محمد فاروق طيفور

محمد فاروق طيفور (نائب المراقب العام لإخوان سوريا) :

ليس هناك حوار بين إخوان سورية وأمريكا *

محمد فاروق طيفور

حوار محمد هاني

- مسئولون سوريون متورطون في اغتيال الحريري

- الحكومة تعاملت بمراوغه مع لجنة ميليس مما أثار الشكوك حولها

- ترسيم الحدود السورية اللبنانية غير مناسب حاليًا

- النظام السوري يخضع للضغوط ومستعد لتقديم التنازلات

يرى إخوان سوريا أن النظام السوري يتحمَّل ما وُجِّه إليه من انتقادات وضغوط بسبب مراوغته وعدم التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في قضية مقتل الحريري؛ مما اثأر الشكوك حولها، وأن النظام هو أيضًا المتسبب في إفساد العلاقة بين الشعبَين السوري واللبناني, مؤكدين أن الإخوان- رغم القمع والاستبداد من النظام- لن يقبلوا بالاستقواء بالخارج بديلاً عن الاستبداد.

هذا ما أكده المهندس محمد طيفور- نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ورئيس المكتب السياسي- خلال حواره مع (إخوان اون لاين) حول تفسير إخوان سورية للضغوط التي تمارَس على دمشق في الوقت الحالي وموقفهم من أهم المستجدات السياسية على الساحة السورية.

* كيف ترون عملية اغتيال النائب اللبناني جبران تويني ومن يقف خلفها وتأثير ذلك على مسار تحقيقات ميليس؟

** في البداية جماعة الإخوان المسلمين في سورية تلقت بألم فاجع نبأَ اغتيال النائب اللبناني جبران تويني، الذي حمل مشعلَ الحرية والسيادة، وانحاز دائمًا إلى كرامة الإنسان، وفي رؤيتنا لا ينفصل هذا العمل الإجراميُّ عن مسلسل القتل الذي يشهده لبنان، بدءًا من محاولة اغتيال النائب مروان حمادة، ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والكاتب سمير قصير، والسياسي جورج حاوي، ومحاولة اغتيال الإعلامية ميّ شدياق، كما أن هذه الجرائم تأتي مكمِّلةً للمتوالية التي شهدها لبنان من قبل، والتي كان أبرز ضحاياها كمال جنبلاط، ورينيه معوَّض، وبشير الجميل، وحسن خالد، وصبحي الصالح، وسليم اللوزي، وغيرهم كثير.

ونحن من موقع المسئولية الوطنية والشعبية السورية، وتأكيدًا على العلاقة الأخوية الحميمة التي تجمع الشعبَين الشقيقَين نستنكر وندين الجريمة النكراء، وما سبقها من جرائم استهدفت السلم الأهليَّ في لبنان، ونطالب الجامعة العربية بتحمُّل مسئولياتها، والمبادرة إلى اتخاذ موقفٍ حازم، يضع حدًّا لمسلسل القتل الذي يستهدف أحرار لبنان على اختلاف انتماءاتهم، ويحول دون أيِّ تدخُّلٍ خارجيٍّ قد يصبحُ ضرورةً في حال استمراره.

وإن التحقيق المستقلَّ النزيه في ملفَّات هذه الجرائم هو الطريق الوحيد لكشف حقيقة القتلة ومن يقف وراءهم، ووضع حدٍّ لجرائمهم؛ صونًا لوحدة لبنان وسيادته.

* كيف تقيِّمون نتائج تحقيق المحقق الألماني ديتليف مليس وما آل إليه من صدور القرار 1636 بسبب اتهام سوريا بمقتل الرئيس الحريري؟

** المحقق الألماني ديتليف مليس قاضٍ متخصص، ومعه في لجنة التحقيق فريقُ عمل مهني كبير، والمفترض في هذه الحالة أن يكون التحقيق مهنيًّا، ويؤدِّي إلى نتائج تساعد على كشف الحقيقة حول جريمة الاغتيال، وقد ورد ذكر عدد من المسئولين السوريين في التقرير؛ مما كان يوجب على النظام السوري التعاون مع لجنة التحقيق للمساعدة في كشف الحقيقة، إلا أن النظام لجأ لأساليب اللَّفِّ والدوران والمراوغة؛ مما أدَّى إلى صدور القرار (1636) الذي يطالب سورية بالتعاون الكامل مع لجنة التحقيق، وقد كان على الحكومة السورية أن تتعامل بشكلٍ إيجابيٍّ مع لجنة التحقيق، وأن تفنِّد ما تضمنه التقرير بدلاً من اللجوء إلى أساليب ملتوية في التعامل مع هذا الملف؛ مما يلقي بالكثير من الشك على هذا الموقف.

تقرير ديتليف ميليس

* إعلان ميليس بعد ذهابه إلى الولايات المتحدة أن التحقيق لم ينتهِ، ثم عودتُه مرةً أخرى، ثم صدور قرار من مجلس الأمن باستمرار عمل اللجنة لمدة 6 أشهر، مع تكليف السلطات السورية بتسهيل مهمة فريق التحقيق.. هل يُعَدُّ ذلك وسيلةً للضغط على سوريا في حال عدم خضوعها كما يرى البعض؟!

** لا نستبعد أن تحاول الولايات المتحدة توظيف الموقف السوري السلبي من لجنة التحقيق واستخدامه ذريعةً في الضغط على سورية لخدمة مشاريع الهيمنة الأمريكية في المنطقة؛ لذلك كان من المفترض التعاون مع لجنة التحقيق وتفويت الفرصة على هذه المحاولات.
المسئول
عن الجريمة

* رغم إعلان ميليس عدم تقديمه المذكرة النهائية إلا أن ذلك لا ينفي التهم عن سوريا بضلوع مسئولين منها في اغتيال الحريري!!

** نعتقد أن النظام السوري مسئول بشكل مباشر أو غير مباشر عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري، نظرًا لأنها تمَّت على الأرض اللبنانية حين كانت تخضع كليًّا للنفوذ السوري، أما موضوع تثبيت التهم على مسئولين سوريين أو نفيها فهو مرتبطٌ بنتائج التحقيق.

* ما هي رؤية إخوان سوريا للمستقبل السوري بعد صدور القرار 1636 الذي يعتبره البعض مرحلةً فاصلة في التاريخ السوري السياسي؟ ورأيكم فيما ورد عن الرئيس السوري بأنّه لا يستبعد حدوث ضربة عسكريةً ضد سوريا؟

** لا شكّ أنّ القرار الدولي 1636 وضع النظام السوري أمام خياراتٍ صعبة، خاصةً وأنَّه صدر وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يخوِّل مجلس الأمن استخدامَ القوة في حال عدم استجابة النظام السوري للقرارات الدولية، وأعتقد أنه على النظام أن يتعاون مع لجنة التحقيق، ويرسل المسئولين المشتبه بهم لاستجوابهم، لا سيما وأنه يصرُّ على براءته من ارتكاب جريمة الاغتيال، وفي حال عدم تعاونه سيعرِّض سورية وشعبَها لعقوباتٍ قد تصل إلى ضربةٍ عسكريةٍ.

علاقة راسخة

وليد جنبلاط

* كيف ترون العلاقة مستقبلاً بين سوريا ولبنان في ظل مطالبة غالبية الشعب اللبناني بمحاكمة الجناة دوليًّا وإعلان بعض الفئات السياسية- كحزب الله وحركة أمل وتيار جنبلاط- التضامن مع سوريا؟!

** العلاقة بين الشعبَين الشقيقين- اللبناني والسوري- تاريخية وراسخة، ولا تقتصر على بعض الفئات السياسية، ولكنَّ النظام السوري أساء إلى هذه العلاقة خلال وجوده في لبنان عندما أحال لبنان إلى مستعمرة لأجهزته الأمنية وعناصره الفاسدة، فعاثوا فيها فسادًا وإفسادًا، ولا بد من إعادة النظر في هذه العلاقة، على أساس الروابط التاريخية التي تربط الشعبَين الشقيقَين والمصير المشترك، وعلى أساس احترام سيادة لبنان واستقلاله وعدم التدخُّل في شئونه.

* ظهور موسكو على الساحة في الفترة الأخيرة ووقوفها ضد القرار1636 في مجلس الأمن وضد بعض بنوده ما الهدف منه؟! أم أنه استمرارٌ للصراع بين الجبهة الشرقية والجبهة الغربية على المنطقة العربية؟

** قد يكون اهتمام (موسكو) بالقضية السورية في أحد جوانبه امتدادًا للحرب الباردة، لكنَّ روسيا اليوم هي كبقية الدول الأخرى تبحث عن مصالحها التي أصبحت مرتبطةً إلى حد كبير بالسياسة الأمريكية؛ لذلك فليس من الحكمة الاعتماد على الموقف الروسي والتعويل عليه، في ظلِّ هيمنة القطب الواحد.

* ما رأيكم في قضية ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان؟

** أعتقد أن طرح موضوع ترسيم الحدود بين سورية ولبنان في هذه الظروف غير مناسب، وهو من وسائل الإكراه والضغط على النظام السوري التي مورست من قبل على العراق لترسيم حدوده مع الكويت في ظروف مشابهة.

الدعم والمقاومة

شاب من المقاومة الفلسطينية

* البعض يفسِّر أن من أسباب الضغوط على سوريا في الفترة الأخيرة هو دعم إيران لها، إضافةً إلى احتضان دمشق لفصائل المقاومة الفلسطينية، وهو ما ظهر في بيان اللجنة الرباعية حول المطالبة بطرد كوادر المقاومة.

** مما لا شك فيه أن إيران تعتبر الحليف الإستراتيجي الأول لسورية، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في الحرب الإيرانية العراقية، ولا يزال هذا الحلف الإقليمي مستمرًّا، إلا أننا نعتقد أن إيران لن تذهب بعيدًا في تحالفها مع سورية إلى حد التورط في مواجهة دولية, وهذا ما أوضحه السيد خرازي- وزير الخارجية الإيرانية السابق- أما موضوع المقاومة الفلسطينية واحتضانها، فقد يكون من الذرائع التي تُستخدم في الضغط على سورية، إلا أننا نعتقد أن الأمر لن يصل بالنظام- بحالٍ من الأحوال- إلى المدى الذي يضحِّي فيه بنفسه دفاعًا عن هذه المقاومة.

* هل تتوقعون أن يتكرَّر السيناريو العراقي في سوريا خلال الفترة المقبلة؟ وهل تؤيدون الآراء بأنَّ هذا السيناريو مرسومٌ منذ غزو العراق ومقتل الحريري؟ وهل تتوقعون خضوع النظام السوري للضغوط؟

** لا أعتقد أن السيناريو العراقي قابلٌ للتكرار في سورية بعد أن ثبت فشله في جميع الميادين، ولا أظن أن الإدارة الأمريكية على استعداد لتكرار هذه التجربة في سورية، لكنْ قد تكون هناك سيناريوهات أخرى مشابهة، وهي بالتأكيد موجودة لدى الإدارة الأمريكية على الأقل منذ اجتياح العراق، وجاءت جريمة اغتيال الرئيس الحريري وطريقة تعامل النظام السوري معها لتعطي المزيد من المبرِّرات والذرائع.

ومن المؤسف والواضح أن النظام السوري يخضع للضغوط، وأنه مستعدٌ لتقديم التنازلات للخارج في سبيل بقائه في السلطة، بينما لا يفكِّر في الانفتاح على الشعب، والتلاحم مع القوى الوطنية لمواجهة الأخطار والتحديات الخارجية.

الاستقواء بالخارج

* ما حقيقة ما صدَر عن إخوان سوريا حول الموافقة على فتح خط حوار مع الإدارة الأمريكية، وما احتمالية حدوث ذلك؟ وما الشروط التي تحكم هذا الحوار؟

** لا صحة مطلقًا لهذه المزاعم، ولا يوجد أي حوار ين إخوان سورية والإدارة الأمريكية، مع أن الجماعة- من حيث المبدأ- لا ترفض الحوار مع أي جهة في إطار الثوابت الشرعية والوطنية؛ لتوضيح مواقفنا وبيان رؤيتنا ووجهة نظرنا، لكنَّ هذا لا يعني مطلقًا أن نستقوي بأيِّ قوةٍ خارجية على وطننا وشعبنا، ولا نرضى بالاستعمار والهيمنة بديلاً عن الاستبداد، أو أن يحل بسورية وشعبها ما حلَّ بالعراق وشعبه.

* كيف تقيِّمون أداء النظام السوري حاليًا؛ باعتباركم من أهم فصائل المعارضة؟ وهل ترون أن الإفراج عن بعض الإخوان مؤخرًا يأتي كخطوة نحو الإصلاح أم أنها مغازلةٌ من النظام لتهدئة الوضع الداخلي في ظل الضغوط الخارجية؟!

** للأسف ذهبت كلُّ الآمال التي بناها الشعب السوري على مجيء الأسد الابن أدراج الرياح، وكانت السنوات الخمس الماضية من حكم بشار الأسد استمرارًا لحكم أبيه وتكريسًا للاستبداد والظلم والفساد، إضافةً إلى الفئوية والمحسوبية والعشائرية.. لقد كانت الفرصة سانحةً أمام الرئيس الجديد لعملية إصلاح حقيقي وتغيير في بنية النظام الديكتاتوري، والانتقال من الدولة الأمنية إلى دولة الحرية والديمقراطية.

العاصمة السورية دمشق

لقد قدم الشعب السوري وقواه الوطنية كلَّ الدعم لمثل هذا التوجه، لكنَّه وُوْجِه بالقمع والسجن والتنكيل.. فأين جماعة ربيع دمشق؟ ما زالوا في السجون، وأين المشاريع التي طرحناها (ميثاق الشرف الوطني سنة 2001، ومؤتمر الحوار الوطني في لندن سنة 2002، والمشروع السياسي لسورية المستقبل سنة 2004، وإعلان دمشق أخيرًا سنة 2005)؟ كل ذلك لم يستفِد منه النظام، وطلع علينا في المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث بمزيدٍ من التشدد والتشنج، وهكذا ذهبت كلُّ الفرص، وأصبح النظام الآن معزولاً داخليًّا عن قناعة شعبه وتأييده ومقهورًا خارجيًّا أمام تحديات كبرى؛ نتيجةً لتصرفاته وممارساته الداخلية والخارجية، نحن لا نتكلم فقط عن الملفات الإنسانية- سجناء ومعتقلين ومفقودين ومهجرين- نحن نتكلم عن وطنٍ بأكمله وشعب بكل إمكاناته ومقدراته أضاعه هذا النظام وعبث به طوال خمسة وثلاثين عامًا، فأصبح هذا الوطن وهذا الشعب عرضةً لأطماع الطامعين وساحةً لمخططات المتآمرين.

* هل من الممكن أن يستغل إخوان سوريا الوضعَ المتأزِّم للنظام السوري لممارسة الضغط الداخلي لتغيير النظام أم أن الإطار الذي يحكم هذا الأمر هو تنحية الخلافات الداخلية حتى الانتهاء من الأزمة الخارجية؟

** المشكلة أكبر من أن يستغل الإخوان الوضع المتأزم للنظام ليحققوا بعضًا من المكاسب والحقوق الإنسانية المشروعة، المشكلة مشكلة وطن آيل للسقوط والاحتلال، ومشكلة شعب آيل للتشرذم والاقتتال، وهذا العراق ليس عنا ببعيد، المشكلة كل المشكلة أن النظام القائم لا يريد أن يدرك عِظَمَ المأساة التي أوصل إليها شعبَنا ووطنَنا، ولا يريد أن يدرك كم هو متخلِّف عن استحقاقات التحدي القائم.

* ما علاقة إخوان سوريا بكلٍّ من: حزب الله اللبناني- فصائل المقاومة الفلسطينية في سوريا- فصائل المعارضة السورية- إخوان مصر؟ والى أي مدى يأتي التنسيق بينكم وبين هؤلاء؟

** رغم موقفنا المؤيِّد لمقاومة الاحتلال بكل أشكاله فإنه لا علاقة مباشرة تربطنا بحزب الله أو بفصائل المقاومة الفلسطينية التي نلتقي أحيانًا مع بعض قياداتها في الخارج.. أما إخواننا في مصر وفي الدول العربية الأخرى فنحن وإياهم امتدادٌ لدعوة الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، تربطنا بهم الفكرة الواحدة، والفهم الوسطيُّ المعتدل للإسلام، والعلاقات التاريخية والأخوية، إضافةً إلى التشاور والتذاكر في الإطار العام للدعوة وقضايا الأمة، ونكنُّ لهم كل التقدير والاحترام والوفاء.

* إخوان أون لاين في 18 / 12 / 2005