مع الأديبة الجزائرية زكية علال

مجلة أخبار الثقافة

الأديبة الجزائرية زكية علال لمجلة أخبار الثقافة:

أنا امرأة تدحرجت من فتنة إلى فتنة. ومؤلم جدا أن تحس أنك مطعون في انتمائك

كاتبة جزائرية متميزة، لها حضور جميل رغم أنها تعاني من التعتيم، ورغم أنها من جيل أدباء أخذوا مكانتهم الأدبية سواء داخل أو خارج الجزائر، لكنها تظل كاتبة أنيقة في لغتها، وإن بدت خطواتها بطيئة، إلا أنها ثابتة وقوية، بحيث من الصعب حذفها من المشهد الأدبي الجزائري كقاصة جيدة، وككاتبة تعد واحدة من الأسماء الجزائرية الجميلة بحق.. في هذا الحوار، فتحت لنا زكية علال فضاءاتها الأدبية، حيث استطعنا الدخول إلى عوالمها الإبداعية، لمعرفة رأيها في أشياء تخص الثقافة والمثقف في الجزائر وفي الوطن العربي..

مجلة أخبار الثقافة: كيف تقدم زكية علال نفسها للقراء؟

زكية علال: أحفظ مقولة للصديقة والروائية ياسمينة صالح " أنا متحدثة سيئة عن نفسي" .. لا أعرف كيف أقدم نفسي للقراء، ومع ذلك أقول أني امرأة تدحرجت من فتنة إلى فتنة، وتقلبت بين هزائم ونكسات تنتشر على خارطة الوطن العربي، فكانت النتيجة هذا الكم الهائل من الوجع الذي تحمله أعمالي الأدبية والذي يحسه القارئ عند قراءة نصوصي، ويشفق عليّ أحيانا منه.. أنا جزء من خارطة هذا الامتداد العربي الذي لم يعرف طعم الانتصار من قرون، ولم تحالفه العزة والكرامة منذ تولى أمرنا حكام ليسوا من صلب أحلامنا، ولا من فصيلة تطلعاتنا.. حكام يقيمون عروشهم على أجسامنا الهشة ويعجنون ملكهم بملح عرق نغرق فيه ونحن نكدح لنوفر لقمة العيش لأطفال تضيع منهم ملامح الوطن على طاولات "الكاوكاو" والسجائر... مؤلم جدا أن تحس أنك مطعون في انتمائك..

مجلة أخبار الثقافة: أنت قاصة أيضا.. دعيني أسألك عن الكتابة السردية، ماذا تمثل بالنسبة إليك ككاتبة، وكيف تنظرين إليها حين تتحولين إلى قارئة؟

زكية علال : السرد ليس مجرد ذكر لتوالي الأحداث، بل هو عملية إبداعية تتطلب معرفة بأدواته.. السرد هو فن له تقنياته التي يجب على الكاتب أن يمسك بها، ويطلع عليها ويكون على دراية بأسرارها، أولا: لكي تسهل عليه العملية ولا يجد مشقة، وثانيا: لكي يصل بسرده إلى قلب وعقل القارئ.. فعندما أقرأ عملا روائيا أجد من السرد المتصل ما يجعلني أتوه في أحداث الرواية، ولا أرغب في الانقطاع عنها حتى أشرف على نهايتها، وقد أصل الصباح بالمساء والليل بالنهار دون أن أحس بالملل.. لكن هناك من السرد المتقطع ما يجعلك تغيب عن العمل الروائي الذي تقرأه يوما أو شهرا دون أن تحس بالحنين للعودة إليه..

مجلة أخبار الثقافة: هذا يقودني إلى سؤالك عن النص الذي تكتبينه، كيف تبدأ عندك العملية الإبداعية؟ وكيف تنتهي؟

زكية علال: أنا لا أكتب رغبة في الشهرة والانتشار.. بل أكتب رغبة في التخلص من خيبة تسكنني منذ أن وعيت أننا نأكل مما لا ننتج ونلبس مما لا تنسج، ولو تعطلت السفن التي تحمل إلينا معاشنا ولباسنا لانكشفت عوراتنا وأهلكنا الجوع.. أنا اكتب رغبة في خلق فضاء أوسع لأحلام أراها مشروعة وبسيطة، ويراها القائمون علينا تمردا.. ولهذا، فالكتابة عندي عملية ترميم لما تكسر بداخلي، والغريب أني أكتشف أن هذا الترميم جاء بملامح قصة.

مجلة أخبار الثقافة: ثمة من يقول أن الكتابة القصصية في الجزائر تراجعت في مسألتين النص الجيد والتجديد. ما الذي يجب أن يتوفر في الكاتب كي لا يخسر نصه ولا نفسه داخل العملية الإبداعية؟

زكية علال: فعلا.. الكتابة القصصية كانت في مرحلة السبعينيات على مقاس إيديولوجية معينة لكن في منتصف الثمانينيات ومرحلة التسعينيات أصبحت قوية بظهور أسماء قصصية استطاعت أن تكتب النص الجيد والهادف الذي جسد معاناة الشعب الجزائري في تلك المرحلة التاريخية الصعبة.. ثم تراجعت في السنوات الأخيرة لتترك المجال لنصوص خالية من التجديد والإبداع..

مجلة أخبار الثقافة: لماذا ؟

زكية علال : هناك استسهال مكروه وغير مرغوب فيه لفن القصة ولكل الفنون الأدبية، والمبدعون الشباب الآن لا يولون اهتماما للمطالعة، لا يطلعون على الإنتاج الأدبي القديم ولا الحديث، هم يكتبون من وحي عواطف جياشة آنية، ولا يتكئون على مرجعية فكرية وثقافية، ولهذا تأتي نصوصهم قريبة إلى المحاولة منها إلى النص الجاد والجيد.

مجلة أخبار الثقافة: وكيف تفسرين أن يوجد في الجزائر روائيين معروفين أكثر من القصاصين أو الشعراء مثلا؟

زكية علال: لأن ساحة النشر تروج للرواية أكثر من القصة والشعر، ولأن أغلب الكتاب يعتبرون القصة مرحلة عبور إلى الرواية.. الشعر يرتبط بحالة شعورية تبدأ قوية ثم تفتر عند القارئ وحتى عند الشاعر نفسه – وأقصد بذلك القصيدة المعاصرة التي لم تعد تحمل من عناصر القوة ما يمنحها الحياة -، أما الرواية فتبدأ باهتة غائبة الملامح، لكن كلما تقدمت في قراءتها اتضحت وقويت، وأصبحت لديك رغبة ملحة في الاسترسال، وعند نهاية القراءة تظل شخوص الرواية وأمكنتها عالقة بك، وهذا ما يمنحها عمرا أطول.

مجلة أخبار الثقافة: وكيف تقرأ زكية علال المشهد الثقافي والأدبي الجزائري في الوقت الراهن؟

زكية علال: لا زلت أذكر مقالا كتبته منذ أكثر من عقد من الزمن، ونشرته في جريدة وطنية: " كثُر الأدباء ولا أدب".. وهذا حال المشهد الثقافي الراهن.

مجلة أخبار الثقافة: ألم يساهم الركود العام في تهميش الأسماء الإبداعية الجيدة والتسويق للعاديين وللوصوليين؟

زكية علال: حالة من الفوضى تسود المشهد الثقافي الجزائري.. فوضى غيبت أسماء أدبية كبيرة في عطاءاتها ولكنها – فقط – لم تكن على مقاس القائمين على شؤون الثقافة.

مجلة أخبار الثقافة: أنت من جيل ياسمينة صالح وفضيلة الفاروق، مع ذلك تبدين أقل شهرة وأقل انتشارا منهما، لماذا؟

زكية علال: من غريب الصدف أن ياسمينة صالح صديقة وأخت قريبة جدا من نفسي.. أحس وأنا أتبادل معها الرسائل أو أتحدث إليها أننا نجلس إلى وطن مسجى في غرفة الإنعاش، وأننا نتضرع إلى المولى عز وجل أن يكتب له النجاة.. فضيلة الفاروق أيضا صديقتي.. تعود علاقتي بها إلى أكثر من عشرين سنة حين كانت في قسنطينة واستمرت هذه الصداقة حتى وهي في بيروت.. لكن لماذا تأخرت شهرتي عنهما؟ الأسباب عديدة منها الواضحة، ومنها التي لا أجد لها تفسيرا.. لكن – ربما – أبرزها أني لست متفرغة للكتابة، أنا أكتب في الوقت المتبقي من عملي كأستاذة ومن انشغالي برعاية أولادي عند العودة من العمل، وفي كثير من الأحيان لا أجد الوقت الكافي للكتابة.. التعليم مرهق جدا للنفس والأعصاب والفكر، ولا يترك المجال لأي جهد فكري آخر، ومع ذلك أشعر بكثير من الرضى وأنا أجد أن بعض أعمالي تحولت إلى أعمال مسرحية في دول عربية، وأن الكتاب الذي أصدرته مؤخرا " رسائل تتحدى النار والحصار " حقق قراءة واسعة في كثير من الدول العربية وحتى داخل غزة .

مجلة أخبار الثقافة: دعيني أسألك كيف تقرأ زكية علال زميلاتها الكاتبات في الجزائر وفي الوطن العربي؟

زكية علال: المرأة المبدعة في الوطن العربي تشق طريقها بصعوبة كبيرة، ومع ذلك استطاعت أن تعبر عن همومها وهموم وطنها بطريقة لفتت الانتباه إليها.. أنا معجبة كثيرا بما تكتبه الروائية ياسمينة صالح.. إنها تكتب الوطن بطريقة تجعلك تحس أن لك وطنا لا يشبه الذي نشأت فيه، ولا يشبه الذي نراه في نشرة الثامنة. أسماء كثيرة تشد انتباهي في الوطن العربي ..يشدني السرد المتماسك عند الكاتب والشاعر المصري الدكتور إبراهيم سعد الدين.. يأسرني أمين الزاوي بثقافته الواسعة التي جعلت منه شخصية أدبية مرموقة ..يشدني أيضا إصرار الكاتبة لبنى ياسين على الإبداع، ماجدولين الرفاعي.. وأسماء كثيرة في الجزائر وفي الوطن العربي.

مجلة أخبار الثقافة: لو قمنا بعملية مسح لأهم الروايات التي كانت الأكثر مبيعا في العامين الأخيرين لوجدناها روايات أيروتيكية بامتياز.. ما الذي يجعل القارئ يحتفي بهذا النوع من الكتابات على الرغم من أسلوبها العادي في كثير من الأحيان تاركا النصوص الجيدة والعميقة والمبدعة؟ أين الخلل في رأيك؟

زكية علال: الأدب لم يكن يوما تعرية للجسد، ولا تعبيرا عن رغبات وشهوات ساهمت ظروف ما في كبتها.. لو كان كذلك لأخذ له اسما آخر غير الأدب.. الأدب علم وثقافة وتعرية لواقع نرفضه، ونطمح لبناء واقع آخر يتلاءم وإنسانية الإنسان ويحفظ كرامته.. مثل هذه الروايات لا تحمل قيمة في ذاتها.. بل هي تحمل أسباب موتها ، ولهذا نجدها تخبو بسرعة.. تمضي دون أن تترك حيزا في المكان ولا في الزمان. أنت تعرف أن العربي يعاني كبتا عاطفيا وجنسيا صنعته مجموعة من الأعراف والتقاليد والتربية الخاطئة التي لا تمت بصلة لديننا ، وهذا التشوه العاطفي والجنسي هو الذي يجعل هذا النوع من الروايات يحقق مبيعات كبيرة.. فنحن كأولياء ما زلنا نستعمل أسلوب الزجر مع أبنائنا إذا تعلق الأمر بأسئلة جنسية، وفي أحسن الحالات نستعمل أسلوب المراوغة، ولهذا تجد مثل هذه الروايات الطريق سهلا إلى قلوب الشباب.

مجلة أخبار الثقافة: وكيف تفسرين استسهال المرأة الكتابة الايروتيكية في الوقت الراهن؟

زكية علال : هن يجدن تسهيلات من دور النشر التي تحقق أرباحا طائلة من وراء هذه الروايات

مجلة أخبار الثقافة: لنعد إليك: ماذا تعني الكتابة بالنسبة لزكية علال؟

زكية علال: أنا اكتب لأني أحس بالهزيمة وطنيا وعربيا، والكتابة عندي انتصار على كل ما أشعر به من خيبة داخل خارطة عربية تتآكل شيئا فشيئا لتترك المجال لخارطة إسرائيل الكبرى..

مجلة أخبار الثقافة: ولو سألتك ما جدوى الكتابة فماذا ستقولين؟

زكية علال: نحن نعيش في زمن الدم والنار والحصار والذل والانكسار.. والكتابة إعمار لكل هذا الخراب.. الكتابة في زمن السلم ترف، وفي زمن الحرب نوع التحدي..

مجلة أخبار الثقافة: ماذا تقرأين الآن؟

زكية علال: أنهيت قراءة رواية " لخضر " للروائية ياسمينة صالح منذ أيام.. وأرغب في قراءتها مرة ثانية، هذه الرواية ليست مجرد عمل أدبي نعبر عليه.. بل هي قيمة أدبية وفنية وإنسانية وتاريخية تستحق أكثر من قراءة وأكثر من وقفة..

مجلة أخبار الثقافة: ماذا تكتبين؟

زكية علال: منذ أن أصدرت كتاب " رسائل تتحدى النار والحصار " أحس أني مفرغة من كل كلام، وهذا يحدث لي بعد كل إصدار، لكني أعود ممتلئة بعد مدة تطول أو تقصر..  بين يدي رواية بدأت كتابتها منذ عامين وأعود إليها من حين لآخر لأطمئن على أبطالها.. أحس أنهم غاضبون مني لأني تركتهم معلقين كل هذه المدة، لكن صراعي مع الوقت صعب جدا.

مجلة أخبار الثقافة: كلمة ترغبين في قولها؟

زكية علال : فخورة جدا بمجلة أخبار الثقافة الجزائرية.. إنها وجه مشرف للمثقفين الجزائريين.