حول المخدرات من المنظور الشرعي والنفسي

حول المخدرات من المنظور الشرعي والنفسي

شخصية المدمن بين الدين والواقع

عادل هندي * - مكتب القاهرة

[email protected]

مدخل:

 إن الناظر إلى الواقع الحالي من حياة المسلمين، يجده قد امتلأ بكثير من الميكروبات، البدنية والعقلية، ولا يغيب على المسلمين ما يحدث في حياة شباب هذه الأمة من ضياع وتصدع لأرقى المعاني الأخلاقية، ومن بين ما أصاب الشباب: الغرق في بحار المخدرات، التي أضاعت العقول والقلوب، فما الأسباب وراء تعاطيها؟ وما العلاج الشرعي لهذه المسألة؟ وما هى صفات متعاطي المخدرات أو سمته وأثاره النفسية؟ والسؤال: هل للمدمن أو المتعاطي لهذه المواد دور فعال في المجتمع وما علاقته بمجتمعه؟ كل هذا وأكثر سنجده في هذا التحقيق حول: المخدرات وخطورتها الشرعية والنفسية والاجتماعية فوق الطبية، ونختم مع مدمن وكيف يشعر بطعم الحياة؟

قابلنا الأستاذ الدكتور: طلعت محمد عفيفي سالم (عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق بالقاهرة- ورئيس قسم الثقافة الإسلامية بالكلية)

د. طلعت محمد عفيفي سالم

وسألناه: ما رأى سيادتكم في أمر المخدرات من المنظور الديني، وهل من نصيحة لمتعاطيها؟

وأجاب قائلا:

 بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله المصطفى: فإن شريعة الإسلام شريعة نقية طاهرة نظيفة، ما تدعو إلى فعل شيء إلا كان فيه فلاحا ونجاحا للإنسان، وما تمنع عنه شيء إلا كان فيه ضرر متحقق؛ ويكفي أن الله هو منزل التشريع، وهو القائل: «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير»، ويقول الخالق سبحانه: «ألا له الخلق والأمر فتبارك الله رب العالمين».

نحن نشير إلى أن تحريم الإسلام للخمر ينطبق على كل مسكر ومُفَتِّرْ، بغض النظر عن المادة التي صُنِعَ منها سواء أكانت مأكولة أو مشروبة أو مشمومة أو تؤخذ على هيئة حقن أو غير ذلك من الصور، وقد قال صلى الله عليه وسلم «كل مسكر خمر» وفي رواية «وكل مفتر خمر» فالمخدرات لون من ألوان الخمر، التي بين الله في كتابه ما تؤدي إليه وما ينطبق عليها من صفات {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}.

ثم إن مبدأ الإسلام قائم على تحريم ما يضر الجسد أو المال أو المجتمع، ومما يؤكد ذلك الآتي:

1.  أما ضرره بالجسم والنفس، قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وقد أجمع الأطباء على أن المخدرات تتلف أجهزة الجسم الإنساني الحيوية كالمخ والأعصاب والعضلات والكلية والكبد.

2.  وأما تحريم الاضرار بالمال، فقد ثبت عن النبي قوله: (إن الله حرم عليكم ثلاثا، وعدَّ منها: وإضاعة المال) ومن المؤكد أن هذه إضاعة للمال في غير ما أحلَّهُ الله ولا شك في ذلك.

3.  وأما تحريم الإضرار بالمجتمع، فقد ثبت (لا ضرر ولا ضرار) والناظر في حال المدمنين يجد أن المخدرات قد أدت بهم إلى شلل في التفكير والعقل، وأبعدتهم عن الحياة وعزلتهم عن حقيقة الدنيا، فانظر في وهن الجسم، وتعطيل الانتاج وجعْل الإنسان عضوا غير نافع ولا فعال في المجتمع، بل قد يصل إلى ان يكون إنسانا مسعورا قد يرتكب الكثير والكثير من الأمور العفنة والنجسة كالزنا والاغتصاب والسرقة وقطع الطريق وقد يقع في تشريد أسرته بطلاق الزوجة في مثل هذه الحالة.

ولا بد أن نلفت النظر إلى أن المخدرات ما هى إلا سلاح يستخدمه أعداء الأمة لشل الحركة الإسلامية، وإشاعة الفتنة في صفوف المسلمين، وأعداؤنا يستخدمون كل هذه الأساليب لإضعاف القوة الإسلامية، وهى مقصودة كلون من ألوان الاتجار الذي يؤدي إلى إذهاب قوة شبابنا الذين هم عماد أمتنا وشرف مستقبلها، وهم أمل الغد المشرق، ولذا كان لا بد من التنبيه على كل هذه الأمور، من حرمة المخدرات ماليا وطبيا ونفسيا ودينيا ومجتمعيا وثقافيا، فليحذر الذين يخالفون عن أمر الله ورسوله أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، ونحذر مروجيها من عذاب جهنم الذي أعده الله للذين يحبون أن تشبع الفاحشة في الذين آمنوا وكذا أعدها لمن فتن المؤمنين والمؤمنات، وما نراها إلا فتنة لعن الله من أيقظها أو ساعد على إحيائها. وأسأل الله تعالى أن يردنا وشباب أمتنا إلى دينه مردا جميلا، والله المستعان وعليه التكلان.

 وهكذا رأينا رأى الشرع الحكيم في أمر الإدمان والمخدرات، ولعل من المناسب جدا أن نرى ماذا يقول علماء النفس والاجتماع عن شخصية المدمن ومن أين جاءت هذه الأمور وما أسبابها؟

أما لقاؤنا الآن فمع الأستاذ الدكتور محمد فتحي (خبير التنمية البشرية والتطوير الإداري) وسألناه عن هذا الموضوع، عن الشخصية المدمنة، وطلبنا منه أن يطوف بنا حول ماهية العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية -عموما- والمدمنة -خصوصا- وما هو السبب الرئيسي في إدمان المدمن وسيره بعيدا عن الطريق الصحيح؟

د. محمد فتحي

وكان جوابه كالتالي:

 إن العنصر البشري هو الأساس لكل نهضة، وهو العماد لكل حركة، وبدونه تموت في مهدها أي فكرة، وعندما يشعر الأفراد في أي أمة أنهم غير قادرين على العطاء فإنما هم بذلك يُصدرون حكماً بالإعدام على أنفسهم ومجتمعهم، شاءوا أم أبوا. أو عندما يبث أعداء الأمة من السموم في أبنائها حتى يقضوا عليها ومثال ذلك حرب الأفيون في الصين وكيف انهالوا من صوب وحدب يجتاحون الصين ليقضوا على نهضتها في السابق عمداً.

 والمعيار الذي يجب الحفاظ عليه والاهتمام به هو الإنسان الذي يتحول مع الوقت إلى مدمن ، أو شخصية مدمنة ، هذا الإنسان في تفاعل مستمر مع الحياة والظروف التي تحيط به.. فهو يأخذ منها ويتحمل آثارها من جهة، وهو يحدث فيها نوعًا من الفعل من جهة أخرى، فهو قد ينجح وقد يفشل، وقد يتكيف وقد لا يتكيف، كل هذا حسب شخصيته.

والسؤال الآن: ما هى العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية؟ هناك:

-                                                                                                                   عوامل جسمية: كالطول والعرض وضخامة الجسم وأثبتت الدراسات وجود ارتباط ضئيل جدًّا في تحديد ملامح الشخصية، وضعيف في تشكيل أبعادها النفسية عن طريق العوامل الجسمية

-                                                                                                                   عوامل نفسية: وهي العوامل المكونة للنفسية، ويشترك فيها:

أ- التنظيم الإدراكي (العقلي): وهو ما يتعلق بالذكاء والقدرات العقلية الخاصة كالقدرة اللغوية والقدرة الحسابية والقدرة الفنية والعملية والتصور والتخيل والتذكر

ب- التنظيم الوجداني (الانفعالي): ويتضمن أسس السلوك البشري ودوافعه والعواطف والميول والاتجاهات.

-       عوامل بيئية: حيث تؤثر البيئة المحيطة بالفرد تأثيرًا كبيرًا في نمو الشخصية حيث العوامل الاقتصادية والتعليم والخبرات والمهارات الاجتماعية والمعرفية المختلفة والعمل الذي يؤديه الفرد والمهنة و..... كل هذا يؤثر في سلوك الفرد وعلى اكتسابه للعادات الفكرية والحركية ... كل هذا يشكل تأثيرًا في شخصية الفرد.

أما شخصية المدمن :

هناك أربع شخصيات من الممكن أن تصبح مدمنة و لكن ليس أمراً محتوماً:

1 ـ الشخصية ذات الطابع الاكتئابي : و قد يكتئب لعدة أيام نتيجةً لهبوط المعنويات و قد يقاومها بإحدى المواد المخدرة أو المنشطة بشكل متقطع أو مستمر.

2 ـ الشخصية ذات الطابع الانطوائي : ويقصد بها الإنسان الخجول الحساس الذي يفضل العزلة ويهرب من الناس ومن التجمعات ولا يقو على مواجهتها ولا يعبِر عن رأيه ويشعر باضطراب شديد حين يضطر للتعامل مع الناس قد يكتشف أنَ إحدى المواد تزيل خجله وتلغي توتره وتطلق لسانه فيبدأ باستعمالها بشكل متقطِع أو مستمر.
3 ـ الشخصية المكروبة :

بلا أي سبب أو ضغوط هو دائماً قلق متوتر وفي عجلة من أمره ، وإن عدم الصبر يعرضه للخطأ .

4 - الشخصية اللا اجتماعية :

أي منذ أن كان طفلاً أو مراهقاً عنيفاً وعنيداً وعدوانياً من الصعب أن نحبه أو نتآلف معه إذا أخطأ يسرف أويكذب، يهرب من المدرسة، يهرب من البيت ، يؤذي اخوته وأصدقاؤه هكذا تظهر ملامح هذه الشخصية في سن مبكِرة وتترسخ مع الأيام وتزداد عنفاً وعدوانية منهم الأذكياء والأغنياء يقدرون على إخفاء شرورهم وعدوانيتهم ، ويبدون على شكل رجل طيب أمين شريف بشكل عام هذا النوع يتعاطى و يدفع غيره للتعاطي .

ولكن من أين وصل المدمن إلى ما هو فيه ؟؟؟ العنصر الاساسى هو:
الأُسرة


1 ـ الأسرة الفاشلة : تنتج أبناء فاشلين و فيها ترتفع نسبة الأبناء المدمنين
2 – الأُسرة التي لا تعرف الله : أيضاً ترتفع فيها نسبة الإدمان .
3 – الأُسرة التي يكون فيها الأب أو الأم مدمن
4 – انحراف سلوك أحد الأبوين و خاصَة إذا كان معلناً وظاهراً يخلخل جهاز القيم عند الأبناء و الإدمان هو جواز مرور فالقدوة لديه انهارت وتحولت إلى مثل أعلى في الشر والإجرام
5 – الأسرة اللاهية عن أبناءها
6 – الأسرة الغائبة عن البيت وبالتالي غائبة عن الوعي

دكتورنا الكريم: ماذا تقول -في النهاية- للأسرة المسلمة، ولكل شاب قد ينجرف أو ينحرف؟

أقول:
احترس لنفسك ولأسرتك من الإدمان وحافظ على شخصيتك نقية سليمة على فطرتها التي خلقك الله عزَّ وجل عليها تنجو في الدنيا والآخرة

مع تحياتي : عادل هندي، وأسأل الله أن يهدينا وأن يصلح أحوالنا وأحوال شباب المسلمين.

               

*معيد بجامعة الأزهر الشريف، وباحث في العلاقات الإنسانية والشخصية الإيجابية،

وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية، وعضو نقابة القراء المصرية.