مع أحمد المناعي

النص العربي الحديث الذي أدلى به

أحمد المناعي لصحيفة "لوسوار"

البلجيكية:5/11/2007

تونس: بعد عشرين سنة من انقلاب بن علي !

تسعة أسئلة لأحمد المناعي، تونسي في المنفى بعد أن أفلت من مخالب نظام بن علي، و خبير سابق في الأمم المتحدة و ينشّط الآن موقع تونس إتري.

 س 1: يوم 7/11، يكون نظام بن علي قد بلغ عشرين سنة. ما هي الحصيلة الجمليّة؟

 أحمد المناعي:

، كثيرًا ما يميل المناضل إلى تعتيم المشهد، و قد فعلت ذلك بسابق إضمار أو عن جهل. و على كل حال فإن حصيلة من هذا النوع و كيفما كانت، إيجابية، سلبية أو بينهما، لا يمكن إسنادها للنظام وحده. فهي حصيلة بلد بأكمله، بعمّاله و فلاّحيه و مقاوليه و موظفيه و إدارته و أيضًا بالمحيط الإقليمي و الدَولي.

على كل حال، هي 20 سنة من استبداد رجل (في الحقيقة 18 سنة فقط)، ساعدته في ذلك مغامرات البعض و ظروف إقليميّة و دوليّة مواتية و كذلك تواكل المجتمع التونسي و نضال سياسيّ و جمعوي غير فعّال، و مع كل ذلك نجاحات اقتصادية غير مشكوك فيها.

س 2: النظام التونسي يصدّر حصيلته الاقتصادية و الاجتماعية. هل هي برّاقة كما يقول؟

 أحمد المناعي:

 المنتوج الوطني الخام الذي نما بأكثر من 5% بقليل ـ فيما عدا الفترة  ما بين 1992 و 1995، حيث كان بمعدّل 4,3 %ـ خلال العشرين سنة الأخيرة، و كذلك كل المؤشرات الاقتصادية الكبرى الأخرى، من تضخم و استثمار و عجز في الميزانية  وتداين و رصيد العملة الأجنبية و العطالة..إلخ، تشهد بأن الاقتصاد في حالة مرضية و أن التصرّف الاقتصادي سليم. و ما روّج له من مخاطر انهيار "قطاعات اقتصادية بأكملها و خاصة قطاع النسيج" بسبب الشراكة مع أوروبا، لم يحدث من حسن الحظ.

يجب الاعتراف لبن علي أنه كثيرا ما وضع رجالا أكفّاء على رأس الوزارات الفنّية و أنه ورث أيضًا إدارة حسنة.

غير أن الوضع الاقتصادي السّليم لا يكفي لطمأنة مجتمع مهمّش و حائر من خصخصة الدّولة وانحراف القضاء و نّمو الفساد المالي و شبكات المافيا و تعميق الفوارق الاجتماعية و أيضًا و بالخصوص من غياب آفاق المستقبل.

أعتقد أن التونسيين و في أغلبيتهم السّاحقة، مقتنعون بأنهم سيتحمّلون بن علي مدى الحياة. و لكن ماذا بعده؟ و الجواب على هذا السؤال من مشمولات "الحكم الرّاشد" و ليس بالتسيير الاقتصادي.

 س 3: كثيرا من الملاحظين يصوّرون الاقتصاد التونسي أنّه بين أيدي "مافيات" حقيقة تدور حول بن علي، هل هذا هو تصوّركم؟

 أحمد المناعي:

 إنّ أكبر إهانة للتونسيين، مقاولين و عمال، أن ندمجهم جميعًا في المافيات. النسيج الاقتصادي التونسي يتشكل من أكثر من 400.000 مؤسسة، منها 98% هي مؤسسات عائلية، صغرى و متوسّطة (أقل من 10 عمّال). و هذه جميعها لا تهم المافيات، و كذلك المؤسسات الأجنبية فهي تفلت من قبضتها.

غير أن المافيات، القريبة أم لا من بن علي موجودة و تتحكم في كثير من الأنشطة. و قد انتفعت كثيرًا من خصخصة المؤسسات العمومية و المختلطة و كذلك من التسهيلات البنكية. و يوم تتوصل لمراقبة الجهاز البنكي، يكون كل الاقتصاد التونسي بين أيديها.

 س 4: يتباهى النظام أيضًا بوضعية المرأة في تونس، أليس إلى بورقيبة بالخصوص تدين المرأة بهذه الإنجازات؟

 أحمد المناعي:

 كان بورقيبة هو الرائد الحقيقي لتحرير المرأة. فقد فتح لها الباب بتشريعات ثورية حول "وضع المرأة و العائلة" و بتعليم البنات. غير أن عمله تعّطل بعض الشيء في نهاية عهده.

و لكن في العشرين سنة الأخيرة، كانت مكاسب المرأة أكثر وضوحا. ففي الجامعة مثلا، يتجاوز عدد البنات عدد البنين (52 %، 48%). و تلمس نفس الظاهرة في كل قطاعات الوظيفة العمومية. و المرأة حاضرة في عالم الأعمال و في الحكومة و البرلمان و في كل الهياكل القيادية للتجمع الدستوري الديمقراطي في مقابل ما يشبه الغياب في هياكل أحزاب المعارضة.

و لقائل أن يقول بأن ذلك لا يعني شيئا ما دام الفضاء السياسي مقفل، وكل شيء بأيدي "لقائد". ما يهمّ أننا أمام ظاهرة عارمة هي بصدد تحويل المجتمع التونسي في عمقه و هي ظاهرة لا يمكن لأي شيء أن يقلبها.

 و أمام كل هذه الإنجازات للمرأة، أبقى مشدوها للممارسات المهينة و غير ذات جدوى التي تتعرّض لها البنات المحجّبات، أحيانًا، و لعديد الإساءات اليوميَة. و أخيرًا يبقى للمرأة التّونسية أن تصبح مؤهلة للترشح للرئاسيات و التساوي مع الرّجل في الميراث، ولكن ذلك قصة أخرى!

 س 5: منظمات "حقوق الإنسان" تنتقد بشدّة أساليب النظام الذي ينكر بالجملة بما في ذلك التعذيب و الهرسلة و السّجون المهينة...إلخ. من عنده حق؟

 أحمد المناعي:

 أساليب النظام فضيعة و بالتالي هي مدانة. و لكن ذلك يتواصل منذ منتصف سنة 1990، مع تحسن الأحوال في بداية هذا العقد. الآن تجدد الأمر بقوة مع قانون مقاومة الإرهاب، و لكن من واجب المنظمات (باستثناء امنستي) و المناضلين الحقوقيين و الإتحاد الأوروبي الذي يمولهم، أن لاّ ينسوا ضلوعهم في ذلك بصمتهم في وقت كان لا يزال بالإمكان إيقاف الآلة الجهنّمية. كان شعارهم وقتها "مظلّة حقوق الإنسان لا يمكن أن تحمي الأصوليين الإسلاميين".

و الآن في وقت لم تعد فيه ديمقراطيات كثيرة، اعتبرت طويلا مثالا للاحترام حقوق الإنسان , ترى حرجا في تقنين التعذيب و ممارسته في الهواء الطلق أو بالمناولة "إشارة للولايات المتحدة << ملاحظة التحرير>> فإني أستغرب إنكار النظام التونسي لتلك الممارسات.

 س 5: الواضح أن حرية التعبير هي مجرد سراب في تونس. فهل هذا نتيجة خوف النظام أو إصابته بالـــبارنويا؟

 أحمد المناعي:

 في البداية كانت البارنويا ثم أضيفت لها جرعة قوية من الخوف. إن ما يستغربه المرء في هذه القضية أن النظام لا يجهل بأن الوسائل التقليدية للتعبير و الإعلام التي يتفنن في خنقها و مراقبتها و منعها، تجاوزتها الأحداث. فمع القنوات العربية وانترنت " و إذاعة "قيل" أصبح الناس يطلّعون في الإبّان، على أبسط حدث يقع في الريف التونسي، قبل أن تتناوله "أفضل صحيفة للمعارضة".

 س6: النهضة أهم حركة إسلامية محلّية، تعرّضت لصواعق النظام منذ 1989. برأيك هل أصاب النظام في رؤيته؟

 أحمد المناعي:

 لا، القمع بدأ بعد ذلك في أواسط سنة 1990 و عمليًا مع احتلال القوات العراقية للكويت. و خدمة للحقيقية، لا بدّ من التذكير بمسلسل الأحداث.

في البداية تصرّف النظام بشكل جيّد في هذا الملف وهو ما دفع راشد الغنوشي (رئيس النهضة ملاحظة التحرير) للإطناب في مدحه.

فقد سرّح النظام المساجين السياسيين حوالي 2000 ألفين، و حفظ ما يسمى بقضية "المجموعة الأمنية" و التي هي في الحقيقة محاولة انقلابية هزيلة أقدمت عليها حركة الاتجاه الإسلامي. ثم أعلن عفوًا عامًا، ظهر فيها بعد أنه انتقائي، و أعاد المساجين المسرحين إلى وظائفهم و أعمالهم السابقة و عوّض للمحكومين بالبراءة منهم، ثم منح رخصة قانونية لنقابة طلابية إسلامية (الإتحاد العام التونسي للطلبة) و سمي عبد الفتاح مورو، الرجل الثاني في النهضة، في المجلس الإسلامي الأعلى، و أشرك أحد قادة الحركة في توقيع الميثاق الوطني ككل رؤساء الأحزاب القانونية و لكن باسمه الخاص (وهو نفاق متبادل) و سمح بمشاركة قوائم مستقلة (تساندها النهضة) في الانتخابات التشرعية لسنة 1989، و رخص لإصدار صحيفة للحركة في جانفي 1990.

في أواسط سنة 1990، بدأت الأمور تسوء و لكن على النهضة التي تتصرف كضحية بريئة منذ 17 سنة ، أن لا تنسى مسؤوليتها السياسية الثقيلة في المبادرة بمواجهة النظام ، و لا أيضا مسؤوليتها الأخلاقية في مأساة المساجين السياسيين.

و على كل حال، أعتبر أن من حق النظام أن يدافع عن نفسه و عن المجتمع الذي يتحمّل مسؤولياته ضد كل محاولات زعزعة الاستقرار. و لكن في إطار القانون واحترام حقوق الإنسان، و دون اللجوء إلى إقرار نظام العقوبات الجماعية و تعميم القمع و تدمير مجتمع بأكمله.

و قد اختار بن علي الوجهة التي نعرفها، و ساعده و سانده في ذلك وقتها عديد "الزعماء الديمقراطيين" و "المناضلين الحقوقيين" المعارضين حاليًا.

 س 8: مع ذلك و بالرغم من القمع هل تعتقد أنّ الإسلام السياسي لا زال يجلب الناس؟

 أحمد المناعي:

 الإسلام السياسي ليس بالظاهرة العرضية، فهو من صلب الإسلام و كثيرا ما يمثل مؤشرا لأزمة مجتمعاته.

هل مازال يجلب الناس؟ بالتأكيد و لزمن طويل لأنه يتغذى من الخلط الممنهج بينه و بين الإسلام. الإسلام السياسي في تونس الآن يفتقر إلى تأطير سياسي و لا يبدو  قادرا على استنباط مشروع سياسي و اجتماعي عمليّ و ذي مصداقية في المستقبل المنظور.

 أعتقد أنه لو نُظمت انتخابات ديمقراطية و على الرغم من المظاهر، فأنه يخشى أن يخرج منها بأقلية و لكن غير مهمّش.

المستقبل في تونس، و بعد بن علي، هو "لحزب سياسي لشعب مسلم"*: أي مكون سياسي قادر على إرساء علاقات هادئة و مستديمة بين الفضائين الديني و السياسي، على غرار حزب العدالة و التنمية في تركيا، و أيضا حزب الاستقلال و حزب الدستور في بداية استقلال المغرب و تونس.

س 9: هل بالإمكان القول بأن "القاعدة" أو التوجه الإرهابي الجهادي عموما، يهدد تونس؟ اذا كان نعم.. فكيف و لماذا؟

 أحمد المناعي:

 هناك فرق بين المتطوعين إلى جانب المقاومة العراقية مثلا و بين الذين يهاجمون أهدافًا مدنية أو عسكرية في بلدانهم أو في بلدان أجنبية. و على كل فقد برز هذا التوجه من خلال بعض العمليات الإرهابية كعملية جربة لسنة 2002  و أحداث مدينة سليمان في ديسمبر 2006.

لا أعتقد أن هذه العمليات مرتبطة ب تنظيم القاعدة أو أن تونس مهددة من قبل هذه الأخيرة. في المدة الأخيرة كذّب وزير الداخلية الجزائري و كذلك خبراء في الإرهاب من المجموعة الدولية " للازمات" أن يكون هناك علاقة بين القاعدة و الجماعة السلفيّة للدعوة و القتال (GSPC)  و قد قيل عن الأخيرة أنها  استقطبت بعض التونسيين.

لابد أن نلاحظ أنه كثيرا ما وقع الإعلان عن "القاعدة" في المناطق التي يطمع فيها الأمريكان و لو كانت تونس محاذية للصحراء الكبرى، "لظهر" فيها شبح القاعدة.

 أجرى الحوار  بودوان لوص – لوسوار – يومية بلجيكية. 5 نوفمبر 2007.

 *  هذا التعريف لمسؤول كبير في حزب الاستقلال المغربي جاء ضمن مداخلته في ندوة فكريّة سياسيّة انتظمت في باريس سنة 1994