أحمد عبد اللطيف الجدع

وشعراء الدعوة الإسلامية *

أحمد الجدع

حوار أجراه : د. حسن علي دَبَا

منذ أكثر من عشرين سنة ، حمل أحمد عبد اللطيف الجدع -مع زميله حسني أدهم جرار- قلمه ووقته وجهده ، على كتفه ، وراح يترجم ويعرِّف وينشر لشعراء من نوع خاص ، طواهم العصر ، أو غطى عليهم ظلام مقصود ، أو استشهدوا تحت سنابك خيل السلطات العنترية : الصامدة أو المتصدية ، شعراء افتقدوا أضواء ووهج الإعلام لأنهم فقدوا الطريق إلى الرفاق والنفاق !! إنهم "شعراء الدعوة الإسلامية" .

ولم يكن أحمد الجدع مجرد مؤلف ، بل صاحب رؤية ومالك لأدوات الصنعة الأدبية ، قدّم أكثر من عشرين مؤلفاً .. وإذا كُنّا قد حاورنا حسني أدهم جرار -مشاركه في الكتاب بأجزائه العشرة- من قبل على صفحات "المجتمع" ، فإننا نحاوره اليوم حول نشأة فكرة الكتاب ، وكيف تم التخطيط لها ، وكيف صارت ديناميكية العمل في تأليف مشترك في الكتاب ، وكيف تم التخطيط لها ، وكيف صارت ديناميكية العمل في تأليف مشترك في مختلف الأجزاء ، ثم إلى أي مدى استوعبت خطة الكتاب الزمان والمكان للإحاطة بهؤلاء الشعراء ، ثم ما هي آفاق الجانب النقدي في هذا العمل الأدبي الكبير ؟

كيف نشأت فكرة شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ؟

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد

في أعماق نفسي إيمان بأن على كل مسلم أن يؤدي دوراً ما في خدمة هذا الدين ، وعندما أتممت دراستي في قسم اللغة العربية ، أخذتُ أبحث عما يمكن أن أقدمه في مجال نصرة الإسلام وخدمته ، فرجعت إلى سيرة الرسول r ، أبحث فيها عما يمكن أن يكون لي مرشداً فيما أقصد ، فلفت انتباهي اهتمام الرسول r بالشعر والشعراء ، فما من شاعر قابله إلا استنشده شعره ، فإذا راق له استزاده ، كما لاحظت أنه -عليه السلام- قرَّب إليه الشعراء الذين أسلموا ، وندبهم للدفاع عن الإسلام ، وإظهار محاسنه للناس ، وأجازهم على ذلك ، بل وبشرهم بالجنة على ما قالوا من شعر ينافحون به عن الإسلام وأهله ، ذلك ، كما شدَّ انتباهي بدرجة كبيرة موقف الرسول r من الشعراء الذين ناصبوا الدعوة الإسلامية العداء ، فأهدر دماءَهم ، وقتل من استطاع أن يظفر به منهم ، بينما لم يهدر دم أولئك الذين خاضوا الحروب ضد دعوة الإسلام ، وبعد أن قلبت هذا الأمر على وجوهه ، أدركت أن سبب هذا الموقف المتشدد من شعراء الشرك يكمن في التأثير العميق الذي يملكه الشعر على نفوس العرب ، ذلك لأن النفس العربية فطرت على حب الشعر ، فأجلَّتهُ ، وعظمت أصحابه ، حتى غدا للشعر على نفوس العرب سلطان عظيم ، وحتى كان للشعراء عندهم مكانة عظيمة .

وعندما التفت إلى واقع الشعر في دنيا العرب في زماننا هذا الذي نحياه ، وجدت ساحة الشعر غاصة بالشعراء من كل لون ، إلا هذا اللون الذي يدعو إلى الله وينافح عن دينه ، فقد أقفرت منه الساحة أو كادت ، فصال شعراء الدعوات المنحرفة وجالوا في ساحة الشعر العربي ، وأُطلق لهم العنان في جميع وسائل الإعلام.. أما الدعوة الإسلامية فلا شعراء لها ؛ وإذا كان هناك من شاعر أو بضع من الشعراء، فهم في زوايا النسيان ، لا يذكرهم الإعلام ، فلا يذكرهم الناس!

وفكرت في هذا الوضع الذي آل إليه الشعر وصار إليه الشعراء ، وتساءلت إن كان في استطاعتي أن أفعل شيئاً يحيي هذا الجانب الهام في الدعوة الإسلامية المعاصرة ، وهداني الله إلى أن أبدأ في جميع الشعر الإسلامي في كتاب يُذكر الناس بأن في الدنيا شعراً إسلامياً ، وأن فيها شعراء إسلاميين ، وبعد تفكر وتدبُّر اخترت لهذا العمل عنواناً شاملاً هو : شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ، يترجم فيه للشعراء الذين سلكوا طريق الدعوة إلى الله في شعرهم ، ويحشد فيه كماً صالحاً من شعرهم ، ورأيت أن أُشرك في هذا العمل الكبير أخي الأديب حسني جرار ، فعرضت عليه الفكرة فرحب بها ، واستعنا الله ، وانطلقنا في تنفيذ هذا العمل ...

كيف خططتم للفكرة .. وما هي الأسس التي تم وضعها لإقامة هذا العمل الرائد ؟

في البداية واجَهَنا سؤالٌ مهم : من هو الشاعر الإسلامي ؟ أو من هو الشاعر الذي يمكن أن نسلكه في عداد شعراء الدعوة الإسلامية ؟

وبعد أن ناقشنا هذا التساؤل نقاشاً مستفيضاً ، اتفقنا على تعريف موجز بسيط : الشاعر الإسلامي -من وجهة نظرنا- هو الشاعر الذي ينطق معظم شعره بالعاطفة الإسلامية ، ويعالج في قصائده مشاكل المسلمين وقضاياهم ، على أن لا يكون في سائر شعره ما يخالف عقيدة الإسلام .

وحتى ندرك أبعاد هذا التعريف ، فلا بأس أن أُشير إلى أننا استبعدنا شاعراً مثل أحمد شوقي ، على الرغم من عاطفته الإسلامية التي لا يناقش فيها أحد ، وعلى الرغم من تصديه في شعره لقضايا المسلمين ودفاعه عنها ، إلا أن في بعض شعره ما يخالف عقيدة الإسلام في مثل قوله :

رمضان ولَّى هاتها يا ساقي       مشتاقة تسعى إلى مشتاق !!
فما كان لنا أن ندرج شوقياً في سلك الشعراء الإسلاميين الذين سوف يضمهم كتاب شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث .

وعندما استقر لدينا هذا التعريف للشاعر الإسلامي ناقشنا المعلومات الضرورية التي لابد منها حتى نستطيع أن نبدأ بالكتابة عن شاعر ممن نختارهم لهذا الكتاب ، وبعد أن تم لنا هذا ، طبعنا نموذجاً ضمناه مجموعة من الأسئلة توجهنا بها إلى الشعراء ، وأرسلنا لكل منهم نموذجاً وانتظرنا الإجابة عليه ، ومما يؤسف له أن الاستجابة لهذا النموذج كانت ضعيفة ، ودون ما كنا نؤمله بكثير !

كان هذا النموذج مصدراً من مصادرنا ، أما مصادرنا الأخرى فكانت تمتد ما بين الصحف والمجلات القديمة ، وكثير منها قصير العمر ، قد توقف منذ زمن ، ويصعب الحصول عليه ، وبين مقابلات شخصية مع الشعراء الذين استطعنا أن نلتقي بهم ، وهم قلة ، ومع محبي الشعر وعشاقه ممن يحتفظون بقصائد لهؤلاء الشعراء أو بمعلومات عنهم .

أما الدواوين المطبوعة للشعراء الإسلاميين فحدث عن ندرتها ولا حرج ! فلم نستطع أن نجد منها في هذا الوقت من عام 1976م إلا النزر اليسير الذي يعد على أصابع اليدين .. وقليل من هذا اليسير تعقد عليه الخناصر !

كيف تم تقسيم العمل في هذا الكتاب بينك وبين زميلك ؟

جمع المادة العلمية الضرورية لهذا العمل الكبير كانت مشتركة ، كل منا يبحث ، وكل منا يجري اتصالاته ومراسلاته ، بل إن عدداً من الإخوة الذين تحمسوا للفكرة ساعدونا في جمع ما نحتاجه من معلومات ، أما عند الشروع في الكتابة فقد أوكل لكل واحد منا عدد من الشعراء ليكتب عنهم ، ثم وزع الشعراء على أجزاء الكتاب ، ولا بأس أن أُشير هنا إلى أننا صدَّرنا كل جزء من أجزاء الكتاب التسعة الأولى بشاعر كنا نعتبره -من وجهة نظرنا- أفضل الشعراء الذين يضمهم الجزء ، ولا أظنني بحاجة إلى أن أُشير إلى أن هذه الأفضلية تنصب على الناحية الفنية .

وعلى هذا فقد كان أفضل الشعراء الإسلاميين من الناحية الفنية في عام 1976م هم : محمد محمود الزبيري ، عمر بهاء الدين الأميري ، يوسف القرضاوي ، يوسف العظم ، وليد الأعظمي ، محيي الدين عطية ، علال الفاسي ، أحمد مظهر العظمة ، علي أحمد باكثير .

وقد ذكرت هذه الأسماء حتى يتمكن القارئ من المقارنة فيما كان عليه الشعر الإسلامي عام 1976م ، وما أصبح عليه اليوم في عام 1993م ، فقد تقدم شعراء وتأخر آخرون ، وظهر على الساحة شعراء ليسوا بأقل ممن ذكرنا تمكناً في الشعر وفنونه .

كم سنة استغرق تأليف هذا الكتاب ؟

نستطيع أن نعدل في صيغة هذا السؤال فنقول : كم سنة استغرق تأليف الأجزاء الخمسة الأولى من هذا الكتاب ؟ فقد صدرت أجزاؤه الخمسة الأولى دفعة واحدة ، وذلك في عام 1978م وعلى ذلك فإن تأليف هذه الأجزاء استمر عامين، ولم نتوقف بصدورها عن العمل ، بل تابعنا البحث والاتصال ، وأخذنا نصدر الأجزاء تباعاً ، حتى صدر الجزء التاسع عام 1983م، ولأسباب خارجة عن إرادتنا توقف العمل في هذا الكتاب ، أعني توقف إصدار أجزاء أُخرى منه ، أما جمع المادة والاتصال بالشعراء فقد استمر دون توقف .

وأحب أن أُشير إلى أن عملاً مثل هذا لا يتوقف التأليف فيه ، فالساحة الإسلامية التي تشهد صحوة أكيدة تنجب كل يوم شاعراً ، ودور النشر الإسلامية التي اشتدَّ عودها تصدر في كل عام عدداً من دواوين الشعر الإسلامي ، ومتابعة هذا تحتاج إلى جهد متواصل وإلى عمل دؤوب ، ونحن نحاول أن نتابع كل هذا بالقدر الذي يوفقنا الله إليه ويعيننا عليه .

لماذا كان الاكتفاء بحياة الشاعر وسيرته ونماذج من شعره فقط ؟

الكتاب الذي قمنا بتأليفه وتقديمه للقراء كتاب هدفه الأول الترجمة لأكبر عدد من الشعراء الإسلاميين المعاصرين ، وللترجمة أصولها المقررة ، وقد اتبعنا هذه الأصول، فتحدثنا عن الشاعر في سيرته الذاتية ؛ مولده .. أسرته.. سيرته التعليمية .. سيرته العلمية .. سيرته العملية .. ومساهمته الشعرية في إبراز محاسن الإسلام وفي الدفاع عنه وفي معالجة قضايا المسلمين ، ومن خلال كل هذا سردنا مؤلفاته بشكل عام ودواوينه الشعرية بشكل خاص ، أما من لم يكن لهم دواوين ، وهم الغالبية ، فقد تعمدنا أن نذكر أسماء المجلات التي نشرت شعرهم حتى تكون مصادر لهذا الشعر ، كما اخترنا من شعرهم قصائد وقدمناها كنماذج لهذا الشعر ، وحرصنا أن تكون ممثلة لمضامين شعرهم ولمستواه الفني كما كان عليه عند تأليف هذا الكتاب .

لماذا اختفت الإضاءة النقدية للشعراء وشعرهم ؟

يكمن الجواب على هذا السؤال فيما قدمته من إجابة عن السؤال الذي سبقه، فالكتاب ذو هدف أساسي هو الترجمة لشعراء الدعوة المعاصرين ، وقد أدى الكتاب مهمته في هذا المجال ، ومع هذا لم يخل الكتاب من إضاءات نقدية للشعراء وشعرهم ، ويحتاج هذا الأمر لبيان بسيط : فقد قدمنا كل جزء وصدرناه بشاعر كنا نعتبره أفضل الشعراء الذين ضمهم هذا الجزء ، ففي هذا لمحة نقدية للشعراء ، وعندما قدمنا اختياراتنا للنصوص راعينا أن تكون أفضل مساهمات الشاعر ، وبالمقارنة بين هذه الاختيارات يتبين لنا مستوى كل شاعر وموضعه بين الشعراء ، وهذه لمحة نقدية أخرى ، وعلى هذا فلا يخلو حديثنا عن الشعراء من إبداء لمحات نقدية أخرى ، على أن ما يجب أن نؤكده هنا أن هدفنا الأساسي كان ترجمة الشعراء . وقد وفينا هذا الهدف أو قدراً كبيراً منه .

تأخر الجزء العاشر .. ولم يتح له الانتشار كما انتشرت الأجزاء التسعة الأولى، فما تفسيركم لذلك ؟

مررنا بفترة توقف منذ إصدار الجزء التاسع عام 1983م امتدت حتى عام 1988م حين أصدرنا الجزء العاشر منه ، وهذا التوقف الذي لم يكن لنا يد فيه جاء خيراً على الكتاب في ناحية من نواحيه ، فقد رأينا أن نعدل في المنهج الذي تناولنا به الأجزاء السابقة ، كما رأينا أن نصدر الكتاب في حجم أكبر من سابقيه ، فأصدرنا تجربتنا الأولى في الجزء العاشر من هذا الكتاب ، وتولت إصداره دار الضياء للنشر والتوزيع في عمَّان بالأردن ، وقد تعهدت الدار بإصدار الأجزاء التسعة الأولى بعد تعديل منهجها ، كما تعهدت بإصدار ما يجدُّ من أجزاء .

أما عن انتشار الكتاب في جزئه العاشر فقد كان انتشاراً محدوداً ، ولعل صدوره منفرداً عن الأجزاء الأُخرى ، وفي شكل مغاير لها ، من الأسباب التي أدت إلى تراجع الإقبال عليه ، ومع ذلك فإن الدور الذي أداه هذا الكتاب كان عظيماً ، وإن الدور الذي يؤمل أن يؤديه في مسيرة الشعر الإسلامي المعاصر جدير بأن يلفت إليه الانتباه مرة أُخرى .

ما هو الموقف من المعلومات التي جدت في حياة شاعر ، بينما توقف التاريخ الفكري والشعري له في كتابكم عند سنة صدور الكتاب في طبعته الأولى .. ؟

لا شك أن الشاعر يتطور إلى الأفضل في معظم الأحيان ، ولا شك أن هناك جديداً في حياته بعد مرور هذا الزمن الطويل ، كل هذا وغيره دفعنا إلى تعديل منهج الكتاب كما قدمت آنفاً ، ومن وجهة نظري فإن المسؤولية في تعديل هذه العلومات يعود بالدرجة الأولى إلى الشعراء أنفسهم ، وكثير منهم يتصل بنا بين الحين والحين ، وكلهم يعرف عنوان الناشر الأول والناشر الثاني للكتاب ، وكان باستطاعتهم أن يرسلوا لنا ما جدَّ من معلومات وما أصدروه من دواوين إلى عنوان أحد الناشرين ، وفي كلتا الحالتين فإن ما يرسلونه سوف يصل إلينا .

وأحب أن أشير هنا إلى أن كل المؤلفات التي تصدر في مجال التراجم يعتريها مثل هذا القصور الذي تشيرون إليه في سؤالكم ، ويعتبر هذا أحد العيوب الملاحقة لهذه المؤلفات ، ولكن مثل هذا العيب ليس مبرراً للتوقف عن خوض مثل هذا الميدان ، وأحب أن تلاحظوا أن التعديل الذي يجري في طبعات لاحقة للكتاب سيبقى قاصراً ، ذلك لأن التطور في حياة الأديب أو الشاعر لا يتوقف ، وإنتاجه لا ينضب إلا بالموت ، نهاية كل حي ، ولهذا نلاحظ أن بعض كتب التراجم لا تدرج في تآليفها إلا من مات ، وتسمي كتبها بوفيات الأعيان أو الأدباء أو الشعراء .. ولكننا في كتابنا هذا نؤرخ لشعر الدعوة الإسلامية المعاصرة وشعرائها ، وفي الزمن الذي ألفنا فيه كتابنا كان من أهدافنا إحياء الشعر الإسلامي والتنويه بشعرائه ، الأحياء منهم بخاصة ، فقد كانت الدعوة الإسلامية ولا زالت بحاجة لعطائهم .. حاجة ماسَّة .

هناك أماكن ومناطق لم يشملها الكتاب كشعراء من اللغات الإسلامية الأخرى ، كيف يمكن أن تعالجوا مثل هذا الأمر مستقبلاً ؟

الكتاب يترجم لشعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ، ومعنى ذلك أن هدفه كل الشعراء الإسلاميين ، سواء كانوا في مشرق الوطن الإسلامي أم في مغربه، سواء نشروا إنتاجهم باللغة العربية أم باللغات الإسلامية الأخرى ، بل وفي كل لغة من لغات العالم ..

نعم هذا هو هدف الكتاب الكبير ، وهو هدف كبير حقاً ، ولكن مثل هذا الهدف لا يستطيع أن يقوم به فردان مثلنا .. إن مثل هذا العمل يحتاج إلى مؤسسة ترعاه وتنفق عليه .. وأنى لنا ذلك ، وأين للإسلام اليوم من ينفق على أهدافه ومشاريعه ؟!

إن القصور الذي اعترى الكتاب من هذا الجانب هو اقتصاره على مشرق العالم العربي تقريباً ، لاحظ أنني أقول مشرق العالم العربي وليس الإسلامي ، فهو لم يترجم إلا لشاعرين من مغربنا العربي ، فهل يتصور عاقل أن لا يكون في المغرب العربي سوى شاعرين إسلاميين ؟!

أما شعراء الدعوة الإسلامية في سائر أوطان العالم الإسلامي فإن الكتاب لم يترجم إلا لشاعر واحد من الحبشة .. وهذا الشاعر نزيل اليمن ، ويكتب شعره باللغة العربية ، أما شعراء الدعوة من أمثال محمد إقبال في باكستان ومحمد عاكف في تركيا مثلاً فقد كنا نود أن نفرد لهم جزءاً أو أجزاء من كتابنا ، ولكن ندرة المعلومات وقلة المترجم من شعرهم جعلنا نتوقف ريثما يتغير الحال ، وترقى الهمم إلى ترجمة أشعار الشعراء المسلمين إلى لغة القرآن الكريم .

ما رأيكم في مسيرة الشعر الإسلامي الآن ؟

عندما انهارت الخلافة الإسلامية في بداية هذا القرن ، كان من أسباب انهيارها تأخرها الفكري ، وانصراف عامة المسلمين عن القراءة والبحث والتأليف، وكان للصدمة الحضارية التي واجهتها أُمتنا الإسلامية أثرها في اعتناق قطاع كبير من شعوبنا للمبادئ المنحرفة التي عمل المستعمرون على نشرها بين أبنائنا ، وكان من الطبيعي أن تُفرز المبادئ المنحرفة شعراً منحرفاً ، وهكذا كان ، فقد انحرف الشعراء انحرافاً شديدا ًعن مبادئ الإسلام ، حتى إن ميزان الجودة في الشعر عندهم أصبح قلة التأدب مع الذات الإلهية ، والسخرية المرة من القيم الإسلامية!

وفي خضم هذا الانحراف برز عدد من المصلحين حاولوا أن يصححوا مسيرة الأمة ، ومع هؤلاء المصلحين برز عدد من الشعراء حاولوا الرد على هذا الانحراف الخطير ، ولكن أصواتهم كانت ضعيفة ... وكان عدوهم متمكناً ..

ومع الفشل الذريع الذي منيت به الأفكار المنحرفة في كل الميادين ، بدأت جهود المصلحين تؤتي أكلها ، وأخذت أصوات الشعراء الذين وقفوا إلى جانبهم تعلو .. وتشتدُّ في العلو .. ونحن الآن في العقد الأخير من القرن العشرين نستطيع أن نشير إلى عشرات من الشعراء علا صوتهم وسما شعرهم وا نتشر إنتاجهم ، كما نستطيع أن نعدَّ مئات من الدواوين الإسلامية المطبوعة والتي يتداولها عشاق الشعر والأدب على امتداد الوطن الإسلامي الكبير ...

وفي هذا المجال أحب أن أُشير إلى أننا -أنا وزميلي- قد أخرجنا كتاباً آخر في الشعر الإسلامي المعاصر بعنوان : أناشيد الدعوة الإسلامية ، يقع في أربعة أجزاء ، ويضم مائة نشيد إسلامي لشعراء الدعوة المعاصرين ، وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه ضم جميع الأناشيد التاريخية للحركة الإسلامية بالإضافة إلى الأناشيد المميزة التي ملأت ساحة الدعوة الإسلامية مؤخراً ، كما يمتاز هذا الكتاب بأنه نسب كل نشيد إلى قائله وترجم له ، ثم وضع لكل نشيد مقدمة توضح أهداف النشيد وتضع القارئ في جوه ، فجزى الله أخانا الأستاذ حسني الذي كان صاحب فكرة إصدار كتاب أناشيد الدعوة الإسلامية في أجزائه الأربعة .

ومن المفيد أن أشير أيضاً إلى أنني ألفت كتابين في مجال الشعر الإسلامي المعاصر ، يردف كل منهما كتابنا شعراء الدعوة ، أولهما : دواوين الشعر الإسلامي المعاصر دراسة وتوثيق ، درست فيه ووثقت أكثر من مائة ديوان هي باكورة الإنتاج الشعري الإسلامي لشعراء الدعوة المعاصرين ، أما الكتاب الثاني فكان بعنوان : أجمل مائة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر ، صدر منه المجموعة الأولى التي تضم خمساً وعشرين قصيدة ..

ذكرت هذا لأقول بأن الشعر الإسلامي بخير ، وهو يتقدم ويتطور يوماً بعد يووم ، وسنة بعد أخرى ، وهو في تقدمه وتطوره يؤدي رسالته السامية في عرض رسالة الإسلام ، وفي الدفاع عن قضاياه ، بأسلوب الشعر العاطفي الموحي ، وبلغته السامية الشاعرة .

              

* نشر الحوار في مجلة المجتمع الكويتية ، العدد 1106 ، 26 محرم 1415هـ ، موافق 5/7/1994 ص52-53 .