الإسلام في أمريكا

محمد فاروق الإمام

قبل كولومبس وبعد أحداث أيلول

محمد فاروق الإمام

[email protected]

يقول الإمام وعضو المجلس الفقهي لشمال أمريكا الأستاذ (يحيى الهندي): دخل الإسلام أمريكا عام 1328م عن طريق ابن إمبراطور مالي. وكان أول سفير لأمريكا في الفلبين عام 1883م مسلماً. ويوجد في أمريكا 7 ملايين مسلم، و447 مدرسة إسلامية و2667 مسجداً، وان الكنائس قدمت الحماية للمساجد بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م، وأن خطاب أوباما في القاهرة لم يكن موجهاً للعرب والمسلمين فحسب بل شاهده الأمريكيون والأوربيون.

حاور الزميل اسعد عزوني من جريدة العرب اليوم الأردنية الشيخ الداعية (يحيى الهندي) الذي يزور عمان في هذه الأيام، ولأهمية هذا الحوار فقد أردت أن تعم الفائدة ويطلع عليه أكبر عدد من المسلمين والمهتمين بالشأن الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية, التي تشن حرباً لا هوادة فيها على ما تدعيه الإرهاب الإسلامي. وسينشر هذا الحوار يوم الجمعة القادمة 7 آب في صفحة مائدة الرحمن الدينية في جريدة العرب اليوم.

سبق الزميل أسعد حواره مع الداعية الهندي بمقدمة لطيفة قال فيها: (كان في مخيلتي أنني بانتظار شيخ ملتح ومقصر الثوب وعبوس الوجه ويضع يديه على وجهه عند رؤية حسناء، ولكني صدمت عندما أقبل على الطاولة التي أجلس عليها في فندق الشيراتون بعمان مع فتاتين من السفارة الأمريكية، سألت عن الرجل، فقيل لي إنه الإمام يحيى هندي الذي جئت للحوار معه.

كان شاباً ذو لحية خفيفة جداً ويرتدي بذلة أفرنجية وتبين لي بعد الأخذ والعطاء أنه يتحدث العبرية بطلاقة، ومطلع على التوراة والتلمود والإنجيل، ويفهم ما فيها فهمه للقرآن الكريم).

وفيما يلي نص الحوار:

* كيف هو حال المسلمين في أمريكا؟

- الإسلام ليس حديث عهد في أمريكا كما يزعمون بل دخلها عام 1328م من خلال خليج المكسيك عن طريق البحار محمد أبو بكر ابن إمبراطور مالي الذي حكم المنطقة الممتدة بين مالي وحتى السودان.

وتقول الوثائق أن أبو بكر أبحر مع مجموعة من الأشخاص على خليج المكسيك ثم سافر إلى ولاية أريزونا ومات هناك.

كما أن الرحالة المعروف كريستوفر كولومبس استخدم خريطة عربية للجغرافي الشهير الإدريسي ومدون عليها ملاحظان، حيث استخدم بحارة عرباً من شمال أفريقيا للإبحار إلى العالم الحديث (أمريكا)، لقد ارتحل المسلمون إلى أمريكا منتصف القرن التاسع عشر، ولدينا وثائق تؤكد أنهم قدموا من ألبانيا ودول شرق أوروبا، وأن أول سفير لأمريكا في الفلبين كان مسلماً اسمه محمد رسل ويب وخدم في الفلبين لمدة عشر سنوات في الفترة ما بين العام 1883 وحتى العام 1893م حيث أنهى خدمته في الخارجية وعاد إلى مدينة شيكاغو وكان فيلسوفاً، وهناك موجة أخرى من المهاجرين المسلمين دخلت أمريكا في نهاية القرن التاسع عشر من الباكستان والهند، تبعتها موجة أخرى من لبنان وسورية وفلسطين أوائل القرن العشرين، لكن كل هؤلاء لم يؤسسوا للإسلام هناك، فلا مدارس أو مساجد، وبموتهم مات الوجود الإسلامي.

أما الموجة الأكبر من المهاجرين المسلمين إلى أمريكا فكانت في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وكانت من العرب وأن أغلبهم هربوا بدينهم من الديكتاتوريات العربية وطلباً للحرية والتعليم.

وما يميز هذه الموجة عن غيرها هو أنها كانت تضم مثقفين ومتعلمين جاؤوا للبحث عن الحرية بكافة أنواعها، وهي التي أسست الوجود الإسلامي وكان اتحاد الطلبة المسلمين هو أول مؤسسة اهتمت بالطلبة المسلمين منذ العام 1964م وعملت على إعادتهم إلى بلدانهم حتى لا يفقدوا هويتهم.

كما تأسس اتحاد الجمعيات الإسلامية لشمال أمريكا عام 1984م، وبدأنا بتأسيس المساجد والمدارس، ثم انتقلنا في تسعينيات القرن المنصرم إلى مرحلة بناء المؤسسات السياسية الإسلامية مثل المجلس السياسي الأمريكي والتحالف الإسلامي الأمريكي بهدف تدعيم الوجود الإسلامي سياسياً في أمريكا.

حتى العام 1995م كان أبناؤنا يدرسون الهندسة والطب من أجل المال، أما بعد ذلك، فقد انخرطنا في العمل السياسي وبدأ الجيل الثاني بدراسة المواد الإنسانية مثل التاريخ والجغرافيا واللغات والحقوق. وعندما عينت أستاذاً ومستشاراً للشؤون الدينية في جامعة جورج تاون عام 1994م لم يكن فيها سوى طالبين مسلمين فقط أما اليوم فلدينا 57 طالباً مسلماً. ولعلكم تعرفون أن الرجل الثاني في الاستشارة القانونية بالبيت الأبيض مسلم يدعى رشاد حسن ويحفظ القرآن وهو حقوقي ومحامي ومتميز قانونياً في أوساط الجيل الشاب.

هناك 7 ملايين مسلم في أمريكا و447 مدرسة إسلامية و17 ألف جندي مسلم في القوات المسلحة و14 إماماً مفتياً برتب عسكرية في القوات الأمريكية، وجرى عام 1995م في عهد الرئيس كلنتون تعيين أول واعظ مسلم، ونخطط ليصبح العدد 30 واعظاً مع نهاية العام 1015م، ولدينا برنامج لإعداد الوعاظ والمفتين، وأستطيع القول أن الإسلام في أمريكا أفضل منه في أوروبا لأن المسلمين في أوروبا طبقة عاملة غير متعلمة قدمت من شمال أفريقيا.

لدينا مشاكل بسبب الجهل بحقيقة الإسلام وسوء فهمه من قبل بعض المسلمين، شأنهم شأن بعض المسيحيين واليهود الذين لا يفهمون دينهم ونحن نشعر أننا جزء من النسيج الوطني الأمريكي.

لا اكشف سراً إذا ما قلت أن الكنائس قدمت الحماية لمساجدنا، وأن رجال الدين المسيحي وقفوا للدفاع عن مساجدنا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م ولدينا عضوان مسلمان في الكونغرس.

* ما اوضاع المساجد في أمريكا وكم عددها؟

- ذكر الرئيس أوباما في خطابه الأخير في القاهرة أن هناك 1200 مسجداً في أمريكا، وهو تحدث عن المساجد ذات المآذن، ولكن عدد المساجد بكافة أشكالها يصل إلى 2667 مسجداً، وما أعنيه بذلك هو أن هناك بيوتاً وشققاً تحولت إلى مساجد بسبب قلة المال.

ومعروف أن المساجد عندنا تحكمها إدارة منتخبة سنوياً من الجالية، وتتكون الهيئة التنفيذية من الرجال والنساء ولا نشترط الصلاة في العضوية وربما هذه مفاجأة أن أقول إن الكنائس تدعم المساجد مالياً تماماً كما تفعل المساجد مع الكنائس لأننا نهدف إلى عبادة الله وإعانة البلد أخلاقياً وبالنسبة إلينا، فإن المساجد ليست للصلاة فحسب بل هي للإصلاح الاجتماعي وحل المشاكل العائلية وهي نواد اجتماعية ونقدم فيها القهوة والشاي ونقيم الأفراح ونستقبل فيها الناس في الأتراح، كما أنها مدرسة ومعهد.

ويصلي الرجل والمرأة معاً بنفس القاعة ولا يوجد فصل بينهما والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين النساء والرجال.

* ما واقع الشباب المسلم في أمريكا؟

- لدينا اتحادان للطلبة هما اتحاد الطلبة المسلمين في الجامعات ومؤسسة شباب أمريكا الشمالية وتقدم الخدمات للشباب المسلم الذي تقل أعمارهم عن 18 عاماً. وبعضهم متدين وآخرون يعاقرون المخدرات ومنهم من لا يصلي.

* ما تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول وهل هناك من ردة عن الإسلام بعدها؟

- ما حدث جريمة لا تغتفر، وبالنسبة لنا فإنها جريمة مضاعفة لأنها كانت ضد أمتنا الأمريكية ووقعت باسم الإسلام.

لا ننكر أننا بعدها تعرضنا لاعتداءات، لكن ذلك كان أحداثاً فردية، لكن رب ضارة نافعة، إذ انكب الجميع على دراسة الإسلام وبيعت مئات الآلاف من نسخ القرآن الكريم، وعقدت آلاف المحاضرات والندوات، وزاد عدد المسلمين وجاءنا الكثير من مختلف الأديان والمعتقدات، وتفهم أصحاب الموقف السلبي الإسلام.

وأنا كإمام مسلم أدعى لأتحدث في الكنائس والكنس على حد سواء.

* كيف تنظرون إلى الرئيس أوباما؟

- هناك دراسة تقول أن 93% من المسلمين انتخبوا الرئيس أوباما وهي نفس نسبة اليهود ونحن نرى أنه فرصة قد لا تتكرر بالنسبة إلى العرب والمسلمين وأمريكا من خلال العرب والمسلمين وللقضية الفلسطينية وهي بداية خير.

وأستطيع القول أن خطاب الرئيس أوباما في القاهرة لم يكن موجهاً للعرب والمسلمين بل شاهده الأوربيون والأمريكيون، ونحن مرتاحون لما قاله عن الإسلام بأنه ليس دين إرهاب بل هو دين سلام وقدم المدنية للحضارة العالمية، وبالنسبة لي شخصياً فإن لهذا الخطاب آثار ملموسة على جيراني اليهود والمسيحيين والعلمانيين ورجال الإعلام حيث أن الرجل الثاني هو مسلم وهناك داليا مجاهد مستشارة وهي مسلمة ومحجبة. وهناك مسلمون سيتم تعيينهم في الخارجية والوزارات.

* لماذا لن تنجحوا بتشكيل لوبي على غرار اليهود؟

- كما قلت فقد بدأنا التحرك السياسي مؤخراً عكس الآخرين الذين عملوا في هذا منذ 90 عاماً وما نزال نحبوا في العمل السياسي ولا حكم علينا مثل الآخرين، ومع ذلك حققنا شيئاً ملموساً وربما أكثر منهم قياساً.

* ما وضع الحجاب في أمريكا؟

- أفضل بكثير من بعض الدول العربية فالمرأة في تونس على سبيل المثال لا يحق لها التحجب شأنها شأن المرأة في تركيا، بينما المرأة عندنا تتحجب وتتنقب مع أني أختلف مع النقاب ولدينا امرأة مسلمة ومحجبة تعمل ملحقاً ثقافياً في سفارتنا في قطر.

ولا ننسى قضية الخطوط الجوية الأمريكية التي استغنت عن فتاة كانت تعمل لديها مضيفة بعد أن تحجبت خلال عملها، وقامت بمقاضاة الخطوط، ومنحتها المحكمة حق التحجب وحكمت لها بثلاثة ملايين دولار عقاباً للخطوط الجوية على فعلتها.