الشيخ أمين الديب في حوار مفتوح

شاعر الانتفاضة والفلاح الفصيح

الشيخ أمين الديب في حوار مفتوح:

انتفاضة الأقصى المباركة أعادتني إلى الساحة الأدبية وأطلقت لساني من جديد

فلسطين هي محور حياتي وشعري يدور حول معاناة وألم الحصار والأمل في المستقبل

الشيخ أمين الديب

بدر محمد بدر

[email protected]

نجح شاعر العامية المصري الشيخ أمين الديب، خلال مدة وجيزة لا تتعدى بضع سنوات، في الوصول إلى قلوب وعقول أبناء الشعب المصري البسطاء، بل والطبقة السياسية والقيادات الجماهيرية، بكلماته ومعانيه التي يسهل وصفها بالسهل الممتنع، وأصبحت قصائده التي يناقش فيها مشكلات المجتمع المصري حاضرة في المنتديات والمؤتمرات والصالونات الأدبية والتجمعات الشعبية، لتؤكد قيمة الفن الأدبي الهادف في إحداث التأثير الجماهيري، حتى تسببت إحدى قصائده في اعتقاله عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. صدر له عدد من دواوين الشعر منها: "إيه يعني إن الحجر بيخوف المحتل؟" و "بكرة حتبان الحقيقة" و "حكاوي المصطبة والغيط" ثلاثة أجزاء و "أنا نصين"، فمن هو الفلاح الفصيح الملقب بشاعر الانتفاضة الشيخ أمين الديب؟ وما هي القضايا التي يطرحها في شعره؟ هذا ما نعرفه في هذا الحوار:   

· كيف تقدم نفسك للقراء في سطور؟

ـ أنا رجل فلاح شاعر عامية وعضو اتحاد كتاب مصر، اسمي محمد عبد الحسيب الديب وشهرتي الشيخ أمين الديب، من مواليد عام 1937 في قرية نكلا بمحافظة 6 أكتوبر بمصر، وأكتب الشعر منذ عام 1954، وكنت في الستينيات في قمة النضج الفني والشعري، وكان الشعراء الكبار الموجودون الآن أصدقاء لي ونحضر ندوات الستينيات معا، وأنا مقيم إلى الآن بقريتي ولم أبرحها قط، حتى أنني كتبت لها قصيدة باسمها "نكلا" قمت فيها بالربط بين "النكلة" كعملة تعادل "مليمين" أي خمس قرش صاغ، و"النكلا" كوطن.

· متى اكتشفت موهبة الشعر لديك؟

ـ قبل عام 1954 كانت لي محاولات في كتابة الشعر ولم أكن مهتما بها، وعندما ذهبت لحضور ندوة رابطة الأدب الحديث، والتي كان اسمها جماعة "أبوللو"، بحضور لفيف من الشعراء والأدباء، وألقيت قصيدة لي كانت تتحدث عن حياة العامل والفلاح قبل الثورة، وفوجئت بأنها نالت إعجاب جمهور الشعراء والأدباء والمثقفين الحاضرين، وكان أول المشجعين لي لأكتب الشعر وأشاد بشعري الشاعر الكبير "محمد التهامي" أطال الله عمره.

حوار الفلاحين

· ما اسم هذه القصيدة التي نالت هذا الإعجاب؟ وماذا تقول كلماتها؟

ـ كان اسمها "حوار الفلاحين"، لأنها كانت تتحدث عن حياة الإقطاعيين، وساعات أطلق عليها "القضية هي هي"، وللأسف لم أنشرها في ديوان حتى الآن، لأنني لم أطرح دواويني للقراء قبل عام 2000 م، ثم بعد ذلك قلتها في الإذاعة المصرية في برنامج "جرب حظك" مع الإعلامي الكبير طاهر أبو زيد أطال الله عمره، وبسببها كان يدعوني في ذكرى عيد الثورة من كل عام لألقيها، لأنها تحكي حياة الإقطاع قبل الثورة، وتناولت الجانب السياسي في شكل اجتماعي وكانت تقول:

وجوه سجن اللومان

قابل جميعة جمال

فلاح طفش م البلد

وانضم للعمال

وقعدوا يتحدتوا

بسؤال عن الأحوال

وقال جميعة يا عمي

كلنا انساقنا

الكلمة بتلمنا

وكرباج يفرقنا

وخواجة هو المدير

وأنا باشتغل عتال..الخ

· لماذا سلكت طريق شعر العامية وليس الفصحى؟

ـ لأنه في تقديري الأسهل والأقرب لقلوب الناس، وهذا الطريق لم يكن مقصودا من البداية، حيث أنني كنت أرغب في كتابة الشعر فطاوعتني الموهبة باللغة العامية, وبعدها لم أحبذ أن أنقل شعري للفصحى لأن العامية تخاطب القاعدة العريضة من الشعب المصري، خصوصا في تلك الفترة التي كانت فيها نسبة الأمية عالية، حتى المثقفين لم يكونوا يتحدثون الفصحى إلا في اللقاءات التلفزيونية.

· البعض يرى أن كتابة الشعر بالعامية من أسباب ضياع اللغة العربية، فما رأيك؟

ـ أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح، لأن اللهجات العامية موجودة منذ زمن طويل ولم تندثر الفصحى، وأنا أكتب ما يمكن أن أسميه "العامية الفصيحة" أي التي يمكن فهمها في أي بلد عربي.

· لماذا توقفت عن كتابة الشعر بعد ذلك، منذ عام 1967 وحتى عام 2000؟

ـ لم أتوقف نهائيا ولكن كتاباتي لم تخرج للنشر منذ عام 67 حقا، ولم أكن مشاركا فعالا في الحياة الأدبية، بسبب أن الكثير من الشعراء والأدباء في هذه الندوات كانوا بعيدين عن هموم الناس الحقيقية، وقد كتبت قصيدة عن هذا التراجع الأدبي وقررت اعتزال الندوات والصالونات الأدبية، ورجعت إلى قريتي لأكتب الشعر الذي أحس به، وأبلغ ما أريده للناس بطريقتي فهذا ما يهمني.

سيطرة الشيوعيين على الإعلام

· يقول البعض إن اعتزالك الأدبي حدث بسبب رفض المسئولين في الإعلام وقتها نوعية القصائد التي كنت تكتبها، فهل هذا صحيح؟

ـ نعم صحيح أن اعتزالي كان في جانب منه بسبب رفض المسئولين لنوعية القصائد التي أكتبها وتعبر عن هموم الناس من ناحية، ومن ناحية أخرى كان الشيوعيون واليساريون يسيطرون على وسائل الإعلام في تلك الفترة، وعلى رأسها التليفزيون والإذاعة،  وكذلك على المنابر الثقافية والأدبية، وهؤلاء لا يحبون أن يطرحوا رأيا غير رأيهم، ولا يحبون من يختلف معهم في الرأي، فكانوا يرفضون قصائدي ولا تذاع في وسائل الإعلام، ورفضت كتابة ما يريدون مني، ولكني حافظت على حسن العلاقة معهم.

· ما هي كلمات قصيدة الاعتزال تلك؟

ـ كانت تقول: من قلبي بكتب كلمتي

وبحس إن الكلمة من صميم قلبي أمانة ف ذمتي

وبحس إن الكلمة ضي كبير منور دنيتي

وإن كانت الكلمة تعبر عن شعور قلبي وادقق فيها ألقى منيتي

قلمي بيكتبها  قوام أهي هيا دي الكلمة

.. إلي آخر القصيدة وكانت هذه آخر قصيدة ألقيها في ندوة ثم توقفت حتى عام 2000 م

· وما سبب عودتك مرة أخرى إلى الساحة الأدبية؟

ـ السبب هو انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى عام 2000) حيث أني شعرت بأن الهجمة الأمريكية الصهيونية القادمة شرسة، كما أحسست بالضعف العربي الشديد، ولذلك رأيت أن الشعر هنا له دور مهم ومسئولية كبرى، وأخذت أحرك أصدقائي وإخواني الشعراء والأدباء لهذا الميدان، ورجعت مرة أخرى بقوة إلى الساحة الأدبية، بالرغم تجاهل بعض أصدقائي الشعراء لي، وكان رجوعي على أساس مناصرة القضية الفلسطينية ودعم الانتفاضة ولو بالكلمة، والحمد لله استطعت أن أحرك الناس ليتحدثوا عنها.

· وكيف بدأت مرحلة الانتشار مرة أخرى وسط الشعراء والأدباء وفي المنتديات؟

ـ بدأت بعد توفيق الله لي فكتبت قصيدة ساخرة باللغة العامية، كنت أهاجم فيها الوضع العام كله في مصر، فأخذها مني صديقي الشاعر الكبير وحيد الدهشان، ونشرها الأستاذ بدر محمد بدر مدير تحرير جريدة آفاق عربية، وبعد النشر أذاع بعضا منها الإعلامي الكبير الأستاذ حمدي قنديل في برنامجه التليفزيوني في ذلك الوقت (رئيس التحرير)، وكان هذا أيضا من أسباب سرعة عودتي إلى الساحة، وتحفيز الشعراء لكتابة الشعر الوطني.

· ما اسم أول ديوان بعد عودتك لكتابة الشعر مرة أخرى، وما هو موضوعه؟

ـ كان اسمه (إيه يعني إن الحجر بيخوف المحتل؟) وأقصد المعنى الظاهر للعنوان، فعلى الرغم من قوة المحتل الإسرائيلي وأسلحته المتقدمة، إلا أنه يخاف من الحجر الذي يحمله الطفل الفلسطيني الصغير الأعزل، والمحتل مثل اللص الذي يسرق، يخاف من كل شيء برغم القوة والجبروت والأسلحة الفتاكة التي يحتمي بها، وعلى الناس أن يدركوا أن فلسطين ليست أرض المحتل، وأنه سوف يخرج منها لا محالة، فهذا هو معنى الديوان، وكل القصائد فيه عن الأحداث يوما بيوم، وأختار من قصيدة كانت تقول أم فلسطينية لابنها:

ما هو الحرامي ديمن يشيل سلاح آلي

ويخش أجدعها بيت يسرق ولا يبالي

لكن يخاف من الغفير لو كان معاه نبوت

ويخاف من الحرمة لو كحت بصوت عالي

إيه يعني إن الحجر بيخوف المحتل

وفيه مدفع ويجري يحتمي في التل

لو شوفت شكله مقرفص قال وبينشن

لو قلتله بخ من الخضة يقع ينشل.. لآخر القصيدة.

معلمي وملهمي الأول

· كيف ترى طفل الانتفاضة، وما هو تأثيره عليك كشاعر عربي مسلم؟

ـ هو رجل المقاومة الفلسطينية الباسلة التي حركت الأحداث من جديد، وأحيت الأمل لدى شعوب الأمة العربية والإسلامية، ولدى الأحرار في العالم كله، بالقدرة على تغيير مجرى الأحداث وتعديل مساراتها لصالح القضية الفلسطينية، والأمل في قرب تحرير الأرض وتطهير العرض واسترداد الكرامة، هذا الطفل الذي أمسك بالحجر يقذفه في وجه الاحتلال والظلم، هو معلمي وملهمي الأول.

· كيف تفاعلت مع الأحداث التي تمر بها الأمة؟

ـ كتبت ديوانا كاملا تناولت فيه ما وقع في 11 سبتمبر 2001 من ضرب برجي مركز التجارة العالمي في أمريكا، باسم "بكرة حتبان الحقيقة"، واخترت عنوانه من قصيدة كتبتها في اليوم التالي لضرب البرجين، ونفيت فيها التهمة عن المسلمين، وقلت إن هذا الحادث تم بتخطيط من الموساد وال (CIA) من أجل ضرب الأمة الإسلامية، ونشرت هذه القصيدة في الأسبوع التالي لضرب الأبراج في جريدة آفاق عربية، وأحدثت ضجة كبيرة بعد نشرها، ورد علي أحد الشعراء بقصيدة يقول فيها لماذا تنفي؟ ولماذا لا تقول إننا الفاعلون؟ فهم سيفعلون بنا ما يشاءون، من حصار وضرب وقتل..الخ، لأنهم يملكون جبروت القوة والطغيان؟. 

· ماذا تعني قضية فلسطين بالنسبة لك؟

ـ قضية فلسطين هي محور حياتي الأدبية والسياسية، وكل شعري الآن يدور حول فلسطين ومعاناة الشعب وألم الحصار والأمل في المستقبل، حتى الأحداث الاجتماعية لا بد أن أدخل بها قضية فلسطين، وفي الستينيات كنت أكتب عن الثورة وعن الإقطاع وعن الأحداث العالمية، وفلسطين كانت ضمن برنامجي، كقضية مستقلة لها محورها وكيانها، أما الآن فهي محور شعري وكل شيء مرتبط بها فهي الأصل عندي.

· هل السبب في محورية قضية فلسطين في شعرك الآن اقترابك من الإخوان في السنوات الأخيرة؟

ـ ليس اقترابي من الإخوان المسلمين فقط هو ما أشعل القضية في شعري في السنوات الأخيرة، بل كانت انتفاضة الأقصى هي المؤثر الأكبر، قبل أن أتعرف على الإخوان المسلمين وعلى جريدتهم (آفاق عربية) في عام 2001، وبالطبع الإخوان لهم دور تاريخي كبير ومتميز في توعية الأمة بالقضية الفلسطينية إلى الآن، وأنا أرى أنها قضية الأمة كلها.

· ماذا يمثل لك الإخوان المسلمين، وما علاقتك بهم بعد اعتقالك لمدة شهر ونصف عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2005)؟

ـ أنا لست عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، ولكني كنت أعتز بهم قبل أن أتعرف عليهم، من خلال ما وصلني عنهم، أي قبل اعتقالي من جانب أجهزة أمن الدولة في عام 2006، وزاد حبي لهم واحترامي وتقديري واعتزازي بهم بعد الاعتقال، خصوصا أنني تعرفت في المعتقل علي عدد رموز الإخوان منهم الدكاترة: رشاد البيومي وعصام العريان وحلمي الجزار وحسن الحيوان، وغيرهم من  صفوة المجتمع المصري، وأنا اعتقلت بسبب أن الإخوان كانوا ينشرون قصائدي في جريدتهم واسعة الانتشار، وكان قراؤهم يقرءون لي نقدي للأوضاع السياسية والحياتية، وهو الأمر الذي أثار غضب أجهزة الأمن واعتبروني خطيرا على النظام، وتم اعتقالي وإيداعي في السجن، واتهموني بالانتماء للإخوان المسلمين!، وأنا أعتقد أنه من الخطأ أن ينتمي شاعر أو أديب إلى أي حزب أو جماعة، لأنه ينتمي إلى كيانات أكبر وهي المجتمع والوطن والأمة والإنسانية كلها، وأنا احترم الإسلاميين وأحبهم ولكني لست عضوا في الإخوان أو في أي تنظيم سياسي آخر، ولا توجد بيننا أي التزامات غير الحب المتبادل.

· ماذا تقول لأبناء الشعب الفلسطيني المحاصر الآن في قطاع غزة؟

ـ أقول لهم هذه الأبيات:

يا خويا في فلسطين

يا خويا شيفك ف سجنك وانت جوه سجين

يا خويا سامع نداك والشعوب سمعين

يا خويا عايز أجيلك بس امشي منين

سدوا لنا كل الطرق نصبوا لنا فيها كمين

بأمر حكام عرب للأمريكان تابعين

.. إلى آخر القصيدة.

أمنيتي أن أزور القدس

· ما هي أمنيتك كشاعر للقضية الفلسطينية؟

ـ أن أسافر إلى المسجد الأقصى المبارك وإلى مدينة القدس وهما في حرية وعزة وكرامة، أتمنى أن أذهب إلي تلك الأماكن المقدسة قبل أن ألقى الله سبحانه وتعالى، وأدعوه تبارك وتعالى أن يمن علي وعلى جميع المسلمين بهذه الأمنية، بالرغم من أن شعري يصل إلى هناك، ولكني أتمنى أن أذهب إليهم روحا وجسدا.

· ما هو حلمك الشخصي للمستقبل؟ 

ـ حلمي الخاص أن تطبع كل أعمالي في دواوين وأن يتم تسجيلها صوت وصورة، وأن تصل إلى أيدي الباحثين والأجيال الجديدة، ليعرفوا كم كنا نناضل من أجل التغيير والوصول لحياة أفضل، أما حلمي لبلدي أن تعود مكانة مصر كما كانت رائدة وقائدة وشقيقة كبرى للدول العربية والإسلامية، ترفرف عليها رايات الحرية والديمقراطية والتقدم والعدالة وحقوق الإنسان، وأيضا أتمنى لكافة الدول العربية والإسلامية كل الخير، وأتمنى أن يعم السلام والأمن والعدل كل دول العالم، وأن تتحرر فلسطين الحبيبة من دنس الاحتلال، وأن تزول الدولة العنصرية الصهيونية.