حوار مع الأستاذ أديب إبراهيم الدباغ

حوار مع الأستاذ أديب إبراهيم الدباغ

أديب إبراهيم الدباغ

أجرى الحوار: الأستاذ حسام الدين جودت

مجلة الإيمان ، اربيل ، 2010

الاستاذ اديب ابراهيم الدباغ  من مواليد 1931 م جمهورية العراق - الموصل ، دبلوم في التربية والتعليم ،عمل في التعليم تسعة وعشرين عاما منذ 1953. وحاليا أستاذ الأدب العربي في جامعة داغستان الخاصة. مارس الكتابة في الصحف والمجلات العراقية والعربية منذ الخمسينات من القرن المنصرم .. شارك في العديد من المؤتمرات الدولية وكتب الكثير من الأبحاث. وله أكثر من سبعة عشر كتاباً في الإسلاميات ندرج بعضاً منها فيما يأتي:

(1) بين يدي النورسي

(2)الاغتراب الروحي لدى المسلم المعاصر

(3)المسلم المنتظر

(4)أصداء النور

(5)في آفاق النور

(6)رجل الإيمان في محنة الكفر والطغيان

(7)حركة التاريخ بين النسبي والمطلق

(8)البعد الحسي في الإسراء والمعراج

(9)الصور والمرايا في تراث النورسي الفكري

(10)مطارحات المعرفة الإيمانية

(11)السنة النبوية – سنة كونية وحقيقة روحية

(12)الطبيعة / عرض وتعليق

(13)النوافذ / عرض وتعليق

تقوم مجلة الإيمان بجولة وسياحة لتلتقي بعض من له صلة بعالم العصر سعيد النورسي ودعوته الإيمانية، وبما أنك تتابع هذا الإمام ولك دراسات وتعليقات وبيانات فكرية وسننية وإيمانية فنرجو أن تشارك بقلمك على صفحات مجلتنا بالإجابة عن بعض أسئلتنا:

مجلة الإيمان: متى بدأت الدخول إلى عالم سعيد النورسي رحمه الله؟ ومن الذي دعاك وشدك إلى عالمه الواسع؟.

ج/ لعلّ أول ومضة من ومضات عالَم "النورسي" الفكري لا مست وجداني تعود إلى سنة 1979م، وإن كنتُ قد إلتقيتُ أحد طلابه في "كركوك" في الخمسينات من القرن الماضي، والفضل في ذلك - بعد الله تعالى - يعود إلى واحد من خُلّص أصدقائي وهو الأستاذ "إحسان قاسم الصالحي" الذي كان قد شرع منذ ذلك التاريخ أو قبله بقليل بترجمة بعض نصوص منتقاة من "رسائل النور" إلى العربية، وقد بهرت هذه النصوص الكثير من القرّاء المهتمين بالشؤون الفكرية والإيمانية.

مجلة الإيمان: ماذا أعطاك؟ وماذا أخذت؟ وماذا إستخرجت من رسائل النور؟ وكيف أنارت قلبك؟ وكيف نقتبس نحن الشباب من هذا النور؟.

ج/ "النورسي" نادرة من نوادر هذا العصر، وربما بقي كذلك إلى عدة عصور أخرى، لأن القضايا التي عالجها في رسائله "رسائل النور" تَمَسُّ النفس الإنسانية التي هي واحدة وستبقى واحدة إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها وما عليها.

وقد أعطاني "النورسي" خصباً إيمانياً، وعمقاً فكرياً، وإتساعاً روحياً، وقدرة إستيعابية شمولية لخلود الإنسان، وجمالية الأكوان، وعدمية العدميات، وبقائية الباقيات الصالحات المرتبطات بأوّليّة الله تعالى وببقائه سبحانه، فهذا الفكر المستنبط من القرآن الكريم كما يصفه "النورسي" نفسه يمكن أن يجد فيه شباب اليوم ما يخصب أفكارهم، ويترع وجدانهم، ويقوي إيمانهم.

مجلة الإيمان: بما أنك كتبت عن حركة التاريخ وسننه كيف تؤسس الحضارة الإيمانية من جديد؟ وما هي أسباب ضعف الأمة؟.

ج/ يقول "توينبي" أعظم فلاسفة التاريخ ملخصاً فلسفته في سطر واحد وهي: (إن التاريخ هو طريق الإنسانية إلى الله). فالأمة إذا تفجّرت طاقاتها الإيمانية، وآجتمعت قدراتها، قامت على إثرها الدول، ونشأت الحضارات، وآزدهرت وأثرت العالم، وأخصبت الفكر والوجدان، وجاءت بالأفكار والفنون والآداب.

فالحضارة – أية حضارة - هي روحية المنشأ في بداياتها الأولى، وهي ما يمكن إعتماده اليوم كذلك في تجديد حضارة الإسلام التي كادت تندثر، وإلى غياب الروح يعود ضعف الأمة وسقوط الحضارات والدول.

مجلة الإيمان: كتبت عن السنة النبوية عند النورسي فما هو أبرز ما قدمته في هذا المجال؟.

ج/ عنوان الكتاب يتضمن ملخصاً لفقه "النورسي" للسنة النبوية الشريفة، والعنوان هو "السنة النبوية سنة كونية وحقيقة روحية" أي إنها ذات نواميس وسنن تتساوق مع نواميس الكون وسننه، فكما أنها تستقي من روح القرآن الكريم كتاب الله المنزل، فإنها تتوافق مع الكون كتاب الله المشاهد والمحسوس، فللّه تعالى –كما يقول النورسي- كتابان عظيمان، كتابه المنزل وهو القرآن، وكتابه المخلوق وهو الكون الذي نحن جزء لا يتجزأ منه.

مجلة الإيمان: ما هو دورك في إخراج مجلة حراء؟

ج/ دوري في مجلة "حراء" لا يزيد عن كونه دوراً إستشارياً فيما يتعلق بمضامين المقالات والأبحاث المرشحة للنشر، ولكوني لست عضواً في هيئة التحرير فإن ملاحظاتي ليست بملزمة، كما أنني أساهم أحياناً بكتابة بعض المقالات فيها.

مجلة الإيمان: كيف نظر سعيد النورسي إلى صلتنا مع الغرب هل هي صلة حوار، أو مواجهة حسب مقولة: إن الغرب غرب والشرق شرق ولا يلتقيان؟.

ج/ إن الغرب له إنجازات حضارية مهولة، وما نتمناه أن يساهم في إزالة ما نشاهده على ساحة العالم من دمار ودماء وتخلف وحروب وهيمنة وإستعلاء..لا أن يزيد ذلك ويؤصله..

أما الغرب الحضاري وأشدّد على كلمة "الحضاري" الذي يحترم إنسانية الإنسان ودينه وخصوصياته بشكل عام فإنه يمكن أن نعقد معه الحوارات ليعرفنا على حقيقتنا ونعرفه كذلك ، فنعاونه بفكرنا الإيماني التوحيدي ويعاوننا هو بما عنده من أصالات حضارية إنسانية، وإنجازات مادية، من هذه الزاوية ينظر "النورسي" إلى قضية الغرب وعلاقاتنا معه.

مجلة الإيمان: كيف نظر سعيد النورسي إلى صلتنا مع الغرب هل هي صلة حوار، أو مواجهة حسب مقولة: إن الغرب غرب والشرق شرق ولا يلتقيان؟.

ج/  قد يكون المنطلق الذي ينطلق منه "النورسي" هو المنطلق نفسه الذي ينطلق منه أصحاب    

المدارس الفكرية الإسلامية الأخرى، ويأتي الإختلاف في كون "النورسي" يؤكد على   

قضية الإيمان وعلى تأصيله وتعميقه وجعله محور كل أفكاره، فالإسلام عند "النورسي"

دين قبل أن يكون فكراً أيديولوجياً، وإيمان قبل أن يكون سياسة وتصديقاً غيبياً قبل أن يكون طريق وصول لغايات دنيوية مهما كانت هذه الغايات كريمة ومخلصة.

مجلة الإيمان: كيف واجه النورسي المسألة القومية وخاصة النظرة التعصبية إليها؟ وكيف وازن بينها وبين النظرة الكلية للأمة؟.

ج/ جاهد النورسي القومية الإستعلائية كما يجاهدها الإسلام وكما هو معلوم، ولكنه لم يَر ما يؤخذ عليها إذا كانت مجرد إنتساب لقوم، أو توكيداً لهوية، أو تأصيلاً لماهية.

مجلة الإيمان: كيف يؤصل فكر المواطنة مع التوجه الإيماني؟.

ج/ "المواطنة" عند النورسي شعور سامٍ بالإنتساب إلى عالم الإسلام، ففي إحدى خطاباته يقول دفاعاً عن مباديء "الإتحاد المحمدي" إن العالم الإسلامي برمته وطننا والمسلمون جميعاً هم أعضاء في هذا الإتحاد، ومع ذلك فهو لا يلغي خصوصيات الأقوام والأوطان الذين يضمهم هذا الإتحاد المحمدي كما بشر به.

مجلة الإيمان: كيف تحبب القراءة إلى شبابنا خاصة مع قلة عدد قراء عالمنا؟.

ج/ قبل أن نسأل: "أين القرّاء؟" ينبغي أن نسأل: "أين الكتاب الجدير بالقراءة؟" ضحالة ما يُكتبُ هو سببٌ لعزوف القراء الجادين عن القراءة اليوم... فأعطني فكراً جديداً ومثيراً وغير مسبوق أعطك آلافاً من القرّاء.

إننا في الحق نشكو الضحالة والتسطح في كل شيء ولا سيما في الفكر، فعندنا مئات بل آلاف الوعاظ ولكن ليس عندنا مفكرون ومنذ الرواد الأوائل من مفكري عصر النهوض الإسلامي أخذنا ندور في حلقة مفرغة، نكرر أنفسنا، ونمضغ ما مضغه غيرنا، فأصبنا بالعقم والملل والركود والجفاف، فلم ينبغ عندنا مفكرون على مستويات عالمية في الفكر والأدب والتاريخ وفي عموم المعارف والثقافات، فلا زالت أجيالنا ترى الكتاب علامة من علامات الترف لا يقتنى إلاّ لتجميل صالوناتنا المترفة، ولم نحفل بالكتاب الجديد كما نحفل بالمولود الجديد، فمتى ما رأى المثقف في الكتاب وطناً روحياً يأوي إليه عندما تعز عليه الأوطان ويفقد سكناه فيها، فآنتظر الإنبعاث الحضاري الموعود.

مجلة الإيمان: كيف نرجع إلى الكتاب والحكمة النبوية مع ثقل الكم الكبير من منازعات الماضي وإختلافاته؟.

ج/ صحيح أنّ ظهورنا محدودبة، وأصلابنا محنية، من ثقل ما نحمل من أوزار منازعات الماضي، ومن خلافاته وإختلافاته، لكن المرجعية العظمى وهي "الكتاب والسنة" لا زالت سليمة معافاة لم يَبْلِهَا الزمن أو أثّرت فيها خلافات أصحابها ومنازعاتهم، فهذه المرجعية مصونة محفوظة لا تشوبها شوائبنا، ولا تؤثر فيها خلافاتنا، ويمكن الرجوع إليها دائماً في تصحيح المفاهيم وفي تقويم المعوجات، وآستنهاض الهمم والعزائم من أجل إستئناف نهوضنا الحضاري المرتقب، متجاوزين كُلّ ترسبات التاريخ وشروخاته في أجيالنا الماضية وحتى الحاضرة.

مجلة الإيمان: ما هي آخر كلمة أو نصيحة توجهها لقرننا المعاصر؟ .

ج/ مَن أنا حتى أتصدّى لتوجيه كلمة أو نصيحة لقرننا المعاصر هذا ... فدراسة قرن كامل من أي زمان يحتاج إلى مجمع من مفكري القرن نفسه في شتى صنوف المعرفة لكي يكونوا مؤهلين ليقولوا كلمة فيه، وهذه الكلمة قد تصدق أو لا تصدق...!