حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة 10

أشرف إبراهيم حجاج

حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة

الحلقة العاشرة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

حوار: أشرف إبراهيم حجاج - إعلامي – القاهرة

[email protected]

[email protected]

إن الحوار مع الأستاذ الدكتور جابر قميحة يمنح المستمع  بل الجمهور كله  عطاء غنيا من عدة جوانب :

جانب البيان الأخاذ الذي يصوغ الحقيقة العلمية في ثوب أدبي دفاق .

وجانب المعايشة للواقع الذي تعيشه الأمة ويعيشه الفكر .

وجانب الصراحة التي تنتصر للحق ، بصفة دائمة .

وقد أدرت معه هذا الحوار يوم 21 / 2 / 2011 . بعد أن نجح شباب مصر في ثورته المجيدة :

س : أستاذنا الكبير ما أهم سمة تميز هذه الثورة ؟

ج  كأنما الأستاذ على الغاياتي  رحمه الله  كان ينظر إلى هذه الثورة من ستر رقيق وهو يقول :

باسم الكنانة واسم شعب ناهض          لا باسم أحزاب ولا زعماء

كل  يزول وينقضي أما الحمى          فوديعة     الآباء    للأبناء

وقول شاعر آخر :

 مصر أمي فداء أمي حياتي          سلمت أمنا من العاديات

فالثورة كان أهم طوابعها : المصرية ... فهي ثورة مصرية خالصة قامت من أجل تحرير مصر من الظلم والاستبداد والمفاسد واللصوصية ، داعية إلى العدالة الاجتماعية ، والحرية ، والديمقراطية .

س : هل اشترك الإخوان المسلمون في هذه الثورة ؟ وإذا كان لهم مكان فيها فلماذا لم يصرحوا بهويتهم الإخوانية ؟

 ج : كان الإخوان المسلمون بأعداد غفيرة جدا مشتركين في هذه الثورة ، بل إنهم هم الذين أمنوا ظهرها ، وهذا باعتراف الجميع .

وكانت التعليمات الصادرة إليهم من قيادة الإخوان : عليكم أن تلتزموا بهتافات الثوار الشباب دون أن تهتفوا أي هتاف إخواني ، ولو كان الله أكبر ولله الحمد . والتزم الإخوان بذلك ، وبعضهم جرح من طلقات رجال الأمن .

س : ما رأي سيادتك في الصحف المسماة بالقومية ؟ وقد رأينا أنها قد تحولت إلى النقيض بدرجة 190 ْ فتحولت من الهجوم على الثورة إلى مدحها والثناء عليها ؟

 ج  أنا سبق لي أن سميت هؤلاء الصحفيين  وخصوصا رؤساء التحرير  مدرسة المستنقع ، وبعض هؤلاء كان يتقاضى في الشهر مليون جنيه . ومن هؤلاء أسامة سرايا ، وممتاز القط ، ومحمد على إبراهيم ، ومجدي الدقاق ، وحمدي رزق وكرم جبر ، وعبد الله كمال ، وغيرهم فهؤلاء :

يـقـبِّلون  ترابَ المحسنين iiلهم
إن قال سيدهم " لا " فهْي iiكلمتهم
عُميٌ عن النور، في آذانهم صممُ
يرضون بالدُّون والدنيا إذا iiنعموا



وفـوق  أرْؤسـهم قرَّت لهم iiقدمُ
وإن يقل " نَعَمٌ " قالوا: " نَعَمْ " iiنعمُ
لا  يـنـطـقون بحقّ ؛ إنهم بُكمُ
أمـا إذا حُـرِموا أطماعَهم iiنَقِموا

س : حضر أستاذنا الكبير الدكتور يوسف القرضاوي فخطب في الملايين المتجمعين في ميدان التحرير خطبة الجمعة 18/2/ 2011. فما دلالة ذلك في نظركم ؟

 ج  ألقى الدكتور القرضاوي خطبة الجمعة وصلى بالملايين من الشباب ، كما صلى صلاة الغائب على الشهداء ، وكانت خطبته تحمل قيما إنسانية ودينية وفكرية رائعة ، وهذا يدل على إيمانه بأهداف الثورة ، دون تفرقة بين المسلمين والمسيحين ، فهي ثورة مصر من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية . وهذه المطالب تمثل نخاع الإسلام .

س : ولكننا وجدنا من يهاجم الدكتور القرضاوي ، ويصرح بمآخذ على خطبته ، فما رأيك فيما أثاره بعضهم في هجومهم ؟

ج  إنها كلها كزبد البحر ، ليس فيها مأخذ واحد يقف على قدميه . وهذا يذكرني بقول الشاعر :

 إذا النعجة العجفاء كانت بقفرة          فأيان ما تعدلْ به الريح تعْدلِ

 وعلى سبيل التمثيل نرى أحدهم يقول : لماذا يخطب القرضاوي الجمعة ، والثورة ثورة الشباب ؟ لقد رأيت فيه شخصية الخميني .

وقال بعضهم إنه فرق بين المسيحين والمسلمين فقال : قوموا إلى الصلاة أيها المسلمون ، وكان من المفروض أن يقول : أيها المسلمون والمسيحيون ( !!! )

يا عجبا لهذا الدعيّ : !!! أيريد أن يدعو المسيحين إلى صلاة الجمعة ؟ !!!!!

مع أنه في بداية خطبته قال : أبنائي من المسلمين والمسيحين ...

س : ما رأيك فيمن يدعو إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام ؟

 ج  إن هذا من أعجب العجب ، بل من المؤسف والمخجل ؛ لأن تجريد الدستور من هذه المادة يعتبر رفضا لواقع الأمة التي أغلب من فيها من المسلمين ، ثم إن الإسلام يعترف بالأديان السماوية كلها ، ولا تعترف به الأديان الأخرى ، أو دعاة هذه الأديان ، وليس في ذلك أي تعصب وتفريق لعنصري الأمة كما زعم الدكتور جابر عصفور الذي قال : إن هذا النص ضد المواطنة ، ويرى ضرورة إلغائه . بل إن الإسلام يدعو إلى حب الوطن ، والإخلاص له ، وقد جاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب مكة وهو في المدينة فيقول : " أمَا والله لأخرج منك ، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ ، وأكرمه على الله ، ولولا أن أهلك أخرجونى منكِ مَا خرجت "

ويروى أن بلالا ( رضي الله عنه ) كان يقول وهو في مرض الموت :

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة      بواد  وحولي  إذخر  وجليل

وهل   أردن  يوما مياه مجنة      وهل تبدون لي شامة وطفيل

الوادي : هو وادى مكة . وإذخر وجليل : نباتان .

ومجنة - موضع على أميال من مكة ، كانت إحدى أسواق العرب في الجاهلية ، وشامة :  جبل بالساحل جنوب غربى مكة ، تجاوره حَرَّة تسمى " طفيل" ، فيقال : شامة وطفيل ، وهما من ديار الجحادلة من كنانة.

 س : ما رأي سيادتكم فيما يدور في ليبيا الآن ؟

 ج  ما يدور في ليبيا الآن ثورة ربانية هادفة . فالثوار يحرصون باستماتة على تخليص ليبيا من الظلم والاستبداد والغباء والهوس ، وكلها معان تتجسد في المدعو معمر القذافي الذي يحكم ليبيا بالحديد والنار 42 عاما ، وفي خطابه الأخير يقول : إن هؤلاء المجرمين يدعون إلى أن أستقيل من الحكم ، وقد جهلوا أنني لست رئيس جمهورية حتى أستقيل وأترك منصبي ، ولكنني قائد الثورة الليبية ، وسأظل قائدا إلى الأبد .

وما أرى القذافي إلا رجلا مختل العقل ، وقد بلغ به الهوس أقصى مداه ، وهذا الخلل ليس جديدا عليه ، فمن قبل كتب غثاء سماه قصصا ، ووجد من جوقة المنافقين من يجعل منه رائد القصة في العصر الحديث .

وفي خطبه كان يصف رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بأنه مجرد " بوسطجي " ينقل ما يقوله الله . كما جرح أئمة الأمة وعلماءها من أمثال : ابن تيمية ، وسيد قطب .

ونصب نفسه " ملكا " على أفريقيا بكل دولها .... إلى آخر ما يصم هذا الإنسان المختل . ومن رآه في خطابه الآخير يرى مخلوقا ممسوخا ، فقد كل أعصابه والبقية الباقية من الطابع البشري ، وماذا يقول الإنسان وهو يرى أن ضحاياه قد جاوز عشرة آلاف موحد ؟ وماذا يقول الإنسان وهو يرى شعبا مسلما ثائرا وهو يُضرب بالصواريخ والطائرات ؟ والبلطجة في إرهاب الشعب ، ويسمي ذلك حربا مقدسة ضد المجرمين والجرذان ( الفئران ) . وكذب فمازالت الثورة ينضم إليها كثيرون من رجال الجيش ، ومن الشعب ، ومن الذين رافقوا القذافي في القيام بالثورة ضد الملكية .

فأنا لم أبالغ حينما قلت إن الجنون والهوس والاختلال قد بلغت أقصى مداها في هذا المسخ معمر القذافي .

 س : ما رأي سيادتكم في ثورة الشباب الذين يجتمعون بصفة شبه دائمة في ميدان التحرير ؟

ج  إنهم يمثلون الثورة الحقيقية التي ولدت مصر من جديد ، وكان لها أثرها ورنينها وتأثيرها في كل بلاد العالم . وما نراه في ليبيا واليمن والجزائر والمغرب إنما هو مرتبط بهذه الثورة المباركة . وقد نظمت فيها عددا من القصائد التي نشرت في عشرات من مواقع الانترنت ، ولم أتمكن من إلقاء واحدة منها ؛ لأن مرضي يحول بيني وبين الوصول إلى ميدان التحرير . ومن هذه القصائد قصيدة إلى الثائر الحر ومطلعها :

 *********

 ولكني كأب اقترب من الثمانين أقول لأبنائي الثوار :

11-  لا تيأسوا ، لا تيأسوا ، وثقوا أن الله ناصركم لأن ثورتكم ثورة ربانية ، تريدون بها إنقاذ مصر من الظلم والطغيان والضياع ، ولا تريدون من ورائها مغنما دنيويا . وقد كتب الله على نفسه نصر المؤمنين .

2-  أرى أن تختاروا منكم مجلسا من سبعة أو عشرة أعضاء على وعي عميق شامل بمسيرة الثورة وأهدافها ، يمثلونكم في المجالس الحكومية المختلفة إذا طلبوا للحوار .

3-  جميل أن تصروا على أن تكون الوزارة كلها من أعضاء من غير العهد الأسود البائد ، وبهذا تضمنون نقاء أعضائها ، وكذلك رئيس الجمهورية . ولكني لست معكم في مسألة اشتراط السن ، أي أن يكون سن العضو أو المرشح أقل من خمسين عاما ، أو يزيد عليها بقليل . فيجب ألا تنسوا أن المسألة ليست مسألة سن ولكن لا تنسوا أن الخبرة ضرورية في شخص العضو أو المرشح ، مهما كانت سنه .

وفي النهاية أبارك ثورتكم ؛ فأنتم روح الشعب ، وروح العدل والحرية .

*********

 وفي النهاية أقول : شكرا يا أستاذنا العظيم ، وأدعو الله أن يتم شفاك ، وينفع بك الإسلام والمسلمين ، والعرب والقيم الإنسانية العليا .