مع د. مريم آيت أحمد

حوار : عزيزة السبيني

مريم آيت أحمد لـ «تشرين».. التحرر الإنساني مرتبط بشكل عضوي مع سياق تحرر سياسي واجتماعي وفكري عام.. الإعلام عاجز عن تغيير بثه للصورة النمطية المشوهة للمرأة.. الحداثة هي مفهوم عام للتطور الداخلي النابع من المجتمع

دمشق

صحيفة تشرين

ثقافة وفنون

الاثنين 21 تموز 2008

يشهد التاريخ أن ليس للمرأة تاريخ منفصل عن الرجل، وبهذا تكون قضية المرأة جزءاً لا يتجزأ عن قضية المجتمع ككل، ومعركتهما ملتحمة مع معركة تحرير الأرض والإنسان.

لذلك فإن التحديات التي تتعرض لها الأمة العربية اليوم تنعكس بشكل كبير على واقع المرأة. فما هي التحديات التي تتعرض لها المرأة العربية في ظل حالة الانكسار، والانهيار الذي تعيشه المجتمعات العربية نتيجة المحاولات الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، لفرض الهيمنة الاستعمارية عبر مشروعات تأخذ لبوساً مختلفة؟ وما هي الجهود المترتبة عليها لإعادة صياغة دورها في المجتمع وفق المتغيرات الجديدة. وكيف تتجلى مسؤوليتها أمام الخطر الحضاري الذي تتعرض له المجتمعات العربية؟ ‏

أسئلة طرحناها على الدكتورة مريم آيت أحمد رئيسة قسم الحوار بين الأديان والحضارات في جامعة ابن طفيل بالمغرب.

ہ إن حالة الانكسار السياسيي الذي تعيشه المجتمعات العربية في هذه المرحلة، والذي بدأ منذ هزيمة حزيران عام 1967، جعلت الدول العربية في حالة من التبعية الاقتصادية والاجتماعية لنظام رأس المال. وهذا انعكس على وضع المرأة العربية واستقرارها. برأيك، ما هي التحديات التي تتعرض لها المرأة العربية اليوم؟ وما هي أفق الخروج منها؟ ‏

ہلاشك في أن وضع المرأة في البلدان العربية يشكل مجالا لتلاقي وتفاعل جملة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتشابك معا في صورة معقدة، الأمر الذي يتطلب تحليلا واسعا ومعمقا للعديد من مركبات ومكونات المجتمعات العربية. ‏

وعند تناول وضع المرأة ومشكلاتها، ينبغي النظر إلى تحرر المرأة المتمثل في ممارستها لحقوقها الطبيعية والإنسانية بوصفه غير مفارق لتحرر الرجل في مقدرته على ممارسة حقه الطبيعي على مختلف الميادين وكل الصعد، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من منطلق أن هذا التحرر الإنساني مرتبط بشكل عضوي مع سياق تحرر سياسي واجتماعي وفكري عام فيي المجتمع، إلا أن طريق المرأة العربية ما زال غير ممهد فهناك عقبات مجتمعية لا بد لها من تجاوزها بعضها يتعلق بوعيها وإرادتها والآخر يتعلق بالمجتمع ووعيه وإرادته.

فحين تنعدم أو تضعف مشاركة المرأة في رسم السياسة المحلية وفي العلاقات الخارجية فإن دورها لا يكتمل في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحين تقدم العادات والأعراف رؤية مشوهة للتعاليم الدينية، ويرضخ المجتمع لها فإن الظلم يظل قابعا يجثم على المرأة، وحين يعجز الإعلام في زمن الثورة المعلوماتية عن تغيير بثه للصورة النمطية المشوهة للمرأة لا تستطيع المرأة أن تكافح للوصول إلى وضع جدير بقدراتها، وحين يعجز الاحتلال زمن الألفية الثالثة في ظل الديمقراطية وحقوق الإنسان على منح المرأة العربية حرية رسم استراتيجية تنموية لمجتمعها في فلسطين والعراق، يبقى الصمود من أجل مواصلة الحياة من أهم التحديات التي تحول دون تنمية المرأة العربية، كما وان وعي المرأة بحقوقها جزء هام من إستراتيجية تطورها حيث يساهم جهلها بحقوقها وانتشار الأمية إلى ضعف مطالبتها للحقوق المشروعة. إن مفتاح القرن الجديد هو في الحرية والوعي وهما ركيزتان لانطلاقة المرأة عبر عالم جديد من المشاركة في التنمية وصنع القرار المحرك والنا شط في سياسة المجتمع. ‏

ہ يشير بعض الباحثين إلى أن التغيرات التي حدثت في العالم العربي، ولا سيما فيما يتعلق بموضوعة المرأة، لم تكن تغيرات راديكالية، بقدر ما كانت تغيرات شكلية، فالمرأة اليوم تعاني من صورة ازدواجية التقليد والحداثة، السلفية والعصرية، المحافظة والتغيير. كيف تنظرين إلى واقع المرأة العربية في ظل هذه المتغيرات؟ ‏

ہأظن أنه ينبغي مناقشة واقع المرأة العربية في هذا الصراع الناشب بين التراث والحداثة سلباً وإيجاباً، لكن قضية المرأة أخذت حيزاً كبيراً من خلال أطروحات الازدواجية.. فهي تارة حبيسة الجدران والقيود والتي تلغي إنسانيتها باسم موروث اجتماعي تقليدي يطغى على الموروث الديني الحقيقي.. وهي تارة أخرى منفلتة في قراراتها وتصرفاتها والتي تلغي أدميتها وتمسخ كيانها لتصبح سلعة تجارية كباقي السلع باسم عقدة التبعية للغرب، وفقدان التكيف الاجتماعي، والازدواجية والصراع بين المادي، والفكري، والديني وغيرها من الإشكالات.. وهذه الازدواجية تقف سدا منيعا أمام تشكيل خطاب نسوي عربي وسطي برؤية واضحة وثابتة.. ‏

و إذا شاءت المرأة العربية أن تحقق الحداثة في القرن الواحد والعشرين فعليها أن تعي أن الحداثة هي مفهوم عام للتطور الداخلي النابع من المجتمع ذاته ففي الغرب حين قامت الحداثة كنمط حضاري منذ بداية القرن السادس عشر رسخت وتوسعت بتحولات تراكمية لم تستورد من الخارج أو تفرض عليه وعلى ذلك فان حداثة المرأة في القرن الجديد يجب ألا تستورد من الخارج بل من الداخل حيث توجد منابع وقواعد ثابتة من نور تعاليم الإسلام لكل العصور.. فتأثر خطاب المرأة العربية بالغرب لا ينحصر في المناهج النسوية الغربية فقط، وإنما يمتد إلى آفاق العلم والمعرفة من طب وفلسفة و هندسة وعلم اجتماع،وسياسة وتربية وعلم نفس وتكنولوجيا وغيرها للمشاركة والإسهام في إنتاج المعرفة لا الوقوف عند استهلاك أنماطها. ‏

ہ ينظر الكثيرون إلى أن الجهود المبذولة لإعادة تعريف أدوار النساء في المجتمع على أنها امتداد للمساعي الغربية، على اعتبار أن الحركات النسوية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الماضي، استمدت أهدافها وأطروحاتها من الحركات النسوية الغربية. كيف يمكننا إعادة الاعتبار إلى دور المرأة العربية انطلاقاً من موروثنا الديني والأخلاقي؟ ‏

ہإن هناك ثلاثة تيارات رئيسية تمحورت حولها الحركات النسوية وهي: النسوية الليبرالية، والماركسية، والراديكالية، ولعل أبرزها التيار الثالث الذي كان من أهم أهدافه: استعادة النساء لأجسامهن، وإعادة الاعتبار إلى ثقافة خاصة بهن إلى حد الانفصال عن الرجال، والعيش في مجتمعات نسائية مستقلة. ‏

وانطلاقاً من هذا التيار ولد مصطلح الجندر، هذا المصطلح الذي أثار الكثير من الجدل بسبب الغموض واللبس الذي أحاط به عند ظهوره في وثيقة مؤتمر بكين والبرامج الدولية اللاحقة والذي انطلق من مقولة للفيلسوفة الوجودية «سيمون ديبوفوار» (لا يولد الإنسان امرأة، إنما يصبح كذلك). هذه المقولة التي أصبحت الخلفية الفلسفية الأساسية لدى الكثير من الناشطات المهتمات بالترويج لمفهوم الجندر، والعمل على إدماجه في كل مجالات الحياة والتنمية.

والحقيقة أن المفهوم يعبر عن فلسفة أو منظومة، أومجموعة متكاملة من القيم، هذه القيم تعتبر غريبة على مجتمعنا العربي والإسلامي، فهذه الفلسفة تهدف في النهاية إلى إلغاء كل الفروق بين الرجل والمرأة، حتى الفروق الطبيعية والتشريحية والبيولوجية، وهذا التعريف ليس من بنات أفكارنا. ‏

إن كل مال يأتي من خارج دائرتنا وبيئتنا ومحيطنا الاجتماعي والثقافي يأتي من منطلق أجندة سياسية بعيدة المدى تسعى لتحقيق أهداف وسياسات تخدم احتياجاتها أكثر مما ترتبط بجذور احتياجات المرأة العربية في مجتمعاتها. ‏

ومن هذا المنطلق فنحن بحاجة إلى الحديث عن المرأة حديثا عقليا هادئا نخاطب فيه عقل المرأة لتمكينها من الإرادة السياسية ومتابعة ورصد تطوير التشريعات المتعلقة بها وسد الفجوة بين النص القانوني والتطبيق العملي على أرض الواقع، ودمجها في الاستراتيجيات الوطنية ومؤشرات التنمية البشرية، كما نحن بحاجة إلى مخاطبة عواطفها النبيلة في مقابل الحديث الغريزي الذي يهدف إلى تحريض المرأة العربية المسلمة على تحطيم ثوابتها الدينية والأخلاقية والقيمية،وتصوير العلاقة بينها وبين الرجال بأنها علاقة صراع أو متعة جنسية !! وليست علاقة تكامل وخصوصية ‏

وإذا كان لابد من ربط القضايا النسوية المحلية والإقليمية والعالمية من خلال إطار دولي فينبغي أن نضع في الاعتبار الخصوصية الثقافية الحضارية لأن المرأة في العالم العربي مرت بالعديد من المراحل التي جعلتها ذات تنوع في السياق التاريخي والخلفية الدينية والطبقية والعناصر الثقافية وللإشارة فإنه لا يوجد تداخل بين الإسلام والغرب، وإنما هناك تشويه ثقافي لابد من إزالته حيث لايري الغرب المرأة العربية الا في صورة المقهورة وأنها غير قادرة على إحداث التغيير في المجتمع وكلها أمور لاتنبع من تحليل اجتماعي للظروف المحيطة بها، لذا لابد من خلق حوار يسمح بوجود مساحة من التعبير عن الرأي لإيجاد نقاط التقاء بين النساء العربيات والغربيات ليأخذن في اعتبارهن القضايا المتعلقة بالمرأة وبمنطقة الشرق الأوسط بوجه عام. ‏

ہ ننتقل إلى محور آخر يتعلق بحوار الحضارات. باعتبار أنك رئيسة قسم حوار الحضارات والأديان في الجامعة يرى الكثير من المفكرين والباحثين أن الخطر الحقيقي القادم من الغرب ليس هو الخطر السياسي أو الاقتصادي، وإنما هو الخطر الحضاري. برأيك، كيف يتجلى الخطر الحضاري حسب رؤية كل من المفكرين الإسلاميين والعلمانيين؟ ‏

ہمن جهة الأرضية ليس هناك إمكانية فعلية لمجابهة هذا الخطر والنهوض بحوار الحضارات لأن الغرب الذي يفترض فيه أن يكون طرفا أساسيا في الموضوع ليس على استعداد وهو في مرحلة التمكين والقوة أن يدخل في حوار متكافئ مع الحضارات الأخرى وتعاليه المفرط عبر التاريخ لم يترك المجال للحضارات الأخرى أن تقتنع بالدخول في حوار متوازن وشراكة فعلية عادلة معه ،لأنه أباح لنفسه مصادرة المعرفة العالمية وتحديد مواقع الآخرين والحكم عليهم وفقا لقيمه وتاريخه وأهدافه. وفي رأيي موقفنا بكل مكوناتنا الثقافية من الإسهام في الحوار الحضاري لازال في أغلبه دفاعي تبريري يدور حول القضايا التي يتهمنا الآخر بها فنكثف الجهود لدرء شبهة هذا الاتهام دون أن نقدم أنفسنا حقيقةً للآخر بشكل إيجابي، فيتحول بالتالي حوار الحضارات إلى تعزيز الحواجز لا إزالتها. ناهيك عن أننا لم نتخلص بعد من ثقافة الحوار الخطابي الذي يفتقد إلى البرامج المحددة والخطط العملية، لكن إذا حددنا الغاية النهائية لإستراتيجية الحوار واستثمرناها من أجل العمل على تكوين لغة مشتركة في مجابهة فكرة الحوار من أجل فرض وحدة العالم حضارياً.وقتئذ سنتحرك من ضيق استثنائية الصدام في تاريخ البشرية إلى أفق التعايش وفق القيم والمبادئ المشتركة في إطار التنوع. ‏

ہ ما هي إذاً، الأسس والمبادئ التي يقوم عليها حوار الحضارات، أو حوار الأديان، أو حوار الثقافات إلى ما هنالك من تسميات، وهل هذا الحوار متكافئ في كفتي الميزان؟ ‏

ہرسالة الإسلام عالمية موجهة لجميع الشعوب وهي تعترف بجميع الديانات السماوية وتحترمها وتعترف بتنوع الثقافات وترى أن الحضارة الإسلامية جزء من الحضارة الإنسانية تقوم على الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي والإيمان بالقيم المشتركة الثابتة والتعاون والتفاهم المتبادل بين الحضارات والتحاور البناء مع الديانات . لكن وسط هذه الموجة العارمة من الاهتمام بحوار الحضارات على مستويات رسمية ومؤسسية عدة، لازلنا نتعامل مع حوار قائم حول الحوار وليس حواراً بين الحضارات والثقافات، هو حوار عن الموضع وليس حواراً في صميم الموضوع. لأنه لا يوجد لدينا رؤية واضحة لماهية الحوار ومضمونه الحقيقي، هل هو حوار حضارات أم حوار ثقافات أم حوار أديان. ‏

فهناك عدم تكافؤ واضح بيننا و بين الطرف الآخر فى الحوار من حيث التنظيم والآليات المستخدمة. وأحد أوجه عدم التكافؤ أننا لازلنا نحاور الغرب وكأنه واحد ولم نوظف اختلافه في أداة الحوار أو الصراع ،يجب أن ندرك ضرورة عدم الخلط بين موضوعات الحوارات السياسية وموضوعات الحوارات الدينية والثقافية وبين الأبعاد الثقافية ـ الحضارية لموضوعات سياسية. فعلى سبيل المثال، قضايا المرأة وحقوق الإنسان والإرهاب والمواطنة والديمقراطية قضايا سياسية لا تنفصل الحوارات حولها عن الأبعاد الثقافية ـ الحضارية للدوائر التي تدخل في الحوار. ومن ناحية أخرى فإن رؤية الأديان لقضايا هامة مثل العدالة، التعددية، القيم، العنف، وكذلك الدور الاجتماعي والسياسي للأديان هو أمر آخر يختلف عن الأسس الدينية للقضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية. ويبقى أهم تطور حصل في أطروحة حوار الحضارات هو إحياء تجديد مفهومها وإدماجه في مجال العلاقات الدولية واستخدامه في نقد وتقويض مقولة صدام الحضارات وفتح الباب دوليا بين العقلاء لبناء جسور نقاش وحوار عابر للثقافات والقوميات والديانات واللغات. ‏