المحدث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط

المحدث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط

"هو واحد من أعلام المحدثين في عصرنا الحاضر، جاء مع والده مهاجراً إلى الشام عام 1931م من كوسوفو بأرض البلقان، وهو من القلائل الذين جمعوا بين الفقه والحديث، فكان فقيهاً محدثاً قدم الشام وهو ابن 4 سنوات وعمل في إصلاح الساعات منذ صغره، فكان يقضي يومه بين العمل وطلب العلم.. وحفظ القرآن وهو في الثامنة من عمره، وعندما بلغ سن الرشد حفظ 10 آلاف حديث نبوي، ذلك هو المحدث الشيخ عبد القادر بن سوقر الأرناؤوط مفتي الشام على المذهب الحنبلي، ويعتبر الشيخ ثالث ثلاثة من أبرز علماء الحديث من أبناء البلقان وهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ شعيب أرناؤوط.. التقينا به في منزله بدمشق وكان لنا معه هذا الحوار:

* بداية نود إعطاءنا نبذة عن حياة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط؟

- أنا عبد القادر بن سوقر الأرناؤوطي من الأرناؤوط وهو لقب سمانا به الترك وهي تعني (عار علينا أن نعود) لما خرجنا من بلدنا بعد ما سقطت بيد النصارى قلنا (أر ألينا أن نأوط) أي "عار علينا أن نعود" فأدغمت ولقبنا "بالأرناؤوط" ولدت في كوسوفا من أرض البلقان حيث جاء والدي مهاجراً لسوريا سنة 1931م وكنت يومها في الرابعة من عمري، درست القرآن والفقه والحديث على أيدي علماء دمشق ومشايخها كالشيخ سعيد الأحمر، وكنت أدرس في مدرسة الأدب الإسلامي، قرأت على الشيخ صبحي العطار الفقه والقرآن وعلومه وعلى الشيخ سليمان غاوجي من علماء ألبانيا المهاجرين للشام النحو والصرف وعندما بلغت 12 عاماً تركت العلم لغرض العمل لحاجتي للمال، فعملت "ساعاتياً" في تصليح الساعات، فكنت أعمل صباحاً وأدرس القرآن والفقه مساء.. عملت عند رجل أزهري يدعى سعيد الأحمر، وكان عالماً ودائماً يعلمني علوم الدين واللغة، ثم عندما لاحظ نبوغي وحفظي للقرآن ولكمّ كبير من الحديث الشريف وجهني للدراسة، فقام بأخذي للمسجد الأموي وساعدني بالمال وقال لي: (يا بني أنت لا تصلح إلا للعلم) وقام بتسليمي للشيخ عبد الرزاق الحلبي وطلب منه تعليمي علوم الشرع واللغة والأدب، وكان من بين المشايخ الذين تعلمت على أيديهم: الشيخ محمود فايز الدير عطاني، ومقرئ الشام الشيخ محمد حلواني الكبير، درست في الأموي بالإضافة لالتحاقي بالمدرسة الكاملية بدمشق، وكنت أدرس وأعمل في تصليح الساعات، وعندما بلغت 24 عاماً عملت بالتدريس الديني في مدرسة الإسعاف الخيري، حيث درست بها الفقه والقراءات.. في تلك الأيام في عام 1951م حبب لي العمل في مجال دراسة الحديث فقرأت كل كتب الحديث وحفظت 10 آلاف حديث نبوي وكانت بلاد الشام خالية من العلماء المحدثين وأذكر عندما كنت صغيراً كنت أسأل العلماء عندما يتحدثون عن مسألة ما عن الدليل، فكانوا يتأففون ويقولون ما علاقتك به احفظ وافهم دون دليل، فهذا كان يدفعني إلى الرجوع للكتب والبحث عن الأدلة، وكما ذكرت كانت الشام خالية تماماً من علماء الحديث، فأحببت الجمع بين علمي الفقه والحديث لأكون فقيهاً ومحدثاً، وهذا ما لم يكن موجوداً عندنا في تلك الأيام.

في عام 1951م بدأت بتحقيق الكتب على المذهب الحنبلي والشافعي، فعكفت على العمل على تحقيق كتاب "جامع الأصول في أحاديث الرسول" لابن الأثير الجزري، وهو كتاب كبير جامع وهو جامع لكتب الحديث الستة عكفت على العمل به 30 عاماً وأضفت له سنن ابن ماجة، كما أنجزت كتاب "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" وهو تاريخ ألف عام مضت، وكتاب "المنهج الأحمد في تراجم رجال أصحاب الإمام أحمد".

وأخيراً عملت على تحقيق كتاب "السنن والمبتدعات" للشقيري والحمد لله أنجزت خلال 45 سنة تحقيق معظم أمهات الكتب في علم الحديث وهي تزيد حالياً عن الـ "50" كتاباً.

* يقال: إن معظم كتب المذاهب تحوي أدلة ضعيفة، وموضوعة فهل هذا صحيح؟

- كونها تحمل أدلة موضوعة فهذا غير صحيح، أما ضعيفة فنعم، وهذا يعود لأن معظم علماء الفقه جاهلون في علم الحديث، وقليلو العلم به، فمثلاً كتاب "الهداية في الفقه الحنفي" للمرغيناني وشرحه يسمى فتح القدير يحوي الكثير من الأحاديث الضعيفة، وكذلك "تلخيص الخبير في تخريج الرافعي الكبير" وهو كتاب في فقه الشافعية ويحوي أحاديث ضعيفة، وأما الفقه المالكي فلم يوجد من بين علمائه ومن قدم له أدلة لآرائهم، و"المدونة" للإمام مالك خرجت حديثاً وكذلك كتاب "منار السبيل" حوى أحاديث ضعيفة خرجها حديثاً أحد العلماء المحدثين، فطالب العلم عندما يدرس ويقرأ الكتب لا يعرف درجة أحاديثها لكن الآن ولله الحمد خرجت معظم الكتب وبيّن الضعيف من الصحيح.

* لمَ انفصل كل من الشيخين عبد القادر أرناؤوط وشعيب أرناؤوط عن بعضهما في العمل في مجال تحقيق كتب الحديث والفقه؟

- لا أسباب سوى أن نوائب الدنيا فرقتنا فأقمت في سوريا وغادرها أخي شعيب ليقيم في الأردن، لكننا عملنا معاً على إخراج وتحقيق أعظم ما أنجزناه من كتب، ككتاب "زاد المسير في علم التفسير" وكتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" والشيخ شعيب أرناؤوط والشيخ محمد ناصر الدين الألباني أساتذة كرام أفاضل وجميعنا نعود إلى أصول ألبانية هاجرت في بداية هذا القرن لبلاد الشام واستوطنت في دمشق في حي يدعى حي الأرناؤوط وهما شيخاي في علم الحديث.

* ماذا قدم الشيخ عبد القادر الأرناؤوط لخدمة علم الحديث؟

- ما قدمته كان متواضعاً إلى جانب ما قدمه غيري من الذين بحثوا في هذا المجال، لكن عموماً ما قدمته هو تأليف وتحقيق 53 كتاباً في علوم الفقه والحديث وخرجت مئات الأحاديث ومن أهم الكتب التي عملت على تحقيقها كتاب "مختصر منهاج القاصدين" و "جامع الأصول في أحاديث الرسول" و "شذرات الذهب في تاريخ من ذهب" و"المنهج الأحمد في تراجم رجال أصحاب الإمام أحمد" و "الرياض النضرة" للشيخ عبد الرحمن السعدي، وقدمت الكثير من الردود على بعض الشبه التي تثار حول السنة وأصحاب الرسول رضوان الله عليهم.

* الأحاديث الموضوعة هل تم إحصاؤها؟

- لا نستطيع الحكم بانتهائها لأنه لا يزال هناك الكثير من المخطوطات التي لم تحقق بعد وهي موجودة في مكتبات أوروبا ولكن بشكل عام علم الحديث خدم بشكل جيد أفضل من العلوم الأخرى، وألفت العديد من الكتب لجمع الأحاديث الموضوعة وللتنبيه من خطرها والعلماء منذ بداية الاهتمام بعلم الحديث حرصوا على تبيين الصحيح من الضعيف لعامة المسلمين حتى لا يقعوا فيها، فابن الجوزي ألف في هذا المجال كتاب "الموضوعات" والسيوطي وضع كتاباً باسم "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" وأفضل ما يرجع إليه لمعرفة الأحاديث الموضوعة كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة من الأحاديث الشنيعة الموضوعة لابن عراف الكناني، ويوجد ما يعرف بالأحاديث المشهورة على ألسنة الناس وهي موضوعة لكنها منتشرة ومشهورة على أنها صحيحة وهي ضعيفة، وقد وضعها السقاوي في كتاب باسم "المقاصد الحسنة فيما اشتهر من الحديث على الألسنة" كحديث "يوم صومكم يوم نحركم" وهذا الحديث لا أصل له من السنة وهو موضوع.

* هناك جهود قام بها المستشرقون في مجال علم الحديث، فما هي أبرز الأعمال التي قاموا بها؟

- المستشرقون خدموا علم الحديث هذا لا أحد ينفيه، لكن هل خدموه لسواد عيوننا نحن المسلمين، طبعاً لا لكنهم أول من صنف وفهرس علم الحديث فهؤلاء أتوا بكتب الحديث وقاموا بفهرسة الأحاديث وأسموا الكتاب: (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث) حيث رتبوها على طريقة المعاجم.

يقول المحدث المصري الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله- عندما ظهر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، لو أنه ظهر في أول طلبنا للعلم لوفر علينا وقتاً طويلاً، وعملهم هذا وفر على طلاب العلم ودارسي الحديث الوقت الكثير والآن لم يبق كتاب في علم الحديث إلا وفهرس إما في الكتب وحديثاً عن طريق الحاسب الآلي، فجهود المستشرقين كانت كبيرة في خدمة هذا العلم، وهذا كان سبب حاجتهم لمثل هذه الفهرسة لكي تستهل عليهم دراسة الحديث ومحاولة الوصول بسهولة للمآخذ عليها، لكن انقلب السحر على الساحر والحمد لله هذا التصنيف كان لمصلحة طلاب العلم فأفادهم كثيراً بينما خسر هؤلاء مجهودهم ولم يبق له مداخل شيطانية ليدخلوا علينا من خلالها ظلماً وبهتاناً.

* ما هو منهج السلف الصالح في فهم ودراسة الحديث الشريف؟

- السلف الصالح كانوا يقرأون الحديث ويسمعونه ومن ثم يحفظونه ويطبقون أوامره ويجتنبون نواهيه، وكانوا لا يتجاوزون الحديث حتى يفهموه، ولم يفتحوا على الأمور التعبدية باباً حتى لا يغيروا في الدين وكانوا حريصين على الاقتداء بالرسول الكريم في كل قول وفعل وكانوا كما قال عنهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:

"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".

فكانوا هم العدول الذين لم يحرفوا ولم ينتحلوا ولم يؤولوا حديث الرسول على غير الوجه الصحيح، بل كانوا هم المشاعل تمسكوا بقول الرسول:

"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

وقال: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".

والخليفة عمر بن عبد العزيز كان يقول:

"قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا وبصر نافذ كفوا".

وكانوا يسافرون لشهور طويلة حباً للحديث ولصاحب الحديث فهم نجوم لن يعاود الزمان الظهور بمثلهم.

تفسير الحديث

* هناك من يدعو لتفسير الأحاديث بما يلائم العصر بحجة تفتق معاني جديدة لها وتطور المفاهيم بما قد يخالف تفسير السلف الصالح لها، فما هو رأيكم بذلك؟

- ديننا فيه أمور تعبدية لا تتغير؟ كالصلاة والزكاة والحج والصوم وغيرها من الأمور التي لا تتغير ولا تتطور ولكن ما الذي يتغير الوسائل فهي في تطور دائم، فالإسلام جاء بعقائد تنقذ العقل من رق الوهم، وعبادات تهذب النفوس، ومعاملات مبنية على العدل والإنصاف والمسلمون اجتهدوا في جانبي العبادات والعقائد فدرسوها وكتبوا بها وهي محددة وواضحة لديهم، أما المعاملات فهي لا تزال ناقصة والسبب نحن وتقصيرنا فحتى الآن لا توجد لدينا كتب درست دراسة صحيحة جيدة هذا الجانب المهم في الإسلام خاصة أن الرسول الكريم وضع قاعدة هي "الدين المعاملة" فنحن مقصرون لأننا وجهنا جهودنا لجانب وأهملنا جانباً آخر، فنحن ركزنا جهودنا في جانب العبادات وهي ثابتة لا تتغير، وأهملنا المعاملات التي تتغير وتتبدل ونحن يجب أن نواكبها بما لا يتنافى مع ديننا الحنيف، وتفسير الحديث بما يناسب الهوى لإثبات فكرة ما أو لدعوى تطويعها لملاءمة العصر، لا يجوز لأن المعاني نوعان: نوع أدركناه وعرفنا مراده، ونوع أثبته العلماء المعاصرون بما يعرف بالإعجاز العلمي، فالمسلمون جهلوا المراد منه أنهم لم يكونوا يعرفون المقصد من الحديث حتى فسره العلم الحاضر ودائماً نقول: ديننا يواكب كل زمان ومكان.

* يرد دائماً بعض الأدعياء بأن هناك صراعاً بين العقل والنص في الحديث الشريف فما ردكم على مثل هذه الأقوال المغرضة؟

- من يقول هذا الكلام الصراع في عقله هو، ونحن نعلم أن العقل محدود والمعتزلة ضلوا من هذه الناحية وكان واصل بن -عطاء من تلاميذ الحسن البصري- ذكياً جداً وبدأ بتحكيم عقله في كل شيء في الشرع.. والأصل هو أن نحكم عقولنا إلى الشرع فالشرع لا يتغير وإنما عقولنا هي التي تتغير والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول:

"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".

لذلك عندما حكم واصل عقله في النصوص اعتزل أهل السنة والجماعة وضل عن الصواب، والآن هناك موجة من المتعلمين يرون رأي المعتزلة بتحكيم الشرع للعقل ويقوم على هذه الفكرة بعض المتفلسفين وهم ليسوا من المختصين بالعلوم الشرعية وإنما هم من العقلانيين وهؤلاء يحاولون تطوير الإسلام كما طور الشيوعيون الشيوعية، وهذه بنيت على المادة، أما ديننا فهو مبني على الروح والعقل والأخلاق والنصوص الشرعية ولا يقبل تبديلاً إلا فيما يقبل التطوير والتبديل منه والإسلام لا يتطور في جوهره وإنما يواكب كل زمان ومكان لكن الأمور الأخرى كالمعاملات والوسائل فهي تتطور فلابد من البحث فيها.

وأنا أحذر من الجيل الذي سار على درب واصل بن عطاء في تحكيم العقل في نصوص الشرع والحقيقة أنه لا صراع بين النصوص أو بينها وبين العقل ولكن العقول مريضة وواهمة والأحاديث واضحة صريحة متروكة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

جمع الحديث

* هناك من يثير بعض الشبه حول كتابة الحديث.. كيف يمكن الرد على مثل تلك الشبه؟

- حقيقة لا يحق لهؤلاء إثارة أي شبهة حول كتابة علم الحديث وفي زمن الصحابة كانوا يحفظون الأحاديث ولا يكتبونها لذلك قالوا:

ليس بعلم ما حوى القمطر            ما العلم إلا ما حواه الصدر

فكانوا حفظة يحفظون الحديث ويعملون به ولما رأى عمر بن عبد العزيز -وهو من التابعين- علماء الحديث من الصحابة يموتون واحداً تلو الآخر خشي على الحديث من الضياع لذلك جاء بأبي شهاب الزهري وأمره بجمع الحديث وأمر أبا بكر بن حزم بكتابته فبدأت بعصره كتابة الحديث حيث جمع من أفواه الصحابة والتابعين ممن لا يزالون على قيد الحياة وفي عصر الأئمة أصحاب المذاهب كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد لم تكن السنة قد اكتمل تدوينها بعد واكتفوا بما علموه من الحديث فاجتهد كل منهم بما لديه وكان مذهبهم:

"إذا صح الحديث فهو مذهبي".

و"ما خالفه فاضربوا به عرض الحائط".

ولما اكتملت السنة أي دونت كان الكثير من علماء الإسلام إذا صح الحديث ووجد أنه خلاف النص ترك عمله وسار وراء النص لذلك قام الكثير من العلماء بتعديل آرائهم نحو الأصوب عند سماع القول الصحيح وهؤلاء الذين يطعنون بكتابة السنة هم حقيقة يبغون الطعن بالإسلام والقرآن، إذ أن السنة والحديث هما الموضحان لأحكام القرآن الكريم والقرآن الكريم يقول:

(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) النحل/44.

والطعن بالسنة هو محاولة خبيثة للطعن بالدين الإسلامي.

الحديث والخصومات السياسية

* ما دور الخصومات السياسية والشعوبية في وضع الأحاديث؟

- يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله.

"الإسناد من الدين ولولاه لقال من شاء ما شاء" ويقول عليه الصلاة والسلام.

"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".

وقد حاول الكثير من أعداء الدين الطعن في الإسلام من ناحية الحديث النبوي الشريف ووضعوا أحاديث لا أصل لها ولكن علماء الدين والحديث ومخرجيه بيّنوها فبطل كيدهم ونحن في علم الحديث لا نقبل حديثاً بدون إسناد، فنحن ندرسه ونعرف مستوى الحديث وفي الحديث هناك ما يعرف بعلم مصطلح الحديث ومن علمائه الكبار الإمام الشافعي، والراما هرمزي والحاكم الأصفهاني والنووي وابن حجر العسقلاني وهؤلاء بعلمهم وعملهم وقفوا حاجزاً أمام الواضعين بتأصيلهم لأصول وقواعد لضبط الحديث الشريف والآن غربلت الأحاديث وصنفت وحفظت بحفظ الله لها.

مقصدهم التشويه

* لماذا يركز دائماً على حديث حاطب بن ثعلبة وما المقصود من ذلك؟

- يركز على هذا الحديث لتشويه سيرة الرسول وصحابته الكرام منهم، وثعلبة هو الرجل المظلوم وقصته مكذوبة في أصلها ومختلقة وتروي القصة أنه طلب من الرسول أن يدعو ربه أن يرزقه مالاً فلما رزقه الله مالاً لم يعد يصلي الجمعة فقال الرسول: ويح ثعلبة وقالوا إنه تاب وجاء ليدفع زكاة ماله للنبي فرفضها منه وبعد وفاة النبي رفضها منه أبو بكر ومن بعده عمر وفي زمن عثمان هلك على النفاق.

فكيف تصدق هذه الرواية وقد قبل الرسول توبة من هم أكثر منه عصياناً كيف نصدقها وهي تخالف النصوص التي تدعو دائماً للتوبة فالقرآن يقول:

(وهو الغفور الرحيم) يونس/ 107.

(وتوبوا إلى الله جميعاً) النور/31.

والرسول الكريم يقول:

"باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها".

وهذه القصة مختلقة وقد علقت عليها في كتاب "زاد المسير في علم التفسير" وفي كتابتي في سورة التوبة قلت: إن القصة مختلقة وفي إسنادها من هم غير عدول لذلك القصة غير صحيحة.

الغزالي والحديث

* بعض المعاصرين طعن في صحيحي البخاري ومسلم كالشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد الغزالي فكيف قام أولئك العلماء بفتح باب الطعن في أحاديث الصحيحين؟

- هذان العالمان طعنا في أحاديث الصحيحين وليس في الصحيحين وهما عموماً فقيهان وليسا بمحدثين ولا عالمين بالحديث، والشيخ الغزالي رحمه الله وغفر له كان من الذين حكموا العقل في فهم الحديث لذلك كانت له آراء غريبة في بعض الأحاديث خالفت الإجماع وتبنت رأي الظاهريين وتساهلا في أمر الدين وأخذا بالتراخيص فطعنهما بالحديث لا يعتد به لجهلهما في علم الحديث.

الحديث والعقل

* ما دور العقل في فهم الحديث الشريف؟

- لا يجوز تفسير الأحاديث حسب مفاهيمنا لها ويوجد في علم الحديث ما يعرف بصحة النص وهذا من عمل المحدثين وهناك ما يسمى بفهم النص فينبغي أولاً التأكد من صحة النص وسنده، ومن ثم تفهمه والاعتماد على العقل في فهم الحديث مخالف لما كان عليه سلفنا الصالح، فمثلاً بعض الفقهاء –هداهم الله- شرع في تحليل الغناء وله رأي في حديث.

"ليكونن في أمتي من يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف".

هذا الحديث صحيح عند ابن الصلاح والنووي وابن حجر العسقلاني والسخاوي لكن من علماء العصر من ترك رأي كل هؤلاء ليتبع رأي ابن حزم في تضعيف هذا الحديث وهذا لا يجوز لأن الإجماع لا يكون على خطأ أبداً ويد الله مع الجماعة، والعقل لابد له من فهم الحديث من اتباع تفسير السلف له وعدم مخالفتهم تبعاً للهوى كما أن للمذاهب أي لأصحابها دوراً في فهم الحديث، فهم في آرائهم في بعض المسائل اعتمدوا على فهمهم للنص ومن ثم اجتهادهم فيه ولكنهم لا يخالفونه.

دور المستشرقين

* عمد المستشرقون إلى تشويه سيرة بعض رواة الحديث بهدف الطعن والتشكيك في أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام كيف الرد عليهم؟

- نعم هم دائماً يبحثون عن مدخل ليشوهوا الإسلام منه والحديث كان نصيبه الأكبر من هذا الهجوم، وركزت هجمتهم على رواة الحديث وخصوصاً أبا هريرة، ذلك الصحابي المظلوم الذي رموه بالكذب والاختلاق وهو حقيقة صادق فيما حدث ونقل عن النبي الكريم وكان صلى الله عليه وسلم يروي الحديث فيقول له الصحابة ما سمعنا به فيقول لهم أنتم عافستم الأزواج والأولاد وأنا صحبت رسول الله سفراً وحضراً صحيح أنه لم يصاحب الرسول سوى 7 سنوات لكنه لازمه فيها لذلك جمع ما لم يجمعه غيره حتى بلغ عدد ما رواه من الأحاديث أكثر من غيره بكثير، وكان يقول:

"حفظت عن رسول الله وعاءين من العلم، أما الأول فبثثته بين الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم".

وهذا الحديث في صحيح البخاري والمقصود منه باعتبار أنه ملازم للرسول صلى الله عليه وسلم فقد علمه وأخبره بأخبار لم يعرفها غيره كمعرفته بأخبار الحوادث والفتن التي ستحدث بعد وفاة النبي وكان أبو هريرة من كتّام سر الرسول فيما سيحصل من الفتن، وعموماً مدة 7 سنوات كانت كافية لأن يروي ما رواه وزيادة عن ذلك ومن الأفضل ترك هؤلاء المستشرقين وعدم الرد عليهم، لأنهم مفلسون في آرائهم واتهاماتهم وكلها ضدهم ولن تضير هذا الدين ولا رجاله.

الطبري وابن حجر

*بعض المؤرخين كالطبري وابن حجر العسقلاني ذكروا في كتبهم قصصاً مكذوبة عن الرسول فكيف انطلت مثل هذه القصص على هؤلاء العلماء الأفاضل؟

- كل من الرجلين كان عالماً في التفسير والتاريخ وهو ذكر القصة من باب التاريخ بالأسانيد وكانوا يكتبونها ذاك الوقت بالأسانيد فهو برأيه عندما ذكر الأسانيد فقد رفع العتب عن نفسه وترك الحكم بصحتها لعلماء الحديث وعندما جاء العلماء واختصروا كتاب الطبري حذفوا أسانيده وكتبوا مختصر الطبري بلا أسانيد فنسبت القصة للطبري، وأما ابن حجر العسقلاني وكان يطلق عليه أمير المؤمنين في الحديث ، فزل في نقله لبعض القصص كقصة الغرانيق لكن هذا لا يقلل من شأنهم ومن كونهم علماء أفاضل ولا يجوز الطعن فيهم أو تجريحهم لأنهم مجتهدون فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد.

الصحيح والضعيف

* ظاهرة التصحيح والتضعيف هل انتهت؟

- هذه مسألة لا تنتهي فنحن مع البحث والتحقيق الدائم نكتشف ما هو صحيح وما هو ضعيف، وعموماً أكثر الكتب شيوعاً عند المسلمين حققت إلا ما قل وندر ولكن توجد أحاديث ضعيفة وأخرى صحيحة ونحن دقيقون جداً في الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف.

دعوى باطلة

* بعض الضالين يدعو لهجر السنة والاكتفاء بالقرآن بدعوى أن السنة معرضة للتحريف والتغيير ما ردكم على مثل هذه الدعاوي؟

- هذه الجماعة التي تسمى بالقرآنيين تدعو لفهم الإسلام من القرآن دون سواه بحجة أنه محفوظ، وأما السنة فتغيرت وهم تناسوا أن الأحكام والعبادات والمعاملات كلها مأخوذة من السنة ومشروحة منها وهذه الدعوى باطلة وغير صحيحة، وهي تلغي الشطر المكمل للقرآن الكريم، ونحن نعلم أن القرآن محفوظ والسنة محفوظة وقد وصلت لنا بأسانيدها ورواتها بدقة بالغة وقال الرسول الكريم:

"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".

ولو نظرنا لتوراة موسى وإنجيل عيسى لماذا حرفتا لعلمنا لأنهما تواترتا بلا أسانيد فسهل التلاعب بهما أما ديننا فمحفوظ لأن الله تكفل بحفظه أولاً ولأنه ثابت بأسانيد. ثانياً.. ولولا الأسانيد لقال من شاء ما شاء، ولكن ولله الحمد ديننا واضح ونقي لا زيادة فيه ولا نقصان ومن هجر السنة كأنه هجر القرآن وكذّبه، وهذا لا يجوز وهو سبب للضلال وباب للمروق من الدين.

* البعض يرد أحاديث بدعوى مخالفتها للعلم، أو لاحتوائها على خوارق للعادة ويحاولون التوفيق بين النصوص وبين بعض النظريات الإنسانية والفلسفية فما تعليقكم على مثل هذه الأعمال؟

- الأحاديث الصحيحة لا يمكن أن تخالف العقل أو العلم، ومن ثم فإن الكثير من نظريات العلم الحديث جاءت نصراً للنصوص الدينية من قرآن وحديث ولكن العقل المريض يرى دائماً أن العلم مخالف للنصوص لجهله بالنص ولقصور عقله عن فهمه، والإسلام جاء بأمور لا تتبدل ولا تتغير وإن تغير الزمان وتبدل المكان والذين يتلاعبون بالنصوص لخدمة أهوائهم هم مخطئون عملهم غير جائز، وهؤلاء قد يسيئون لفهم الإسلام وإن قصدوا الإحسان له فقد تتبدل النظرية وبهذا يكونون قد أساؤوا لفهم نصوص الدين ولا يجوز لنا أن نقوم بأعمال لتطبيق النصوص كما نريد، نعم ديننا فيه يسر ويواكب العصر ولكن هذا لا يقتضي تحريف وتبديل معاني نصوصه حسب الهوى، وإفهام الغير بأن ديننا يقبل كل ما لديهم من غث وسمين، بل ديننا لا يقبل إلا ما يوافق نصوصه ولا يعارض مقاصد الدين الحنيف وللأسف فقد تنطح للقيام بهذا الأمر رجال لا علاقة لهم بالعلوم الشرعية أخذوا يصهرون النصوص ليصبغوها كما أرادوا لخدمة مصالح بشرية بحتة فأسخطوا المعبود لإرضاء العبيد.

           

 * عن مجلة البلاغ الكويتية: 1351 نقلاً عن مجلة الدعوة السعودية.