الفنان عماد جبارين

أحد مؤسسي مسرح السرايا:

ولد من الأم الشجاعة!

ميسون أسدي

[email protected]

***"ذاكرة للنسيان" لمحمود درويش كانت بطاقتي الفنية للولوج إلى عالم المسرح***أنا انتقائي، لا اعمل بكل ثمن***أجواء مسرح "السرايا" هي انتماء وانفتاح وليونة في التعامل ولا تعرف الإدارة من العاملين، ويهمك نجاحه وتقدمه***تراجع مستمر في المسرح والفن والموسيقى في أم الفحم ولا يوجد لنا تشجيع في الدوائر الرسمية***

التقته: ميسون أسدي- "تفانين"

*عندما درست موضوع الصحافة المكتوبة في جامعة تل أبيب عام 1991 وكنت الطالبة العربية الوحيدة في الصف، كان هناك طالب عربي وحيد أيضا يدرس موضوع المسرح، وكان أسمه عماد جبارين.. كنا في نفس البناية، وكنت ألتقيه في الكافيتيريا ونتبادل أطراف الحديث ولاحظت أنه يدرس ويعمل مجتهدا حتى ساعات متأخرة من الليل، وشاهدت عمله النهائي الذي ألهب المشاهدين، في جامعة تل أبيب، وهو مسرحيدية "ذاكرة للنسيان" لمحمود درويش وكانت قاعة المسرح في الجامعة تعج بالمشاهدين اليهود والقلة من الفنانون والطلاب العرب.. ومنذ ذلك الحين تنبأت بأن هذا الشاب سيصبح فنانا وسيشق طريق وعرة في عالم الفن!!

وها أنا اليوم ألتقيه بعد ان أصبح له باع طويل في المسرح وفي السينما ويعمل كممثل ثابت في مسرح "السرايا" في يافا..

الأم الشجاعة، وبلدي "أم الفحم"

يقول عماد: أنا و"أم الفحم" نعيش في انفصام، في أمرين مهمين، بين تكويني الأول الفني الذي انطلق وتبلور بها، في أواخر الثمانينات ، عندما كانت "أم الفحم"، طلائعية ثقافيا وتربويا، ومن أكثر البلاد التي استضافت فرق مسرحية ونشاطات فنية وثقافية، فحبي لها سبب بلورة تكويني الأول، بدأت هناك في فرقة هواة، تابعة لمركز ثقافي والفنان خالد الشيخ هو من كون مجموعة مسرحية ودأب على رعايتها، وخسارة انه لم يكمل في هذا المجال، هو من نقل إلينا هذا الفيروس وكان نشيطا فنيا، اخذ مجموعة هواة ليقدم مسرحية "الأم الشجاعة" لبريخت.. المأخوذة عن قصة "الأم" لمكسيم غوركي.. أعدها وقربها إلى الناس والجو العربي الفحماوي وعرضناها، واذكر جدا، كم تفاعل الناس مع موضوع المسرحية، ولم نكن محترفين، لكن كانت هذه البذرة التي بدأت تنموا بداخلي نحو الاحتراف.

وبعدها حصل انفصام في كل ما يتعلق في "أم الفحم" أنا أعيش في فانطازيا الماضي، واليوم الحاضر يختلف كليا.. هناك تغيير في المجتمع الفحماوي على مدار سنين طويلة في مجال المسرح والفن والموسيقى هناك تراجع كبير بسبب شحة الدعم  وعدم التشجيع. في "أم الفحم" فنانون موهوبون كطاهر نجيب، غسان عباس، شريدي جبارين، ولكن لا يوجد تشجيع معنوي ولوجوستي لتطوير الفن والموهوبين لتقدم "أم الفحم". في "أم الفحم" تعرفت على "الشيخ إمام" والحركات الوطنية كانت في عنفوانها في "أم الفحم"، إيقاع الشيخ إمام وروح أغانيه الثورية كانت موجودة عندي منذ الطفولة.

في الصف السابع غنيت للشيخ إمام في مخيم العمل التطوعي للحزب الشيوعي في "أم الفحم"، غنيت "فالري جيسكار دساتان" ولبست دشداشة وكانوا ينادوني في "أم الفحم": "فالري جيسكار دساتان"، واليوم ضمن مسرح محترف اغني الشيخ إمام.

العربي الوحيد" في قسم المسرح

عشت سنة في القدس تعلمت المسرح في الجامعة العبرية ولكنني فهمت أنه حتى تصبح ممثل وكاتب، مكاني ليس هناك، كان تعليمي نظري فأنهيت السنة وانتقلت على جامعة تل أبيب ودرست موضوع المسرح لمدة (3) سنوات، هذه الفترة من أهم فترات حياتي في طريقي للاحتراف ولدخول عالم الفن كمحترف.. تتعلم مسرح غربي أوروبي أو حتى إسرائيلي، لغته تختلف عن لغتك، الإيقاع الفني الثقافي يختلف عن شرقنا. وهذا كان تحدي لشاب عربي وحيد في قسم التمثيل والمسرح، وكانت فترة بها الكثير من المثابرة على أساس تعلم إيقاعهم ولفظهم وموسيقاهم الفنية ولغتهم، إضافة إلى أن التعليم كان مكثف من الصباح حتى ساعات الليل المتأخرة ،وبذلت أضعاف ما يبذله باقي الطلبة اليهود، حتى أغلق الفجوة بين ما هم كبروا عليه وموجود عندهم بشكل فطري وعندي.. أردت أن أحافظ على هويتي وثقافتي تعمـّدت أن ادخل العناصر الثقافية الشرقية العربية وادمجها في المسيرة التعليمية الخاصة بي من اجلي واجل الآخرين ليطلعوا على ثقافتنا وليعلموا كم هم خاسرون بعدم معرفة ثقافتنا.

أسبوع آخر لـ "ذاكرة للنسيان"

أعتبر العمل المسرحي "ذاكرة للنسيان" لمحمود درويش الذي قدمته في الجامعة، بطاقتي الفنية للدخول إلى عالم الفن، لقد شاركت قبله وبعده في مسرحيات لشكسبير وموليير ولحانوخ ليفين وبريخت، لكن "ذاكرة للنسيان" كان العمل النهائي للسنة الثالثة وهناك دمجت الأسس المهنية التي تعلمتها من الثقافة الغربية مع نص لمحمود درويش.. إيقاع النص باللغة العبرية، فرض نفسه على المشاهدين، وقد خصص له أسبوعين عرض وأضافوا أسبوع آخر لنجاح العمل. وأنا ما زلت اعرضه حتى الآن، عرضته مئات المرات منذ عام 1993، وكان واضح بأنني سأعرضه باللغة العربية بعد عرضه بالعبرية وبدأت أتجول به في القرى والمدن العربية وهذا ما كنت أريده هذه لغتي وهذا جمهوري.

العمل في المسارح العبرية والعربية

شاركت في مهرجان المسرح الأخر في عكا ضمن مسرح عبري، عملت في مسرح الكيبوتس، بياماما، وعدة مسرحيات بشكل مستقل لم تكن تابعة لمسارح معينة، كنت اعمل في المسارح العبرية والعربية معا وكانت دائما هناك أعمالي الخاصة، مثل مسرحية "سأخون وطني" لمحمد الماغوط، وكان لها نجاح كبير مثل ذاكرة النسيان.

مسرح السرايا محطة مهمة

عام 1998، أسسنا مسرح السرايا في يافا، ومنذ ذلك الحين وأنا أعمل هناك، بشكل دائم كممثل وكاتب ومخرج.

لا تناديني يابا

كتبت مسرحية "لا تناديني يابا"، سافرنا بها إلى ألمانيا وحينها لم أكن محترفا وأخرجها دورون طافوري وهو احد أعمدة المسرح الإسرائيلي عام 1989 خلال تواجدي في الجامعة العبرية، ومثل معي سارة بول شفارتسي، واودي لئون وكانت مراجعتهم في "أم الفحم" في المركز الثقافي في عقر "أم الفحم".

كتبت مسرحيات متنوعة للمناسبات الاحتفالية العديدة في القرية. وفي الجامعة أعددت مسرحية "ذاكرة للنسيان" كمسرحيدية والإعداد كان تحدي كبير، بعدها شاركت في إعداد "سأخون وطني"، وأول مسرحية كتبتها بشكل محترف كانت مسرحية "قمر غائم" وكانت أول عمل لمسرح السرايا العربي عام 2000 كانت فكرتها مستوحاة من "ناطرين جودو" لصموئيل بكيت.. "نحن البشر ننتظر التوقع والانتظار هو ما يمسكنا حتى لا نواجه عدم المعنى وهشاشة الحياة ويجب أن نعمل دائما حتى لا نقف في وجه الفظاعة الوجودية العبثية للحياة"

بطلا المسرحية هما "سعادة وسماحة" وهي ساتيرا، وعبارة عن حالات وقضايا اجتماعية، عملت المسرحية سنوات عديدة وعرضت في كل البلاد.

 مثلت في مسرحية "عنترة" و"قمر في يوم غائم" شاركت كممثل.. كان عندنا مشروع في ألمانيا، كنت واحد من الكتاب العرب واليهود منهم كان سلمان ناطور ايلان حاتسور، سامح حجازي، ودورين منير، موطي فلنر، كتبنا مسرحية معا لمسرح ألماني في مدينة هايلبؤرون، عن القضية العربية اليهودية، وتحدثنا عن صراعنا العربي اليهودي. فكانت تجربة عدة كتاب يكتبون مسرحية واحدة من وجهات نظر مختلفة. سافرنا عدة مرات إلى ألمانيا حتى شاهدناها كمسرحية.

شاركت في كتابة مسرحية "أشواق" التي أخرجها "يجئال عزراتي" بالعبرية وأخذت شوط كبير

مسرحية "ملثمون"، التي أعددتها وترجمتها إلى العربية عام 2004 وما زالت تعرض حتى اليوم.

شاركت في الكتابة والتمثيل في مسرحية "لجنة الحقيقة والمصالحة" مسرحية بالعبرية وهي على غرار لجنة الحقيقة والمصالحة التي أقيمت في جنوب أفريقيا مع انهيار الابرتهايد، عن أحداث أكتوبر.

أخرجت مسرحية للأطفال اسمها "الملك المغرور" مأخوذة عن قصة لفرايم سيدون، إعداد أنطون شماس وأخرجتها بشكل حديث وعصري. أما أحدث الأعمال هي مسرحية "الزوج العجيب" للكاتب الأمريكي نيل سايمون حيث قمت بتعريبها وأعدادها وهي مسرحية كوميدية أشارك فيها أيضا في التمثيل.

أحب الغناء للشيخ إمام

مسرحية "سيداتي سادتي" ، لمحمد الماغوط قمت بإعدادها توليفة من 3 كتب سأخون وطني، "سياف الزهور" و"شرق عدن غرب الله"، بدمج مع أغاني الشيخ إمام، وهذا كان الربط بين الماغوط والشيخ إمام وهذا هدف المسرحية. ومثلت فيها وكنت أول مرة اغني للشيخ إمام على المسرح، رغم أنني لا اعتقد أن لي صوت جميل، مسرحيات بريخت على سبيل المثال كلها أغاني ويجب أن يكون عندك قدرات أداء.

في السينما والتلفزيون نمثل أما انتحاري أو عامل في مطعم

 دائما واجهتني مشكلة بين الانتقال من عرض لمحمود درويش في الليل وفي الصباح لتصوير فيلم إسرائيلي وكان عندي مشكلة بعدم وجود صناعة سينما فلسطينية أو عربية في المضامين، فالأدوار التي تعطى لنا في السينما والتلفزيون الإسرائيلي أما انتحاري أو عامل في مطعم. في المسرح استطعت أن اعبر عن نفسي كإنسان وكنت انتقائي لدرجة إن هذا قلل من مشاركاتي. ولليوم سأبقى انتقائي. فأنا لا اعمل بكل ثمن.

شاركت قي فيلم سينما "بوق في الوادي"، وحاز على عدة جوائز محلية وعالمية، زيارة الفرقة الموسيقية العسكرية، فيلم اسرائيلي، واحببت هذا الفيلم كثيرا.

وشاركت بادوارعديدة ، كضيف شرف في عدة افلام مثل: "المشي على المياه" "العروس السورية" وافلام اخرى.

في التلفزيون كان لي تجربة مع الكاميرا الخفية في عدة حلقات، شاركت في مسلسل شغل عربي، وبرامج في التلفزيون التربوي.

مُدرس مسرح في الأكاديمية

أنهيت الماجستير في موضوع المسرح في جامعة تل أبيب، وادرّس الدراما في الجامعة المفتوحة وفي كلية دافيد يلين في القدس، وعندي اكتفاء رائع في مهنة التدريس.

رسالة الماجستير كانت عن المسرح العبري/ العربي كنموذج لتعدد الثقافات على أساس استقلال ذاتي ومتساوي (اوتونومي). هل المسرح العربي/ العبري في يافا هو نموذج لتعدد ثقافات على أساس استقلال ثقافي اوتونومي متساو.

مسرح السرايا منفتح أمام المبدعين

تربطني علاقة حميمة مع مسرح "السرايا"، رغم أنني احد المؤسسين للمسرح، أكثر ما ثبتني في مسرح السرايا في كل هذه السنين هو عمال هذا المسرح، الانتماء هو جزء من المسرح، الجو به انفتاح كبير، ليونة في التعامل، لا تعرف الإدارة من العاملين، هناك من يعتقد أنني في الإدارة رغم أنني لست كذلك، فأنا عضو في اللجنة الفنية واختيار النصوص. السرايا له آذان صاغية، وانفتاح أمام كل مبدع وخلاق. وأنا اشعر بأننا بمشروع السرايا نعبر عن التاريخ العريق لمدينة يافا. ونحاول أن نكون امتداد له قدر الإمكان.

العائلة: سياسة ومشاعر!

أنا ابن عائلة كبيرة وكان لها تأثيرا كبيرا في دعمي فنيا وماديا ومعنويا، وأنا الابن العاشر في العائلة وتلقيت الدعم من كل العائلة.. بيتنا مُسيّس، أخي حسن جبارين من مؤسسي حركة "أبناء البلد" في الستينات، وأخي خالد كان نشيطا أيضا في حركة أبناء البلد والحركة التقدمية والبيت كان بيت ثقافة وسياسة.. اهتم لما يحدث حولي، مع أنني لا انتمي إلى حزب.

تزوجت في جيل (39) ورزقت بابني الأول "نزار"، وهو ابن (8) أشهر وفتح عندي علبة مشاعر كانت مغلقة (40) سنة، وأعطاني طعم جديد ونفس للحياة وحتى فنيا. وزوجتي "ديما" إنسانة داعمة ومتفهمة وليس من السهل أن تكون زوج أو زوجة لفنان.. الله يكون في عونها.

أبي وأمي جزءا لا يتجزأ مني

بكيت يوم ولد "نزار"، ولد في حيفا عندما رأيته في غرفة الولادة من اللحظة الأولى، نظرنا إلى بعض نظرات تعارف صافية، خرجت وأشعلت سيجارتي وبكيت وتذكرت أبي وأمي الله يرحمهما.