حوار مع: الناقد الدكتور محمد أبو بكر حميد

حوار مع: الناقد الدكتور محمد أبو بكر حميد

أجراه: محمد رضا

الأدب الإسلامي لا يعاني أزمة في الإبداع أو النشر، فهو يستخدم جميع الأشكال الفنية سواء الرواية أو الشعر أو القصة القصيرة، كما أن عصر الرواية الزاهر قد انتهى ويحتاج العالم الإسلامي اليوم إلى أدباء يحملون الفكرة من جديد في عصر السرعة واستيراد الفنون والثقافة من الغرب بخيرها وشرها.. وهذا ما تناوله الحوار التالي مع د. محمد أبو بكر حميد الكاتب والناقد والباحث وصاحب العديد من المؤلفات في الأدب والنقد والمسرح وعضو مكتب البلاد العربية برابطة الأدب الإسلامي العالمية، كما أنه مدير تحرير مجلة الأدب الإسلامي ومجلة المستقبل الإسلامي.

الدكتور محمد أبو بكر حميد

طرحنا عليه قضايا الأدب الإسلامي ومحظورات هذا الأدب والمرأة ماذا تمثل فيه والمسرح الإسلامي ومستقبله والمفاجأة توفيق الحكيم وتفسير القرطبي وعدداً من القضايا أخرى.

-يمر الأدب العربي اليوم بأزمة ثقيلة.. فهل ترون أن للأدب الإسلامي نصيباً منها، خاصة الإبداع والنشر ؟

**أنا لا أعتقد أن الأدب الإسلامي فيه أزمة نشر أو أزمة إبداع وهو لا يعاني أزمة ولكن يحتاج إلى أناس يفهمون معنى الأدب الإسلامي، وفي تصوري أن الاتجاه السائد الآن في الأوساط الثقافية لغير صالح الأدب الإسلامي لأن الذين يتخذون موقفاً من الإسلام يتخذون موقفاً من الأدب الإسلامي، ولكن الحقيقة التي يجب أن نقولها إن الأدب الإسلامي هو أكبر من الأدب العربي، والأدب العربي جزء من الأدب الإسلامي يتفق في مقاييسه ومضامينه مع الأدب الإسلامي.. قد يظن بعض الناس أن الأدب الإسلامي له أشكال أخرى فنية تختلف عن الأشكال الموجودة الآن في الساحة، فهذا غير صحيح فالرواية والشعر والمسرح أشكال لا خلاف عليها والأدب الإسلامي هو المضمون.

-نريد توضيحاً أكثر لما تقصده ؟

**المقاييس الفنية لا نختلف عليها سواء كان المؤلف عربياً أو أجنبياً فشكل القصيدة المعروف هو القصيدة ولكن إسلامية القصيدة تظهر من المضمون الذي يعبر عنه الكاتب، ولهذا نحن نقول إن مساحة الأدب الإسلامي تتسع إلى أبعاد أخرى كبيرة وإلى آفاق من الإقليمية المحدودة عندما نجد أديباً عربياً يكتب أدباً باللغة العربية ولكننا لا نستطيع أن نعتبره أدباً إسلامياً لأنه في المضمون الذي صبه في هذا القالب الفني لا يتفق مع الإسلام، وبالعكس فقد نجد أديباً يكتب بالإنجليزية غير مسلم وغير عربي يتفق في المضامين مع فكرة الأدب الإسلامي.

-هل هناك أمثلة ودلائل لمشاركة الغرب في الأدب الإسلامي ؟

**الأستاذ محمد قطب في كتابه " منهج الفن الإسلامي " ترجم مسرحية " الراكبون إلى البحر" للكاتب المسرحي الإيرلندي جون ميلنتون سينج وقال إن هذه المسرحية في مضمونها إسلامية وكاتبها مسيحي كاثوليكي ولكنني أجد أدباء عرباً لا ينتمون إلى الإسلام فكراً أو مضموناً، والأدب الإسلامي قد يتسع ويحتوي المضامين الأساسية في الآداب العالمية غير الإسلامية.

-ما هو حجم الأدب الإسلامي في منافسته مع الأدب الإباحي والجنس الذي قوى مركزه مؤخراً ؟

**رأيي الشخصي أن هذه الزوابع التي تثار إن لم تكن مفتعلة فإنها قد تمت بتأثير، فعصر الرواية الزاهر قد انتهى، ولم تزدهر الرواية العربية إلا عندما ارتاد هذا الميدان أدباء ينتمون إلى الإسلام فكراً وعقيدة ومنهجاً، وانتهت الرواية كما أرى بنجيب محفوظ وما جاء بعد ذلك لا يعتبر من الرواية، وهناك الكتاب الذين يحاولون أن يثيروا ضجة تحت مبدأ " خالف تعرف " ويريدون الظهور والتوسل بالجنس وبمهاجمة العقيدة وهذه وسائل معروفة يطلب منها الشهرة لأن كل من خالف اليوم تناولته الصحف وكتبت عنه، وأنا أرفض مثل هذه الفقاعات التي سرعان ما تنتهي وتخمد لأن هؤلاء ليسوا من كبار الكتاب أو المفكرين ومعظمهم يتطلع إلى الشهرة أو المال أو الاثنين معاً.

-وما هو دور الرقابة.. هل الأفضل السماح أم المنع ؟

**أتصور أننا عندما نقوم بمنع هذه الأعمال نشارك في انتشارها، وأنا لست مع منعها لأنها موجودة في الأسواق اليوم وتقدم وسائل الإعلام المختلفة ما هو أكثر من الكلمة المكتوبة، وفي رأيي أن رواد الرواية التاريخية الإسلامية هم الذين حققوا الازدهار أمثال علي الجارم وعلي أحمد باكثير ومحمد سعيد عريان ومحمد فريد أبو حديد، هؤلاء هم الذين أعطوا ملامح للرواية الإسلامية وأعطوا رؤية للأدب الإسلامي، سبق هؤلاء اتجاه غير إسلامي في الرواية بدأ بروايات جورجي زيدان وهو الرجل الذي زيف التاريخ الإسلامي.. هذه الكوكبة الجديدة هم الذين أعطوا الرواية العربية ملامحها الأساسية، وبعيداً عن المنع أو السماح أنا لا أجد اليوم رواية عربية أساساً ناهيك عن رواية إسلامية.

-ترى ما السبب ؟

**أنا أرى أن العصر انتهى وأنه لم يعد أحد يستطيع اليوم أن تكون لديه المقدرة ويمسك كتاباً من 500 صفحة ويقعد ليقرأ، وكان القراء في الماضي يقرؤون الحرب والسلام لتولستوي ويقرؤون البؤساء، ونحن اليوم دخلنا في عصر السرعة وعصر الأشياء القصيرة، ولكن الفن ما زال موجوداً وأيضاً لم يعد لدينا أدباء لديهم ذلك التفرغ وذلك الاهتمام الذي كان!! وأصبحنا في عصر يجلس الكاتب فيه على مكتبه عشر دقائق ويكتب قصة قصيرة، وأنهم لم يستوعبوا من كتب قبلهم، وأمة تكتب وهي لا تستوعب تاريخها وحضارتها لا تستطيع أن تقدم جديداً.. هذا الكلام ليس جديداً أو قد قال فيه أحد الأدباء إن الكاتب يجب أن يكتب تاريخ أمته في دمه.. تجد الكاتب الروائي يتجه للتغريب ويستمد منه إشعاعه وبريقه وهو لم يستوعب الذين كتبوا من أبناء دينه وعقيدته ووطنه، الأمل المتبقي في رأيي أن تظهر اليوم رواية عربية إسلامية تسد هذا الفراغ.

-البعض يعتبر أن الأدب الإسلامي موقف من الفنون بشكل عام ؟

**الأدب الإسلامي بكل فنونه ليس موقفاً من الفنون وليس بدعاً جديداً أو شكلاً فنياً جديداً في رأيي وأرى أنه مضمون وكثير من الناس يظنون أن الأدب الإسلامي هو أدب تاريخي، ومن الضروري في تصورهم أن يأتي بشيء عن تاريخ الصحابة أو سيرة الرسول حتى يكون إسلامياً.

فهذه إسلامية الشكل وهي ليست مطلوبة وإذا كان الشكل الفني أو المادة التي يستفيد منها الكاتب تعطي الشكل صبغته الفكرية لأصبح جورجي زيدان كاتباً إسلامياً فقد كتب روايات " تاريخ الإسلام " ومع ذلك كل رواياته لا صلة لها بالإسلام وهو كتب تاريخ الإسلام ولكنه تاريخ لا يتفق مع روح الإسلام.

الأدب الإسلامي مضمون ومن الحكمة أن تكون رواية من واقع الحياة المعاصرة وأسلوب معالجتها أسلوباً إسلامياً دون أن تذكر كلمة الإسلام، المهم أن ينطلق الروائي في كل ما يكتب من التصور الإسلامي الصحيح للإنسان وللكون وللحياة وليس شرطاً أن تكون من تاريخ الإسلام أو تكون عرضت عرضاً مباشراً للإسلام.

-هل ترى أن نظرية نقدية عربية قد تبلورت على غرار النظريات الغربية كالحداثة والبنيوية وغيرها ؟

**للأسف نحن أمة تعيش في مرحلة الانكسار بل الانهزام، ومنذ سقوط الخلافة الإسلامية ونحن نستورد من الغرب كل شيء: من الملابس إلى المذاهب الأدبية، ولا أستبعد في يوم من الأيام أن تظهر نظرية نقدية في الإبداع وأتساءل: ولماذا تأتي الكلاسيكية والرومانسية والبنيوية وغيرها ؟ ولا تظهر نظرية جديدة بأفكار جديدة وأشكال فنية جديدة ؟ من الممكن جداً !!

-لكنها لم تظهر ؟

**إلى الآن بالفعل لم تظهر لأننا نسير في ركاب الغرب والغرب فقط.. حيث إننا لم نأخذ شيئاً من الصين أو من اليابان أو من فنون شرق آسيا.. نحن عبيد للغرب ونحن نستقبل منه خيره وشره والعكس هو المفروض أن يحدث ـ أي أن نستقي من الغرب خيره فقط ـ ونحاول أن نبدع الجديد والأشكال الفنية ليست حكراً لأحد والفن ليس حكراً لأحد وهو ملك لجميع البشر، وبمعنى أوضح نستورد الأشكال الفنية ونبتعد عن المضامين التي تنال من تراثنا وعقيدتنا وتاريخ أمتنا.

-في عالم الأدب الإسلامي يعد الجنس والمرأة والحب من المحظورات.. لماذا ؟

** هي رسالة صغيرة كتبها سيد قطب عن الأدب الإسلامي في كتاب صغير له عنوانه " التاريخ فكرة ومنهاج " تكلم فيه عن هذه النقطة، والحقيقة أن الأدب الإسلامي أدب رفيع فالإسلام دين الحب ولكن ليس دين الفسق وليس دين العري وليس دين ابتزاز الغرائز والعواطف.. إنما من الممكن التعبير عن الحب بصورة من التلميح وليس بالتصريح، كما أن الوصف الجنسي ليس حباً وفارق بين الحب والجنس، وكل كاتب " مؤدب " يحترم هذا الفارق أعتبره كاتباً إسلامياً مثل الروائي محمد عبد الحليم عبد الله الذي لا يصرح ولا يبالغ في وصف المشاهد المكشوفة.. مجرد التلميح لأن الأدب في النهاية هو أدب التلميح وليس أدب التصريح.. الرمزية أدب.. لماذا لا نعبر عن تلك الأشياء بالرمزية؟!

-نلحظ في الفترة الأخيرة أن الشعر يحتل المكانة الأكبر من مساحة الأدب الإسلامي وتختفي إلى جواره الرواية الإسلامية والملحمة وغير ذلك من الفنون .

** كل ما قلت لا يختفي من الأدب الإسلامي فحسب ولكن من الأدب العربي أيضاً وهذا شيء طبيعي؛ لأن الشعر هو ديوان العرب وهو الفن الأول الذي عرفه العرب منذ بداية التاريخ إلى اليوم، وغمر الشعر آلاف السنين أما المسرح فلم يكمل قرناً من الزمان في عمره فشيء طبيعي أن يكون القطاع الأكبر والفن السائد هو فن الشعر.. أما فن المسرح والرواية والملحمة فهي فنون استوردناها من الغرب ونجحنا فيها وأبدعنا فيها وأصبحت ملكاً لنا.. هذا لا ينفي أن لدينا عظماء في فنون المسرح مثل علي أحمد باكثير وهو من ألمع الكتاب الإسلاميين في المسرحية الإسلامية ومن ألمع كتاب الرواية الإسلامية.