حوار مع الأديب السوري الدكتور فاضل السباعي

برنامج الأدب والحياة

د/ فاضل السباعي

إعداد وتقديم: ميساء نعامة

التلفزيون العربي السوري

"أديب وروائي تجاوز كونه سورياً ليصبح كاتباً عربياً ومنتمياً إلى العالم الثالث، كتب عن المرأة والطفل والوطن، لقب بأديب الأسرة لأنه اهتم بدقائق الحياة الأسروية، وعن طريقها يعكس حياة المجتمع السوري ويفلسف رؤاه.

فاضل السباعي خمسون عاماً كتابة، بضعة وثلاثون كتاباً.. ترجم أدبه إلى عشر لغات إنه الكاتب والأديب فاضل السباعي ضيف حلقتنا لهذا الأسبوع."

نرحب فيكم أعزائي المشاهدين في حلقة جديدة من برنامجنا الأدب والحياة وضيفنا هو الأستاذ الروائي والأديب الكبير الأستاذ فاضل السباعي.

المذيعة: أستاذ فاضل أهلاً وسهلاً بيك.

فاضل: شكراً

المذيعة: أهلاً وسهلاً.

المذيعة: سوف نبحث معك أهمية العلاقة بين الأدب والحياة وحضرتك أهم من اشتغلوا ودمجوا بين الحياة وعكسوها على الأدب بأسلوب فني رائع، خلينا نحكي شوي في هذا الإطار.

فاضل: أولاً أنا أهنئكم على هذه التسمية برنامج الأدب والحياة، والواقع أن الأدب هو خلاصة للحياة وهو يصور الحياة بكل منحنياتها، بالنسبة للكاتب عليه أن يخوض غمار الحياة يعني إذا كان الباحث أو المثقف يحتاج إلى ثقافة ولكن الكاتب القصصي والروائي يحتاج فضلاً عن الثقافة إلى أن يدخل في أعماق الحياة ودخوله هو الذي يوحي له بموضوعات لا حد لها أنا شخصياً عشت في بيئة شعبية في مدينة حلب في الحي المسمى وراء الجامع يعني شمالي الجامع الكبير (الجامع الأموي) وكان والدي يملك محلاً في سوق المدينة الملاصق للجامع فكنت في الحي وفي السوق الذي أتردد عليه معاوناً لأبي وأنا طفل صغير، كنت أختلط بالناس بالفقراء والشغيلة وأحببتهم منذ الصغر لأنه كنت أعيش بينهم، هؤلاء كانوا لي أشبه بمنجم من ذهب، أو أقول منجم بشري لأني منه ابتدأت أن أستوحي.

متى تم الاستيحاء؟

عندما كنت فتى في الإعدادي كنت أقرأ المجلات العربية وكانت المجلات الأكثر شيوعاً عندنا هي المجلات المصرية تأتينا من القاهرة فكان اطلاعي على تلك المجلات يعطيني الفرصة لكي أقرأ للكتاب الشعبيين خاصة أحببت جداً إبراهيم عبد القادر المازني ويوسف السباعي ومحمود تيمور هؤلاء لاحظت كيف أنهم يدخلون لأعماق الحياة الشعبية المصرية، قدر لي فيما بعد أن أدرس بجامعة القاهرة، ربما كان لقراءاتي المبكرة للأدب العربي المصري دخل في هذا الموضوع أني نحوت إلى مدينة القاهرة كي أدرس في جامعتها كان اسمها جامعة فؤاد الأول ثم وأنا هناك تحول اسمها إلى جامعة القاهرة، هناك في القاهرة اختلطت في المصريين بطبيعة الحال، فلما عدت ازداد وعيي لخصائص الإنسان العربي الذي يعيش في سورية، لماذا؟ لأنه أتيح لي بعد أن عشت في مصر أن أقوم بموازنة أو مقارنة بين الرجل أو المرأة في سورية وبين نظيرهما في القاهرة، وهذا منحني فرصة أكبر وهنا عدت إلى ذلك المنجم أغترف منه الصور الكثيرة في حياتي التي اختزنتها الذاكرة.

المذيعة: سؤال بين قوسين يخطر لنا أستاذ فاضل هل هناك صلة قرابة بين عائلة السباعي في سورية وعائلة السباعي في مصر ومعظمهم هناك كتب ومخرجون؟

د. فاضل: هناك عدد من الكتاب وشعراء الأغنية والمخرجين في مصر، يعني الروايات التي نتناقلها نحن أسرة السباعي في سورية والأسرة هي أصلاً موجودة في حمص ثم انتشرت في كل أرجاء المدن السورية واللبنانية قبل أن تصبح لبنان دولة مستقلة، الشائع عندنا أن هذه الأسرة جاءت من المغرب الأقصى وعندما جاءت قبل أربعمئة سنة نزل بعض أفرادها كما لاحظته الحقيقة في الجزائر هنالك أفراد من الأسرة، وفي تونس وفي ليبيا أيضاً وفي مصر وفي السعودية، فربما تكون الأسرة أصلها واحد.

المذيعة: أستاذ فاضل أنا تقريباً اطلعت على معظم مجموعاتك القصصية واللي أهديتني إياها حضرتك، شكراً لك لأنك أعطيتني الفرصة لأن اطلع على هذا الأدب الراقي.. أنقل لك وجهة نظري أنا كقارئة: شعرت أنا في بعض القصص أنك تميل إلى المبالغة بمعنى أنك أردت أن تهرب من الواقع وتضع القارئ في عوالم بعيدة عن الواقع بنفس الوقت، لكن القارئ الجيد يدرك ماذا تريد أن تقول وراء هذه القصة أو تلك، ألا تعتقد أنك بالغت قليلاً في الواقع؟

د. فاضل: سؤالك وجيه جداً.. أستطيع أن أقول إن أدبي هناك فيه أكثر من نمط أو لون مما أكتب.. هناك الأدب الواقعي أشرت إليه إشارة بسيطة ربما نعود إليه بعد قليل، ولكن ما تشيرين إليه الآن هو أدب الفنتازيا الذي أكتبه.. الواقع أني بصفتي كاتباً سورياً أو كاتباً عربياً أو بصفتي كاتباً منتمياً إلى العالم الثالث ألاحظ أن هناك أخطاءً ترتكب في هذه المجتمعات مصدرها بالدرجة الأولى السلطة وما تمارسه تجاه المواطنين في كل البلاد العربية وأيضاً في العالم الثالث فأنا ندبت نفسي لأن أكون معبراً عن المواطنين الذين يتلقون العسف من السلطات.. طبعاً في هذه الحالة نحن لا نستطيع أن نكتب قصة واقعية لأن السلطة بتزعل ونحن غير قادرين على تحمل زعل السلطة لذلك ما يفعله الكاتب في هذه الحالة يلجأ إلى ما نسميه الفنتازيا بالعربية الغرائبية أو العجائبية يعني نأخذ الحادثة ونحيلها إلى عالم خيالي يعني يقرأها القارئ فيقول إن هذا ليس واقعياً ولكن عندما يقرأ أكثر في القصة يقول ولكنها تشبه الواقع وبين ظنه بأن هذه القصة واقعية أو أنها خيالية بسبب المبالغة التي ألجأ إليها يصل في الأخير ويقول: إن هذه القصة وإن كانت خيالية أو أنها أشبه بحلم إلا أنها تعبر عن الواقع فهذا أسلوب من أجل التخلص من مساءلة السلطة وهو نوع من اتقاء مسؤولية السلطة.

المذيعة: ولكن معظم قصصك أستاذ فاضل نشرت ونحن نشاهدها سواء "اعترافات ناس طيبين"، "الألم على نار هادئة".. معظمها مجموعات قصصية من النوع الثقيل ولكنها نشرت وسُمح بها.

د. فاضل: بالنسبة للنشر هناك مشكلة صغيرة أن الرقابة عندنا لها وجهتا نظر أولاً هي لا تنشر مثل هذه القصص التي أسميتيها ثقيلة أو عيار ثقيل في مجلاتها إنها تتجنب ذلك, يمكن أن تنشر القصة بالخارج ويدخل العدد إلى سورية.. ولكنها من ناحية ثانية تتسامح معنا بأنها توافق على أن ننشر هذه القصص ليس في المجلات أو المنشورات العائدة للمؤسسات الرسمية أو للمنظمة الشعبية اتحاد الكتّاب العرب ولكن العائدة إلى القطاع الخاص، فأنا هذه القصص يمكن أن نعرضها على قطاع خاص يعتذرون عن نشرها مخافة، ولكني اضطررت أن أؤسس داراً للنشر خاصة بي من أجل أن أنشر هذه الكتب لذلك المسألة ليست بهذه السهولة.

المذيعة: هل أتى أحد ومنعك من نشرها؟

د. فاضل: آخر الأمر هذه القصص أتيح لي أن أنشرها في كتب هذه الكتب صدرت ليس عن المؤسسات الرسمية وليس عن قطاع خاص ولكن عن دار النشر التي أحدثتها يمكن لو أني أقدم لأي شخص آخر يخاف ولكن أنا شخصياً أتحمل مسؤولية ما أفعل.

المذيعة: أستاذ فاضل في كتابك (اعترافات ناس طيبين) نلاحظ الطالب المتفوق الذي أعطيته اسم (س) الذي عملته مجهول اكتشفنا أنه موجود هو الطالب المتفوق الذي جاب علامات متفوقة جاء ابن مسؤول ليأخذ محله فرسبوه.. المهم أحسست أنك حاولت أن تهرب من الواقع ولكن كان فيه مباشرة في طرح القصة وإلا أنا غلطانة؟

د. فاضل: لا أنت ما غلطانة هو (س) موجود الأول الذي أزيح عن حقه هو موجود.. أستطيع القول بكل بساطة: أن ما يراه المثقف أو الكاتب أو القصصي من أخطاء في المجتمع عليه أن يستوحي منها قصصاً توجيهية، فأنا عندما لاحظت منذ زمن طويل أن مبدأ تكافؤ الفرص قد تجووز في بلدنا تجاوزه المسؤولون أحببت أن أقدم أمثولة في قصة شائقة اخترعت شخصية طالب طب متخرج من الجامعة وهو نابغ لدرجة أن معدله العام 99,99% تقدم إلى امتحان الثقافة العامة والقصة كلها خلال نصف ساعة تقع فيها الحادثة وليس الحوادث فأخذ الممتحن يسأله وهو يجيب وكانت إجاباته صحيحة مئة بالمئة ويظل يطرح عليه من الأسئلة الصعبة الثقافية وهو يجيب إلى أن تعب وقال له أنت أخذت العلامة التامة ولكن ينقصك شيء قال ما هو هذا الشيء يا سيدي؟ قال: الولاء. قال: الولاء لمن؟ هو لم يقل له الولاء للسلطة قال له الولاء للوطن قال له: والله أحب وطني الذي أستظل سماءه وأمشي على أرضه قال له: ولكن تقارير الأمن الطلابي الذي وردتنا من جامعتك تؤكد كلها أنك لم تشاهد يوماً وأنت تسير في مسيرة أو تهتف مع الهاتفين أو تصفق مع المصفقين. قال: ذلك لأني كنت أدرس وأجتهد في تحصيل المعارف. قال له: ها أنت تعترف، وهكذا رسب هذا الطالب لأنه لم يكن ملتزماً سياسياً حسب مفهوم الممتحن في تلك القصة، هنا أحببت في هذه القصة أن أنتقد غياب مبدأ تكافؤ الفرص، الذي تقوم عليه المجتمعات لأنه المفترض الأفضل هو الذي يتقدم أصلاً في الصف وليس غيره.

المذيعة: يعني أنت طرحت الموضوع بشكل مباشر وواضح وصريح.

د. فاضل: ليس هذا مباشراً ولكنه واضح وهذه هي اللعبة التي ألعبها في أدب الفنتازيا لأني أستوحي من الواقع وأغير الأسماء ولا أذكر المكان لا أذكر الزمان ولكني أذكر المشكلة التي يعاني منها الناس في مجتمعي. هي ليست مباشرة ولكنها واقعية قد تجلببت برداء الفنتازيا وعندي كثير من هذه القصص مثل: (حزن حتى الموت) كل القصص من هذا النوع هذه القصة عندما قدمتها إلى إحدى المجلات في الوطن اعتُذر عن نشرها أرسلتها إلى مجلة يقال أنها محافظة وهي مجلة العربي فنشرت ولاقت صداً من قبل القراء العرب في كل مكان وما زلت أسمع عن مدى الإعجاب بهذه القصة لأنها عبرت بهذه الطريقة الحلمية أو الخيالية أو الفنتازيا عما يحس به المواطن في كل مكان وهذا واجبي.

المذيعة: وهنا يخطر لي سؤال تقول إنه هناك عدة قصص وليست قصة واحدة رفض نشرها هنا في المجلات السورية ونشرت في مجلات عربية وهنا من المسؤول عن عدم نشرها؟ أعتقد أنك دائماً في هجوم على السلطة وأن السلطة وراء الرقابة والسلطة وراء كذا.. طالما أنه سُمح بالمجلة التي نشرت فيها القصة أن تكون في سورية موجودة، وسمح في نشر هذه المجموعة القصصية إذاً من المسؤول برأيك عن عدم نشرها في المجلات السورية؟

د. فاضل: أحب أن أصارحك بهذا الخصوص أني قبل مدة سنة وليس مدة بعيدة قدمت قصة إلى إحدى المجلتين في سورية، تعرفين أن عندنا مجلتين مهمتين: مجلة المعرفة التي تصدر عن وزارة الثقافة، ومجلة الموقف الأدبي عن اتحاد الكتّاب العرب أرسلت هذه القصة إلى إحدى هاتين المجلتين إلى رئيس التحرير وعندما قرأها عصّب وهتف إلي وقال معقول أنت أرسلت إليّ هذه القصة أنا إذا نشرتها أدخل الحبس أنا وأنت، فيها كل شيء لا أستطيع طبعاً أرسلتها إلى مجلة خارج الوطن ونزلت ودخلت البلد واسمها: (الكلام المباح) وهي جريئة فعلاً تعالج مشكلة في هذا الوطن.

قصة أخرى قدمتها إلى المجلة الثانية من هاتين المجلتين وافق عليها رئيس التحرير لأنه يمتلك الجرأة وانتظرت حتى تنشر فلما جاء حينها للنشر كان رئيس التحرير قد تغير، حذفت القصة ونشرت خارج البلد ودخلت إلى سورية. يعني يمكن شخص منفتح يقول أنا أوافق على نشر هذه القصة، شخص آخر مغلق بشكل أو آخر يخاف من المسؤولية على حين أن السلطة في أعلى مستوياتها تريد، تشجع ولكن ما زال القائمون على المؤسسات الثقافية يتعبوننا في هذه الناحية. أنا أضطر أن أهاجر بهذا اللون من أدبي إلى خارج الوطن وقد كتبت وكل المجلات العربية ترحب بي أحسن ترحيب لكن هنا المجلات تخاف.

المذيعة: على كل نحن نشهد الآن حركة انفتاح إعلامي ويستطيع من يشاء أن يكتب ما يشاء وهذا عن تجربة وليس كلاماً عبثياً.

د. فاضل: أنا أرسلت قصة قبل أيام إلى إحدى هاتين المجلتين ولم يأتني الجواب وأعتقد جازماً أن الإجابة سوف تكون الاعتذار وسوف نتحدث عن ذلك الصحافة غداً.

المذيعة: أستاذ فاضل على قدر ما أنت لاذع في كتاباتك وقلمك جريء على قدر ما أنت حنون وشفاف في مواقع أخرى. والآن إذا تكلمنا عن "سر ساكن الجبل" كم من الشفافية والعواطف عكستها أنت في هذه القصة ونحن شعرناها.. نتكلم عن هذه القصة كم لها قرب من الواقع وكم أضفت لها من الخيال؟

د. فاضل: قبل أن أجيب عن هذا السؤال أود أن أقول: ليس هناك أي تناقض بين ما تلاحظينه من شفافية في قصصي الحميمة وبين نقدي القاسي لما أحسه من ظلم في المجتمعات العربية، يمكن قوتي في جرأتي في نقد الأوضاع الفاسدة مردها إلى شفافيتي، فأنا حفاظاً على هذه الشفافية وحباً للناس أريد أن أدافع عنهم، فإذا كنت أكتب عن الناس الضعفاء: الأطفال والمرأة والفقراء والمضطهدين أكتب عنهم بما يلائم أفكاري، فإني أيضاً مستعد أن أدافع عنهم تجاه التعسف الذي يأتيهم من جهة السلطة في كل مكان.

المذيعة: أنا لم أذكر تناقض، أي بمقدار ما تكون حاد ولاذع بمقدار ما تكون شفاف في مواضع أخرى لم أذكر تناقض.

د. فاضل: مرد الجرأة شفافيتي والحميمية التي تلاحظينها في قصصي، في هذه القصة عندما جئت من بلدي حلب إلى دمشق قبل أربعين سنة موظفاً في الدولة أتيح لي أن أعمل في مجال خدمة الأحداث الجانحين فكان أن دخلت إلى المعهد بنت حدث لها وضع خاص فأنا تجاوبت معها وعملت في خدمتها كل ما أستطيع من أجل أن أنقذها من الوضع السيء الذي دفعت إليه دفعاً وهذا ما سجلته في هذه القصة.

المذيعة: كم كنت متعاطف مع إقبال؟

د. فاضل: أنا متعاطف مع إقبال البطلة ومتعاطف مع كل أبطالي خاصة عندما يكونون أطفال، فتكاد مجموعاتي القصصية لا تخلو مجموعة من قصة أو أكثر عن الأطفال وأنا دائماً مع الناس الضعفاء وكانت هذه الفتاة ضعيفة ودفعت إلى ما كانت وصلت إليه فأنا كتبت عنها بهذه الشفافية التي تقولين عنها.

المذيعة: أستاذ فاضل إن من يقرأ أدبك يلاحظ أنك تملك مفردات جزلة وقوية وتذكرنا بالكتّاب القدامى جداً حتى أن القارئ يعود إلى معجم ليعرف ماذا يقرأ وأنا من الناس عدت إلى المعجم لأعرف معنى هذا المصطلح الذي ذكرته، فأسلوبك من الصعب والذي أطلق عليه الممتع، يتمتع القارئ وهو يقرأ.

د. فاضل: القصة أنني عندما كنت في الابتدائي أذكر أنني أحببت اللغة وقواعد اللغة العربية، فكنت أتلذذ بحفظ القواعد مثلاً الفعل المضارع يكون مرفوعاً إذا لم يدخل عليه حرف نصب أو جازم، فأنا كنت أحب هذه القواعد ودخلت في وجداني وأنا طفل صغير، وعندما أخذت أقرأ كان يسترعي انتباهي المفردات الجميلة خاصة لغة القاص محمود تيمور فكنت أستفيد من هذه المفردات، ولغتنا العربية من ناحية ثانية غنية بمفرداتها الوجدانية هي واللغة الفرنسية عندنا مفردات لا حصر لها في قواميسنا فأنا هذه المفردات دائماً موجودة عندي ذخيرة كبيرة وخاصة عندما كتبت روايتي "ثم أزهر الحزن" وكانت الرواية وجدانية من ناحية أنها صورت في القسم الأول: الحزن، والقسم الثاني: الحب، والقسم الثالث: الفرح، وفي هذه الأحوال الثلاثة كان هناك حالة وجدانية أسعفتني لغتي ومفرداتي الوجدانية باللغة العربية الكثيرة التي استخدمتها، هذا ما جذب القراء. أحياناً أستعمل كلمة ليست شائعة تماماً لكن كأني أريد للقارئ أن يدخلها في معجمه هو يجهلها ولكن يفهم معناها من السياق فإذا اضطر أحياناً أن يتأكد من المعنى بالرجوع إلى المعاجم لا بأس فأنا كأنني أعلّم القارئ مفردات جديدة في لغتنا الجميلة هو في حاجة إليها,

المذيعة: ما زال أتيت على رواية "ثم أزهر الحزن" هذه الرواية الجميلة التي توقفنا عندها في لقاء سابق وتكلمنا فيها في عيد الأم، لماذا ظلمت الرواية الأخرى "رياح كانون" ولم تأخذ حقها كما أخذت "ثم أزهر الحزن"؟

د. فاضل: الحقيقة الظلم يعود لأن رواية "رياح كانون" لم تطبع ثانية، وأما رواية "ثم أزهر الحزن" فقد طبعت ثلاث طبعات والرابعة على الطريق، الجو في هاتين الروايتين مختلف. روايتي "ثم أزهر الحزن" رواية حميمية بما طرحته من مشكلة أسرة: يغيب عنها الزوج بالوفاة عندها خمس بنات تسهر على تربيتهن، كانت حامل يوم وفاة المعيل، ولدت فجاءت بصبي فالقارئ كثيراً سوف يحب هذه الأسرة وأنا مشيت مع هذه الأسرة خطوة خطوة في حياتهم حتى وصلت الأم إلى درجة أنها بعد سنوات من الكفاح وقفت كأم مثلى تكرّم في حفلة عيد الأم العربية، فهذا الجو حميمي جداً.

الجو الثاني حميميته تأتي من ناحية ثانية أن الأبطال كلهم مثقفون، كتّاب وبعضهم فنانون، ومثقفون إجمالاً فالجو جميل بالنسبة للقارئ ولكن جو الأسرة حميمي أكثر لأنه كل واحد فينا هو ابن أسرة لكن ليس بالضرورة أنه يكون واحد فينا هو ابن مثقف، ولكن هذه الرواية التي قال بعضهم إنها أجمل من "ثم أزهر الحزن" سوف يعاد طبعها وسوف تنتشر بين الأيدي وتأخذ حظها.

المذيعة: أستاذ فاضل حمستني أن أدخل في سؤال سمعته دائماً منك هو موضوع الشكوى، من فاضل السباعي باسمك الكبير تقول: إن الإعلام السوري مقصّر في حقك، وإن كثير من الأدباء أخذوا مجال أكثر ورعاية من الإعلام أكثر من حضرتك، فالسؤال هل الأديب هو المقصّر بحق نفسه أولاً؟

د. فاضل: لست أدري ما إذا كان الكاتب مقصراً في حق نفسه أم أن الإعلام الرسمي يحول بينه وبين الحركة أو الظهور الواقع أن إعلامنا منذ أربعين سنة كان متحيزاً أقول هذا الكلام بكل بساطة، يعني من هو قريب من السلطة يرحب به، ومن ينقد السلطة أو من السلطة ترى أنه ليس موالياً لها فإنها تحيّده، تغيّبه، تهمّشه، هذا أنا شعرت به أنا كاتب ولدت أديباً في الخمسينات قبل ثورة آذار، وأنا ظهرت في المجلات اللبنانية والمصرية وعندما ظهرت مجلة العربي سنة 58 أخر آب كتبت بها كثيراً فإذاً أنا كاتب عربي قبل أن أكون سورياً في هذه الناحية، فلم حصل التغير في البلد الحكم، فأنا وجدت نفسي مغيّباً يعني أجهزة الإعلام لا ترحب بي، إذا أصدرت كتاباً صدر خارج البلد لا يكتب عنه، لا أدعى للمقابلات التلفزيونية والإذاعية على حين أن الموالين هم الذين يأكلون البندق والفستق ونحن لا نفعل شيئاً فهنا وقع ظلم الحقيقة لا شك في هذا أنا كنت أثابر على أن أظهر في مجلات الإعلام خارج سورية ولكن كان يحز في نفسي أنا ابن سورية الإعلام السوري لا يكتب عني.

المذيعة: أستاذ فاضل ونحن في هذا الحديث نتحدث في منتهى الشفافية، هل أصبحت موالياً للسلطة؟

د. فاضل: أنا لا ولكن السلطة لم تعد متحزبة كما كانت في السابق بعد ليل طويل الآن انفتحت وأنا لم أتغير.

المذيعة: منذ قليل أستاذ فاضل ذكرنا أن المشكلة ليست في السلطة بل في القائمين على العمل الإعلامي، فأنت تتراجع الآن وتتهم السلطة.

د. فاضل: السلطة لها وجوه وأيدي عدة، يعني عندما يكون مسؤول ثقافي في مكان ما مضى عليه عشر سنين أو عشرين أو ثلاثين سنة وهو يمارس فهو ابن السلطة والدليل أنه لم يتغير تصوري عندما أريد أن أطبع كتاباً علي أن آخذ موافقة الرقابة علماً بأن في مصر وكثير من البلاد العربية عندما يريد كاتب أن ينشر كتابه فإنه يطبعه دون رقابة، الرقابة تكون تالية بعد أن يطبع الكتاب وينزل إلى الأسواق إذا وجدت السلطة أو بعض الناس أن فيه تجاوزاً ما فإن دعوى ترفع أمام القضاء ترفعها السلطة أو غيرها من أجل منع هذا الكتاب إذاً يتحمل الكاتب مسؤولية ما يكتب عندنا لا يجب أن نقدم هذه المخطوطة إلى وزارة الإعلام ونحن رأينا في وزارة الإعلام ليست سيئة ولكن قبل ثلاثين سنة أصبحت الوزارة تحيل المصنفات الأدبية إلى اتحاد الكتّاب العرب هؤلاء ليسوا موظفين رسميين ولكن تلعب هنا العواطف الشخصية يعني ممكن أني قدمت مرة مخطوطة إلى وزارة الإعلام من أجل أن تحال إلى الاتحاد حتى أنشرها على نفقتي فالذي حصل أن الاتحاد رفض لأن هذا الكتاب جريء جداً والذي حصل أنني تركته.. وما هو رأيك فيما بعد جاءني موظف محترم في وزارة الثقافة أخذ هذه المخطوطة ونشرتها وزارة الثقافة فكان هذا من التناقض الفاضح أن المؤسسة الشعبية التي من المفترض أن تدافع عني أنا الكاتب اعتذرت عن طبع الكتاب أو الموافقة على نشر الكتاب لأنه جريء على حين أن الحكومة وهي أقسى علينا من المنظمة الشعبية توافق على نشر الكتاب وينشر وهو الألم على نار هادئة. إذن هذا التناقض لست أنا المسؤول عنه.

المذيعة: إذن المشكلة ليست في السلطة أنا أصر على كلامي؟

د. فاضل: ولكن السلطة هي التي تجعل الاتحاد قاسياً علينا بهذا الشكل وإلا فمن أين جاء الاتحاد برقابته القاسية وأحكامه الشديدة لأن هذا الرجل معين من قبل السلطة هل من المعقول أن مسؤولاً ثقافياً في الاتحاد يمضي عليه ثلاثون عاماً ولا يتغير، ينبغي أن تضخ دماء جديدة في هذا الاتحاد.

المذيعة: إن برنامجنا لا يتبنى أية فكرة ولكن دعنا نقول إن البرنامج منبر لجميع المثقفين يستطيعون أن يقولوا من خلاله ما يشاؤون..

المذيعة: أستاذ فاضل هل كنت تفضل أن يطلعوا بناتك كاتبات؟

د. فاضل: نعم كنت أفضل واحدة حتى تأخذ المكتبة الكبيرة التي لا أعرف بكرة ماذا يحدث لها، وهذا الأمر ليس بيدي.

المذيعة: هل تدخلت في تحديد مهنة خلود كفنانة تشكيلية؟

د. فاضل: أبداً

المذيعة: أستاذ فاضل مكثت فترة بباريس قبل ثلاثين سنة من الآن وكان نتاج هذه السفرة ثلاث مجموعات قصصية: الابتسام في الأيام الصعبة، رحلة حنان، الألم على نار هادئة، ومن فترة قريبة سافرت إلى عند ابنتك الفنانة التشكيلية سهير، فما هو نتاج هذه السفرة؟

د. فاضل: أنا أعتقد أن الكاتب يحاول دائماً أن يستلهم المجتمع الذي يعيش فيه، هناك نوع من الأدب فن جميل اسمه أدب الرحلات وهذا أدب عالمي وفي الأدب العربي عندنا كثير من الكتاب العرب الذين رحلوا وكتبوا وأشهرهم ابن بطوطة في كتابه الخالد وكذلك من كتاب العرب المعاصرين أقول أنا عندما كنت أستوحي وأنا في بلدي طبيعي جداً أن أستوحي وأنا خارج البلد، فعندما كنت في فرنسا كنت أكتب من أدب الرحلات مقالات وأنشرها في الدوريات العربية والإذاعات وكانت تلقى استجابة لكني أيضاً أحياناً كنت أكتب النص ولكن أنحو فيه منحاً قصصياً فيصبح قصة مكتوبة وأنا خارج البلد ولكن دائماً هذه القصص وهذه النصوص هي عربية وجوها عربي لماذا لأن أي منا عندما يغادر إلى بلد أجنبي فإنه يظل مسكوناً بهموم الوطن فأنا في باريس كتبت قصصاً بين العرب وشويه مع الفرنسيين هذه القصص كثرت حتى أنها توزعت نصوصاً مختلفة في كتبي هي تدخل في مسألة السيرة الذاتية بعض الشيء، وعندما سافرت أخيراً إلى لوس أنجلوس قلت لابنتي التي ترغب أن أبقى عندها مدة أطول إذا استطعت أن أكتب فإني أبقى عندك ما دمت أكتب وإذا لم ألهم ما أكتبه فإنني أحزم الحقيبة وأعواد بعد شهر، الذي كان منها أنها دلتني على مكتبة عامة مكتبة لوس أنجلوس فرع الحي الذي نقيم فيه (مردوف) فكنت أداوم كل يوم خمس ساعات وأكتب وأستوحي إما قصصاً هي من أفكاري التي تتعلق مئة في المئة بالوطن أو أكتب أشياءً من أدب الرحلات يعني ما أشاهده في المجتمع هناك، الانطباعات التي تتخلف عندي واحتكاك العرب الموجودين هناك فكتبت عدداً من النصوص هذا ما نسميه بأدب الرحلات، ولكني كتبت هناك أدباً قصصياً خالصاً سوف يصدر في كتاب قريباً ربما اسميه "تقول الحكاية" وعنوان آخر مضاف إليه هو متعة الألم والأمل سوف يصدر قريباً إن شاء الله.

المذيعة: هناك الكثير من المثقفين ينتقدون أدب الرحلات ويقولون إن له طابعاً شخصياً أكثر منه قصصياً؟

د. فاضل: إذا كان هناك من ينتقد طبعاً ليس لهم الحق في انتقاده لأن أدب الرحلات لأقول لك ليش، أولاً في العالم كله ميل نحو السيرة الذاتية، لأنه عندما يكتب الكاتب شيئاً يتعلق بذاته يكون ممتعاً خاصة إذا أحسن تناول الموضوع وأشهر كتاب من هذا النوع من 70 -80 سنة هو الأيام لطه حسين كان أدباً ممتعاً وخالداً، أحياناً السيرة الذاتية يطعمها الكاتب بشيء من الخيال فالقارئ عادة يتمتع بفضول يريد أن يحذر أن يعرف ما إذا كان هذا النص القصصي الذي يقدمه الكاتب هو مرآة لحياته أم لا؟ هذا الفضول يجعله يستمتع عندما يقرأ سيرة ذاتية وليس العكس أنا باعتقادي، والآن في موجة في العالم كله وهي الميل نحو أدب السيرة الذاتية لأنه أبلغ بالتعبير عن حقيقة الكاتب من القصة التي يداخلها الخيال والفن.

المذيعة: في كثير من الأحيان نلاحظ أن الكاتب يكتب سيرته الذاتية من خلال رواية أو قصص؟

د. فاضل: يقع هذا فدائماً يقولون الكاتب روايته الأولى حوادثها غالباً من تكون مستمدة مما وقع له هو في الرواية الأولى بعدين يبتدأ في التحليق، لكن مهما كتب دائماً يستوحي من حياته لذلك يقال هناك قول قوي: ليس يحسن بالكاتب الروائي أن يكتب سيرة حياته في أول حياته لأنه يصادر على نفسه الحق في أن يستوحي منها لكن إذا كتب فيما بعد السيرة فيكون أفضل، لأنه طوال حياته الأدبية وهو يخترع القصص والروايات دائماً يستلهم الجزئيات من حياته ليقول أفضل بعدين يكتب السيرة، يقال عند قراءة السيرة إنه في تلك الزاوية كان قد كتب تلك القصة أو الرواية مستوحيها مما وقع له، السيرة الذاتية شيء محبب.

المذيعة: أستاذ فاضل هل ترجم معظم نتاجك الأدبي إلى عدة لغات؟

د. فاضل: ليس معظم أدبي ولكن بعض أدبي ترجم إلى لغات أجنبية، هناك المستشرقون في مختلف اللغات يريدون أحياناً أن يقدموا نماذج من الأدب العربي أو من الأدب السوري بلغاتهم فمن حسن حظي أن بعض قصصي كانت تندرج في هذه المجموعات القصصية مثلاً باللغة الروسية، الفارسية، الألمانية، الإنكليزية، الصربوكرواتية، الألبانية هناك مجموعات كانت لي ولكن بعض أدبي ترجم كتاب كامل أكثر من مرة إلى لغات أخرى فمثلاً كتابي "حزن حتى الموت" عندما قرأ ناشر فرنسي إحدى هذه القصص باللغة الفرنسية في مجموعة أصدرتها كلود كلور المستشرقة السويسرية فأعجبته هذه القصة وأخذ الكتاب الذي أخذت منه المستشرقة القصة وترجم الكتاب كاملاً وصدر منذ عامين باللغة الفرنسية عنوانه: "حزن حتى الموت": وهناك القصة التي ذكرتها قبل قليل "بدر الزمان" التي نشرت في مجلة المعرفة فإنها ترجمت بكاملها إلى اللغة الإسبانية ونشرت صفحة بالعربي وصفحة باللغة الإسبانية مع الصور التي تضمنها الكتاب نعم هناك حوالي عشر لغات بعض نصوصي أو كتاب كامل ترجم إليها.

المذيعة: لك نتاج أدبي كبير. ما أحب القصص أو الروايات إلى قلبك؟

د. فاضل: هذا سؤال يبدو لي صعب الإجابة عليه، يعني كما لو أنك سألت أماً أو أباً من أحب أبنائك إليك يعني ممكن يجيب الأصغر، ممكن يجيب المقيم خارج البلاد، يمكن أن يقول الولد الذي عنده مرض ما يكون أكثر حنيّة عليه، فأنا شخصياً كل نتاجي أحبه، لكن ألاحظ أن القراء أحبوا هذا الكتاب وفضلوه عن سائر الكتب فأنا يعني أعجب بهذا الكتاب من أجل خاطر القراء، ولكن أنا أحب الأدب الشفاف الذي كتبته دفاعاً عن الأطفال مثلاً أحب روايتي "ثم أزهر الحزن" لأنها دافعت عن أسرة كانت رقيقة الحال ولكن استطاعت بكفاحها أن تصل الأم إلى أن تقف على المنبر أماً مثلى فأنا أحب هذه القصة بسبب المعاني الجميلة فيها وبسبب لهفة القراء عليها.