حوار مع الشاعر الأردني عاطف الفراية

حاورته : هيام الفرشيشي – تونس

[email protected]

معرفة المثقفين الأصدقاء في تونس بتجربتي الشعرية  يماثل ذلك في بلدي

الشاعر والكاتب الأردني عاطف الفراية في هو أصيل الكرك جنوب الأردن  ، يقيم في الشارقة . صدر له عام 1993 مجموعة شعرية بعنوان "حنجرة غير مستعارة" عن وزارة الثقافة الأردنية وفاز بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2000 عن مسرحيته "كوكب الوهم" التي أصدرتها دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في كتاب. ثم فاز بجائزة جمعية المسرحيين بالإمارات للتأليف المسرحي عام 2002 عن مسرحيته "أشباه وطاولة" ، وأصدرت له وزارة الثقافة الأردنية عام 2007 كتابا يضم مسرحيات ثلاث عنوانه "السقف" أصدر له الانتشار العربي عام 2008 مسرحية "عندما بكت الجمال" وحاز على جائزة ناجي نعمان العالمية عام  تجربة2007 .  

هو شاعر منغرس في تربة وجوده وطنه ، وإن عاش خارج الأردن ، ولكنه يتوق إلى إعادة رسم الوجوه والملامح على هذه التربة ، وهو توق يشرعه الشعر ،  يخطه الشاعر الباحث عن البديل ، الجاعل من الحلم مساحة لخارطة اللغة حتى وإن تشكلت في مقال ساخر ، يبرز الفجوة بين الذات والواقع الخارجي . ووراء هذه السخرية ، والنزعة التصادمية  أحيانا ثمة محبة جارفة للجذور حيث منبت اللغة وهوية الشاعر وهو يتغنى بالكرك مسقط رأسه . ويستهلها بهذا المقطع : " ... عبق صباحك / ريح هذا اليوم هادئة تلاعبت زعتر اللجون / . ليعبر شعره عن لوحات متخيلة ، وصوره المسرحية تبحث عن رؤية إخراجية أردنية معبرة عن روح النص .

-أنت من الكرك في الأردن،  وأنت المغترب عنها ، كيف تراها في كل عودة، ما الذي بقي وما الذي اندثر، وما هي الصور التي تشدك أكثر من غيرها؟

·تجربة غربتي الخارجية في الإمارات ثرية جدا، بل أستطيع القول إنني اكتشفت الحياة وعرفتها هنا، وما جعلها سهلة وليست ذات ندوب كثيرة هو أنني كنت أعاني من غربة داخلية عميقة جدا في مسقط رأسي، كان ثمة شروخ واسعة بيني وبين مجتمعي الشعبي والرسمي، أضف إلى ذلك أن إحساسي بالأرض والتاريخ والإنسان على امتداد المساحة العربية كان دائما متماثلا مما يجعلني متجاوزا لهم الغربة الخارجية.. الكرك مدينتي الجنوبية الوادعة التي شكلت كتابتي عنها بواكير اكتشافي لجمال الشعر تسكنني بالطبع. أراها في كل عودة مثلما أرى شجرة تتساقط أوراقها وتتعرى تدريجيا، الفقر والجهل ينحدران بالوعي العام.. التردي السياسي والفساد يصنعان أنسانا غريب الملامح، وتبقى الجدران والأبنية الأثرية تعيش حالة عري وتوق إلى الإنسان..

المقال الساخر أوصلتني إلى أعداد هائلة من القراء وصنع  لي حجما هائلا من العلاقات

-  يرى كامل نصيرات أن إصرارك على الشعر، النثر، المسرح.. صنع منك ساخرا بحجم اللسان الطويل الذي تمتلكه. كان ثمن هذا اللسان قهر وجوع وتهميش طوعي مازلت تعيشه، هل كان ذلك في الماضي فحسب ، بمعنى أن صورتك أضحت لامعة في الحاضر؟ 

·لا بأس أن يدفع النظيفون دائما ثمن نظافتهم. ما دمنا في بيئة وظرف تاريخي يعيش فيه الفاسدون عصرهم الذهبي.. لا أحد يمكنه تهميش الإبداع خاصة الآن بعد انتشار الكتابة والنشر الإليكتروني. في الماضي كان ثمة محررون متحكمون في صحف ورقية مجيرة لخطهم الفكري أو منهجهم الأدبي أو توجههم السياسي أو حتى الشللي العصاباتي. وكذلك النقاد الذين خصصوا أقلامهم للغايات ذاتها.. فلا يجد المبدع غير الشللي من يحتفل به أو بنصه.. الآن الفضاء مفتوح للجميع. السخرية في المقال عندي وعند غيري من أصدقاء كثر تأتي ملجأ أخيرا للتغلب على القهر وتتناسب طرديا مع البؤس في المشهد العام للمجتمع والسلوكات الرسمية لعل النفس تهرب إلى السخرية حين تفقد الحيلة في التأثير الإيجابي العميق. والمقال الساخر مع ظهور الصحف الإليكترونية في الأردن بكثرة أوصلتني إلى أعداد هائلة من القراء وصنعت لي حجما هائلا من العلاقات والتواصل مع القارئ المتفاعل. وأستطيع القول أن معرفة المثقفين الأصدقاء في تونس بتجربتي الشعرية بشكل يماثل ذلك في بلدي أكبر مؤشر على كسر ذلك الحصار.

لا يمكن لهذا الكائن الخرافي المسمى شعرا أن يكون بلا غاية ولا رسالة

-- تعتبر أن كل شعر لا يحمل رسالة يدخل تحت خانة العبث مهما كان جميلا، لكن هناك من يرى أن الشعر أضحى شكلا فنيا وتلاعبا باللغة ، ما رأيك؟

قلت هذا في لقاء لصحيفة جزائرية منذ أكثر من خمسة عشر عاما وكررته في لقاءات أخرى وما زلت أتمسك به.. لا يمكن لهذا الكائن الخرافي المسمى شعرا أن يكون بلا غاية ولا رسالة تتجاوز المتعة الجمالية الممتعة التي تشكل بحد ذاتها غاية أولى ولكنها ليست نهائية في رأيي. مطلوب من هذا الجمال أن يؤدي رسالة ولو عبر قرون من التراكم .. وإن كان الشعر كما تفضلت أضحى ضربا من التلاعب باللغة لدى البعض فهذا لا يخلد.. النص المفعم بالشعر الحقيقي هو المؤهل للخلود.. والهرطقة اللغوية تذهب أدراج الرياح.. وشعر المناسبة يتلاشى بتلاشيها..

ــ  صار المسرح الحديث يعتمد على تدخل المخرج في كتابة أبجديات العرض المسرحي ، إلى أي مدى يستجيب الإخراج إلى رؤية المؤلف ، هل لديك وجهة نظر في العملية الإخراجية للمسرحية ؟

·لا شك أن المخرج يعيد كتابة النص حين يحوله إلى نص بصري.. الكاتب المسرحي لديه رؤية يحملها لنصه.. والمخرج له رؤيته ومن حقه أن يضع للنص سيناريو عرض يخصه على ألا ينسف فكرة الكاتب أو مقولته الكبرى المرادة من النص.. النص واحد فقط من عناصر العرض المسرحي.. العناصر الأخرى ليست ملكا للكاتب وهي مجتمعة تشكر مفردات العرض بصيغة تكاملية توصل إلى الفرجة والمتعة والفائدة معا. لا خبرة لي بالإخراج.. والذين جربوا إخراج نصوصي للأسف كانوا بعيدين عني جغرافيا.. فواحد في المغرب وواحد في السعودية.

 ــ الالتصاق بالواقع في المسرحية بدون مباشرة ، تجذيرك للهوية العربية الإسلامية في القصيدة  جعل مسرحك وشعرك قريبا من الناس وأشعارك تتحدث عنهم / كيف تستقي صورك : من الذاكرة أم من تفرس مشاهد الحياة ؟ وكيف تبني هذه الصور وتوجهها وجهة درامية ؟

·في الشعر لا يمكن وضع رسالة أو هدف مسبق على ولادة النص.. وإلا فإنه سيكون نصا وظيفيا.. هذا لا ينسجم مع طبيعة الشعر العصية على التطبيع.. أما (تجذير الهوية ) فليس أمرا يأتي بقرار.. اللغة في القصيدة تأتي من قاموس الشاعر ومخزونه .. وهذا القاموس يتشكل حسب ثقافة الشاعر وبيئته وتربيته.. أنا تربيتي عربية إسلامية وثقافتي في البدء درامية. من هنا تأتي الخلطة. الهم العام والهم الخاص يلتقيان في القصيدة الدرامية ويشكلان معا نهرها. ويضيئانها بالصور والمقاطع والتداخل الحواري أحيانا والقص الحكائي الشعري.

- في تعاملك مع الصحافة الإليكترونية صرحت بأنه: " لا يجوز احتكار مقالة ولو لساعة دون مقابل مادي " ، ألا ترى أن الصحافة الالكترونية المعروفة تخدم الكاتب في نهاية الأمر ؟

* هذه العبارة كانت في معرض الرد على من يصر من الصحف الإليكترونية على أن يحتكر المقالة يوما أو يومين قبل إعادة نشرها في صحيفة إليكترونية احتكارا مجانيا دون أجر.. مما يعني أنه يعترف ضمنا بأنه مستفيد من الكاتب واسمه وقرائه.. بالتالي من الطبيعي أن يدفع له كما تفعل الصحف الورقية.. ومن هنا أتت عبارتي رغم أنني لا أملك عمودا في صحيفة ورقية .. لكن المبدأ هو المبدأ. وأنا بطبعي لا أقبل المساومة رغم اعترافي أن النشر الإليكتروني قدم لي خدمة في مسألة الانتشار. 

ــ  توج إنتاجك الشعري والمسرحي  بجوائز مهمة ، واختيرت مدونتك من أفضل عشر مدونات عربية في موقع إنانا الأدبي، هل هناك وصفة تعتمدها تؤهلك للتتويج؟

 ·الوصفة الوحيدة للإبداع هي أن يكتب الكاتب على هواه لا على هوى غيره سواء كان هذا الغير سلطة أو أيديولوجيا .. الكتابة الإبداعية تعطي من ذاتها لمن يخلص لها أكثر بكثير مما يعصي السلاطين من يكبون لهم ..