر تستطيع أنْ تفرض نفسها على النخبة. وكيمياءُ الشعر في تصوري أمران: الصورة الشعرية، والبناء الفني للقصيدة في إطار معانٍ جديدة، بحيث تتحقق حالةٌ من الشعرية يحملها النص.

- وبناءً على هذه التقنيات الحديثة وتشعُّبها، هل تعتَبر الشعر الذي تكتبه هذه الجماعة "مصنوعاً"؟

- أولاً: أيُّ شعرٍ لا بد له من صنعة فنية. ولقد كانت محاولة الدكتور شوقي ضيف تقسيمَ مذاهب الفن في الشعر العربي إلى ثلاثة مذاهب: الصنعة والتصنيع والتصنُّع، محاولةً موفقة وجديدة من نوعها، أكدتْ أن الشاعر لا بد له من نوع من الصنعة الفنية فيما يكتب، وكان أصحابُ مدرسة التصنع من بينهم المتنبي أكبر شاعر عربي. فالتصنع لا ينفي الفنيَّة في العمل الشعري، المهم أن تبقى في القصيدة الروحُ الوثَّابة والرونق كما كان يسمِّيه نقادنا القدامى، وهذه تصنعها التجربة الثرية.

- لمن تقرأ من الشعراء الآن؟ وبمن مِن الشعراء تأثرت في البدايات؟

- أنا الآن أقرأ الشعر الجاهلي، أو بمعنًى أصح: أعاودُ قراءته مع نوعٍ من الاستقصاء الشامل، وأنوي المتابعة التاريخية للشعر بعد ذلك على سبيل الاستقصاء. أما مَن تأثرت بهم في البدايات فهم الثلاثة: الشابِّي ومحمود حسن إسماعيل وشوقي.

- في حوار أجري منذ سنوات مع الشاعر محمود درويش، قال: بطبيعة الحال تأثرتُ في بداياتي بمحمود حسن إسماعيل. سؤالي هنا: هل يُعتبر الشاعر المصري محمود حسن إسماعيل - يرحمه الله - علامةً من علامات الريادة المبكرة في الأدب الإسلامي الحديث؟ وبماذا تميز في ذلك؟

- بالفعل محمود حسن إسماعيل من علامات الريادة المبكِّرة القوية في الأدب الإسلامي الحديث، ولكنَّ نزعته الإسلامية كانت مشوبةً بحسٍّ رومانسي عميق وأصيل، وإن كانت رؤيته شابها نوع من قصور الوعي بالقضية الإسلامية الكبرى في العصر الحديث.

- وكيف رضاكم عن المشهد الشعري الذي قدَّمتموه وقدمه مجايلوكم عموماً؟ هل وصل إلى طموحاتكم؟ ثم كيف ترون المشهد الشعري الشبابي حاليًّا، هل واصل تطوير ما بدأتم به؟

- الحقيقة أنَّ المشهدَ الشعري الإسلامي ضعيف بالنسبة للمشهد الشعري في العالم العربي بصفةٍ عامة، حيث إن كثيراً من المبدعين والشعراء تسرقهم أضواء الحداثة، وقلَّة هم الذين يحملون الهمَّ الإسلامي والشعري في آنٍ واحد. ويوجد عدد من الشعراء الشباب يحاولون جادِّين الاستمرار، وأعتقد أنهم سيتجاوزون الأجيال السابقة.. لكنَّ أضواء الحداثة وما بعد الحداثة ما تزال طاغية.

- بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية "الكمّ"؟

- نفس ما قلته في إجابة السؤال السابق.. هل لدينا من يكمل مشوار نجيب الكيلاني في الرواية، ويبني على عطاء باكثير في المسرح؟

والأسباب في نظري ترجع إلى أن اهتمامات الخطاب الإسلامي عموماً حتى الآن هي اهتماماتٌ فكرية في المقام الأول وليست أدبية.

- شبابيًّا، اتجه الشعر - الفصيح والمحكي - في عدد من مشاهده الحاليَّة إلى اللغة والتعابير اليومية، وإلى تخفيف نسبة "الإبداع الفني" وتكثيف نسبة "العادي واليومي"، سواء أكان ذلك في قصيدة البيت أم التفعيلة أم النثر.. فهل لكم توجيه حول ذلك؟

- التوجه إلى اليومي ليس عيباً في ذاته، ولكن أن يظلَّ الشاعر ممسكاً بوهج الشعر وهو يكتب؛ تلك هي المسألة. فالشعر الجاهلي مثلاً – وهو النموذج الفريد - كان يتكلم عن أسماء الأماكن والأشخاص والوقائع، ولكن تشعر للقصيدة بروح وأنت تقرأ.

وفي نظري أنَّ قصيدة النثر في نماذجها الجيدة نصٌّ نثري جميل ولكنها ليست شعراً.

- هل تنصح الأدباء الإسلاميين بالمشاركة في البرامج الإعلامية والمسابقات الإبداعية؟

- بالطبع.. ليطرحوا ما عندهم، ولكل مسابقة ظروفها.

- وما رأيكم في "التبنِّي" الأدبي؟ هل أصبح من الماضي؟!

- دور الناقد أن يكملَ مع الأديب عملية العطاء الأدبي. وجناحا الإبداع: الأدبُ من جانب الأديب، والنقد من جانب الناقد.

- نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا "القاص والكاتب والشاعر"، وذلك "الناقد والمسرحي والروائي".. إلَخ. فهل أنتم مع "احتراف" الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

- المسألة مسألةُ إمكانية وموهبة، فقد يكون المبدع موهوباً في الشعر فقط، فبها ونعمت. وقد يكون لديه أكثرُ من قدرةٍ إبداعية، وهو الذي يحدد. فالعقاد مثلاً كان شاعراً وكاتباً نثريًّا ممتازاً، وعلي أحمد باكثير كان مسرحيًّا وشاعراً في نفس الوقت، وإن كان - بالطبع - هناك تميز في أحد الجانبين على الآخر. وقد يجمع الشاعرُ بين كتابة الشعر وكتابة النقد الأدبي، ليصل من خلال ذلك إلى طرح رؤيةٍ ربما لم ينتبه إليها المتخصصون بالنقد فقط.

- هل لكم كتابات أو متابعات لأدب الأطفال؟

- الحقيقة أني لم أجرب الكتابة للطفل إلاَّ بعض أناشيد لم تكتمل، فهذه ناحيةٌ تحتاج إلى قدرة خاصة أظنها ليست موجودة لدي. ولكن اسمح لي أن أقول في هذه النقطة: إن الكتابة للطفل المسلم بشكل خاص مسألةٌ تحتاج إلى ثقافة جد متنوعة، وإحساس بهذا الصغير الذي نحلم جميعاً أن يأتي اليوم ليستطيع أن يحقق من آمال أمتنا ما لم نحقق نحن.

- وماذا عن قراءاتك خارج الشعر؟ وفي الآداب العالمية؟

- الحقيقة أن القراءة في الإسلاميات عموماً أمرٌ متصل معي، أما الآداب العالمية فمنذ فترةٍ كبيرة لم أقرأ مترجمات كالتي كنت أقرؤها من قبل، وكان لي بعض القراءات في النصوص الإنجليزية لإليوت وشكسبير وبعض الشعراء الفرنسيين أمثال رامبو وفولتير، كما قرأت بعض المترجمات من الأدب الألماني.

- كثيراً ما يغفُل الشعراء عن مخاطبة "روح" القارئ والتعمق فيها، وكذلك منهم من لا يجيد التعبير الفني عن "روحه" في مختلف المواضيع. فما مدى حاجة الشعر الحديث إلى ذلك الخطاب اللطيف، الشفاف، والمؤثر؟

- الشعر في الحقيقة هو خطابٌ روحيٌّ وجمالي في آنٍ واحد. هذا الخطاب يخرج في صورة تعبيرٍ فني موحٍ، وإذا افتقد القدرة على الإيحاء فقد روحه وجماله، ومن عناصر هذه القدرةِ على الإيحاء موسيقى القصيدة، ولذلك لا تشدُّني قصيدة النثر إلاَّ باعتبارها نثراً، فمهما كانت شفافةً ومؤثرة لا أعتبرها شعراً، بل أعتبرها نثراً فنيًّا جيداً، وكذلك القصيدة المُمَوسقة تفتقد القدرة على التأثير إذا افتقدت الشفافية والإيحاء.

- يعاني المشهد الشعري أيضاً من تعدد النسخ عن الشعراء الكبار، ومِن حضور هؤلاء الشعراء في مجموعات غيرهم. فبماذا تنصحون لصناعة التفرد والهوية الشعرية الخاصة؟

- صناعة التفرد والهوية الشعرية الخاصة لا يكون إلاَّ بأن يحمل الشاعرُ همَّه الخاص الذي لا يحمله سواه، عندها سيستفيد من الجميع ولن يُشابهَ إلاَّ نفسَه. إننا لا نكتب من فراغ، بل من تجربةٍ نمتلكها ورؤيةٍ للعالم وقضيةٍ نحمل همها بين جوانحنا، يُكمل ذلك انفتاحٌ على التجربة الشعرية عند الآخرين، بحيث تكون له قراءات واسعة في الشعر كله، قديمِه وحديثه، مَن تتفقُ معه رؤيته ومن لا تتفق.

- في كتابكم (معالم على طريق الأدب الإسلامي) كتبتم مجموعة من المقالات حول هذا الأدب، والتي تضمَّنت آراءكم الناتجة بالتأكيد عن فكرِ أديبٍ يشتغل على الإبداع والتأسيس والتنظير في آنٍ واحد، وذلك يختلف عن كتابات من اشتغلوا على النقد والتنظير المجرد. فما الأفكار العامة التي أردتم طرحها في تلك المقالات؟

- هذا الكتاب كُتبَ على فتراتٍ متباعدة، وإن كانت جذوته حيةً في نفسي طوال الوقت، ذلك أني رأيت أن الأدب الإسلامي قصَّر في جانبين:

الجانب الأول: إنتاج النموذج السامق الذي نطمح إليه.

الجانب الثاني: رؤيته للآداب الأخرى، الرومانسية، والرمزية والواقعية والبرناسية والوجودية وغيرها، أخذاً ورفضاً وتأثراً وتأثيراً.

ومن هنا كانت فكرة هذا الكتاب: إطلالة من وجهة نظرٍ إسلامية على الآداب الأخرى التي غُرست في تربتنا الفكرية والثقافية، وموقف الأدب الإسلامي المنشود منها. فتعرضت للكلاسيكية والرومانسية والمدارس التي تلتها، وأثرها في آدابنا المعاصرة، وما كان يجب أن تتمتع به رؤيتنا الأدبية من الاستقلال إزاء هذه المدارس الغازيَة.

ثم في بقية الكتاب رحلةُ بحثٍ عن النموذج الأدبي الإسلامي المنشود، من خلال معالجة مجموعةٍ من قضايا الأدب الإسلامي.

- في السياق نفسه، كيف تقيِّمون الجهود المقدمة في النقد والتنظير لهذا الشعر؟ وهل ترون أن الشعراء استفادوا منها وسعَوا إلى تطبيقها، أم أن النقد كان أعلى من المستوى العام للإبداع؟

- الجهود المبذولة نقداً وتنظيراً للأدب الإسلامي لا تزال - فيما أرى - ضعيفةً جدًّا. فمصطلح الأدب الإسلامي لا يزال حديثَ النشأة في إطار المصطلح النقديِّ المعاصر، ولم تتوالَ الجهود النقدية التي تنظِّر للأدب الإسلامي، فضلاً عن أنَّ النموذج المنتَج حتى الآن من الشعر – فيما أتصور – لم يعطِ للنقد الأدبيِّ الحافزَ الكافي، وهذا لا يُعفي الناقد الأدبي الذي عليه أن ينظر لمرحلة التأسيس التي نحياها اليوم بما يعمِّق الرؤية لدى الشاعر والأديب المسلم. ولكن على الرُّغم من ذلك هناك محاولاتٌ دقيقةٌ مفصَّلة في بعض القضايا، مثل كتاب (النص الأدبي للأطفال) للدكتور سعد أبو الرضا، الذي نشرته رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

- شاعرٌ اشتغل على تطوير إبداعه، ونجح، ولكنه توقف بعد حين. وشاعرٌ ظل يكتب على نسق واحد، حتى أصبح نمطيًّا، ولكنه لم يتوقف. أيهما أهم برأيكم؟!

- الأول أضاف، والثاني يُراوِح في مكانه.

- صدرتْ لك أربع مجموعات شعرية فقط، إضافة إلى كتاب نقدي، فهل أنت شاعر مُقلٌّ؟ أم أنها ظروف النشر؟

- لست مقلاًّ والحمد لله، ولديَّ شعر كثير لم يُنشر. ولكن المشكلة أنَّ كِتاب الشعر عند الناشرين لا يجد - فيما يقولون - حافزاً من القارئ على نشره، فالقارئ يذهب ليشتري كتاباً فكريًّا، والمهتمون بالأدب، وهم قلة، هم الذين يبحثون عن كتاب الشعر، هذا في إطار القارئ المهتم بالثقافة الإسلامية وكذلك الثقافة العامة.

- ألاَ يقودنا التساؤل السابق إلى الحديث عن مقروئيَّة الشعر الإسلامي ومدى قبوله لدى شرائح القراء؟

- كما قلت من قَبل، القارئُ الإسلامي حتى هذه المرحلة من تاريخ الصحوة مهتمٌّ بالكتاب الفكري والفقهي والعلمي الشرعي.

- ما الطموح بالنسبة إلى الأستاذ طاهر.. إلى ماذا يطمح قلمه الشعري؟

- أطمح إلى تقديم نموذج شعري يتفوق جماليًّا على النموذج الذي تقدمه المدارس الأدبية الأخرى، ويدخل إلى حيِّز العالمية.

- ننتظر منكم قريباً مجموعةً شعرية جديدة؟

- بالفعل لديَّ أكثر من مجموعة معدَّة للنشر، فضلاً عن خمس مجموعاتٍ كُتبت في الفترة الأولى من حياتي الشعرية قبل التوجه الإسلامي، ومسرحية شعرية كتبت في الفترة الأخيرة، ولكنَّ العاملَ الحاسم هو إمكانيات النشر.

  * استراحة الجواد:

- لمن تحب أن تستمع من بين مشايخ القراءة في مصر؟

- الخمسة الكبار جميعاً مفضَّلون لدي: المنشاوي، الحُصَري، البنَّا، عبد الباسط، مصطفى إسماعيل. فضلاً عن راغب مصطفى غلوش الذي أحبه كثيراً.

- هل تذكر أول كتابٍ اقتنيته؟!

- ديوان شعر بعنوان (أوراق الفجر) للشاعر فتحي سعيد.

- هل يغيب "الشاعر" عنك أحياناً؟ ومن يحل محلَّه؟

- الذي يحلُّ محل الشاعر هو الباحث في الفكر والثقافة الإسلامية.

- نود أن نقرأ قطعة شعرية.. ولكن بخطِّكم؟

- هذه قصيدة بعنوان (رحلة في قلب الجواد):

رحلة في قلب الجواد (بخط الشاعر طاهر العتباني) تحميل مباشر بصيغة pdf

رحلة في قلب الجواد - تحميل مباشر بصيغة Word

  * عَودة:

- قبل أن نقرأ مجموعاتكم، نودُّ أن تختصروا لنا أهمَّ المرتكزات الفنية التي اشتغلتم عليها في الإبداع الشعري وفي تحديث القصيدة؟

هذه المرتكزات تتمثل فيما يلي:

- تجربة متنامية ملتصقة بقضايا الأُمة وهمومها ووضعها الحضاري في الزمان والمكان.

- قراءة ومتابعة لكل جديد في عالم الشعر والأدب، تتشكل من خلالها عوالم من الرؤى الجمالية المتطورة، التي تأخذ بعين الاعتبار أن الشعرَ لغةٌ وتشكيل باللغة ووعي بالجذور التراثية والقومية والحضارية لأمة الإسلام، وانفتاح على عوالم الآخرين للتحاور معها، وربما الصراع والسجال الذي يعمِّق الرؤية والتجربة.

- إحساسٌ عميق بروح العصر ومستجداته وتياراته وقواهُ الحية، أخذاً ورفضاً وتحاوراً.

- ضرورة ترجمة كلِّ ذلك في فعل الكتابة، ومحاولة اختراق وعي المتلقي من خلال زخمٍ شعري وفني يتعانق مع المتلقي بحميمية وشوق.

- يشكِّل "الجواد" أحد الرموز المهمة في مجموعاتكم، وكثيراً ما يصاحبه رمز "الهجرة"، وقد يلتحمان ليشكِّلا الرمز الكبير المؤسطَر "الجواد المهاجر" الذي يَفيض بالإلهام والاستمرارية. فما خصوصية هذا الرمز لديكم؟ وما أهمية وجود رموز كبرى وصغرى في المجموعات؟

- رمز "الجواد" عندي مرتبطٌ بالفتوح الإسلامية التي غيرت وجهَ التاريخ في القرون الأولى، وظلَّ الحصان/الجواد عندَ العربي المسلم رمزاً لمعاني العزة والنخوة والفتح، وكانوا يميزون الخيلَ العِراب عن غيرها مكانةً واستلهاماً، وكان الشعر العربي كثيراً ما يتحدث عن الجواد، والبيت الشهير:

(أعزُّ مكانٍ في الدُّنَى سَرجُ سابحٍ

وخيرُ جَليسٍ في الزمانِ كتابُ)

ربطَ بين فعل الكتابة وفعل الفروسية.

كلُّ هذا حدا بي - ومن خلال متابعة أشكال التقنية والترميز - أن ينبثق في نفسي هذا الرمز، وأن يمدَّني بكثير من أشكال الإيحاء والترميز، وأن أستلهم من خلال ارتباطاته الرمزية عدداً من القصائد، وأُفرغ من خلاله تجربتي الفنية.

وفي إطار هذا الرمز الكبير ظهرت الرموزُ الأخرى، فكان الجواد/الشعر، وكانت القصيدة التجليَ الحقيقيَّ لفعل الفروسية، باعتبارها استنقاذاً لوعي الأمة بقضاياها وهجرةً بها من حالة التراجع والضمور إلى حالة التقدم والانبثاق.

- إذاً.. مقابل الرموز المستهلكة في الشعر الحديث لدينا رمزٌ شعري إسلامي حَي، عام وشخصي؟

- نعم، ويستطيع كل شاعر ينتمي لمدرسة الشعر الإسلامي أن تكون لديه رموزه الخاصة إن أراد، وتراثنا وعطاؤنا الحضاري قادرٌ على الإمداد بكثير من الرموز.

- (الرؤيا، وحدي أنزف وَرداً وأناشيد، ومن يلملم الضباب عن جبينك الحزين، دمي سلَّم للعروج، من قراءات الجواد)... هل تسعى إلى نشر ثقافة "العنوان الشعري" من خلال عناوين النصوص؟ وهل يعتبر العنوان جزءًا من النص أو من براعة الاستهلال؟

- العنوان حلقةُ الاتصال الأوَّلي، وعلامةٌ أساسية في فهم النص. وقد كتب بعض نقاد الأدب دراسة بعنوان: (العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي) ليؤكد هذا المعنى.

- تعددت "المطوَّلات" في شعركم التفعيلي، مع المحافظة على الجودة الفنية فيها، ويتساءل بعض المهتمين عن أسباب كتابة الشعراء للمطولات؟

- عندما أكتب القصيدة في بدايتها لا أدري إلى أين ستأخذني، ولكن عليَّ أن أحكم لجامها حتى يظل عَدْوها في إطار التجربة، وهي تنتهي عندما أتهيأ أنا وهي للتوقف، فمرة تطول ومرة لا تطول، والسبب في نظري لطول القصيدة أو عدمه هو طبيعة التجربة، ماذا تريد أن تقول؟

- يعبر شعراء هذا الاتجاه عن مهمة الشعر الصعبة، فيقول الأستاذ محمود مفلح: "ويعَلمُ ربِّي أنَّ للشعرِ وطأةً.."، وتقول: "يعذِّبني الشعرُ لا أتقيهْ.. يعذبني الشعرُ لا أنثني عن رؤاهُ ولا أشتهيهْ.. وأُبحر فيهْ.. وأركض فوقَ فيافيهِ معتلياً صهوةً للعذاباتِ والدربُ تِيهْ".. فأين تكمن الصعوبة الإبداعية في القصيدة الإسلامية؟!

- تكمن الصعوبة في القصيدة الإسلامية في أمرين:

الأول: ألاَّ تأخذك المضامينُ الفكرية التي تعالجُها القصيدة بعيداً عن شعرية العمل الشعري بالإيغال في تلك المضامين.

الثاني: ألاَّ تأخذك حالةُ الشعرية التي تعيشها أثناء الكتابة بعيداً عن الرؤيا الإسلامية التي أنت ملتزمٌ بها.

- تميزت نصوصكم بهدوء الصوت، وانخفاض الحدَّة الخطابية، مع التعبير الجميل عمَّا ترون، بينما اختار البعض الأسلوبَ الصريح. سؤالي هو: ما مدى قبول الآخر المغاير في الفكر لكِلا النصين؟

- الأدب لا يكون أدباً إلا بتحقيق الشرط الفني، ولا يكون أدباً مسموعاً ومطلوباً من الآخر إلاَّ إذا حقق الجودةَ الفنية التي هي مِيسَم الإبداع.

- يقول عنكم الدكتور محمد علي الرباوي: "إنه من جيل السبعينات رغم حضور حساسية جيل الثمانينات".. كيف يقرأ شاعر الثمانينيَّات نفسَه وإبداعه في مطلع الألفية الثالثة؟ وماذا ينوي أن يقدم لها؟

- أشعر أن عليَّ الكثير الذي يجب إنجازه. أما مسألة الأجيال فلي فيها وجهة نظر تتمثل في أنَّ تقسيم الشعراء والأدباء إلى أجيالٍ كلَّ عشر سنوات مسألةٌ فيها كثير من التجوز والاختصار، رغم أن النقد يحاول تأسيس ذلك على مجموعة من الملامح الفنية الشكلية، لكنَّ المؤسف حقًّا محاولة النقد الإعلامي خصوصاً ترويج أسماءٍ بعينها داخلَ هذا التقسيم تفرض سطوتها على الواقع الأدبي، في حين أن النقد الأكاديمي يتناول الظواهر المكتملة. أنا لستُ ضدَّ التناول النقدي الإعلامي، ولكن بشرط عدم التحيز لأسماء بعينها يمثلون كل عقدٍ أدبي أو شعري.

- في رأيكم، ما أهم التحديات التي تواجه الأديب الملتزم في هذه المرحلة؟

- هذه التحديات تتمثل في الآتي:

أولاً: استيعاب المنجز الثقافي والأدبي لكلِّ المدارس الأدبية الأخرى والانتقاء منه ودمجه في العطاء الأدبي الإسلامي، مع وعيٍ كامل بخصوصية الذات إزاء هذا الإنجاز الآخر والقدرة على منافسته فنيًّا.

ثانياً: تطوير أداء الأدب الإسلامي في كل مجالات الإبداع والنقد، والإضافة إلى جيل الرواد من أبناء الأدب الإسلامي وعدم المراوحة مكانهم، وذلك لا يكون إلا بالجرأة الفنية كتلك التي فعلها نجيب الكيلاني في روايته (عمر يظهر في القدس).

ثالثاً: تحرير جزءٍ من الخطاب الإسلامي العام لكي يكون أدبيًّا، فتظهر الفكرة الإسلامية في أدبٍ راقٍ وحكمة بالغة.

- وهل تتحمل الجامعات والمؤسسات الثقافية والتجمعات الأدبية جزءًا من الواجب تجاه هذا الأديب؟

- بالطبع.. إذ لا بد أن يتحرك الأديب الملتزم في وسطٍ مساعِد ومُعِين.

- كثرت المنتديات والمواقع الأدبية على شبكة الإنترنت، وانتشرت صفحات الشعراء في المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، وتميز بعضها وأصبح مهمًّا لدى شريحة واسعة من المتصفحين، وقد وجَد الكثير من الأدباء والكتَّاب فيها ما يُشبعون به تطلعهم إلى الانتشار، أو النشر على الأقل. ولكن من النادر أن نجد من يخصص موقعاً لخدمة الأدب الإسلامي ومنهجه وأجناسه، فهل تسلطون الضوءَ على ذلك؟

- هذا الوضع له علاقة بما ذكرناه من قبل، من أنَّ أضواء الحداثة تسرق الغالبية، وما لم يُتدارك الأمر من طائفةٍ من المهمومين بقضايا الصحوة الإسلامية ستُهدَر كثيرٌ من الطاقات والإمكانيات. ومن هذا المنبر أُنادي رابطة الأدب الإسلامي العالمية أنْ تضطلع بدورٍ يدعم دورَ (الألوكة) في ذلك، وأدعو الأدباءَ الملتزمين أن يُظهروا أصواتهم وإنتاجهم من خلال المنتديات والتجمعات المتاحة ويعملوا على إنشاء منتدى يبرز صوت الأديب الملتزم.

- هل تتفقون معي على أن كتابة الشعر المتميز بأسماءٍ مستعارة في شبكة الإنترنت تغيِّب الكثير من المواهب والأسماء المبدعة التي كان عليها أن تظهر لدعم المعرفة والإبداع حقيقةً لا افتراضاً؟

- أظن أن الأديب الذي يعرف قيمة ما يُنتج من أدب لا يخشى أن يبرز اسمه الحقيقي.

- أمامكم أبرز شاعرين إسلاميين في هذا العصر، ونريد تلخيص رؤيتكم حولهما:

1- الأستاذ محمود مفلح.

2- الدكتور عبد الرحمن العشماوي.

- في نظري أن الاثنين ما زال عليهما أن يعطيا الكثير من ناحية الكيف. ولكن اسمح لي أن أذكر إلى جوارهما:

وليد الأعظمي، وعمر بهاء الدين الأميري، ويوسف العظم، وعبد الله عيسى السلامة؛ إذا كنت تقصد بالعصر العصرَ الحديث عموماً.

- كيف يقرأ الأستاذ طاهر العَتَباني الشعر؟ وهل يحكم على بعض النصوص من مَطالعها ثم يتركها بلا إكمال؟

- قراءتي للشعر تبدأ بالتعرف على نصٍّ جيد لشاعر لم أقرأ له من قبل، فربما قرأت شعره كله، وربما قرأته مراتٍ، وربما عدت كلَّ فترة لقراءة أعمالٍ له وقصائد بعينها.

وهناك نصوص لا تسمح لك بإكمال قراءتها.. قد أقرأ عملاً إلى منتصفه ولا أكمله، ديواناً كان أو مسرحية أو قصيدة، أما الآن فأقرأ بقصد الاستقصاء.

- هل من وصايا تضيئون بها طريق الشباب المبدع الذي يسعى جادًّا لإثبات وجوده وتحقيق تميُّزه؟

- أولاً: يجب أن تؤمنوا أنَّ المنهج الإسلامي قادرٌ على أن يحكم حركة الحياة بكل تجلياتها، ومنها الأدب، بشرط أن تتحمسوا له وتدرسوه وتدرسوا تاريخه وثقافته وكل ما يتصل به.

ثانياً: زودوا أنفسكم لكي تقدموا النموذج الأمثلَ للأدب الإسلامي بكلِّ وعيٍ تقدرون عليه، وبخاصة الوعي الفني بكل ما حولكم.

ثالثاً: عيشوا قضايا الأُمة، وتعرفوا على مكانها الحالي في خريطة العطاء الحضاري المعاصر، وتأكدوا أنها محتاجة لكم لكي تواصل السير ويكون لها مكان بين الأمم.

رابعاً: حاولوا دائماً تجاوزَ السابقين بعد استيعابهم، واستشرفوا مناطق بِكراً لتكتبوا لأمةٍ تحتاج منكم الكثيرَ وتنتظر منكم الكثير.

بعد شكري لكم على إتاحة المجال للالتقاء بكم، ماذا تستشرفون في أفق الأدب الإسلامي الرحب.. الآتي؟

مما أستشرفه، رغم صعوبة واقع الأدب الإسلامي:

- اتساع قاعدة الأدب الإسلامي كُتاباً وقراءً، فالعصر القادم هو عصر الإسلام الذي معه سيرتفع شأن الأدب الإسلامي.

- اتساع الأدب الإسلامي، للاستفادة التي تكلمتُ عنها من كل المعطيات الفنية عند المدارس الأدبية الوافدة، وصهر كل ذلك في بوتقته.

... وأشكر للألوكة دورها المشكور في خدمة قضية الأدب الإسلامي.

   (حرر هذا اللقاء بتاريخ 11/4/1432هـ يوافق 16/3/2011).

* سيرة مختصرة:

الأستاذ طاهر بن محمد بن محمد العَتَباني:

أديبٌ إسلامي وَشاعر، من مصر، ولد في 1/9/1962.

المؤهل العلمي: بكالوريوس علوم وتربية – قسم الرياضيات.

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

يقيم حاليًّا في مصر، ويعمل مدرساً للرياضيات.

* الكتب المطبوعة:

1- الجواد المهاجر (شعر)/ مصر: دار الوفاء.

2- الطريق إلى روما (شعر)/ المغرب: مجلة المشكاة.

3- جسد الرؤيا... والروح (شعر)/ مصر: دار الوفاء.

4- أقباس (شعر)/ المملكة العربية السعودية: دار العبيكان.

5- معالم على طريق الأدب الإسلامي (نقد أدبي)/ الأردن: مكتبة مجدلاوي.

                

*    صهيب محمد خير يوسف: شاعر سوري. مهتم بتنمية الإبداع الأدبي، وحاصل على جوائز أدبية عربية في مجال الشعر وشعر الأطفال.