حوار مع الأديبة التونسية فاطمة سليم

لي ذاكرة حية

حاورته : هيام الفرشيشي – تونس

[email protected]

هي كاتبة جمعت بين الكتابة والنشاط الجمعياتي ، انخرطت في العمل المنظم منذ بداية الاستقلال ، أي عند بداية تركيز المجتمع التونسي الجديد ، وكانت أول إطلالة لها ككاتبة في جريدة " العمل " ، حيث حررت مقالا في صفحة كاملة عن دور المرأة في المجتمع . ثم انخرطت في الاتحاد النسائي . وفي نهاية الستينات انضمت إلى "نادي القصة بالوردية" ، فنشرت في بداية السبعينات مجموعتين قصصيتين : " نداء المستقبل " و " تجديف فوق النيل " . في نهاية التسعينات صدر لها كتاب " نساء وأقلام " ، ونشرت كتاب " شخصيات وقضايا " وهو حصيلة نشاطها الصحفي في مجلة " المرأة " ومختلف الصحف التونسية ، ويهتم هذا الكتاب بشخصيات عربية فنية وثقافية من خلال محاورتها ( في السبعينات من القرن الماضي ) وهي وجوه من مصر وسوريا ولبنان والعراق .

في هذا القاء تعود فاطمة سليم إلى ذاكرتها النشطة ، بكل تفاصيلها الصغيرة :

تشهد مدينة الزهراء هذه السنة حركة ثقافية هامة . لمحة عن هذا النشاط ؟

باعتباري رئيسة الاتحاد النسائي في "الزهراء" ومن خلال الجمع بين التكوين السياسي والثقافي قمت بندوات ثقافية وفكرية ، بمعدل مرة في الشهر ، ويندرج ذلك في إطار المناسبات الوطنية والأحداث الثقافية الكبرى من بينها " المواطنة عبر التاريخ ومفهومها الجديد " . ونظمت أمسيات شعرية ، وهذه الندوات تشهد اقبالا كبيرا بما أنها تنشيط للحياة الثقافية وتشرف عليها كفاءات نسائية ثقافية وتشهد حضور الفعاليات السياسية والثقافية .

هذا النشاط السياسي الفكري هو امتداد لتجربتك في الميدان ، فكيف كانت البدايات وما هي مظاهر التأسيس ؟

في بداية الستينات حين كنت معلمة متربصة في مدرسة ترشيح المعلمات ، وبما أنني كنت عنصرا فاعلا في الاتحاد النسائي ، وكنت أشرف على النادي الثقافي في "مدرسة ترشيح المعلمات" اختارتني المديرة لأكون واحدة من مؤسسي مجلة "المرأة " في 1961 . كما كنت من بين مؤسسي مجلة " الرياض " ومجلة " الأزهار " وهي مجلات موجهة للطفل .

في الاتحاد النسائي كان يشرف على الكاتبات الناشئات في ذلك الوقت أستاذ يقتصر عمله على عنونة المقالات وإصلاح الأخطاء ، وكانت المقالات موجهة ومحددة .

في ما بعد أصبح لي ركن قار في مجلة " المرأة " تحت عنوان " المرأة عبر التاريخ : نساء رائدات " وأجريت العديد من الحوارات مع نجوم الثقافة والفن في تونس سأنشرها في كتاب قريبا . وكانت هذه الحوارات مع يوسف التميمي وحمودة معالي ، وحوار لم يمح من ذاكرتي مع الفنان علي الرياحي ودار في بهو مبنى الإذاعة والتلفزة ، ومحمد بن علي ونعمة ، وعلية حيث أجريت الحوار في منزلها بمصر ، عثمان الكعاك ، أبو القاسم محمد كرو ، المنجي الشملي ، فؤاد المبزع والقائمة تطول ..

كنت كلما التقيت شخصية هامة في المجال السياسي أو الفكري أو الثقافي أو الفني ، أحصل على رقم هاتفها ، ثم أتلقى منها الموافقة المبدئية لإجراء حوار ، وأسجل بكنش أهم الافكار حولها ، ثم أرتب موعدا معها . وكنت لا أحاور إلا القيم الثابتة ، والشخصيات الثرية من حيث التجربة .

عملي في الاتحاد النسائي لم يكن صحفيا فحسب بل كنت عضوا في الهيئة المديرة المركزية المشرفة على توجيه  وتكوين الإطارات بين 1964 ـ 1974 وكنت أحظى بالثقة ، كما كنا نحظى بامكانيات مادية تيسر لنا عملنا النضالي ، واحتكاكي بالشرائح الاجتماعية النسائية ما جعلني أخصص ركنا يهتم بحل المشاكل الاجتماعية على صفحة المجلة ، وإحالة الوضعيات إلى المسؤولين .

ما الذي أهل فاطمة سليم لتكون كاتبة قصة عند التحاقها بنادي القصة في أواخر الستينات ؟

كنت مهتمة بالمطالعة وحفظ القرآن منذ الطفولة فنشأت لغتي شعرية ـ تتسم بالسلاسة الأدبية وكنت أتميز حسب رأي النقاد بالصدق في تناول المواضيع وإثارة مشكلات الإنسان وخاصة قضايا المراة ، الهدف من ذلك هو لفت النظر ، نقل الواقع ، مع توفر خاصية الطرافة . وهذه الجوانب مرتبطة بشخصيتي الخاصة وتعبر عن مكوناتي ككاتبة . لقد كتبت القصة بنجاح تام إذ كنت أعتمد على لحظة التنوير في انفراج العقدة وهي أشبه بفلاش يضيء كامل القصة ، وأعتبر نفسي من أهم كاتبات القصة في ذلك الوقت إلى جانب الكاتبة المتميزة عروسية النالوتي ونافلة ذهب وزهرة الجلاصي وسونيا يوسف وهند عزوز التي حضرت بعض جلسات النادي وخيرة الشيباني ونتيلة التبانية ..

أذكر أن العروسي المطوي اختزل كتاباتك في البساطة والطرافة ، ما هي أهم الأسماء النقدية التي تناولت تجربتك ؟

حتما محمد القاضي ، رضوان الكوني ، المنجي الشملي ، جون فونتان ، واهتم هؤلاء بقصصي على أساس القصة في الحياة .

أثار نشر كتابك " شخصيات وقضايا " بعض الاهتمام الاعلامي خاصة من طرف بعض المذيعين للتساؤل خاصة كيف قابلت الفنانة فيروز وأجريت حوارا معها ؟

كنت في سوريا وقتها ، أقيم في فندق" الشرق" في دمشق ، وكانت فيروز تقيم هناك  حيث تقيم حفلات للنزل ليلا ، و تتدرب نهارا ، كنت ألمحها في النزل فألاحقها في أي مكان وخاصة في المطعم ، لكنها بدت لي تضجر من أجواء الحوارات . في الحقيقة لم اتجه إليها شخصيا ، بل اتجهت إلى الرحابنة وكانوا يتميزون بالتواضع ، ومن بينهم الياس الرحباني . أجريت حوارا مع مدير أعمالها غازي قهوجي ، ومع منصور الرحباني وهو الذي أخذني إلى فيروز ، حيث تعرفت عليها لدقائق معدودة ، وسلمتها ورقة مكتوبة بها الأسئلة وأعلمتها بأنني أريد أن أجري معها لقاء صحفيا ، وأنني أمثل تونس ، فتناولت الورقة . وأجابت على أسئلتي عن طريق منصور الرحباني ، وأرسلت لي دعوة مفتوحة لحضور حفلاتها لمدة شهر .

من بين من حاورتهم الشاعر أدونيس ، ولكن لم ينشر هذا الحوار في كتاب وليس لديك نسخة منه . لماذا ؟

لقد اتصلت به بشكل بسيط فلم يوافق  رغم أنني كنت قد قرأت له في ذلك الوقت آثاره الكاملة في المجلد الأول والمجلد الثاني ، وهي مجلدات صادرة عن " دار العودة " ، قال إن نفسيته تعبة ومزاجه لا يسمح بالجو الأدبي ، وهو ملتزم بحضور حفل في اتحاد الكتاب السوري على شرف أديب مغربي . لم ألح عليه ، إثر ذلك أعلمني رئيس اتحاد الكتاب السوري حافظ الجمالي في ذلك الوقت ، أن الحفل سيكون على شرفي وهناك كان أدونيس مدعوا رفقة زوجته وابنته . وكنت أجلس قربه . سألني : " ألست الأخت التي أرادت إجراء الحوار معي ؟ " . قلت : " نعم" . فوافق على إجراء الحديث . وتم في مقر اتحاد الكتاب السوري حول أعماله الشعرية والنقدية ، حول الثابت والمتحول والحداثة . ونشر في مجلة من المجلات القطرية ، أعتقد أنها " الرأي " .

حوارك مع الشاعر نزار قباني وزوجته بلقيس هل كان أمنية ؟

كنت مطلعة على أعماله الشعرية ، ولدي وجهة نظر في ما يكتب ، فأنا لا اعتبره إباحيا أو واقعيا ، تجاربه المتكررة هي تجارب إنسانية ، لكن خياله الخصب في التعبير عن الحب بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة ما جعلني أعتبره شاعر العصر . وتجسدت أمنيتي في الالتقاء به بعد قراءة ما كتب ، وأن أعيد اكتشافه ، وأن أعرف رأيه عن قرب حول المرأة . وكانت لي فرصة للذهاب إلى لبنان عن طريق سوريا في سيارة أجرة لألتقيه ، ولكن اقتصرت رحلتي على الوصول إلى " زحلة " وعدم التمكن من دخول بيروت ، هناك قيل لي إنه غير موجود بلبنان بل بالعراق . عدت إلى سوريا ، اتصلت بأدباء هناك فأعملوني أنه في العراق فعلا لأن والد زوجته العراقية بلقيس قد توفي . صممت على مقابلته ، فقد كان اللقاء بحجم قصة ، أو حلم إبداعي أريد تجسيده . امتطيت الحافلة وتكبدت السفر لمسافة بعيدة . كانت مغامرة فعلا ، حافلة شعبية مكتظة ، أتعبني السفر طيلة يومين ، وعند وصولي إلى بغداد اتصلت بعلي شلش الذي كان ملحقا بوزارة الإعلام العراقية ، هناك استقبلوني بحفاوة كبيرة ، وأحضروا لي سيارة ومرافق وأقمت في نزل " فلسطين " ، وأعدوا لي برنامج إقامة لمدة تسعة أيام . أخبرت علي شلش أن سبب الزيارة لقاء نزار قباني ، فقال لي إن بلقيس تعمل بوزارة الإعلام العراقية ، وعرفني عليها في مكتبها مع موظفات أخريات . فتنت بجمالها الأخاذ : كانت طويلة ، بيضاء ، منمشة ، كستنائية الشعر والعينين ، ترتدي السواد ، تجمع بين الأناقة والسلاسة . بدت لي كتمثال رفيع . أضف إلى ذلك وجدتها مهذبة ، رقيقة ، رفيعة الثقافة والأخلاق وحكيمة  ، ودودة ، مريحة متواضعة . طلبت منها أن أقابل نزار قباني فأخذتني إلى مكتب منفرد ، وهناك حدثتني عنه . قالت إن مزاجه معكر بسبب الحروب . وأخبرتني أنه لا يحبذ الأسئلة عن زوجته السابقة ، وعن عائلته ، ويكفي التحدث عن شعره وعائلته الجديدة . وكان حديثي المطول معها حول شؤون الثقافة والشعر مادة لحواري مع بلقيس . حددت لي موعدا في نفس اليوم على الساعة الخامسة ، وفي منزله وجدته بانتظاري . كان يقيم في منزل شبه مكشوف في ضاحية بعيدة من بغداد . سوره قصير ، وبابه شبه مفتوح ، وكان الصالون مكشوفا ، فهو بلوري . وجدته يرتدي لباسا رياضيا ، يجلس على الكرسي بثبات ، الرجل على الرجل ، والملامح جادة . رحب بتونس وأهل تونس . اضطربت في البداية لكن تواضعه جعلني أعيد توازني ، وعادت إلى ذهني صورة بلقيس التي ارتسمت في الصباح : المرأة المتأقلمة ، المسايرة إلى أقصى درجة ، المرأة لا تقوى إلا على الموافقة ، لكنها متأسفة داخليا على اتباعها الأسلوب الشرقي ، خاصة وأنه كان شاعرا مزاجيا .. ناقشته وكان حواري معه ثريا . فأنا بدوري أديبة وصاحبة قضية ، وقد أثار نقاشنا تدخل بلقيس المؤيد لآرائي .

هل تنوين كتابة مذكراتك سيما وأنك قابلت شخصيات هامة ؟

ذاكرتي حية ، وقادرة على استحضار ما عشته بكل تفاصيله الدقيقة ، لكنني أحبذ استحضاره شفاهيا ، ولا أجد الوقت لكتابة سيرة ذاتية ، فاهتماماتي ثقافية ، جمعياتية ، حياتية . وحياتي رحلة لم تتوقف على الماضي رغم أن الماضي مشرق ، ولكن أشعر بأن قلبي كبير ، ومفتوح على الحياة وعلى الأجيال الجديدة .