أربعة أسئلة وجوابها عن الإعلام الكردي

محمد قاسم

[email protected]

حسين أحمد

[email protected]

الأستاذ حسين أحمد أرسل إلي ايميلا فيه الأسئلة الأربعة المدرجة..وقد نشر الأسئلة والأجوبة على طريقة  نشر كل سؤال  وأجوبتها من قبل عدد من المثقفين الكورد على حدة..

ربما كانت الفكرة مفيدة

لكني وجدت  أن أنشر الأسئلة وأجوبتها- كما كتبت- دفعة بمناسبة الثاني والعشرين من نيسان -الذكرى الحادية عشرة بعد المئة لصدور أول صحيفة كردية على يد مقداد بدرخان بك..-كما أرسلتها إلى الأستاذ حسين ..دون تغيير.

ولكني أضع عنوانا أوليا لها هو:

"أربعة أسئلة عن الإعلام الكردي-وأجوبتها"

الإعلام مرآة الشعوب ..!!

في هذا المتن كان لابد من الخوض في مسألة الإعلام الكردي بشكل أو بأخر, وكان حريا ان نسلط  الانوارء عليه والتحدث فيه بجرة فائقة ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة جداً من تاريخ والظروف التي يمر بها الشعب الكردي عبر طرحنا ثلة من الأسئلة على أصحاب الاختصاص ومن يهمه الأمر في هذه القضية في سبيل مناقشتها والتباحث فيها بغية الوصول إلى جوانب متفقة في رؤى موضوعية حول ( مفهوم الإعلام) وأهميته الحضارية والثقافية والإنسانية و ما يترتب عليه النهوض بالشعوب في شتى مرافق الحياة وخاصة الشعب الكردي التواق إلى استقلالية الإعلام والصحافة .من هذا الزاوية قمنا بطرح هذه الأسئلة. التي بدت إنها مقلقة للكثيرين هذا ما أكده احد الإعلاميين الكرد البارزين, ولكن هي بالتأكيد محاولة جادة ومفيدة في تحريك وتيرة التقدم والارتقاء يمسيرة الإعلام  ....

السؤال الأول : هل بإمكاننا القول أن هناك إعلاماً كردياً بالمفهوم الحقيقي أي الحضاري والثقافي والمهني كما يجب أن يكون أم ما نقرؤه مجرد كتابات وأخبار وعناوين ودعايات لا أكثر ولا اقل ..؟!

عند الإجابة على أي سؤال  وعن أي موضوع يفضل أن نعرف الموضوع أولا..نعطي فكرة عامة –على الأقل- لكي نحسن التوافق بين السؤال والإجابة..وفي إطار فهم واضح  لمن يسأل ولمن يجيب ولمن يقرأ..

فما المقصود بالإعلام أساسا؟

بلا ريب سيتوارد إلى الذهن مباشرة التلفزيون والصحافة والإذاعة..أساسا..ومن ثم كل الوسائل التي تتخذ وسيلة نقل وإخبار ..وتسخر لإيصال ما نريده  بحسب الحاجة ..والضرورة..فقد يوجه الإعلام(التلفزيون..الإذاعة..الصحافة بأنواعها المكتوبة والالكترونية..السينما والمسلسلات-وان كانت هذه فن أساسا –ولكنها تستثمر في الإعلام بطريقة ما..خاصة في الأنظمة الشمولية التي تستحوذ على كل مفاصل الوطن..وتتحكم بأقداره البشرية والمادية،بل والروحية أيضا،وبطريقة فجة،لم أجد رغم البحث الطويل والجاد أي مبرر لها منطقيا وإنسانيا ..!

المهم كل ما يمكن تسخيره للتوجه إلى الداخل والخارج بقصد التنوير والتأثير في تكوين اتجاهات اجتماعية-ثقافية –سياسية...الخ. يمكن إدراجه تحت خانة الإعلام..

وبملاحظة هذا التحديد فإن الكورد  في العموم –لا يتمتعون بحيازة مواصفات الإعلام إلا في كردستان العراق – وجزئيا- بسبب حداثة التجربة فيها من جهة..ولعدم استقرار السياسة على نهج ديمقراطي متكامل من جهة أخرى..

لأن التحزب والقبلية ...-أو البعد العاطفي..في تحديد علاقات الناس يبعضهم- لا يزال يغلب في ممارسات العمل السياسي..على الرغم من ظهور ما يشير إلى بدايات طيبة في تقدمها على دول  المحيط، الأقدم تجربة..لما فيها من  حيوية يؤمل منها التفتح..والتطور..!

وإذا أردنا   الكورد في سوريا فلا توجد لديهم أي شيء يسمى إعلاما..

كل ما يوجد هو نشرات.. صغيرة..ومتخلفة عن الظروف والزمن ..ولا قيمة إعلامية لها في الوقت الحاضر سوى توثيق و أرشفة ما يجري وما ينشر من تصريحات وبلاغات..وغيرها..وربما كان نفعها محليا في الوسط الحزبي الأمي  يساعد على تكوين نظرة لديه عن الرؤيا الحزبية في عموميتها..بشكل أو بآخر...إذا أحسن استثماره..!

وهذا لا يعني أن الكورد هم الذين يتحملون كل المسؤولية..لكنهم –ربما –المسؤولون عن عدم  إيجاد سبل أكثر تطورا وحيوية  لكي تخدم الأهداف التي يعملون من اجلها..وهنا ربما-الآلية الحزبية والانقسامات الكثيرة تلعب  دورا واضحا في قلة الكفاءات والإمكانات المالية..

نظم الحكم في المنطقة متخلفة دوما عن مفهوم الحضارة..وبالتالي تحكمها في حياة الكورد من أهم أسباب الحالة.كما أرى.!!

السؤال الثاني : برأيك هل استطاع الإعلام الكردي أن يواكب المرحلة الراهنة, وخاصة في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة وأجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية     ..؟!

إذا تمعنا في ما سبق أدركنا أن الظروف الذاتية والموضوعية معا ليست متوفرة بما يعين على تحقيق الإعلام الكردي-إذا جاز تسميته إعلاما على ضوء ما عرفنا سابقا..

من حيث الزخم يحاول الإعلام المستقل –الالكتروني- كرديا  أن يتصدى لمهمة جادة ومنوعة ومسؤولة..ولكن المشكلة هي في عدم التخصص وقلة الموارد...والافتقار إلى منظومة إدارية  خبيرة ومتكاملة؛  تتناسب مع سرعة التحولات..وازدياد حجم الحاجة إلى السرعة والمهنية في التوصيل..ربما المناخ الجميل فيها هو تميزها برحابة صدر في استقبال الآراء المنوعة والتي لا تستقبلها الصحافة الحزبية عادة..وصحافة الأنظمة بشكل خاص..وهذه ميزة –إذا استمرت- فإنها تبشر للتأسيس لثقافة تؤمن بالحرية والديمقراطية روحا..طبعا مع ضرورة التطوير المتناسب مع روح العصر..

وحتى على مستوى كردستان جميعا..فإن المشكلات كبيرة..وعلى رأسها "اللغة الموحدة" للهجات المختلفة..فضلا عن هيمنة الإعلام الحزبي- البارتي-الاتحاد..والأحزاب الأخرى.. مع التقدير لدورها في محطات هامة من تاريخ النضال..إلا أن أسلوبها لا يتوافق مع المستقبل المفترض للعملية السياسية الكردية في كردستا ن العراق خاصة..وفي كردستان إيران وتركيا.. وسوريا أيضا..

لقد سبق أن كتبت عن هذا الموضوع وقلت ان كردستان العراق تتحمل مسؤولية تاريخية عن الثقافة الكردية بما تملك من ظروف مساعدة..كمبدأ.. وإن كنت أقدر ظروفها فيما يتعلق  بالمسؤولية السياسية بسبب الظروف التي تمر فيها..!

ويفترض أنها تعي هذه المهمة التاريخية..

السؤال الثالث :  كيف يمكن للإعلام الكردي الذي بات يترنح تحت وطأة الضربات المسمومة والقاتلة التي تشنها الأقلام المعادية وبطريقة إعلامية بحتة دون الوقوع في فخاخ تلك الأقلام التي غالبا ما تغادر ساحة الإعلام حيث لا يعلو صوت على صوت الحق والحقيقة ..؟!

إذا أراد الكورد أن يكونوا في موقع قابل للتطور فأمامهم مسؤولية كبيرة..وعليهم ان يتبعوا خطوات مهمة لا بد منها لتحقيق الوصول..

1-   التحرر من الحقد..ورد الفعل  النفسي تجاه الشعوب التي حكمت كردستان..الترك والفرس والعرب...واستبداله بتكوين رؤى سياسية مبنية على قيم إنسانية وحقوقية  وواقعية...الخ.وممارسة حياتية تخدم اتجاه فكرة التعايش بين الشعوب..مع كشف الممارسات التي تقوم بها النظم..وعدم الخلط بين الشعوب والحكام والأنظمة في هذه البلدان..(وهذه قضية ثقافية مهمة برأيي)

2-     القيام بدراسات أكاديمية لواقع المنطقة كلها (00 وفي سياق دراسة تشمل الجغرافية السياسية والاقتصادية...للعالم كله)..من ناحية:

أ-التاريخ والعوامل التي أثرت في مجرياتها ..عموما..واستنباط العبر والعظة عمليا..لا فقط نظريا ضمن الكتب والأرشيف..

بمعنى: بذل الجهد في إيجاد أسلوب تربوي  يحقق التوافق بين ما يفكرون به وما يعيشونه-المصداقية..(وفي هذه الفكرة..تعجبني أخلاقية البارزاني ملا مصطفى ..والذي يعتبر  مصدرا ثرا  يمكن أن يستلهم منه الكثير لجهة الخبرة والمنظومة الأخلاقية الاجتماعية عموما.. والتي كان يحوزها.إضافة إلى الخصائص الأخرى..والأمر نفسه بالنسبة لكل من القاضي محمد.. وغيرهما .وفي سورية يوحى إلى أن الدكتور نور الدين زازا"ظاظا" يمكن أن يكون مصدرا يستفاد منه رغم التجربة التي لم تدم طويلا –للأسف..).

وطبعا ينبغي أن لا تهدر أية قيمة يمكن أن تضيف شيئا.. مهما ضؤلت..هذا بشكل عام وليس في ميدان الإعلام فقط.أما إذا أردنا التخصص في الإعلام..فالبدرخانيون-أمراء جزيرة بوتان -لهم السبق  (وقريبا سنحتفل بعيد الصحافة الكردية في الثاني والعشرين من نيسان القادم).

3-      تربية اتجاه تتقدم فيها الثقافة على السياسة "الحزبية" بحيث تصبح الثقافة هي البيئة المتطورة التي يمتح الجميع منها بما فيهم الحزبيون-السياسيون- وسأذكر –كما دائما- بضرورة أن ننتبه إلى الفارق بين السياسة كحالة ثقافية مرتبطة بالعمل والحركة..وبين الحزبية التي هي إطار لنشاط أناس معينين..لأهداف مخصصة..في إطار مصلحة معينة.. قد تكون تخدم الحالة الحزبية أكثر من الحالة – أو الهدف- التي تلبسها  غطاء لها كالقومية والدين..وغيرهما..!

4-     والأهم من ذلك كله الثقة بالنفس، ومن خلال ذلك  الاهتمام بالجميع وحقهم في التفكير والتعبير والممارسة ..بحرية..كوسيلة للغربلة..وتنافس الكفاءات..وإعطاء الفسحة لمنطق الواقع ودوره..

ولا مانع –بالطبع-  من البحث عن وسيلة أفضل –إذا وجدت- مما هو في الغرب الليبرالي لضبط أخلاقي أفضل لمسارات الحرية..وممارستها..شريطة ان لا يفرز ذلك تفاوتا في الحقوق باسم أو بآخر كما هو سائد في الشعوب المحيطة وخاصة العربية.. !

السؤال الرابع : لعل من أكبر أسباب نجاح الإعلام في الدول المتحضرة على المستوى الإنساني والتقني هي الحيز الكبير الذي يتمتع به صانعو الإعلام من الديمقراطية والحرية والمناورة.. إذاً فكيف يمكن للإعلامي الكردي أن يمارس مهنته كصحفي وكإعلامي بكامل الاستقلالية في ظل الظروف الصعبة وغير العادية بنجاح ..؟؟!

لقد أوردت الكثير مما يمكن أن  يكون إجابة على هذا السؤال..

ولكن الذي يمكنني أن أضيفه هو التالي:

البحث عن سبل تطوير إعلام ذي قابلية للتطور ومواكبة المستجدات على ضوء معايير اجتماعية بخصائصها المفترضة-القومية..الإنسانية..ولا بد -لكي يتم شيء من ذلك - من متابعة تجارب الشعوب جميعا.ولا بد من دراسة التاريخ أيضا..ولا بد من محاولة إيجاد رؤية يمكن تؤطر الشعور والتفكير للكورد..دون أن تستحيل إلى  تجميد..أو انفلات ..ولعل فكرة "هيجل" القائلة بضرورة إنشاء ما سماه "روح الأمة" الجامعة ..تكون مصدر إلهام..خاصة وأن الشعب الكوردي مسلم..وله تراث لا يستهان به في هذا الشأن..

فإذا أمكن تحرير الإسلام من الطوارئ التي دخلت عليه –جهلا أو قصدا..

ودائما المشكلة هي في كيفية البداية..!

من يبد؟ا..ومن أين..؟..وكيف؟.

لعل الإجابات تكون محورا لحلقة قادمة.

شكرا.