الزحف المدنس .. تقديم وحوار

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

صدر لي ديواني الشعري الأول " لجهاد الأفغان أغني" وهو الديوان الذي ضم بين دفتيه قصائدي عن أبطال الأفغان الذين يجاهدون في سبيل الله ، ويضربون أروع الأمثال في التضحية والفداء .

  وهي قصائد نظمت أغلبها في السنوات الخمس (1984-1989) التي عملت خلالها بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد ، وأحمد الله إذ لقي الديوان من الترحيب في مصر والبلاد العربية ما يشرح الصدر ويثلج القلب .

  وهاهو ذا ديواني الثاني وكل قصائده عن نكبة الكويت بالعدوان العراقي الغاشم في أغسطس الدماء والأعراض والنهب والقتل والتدمير .

  وقد يقول قائل مالي أرى شعرك كله في الديوانين شعر مناسبات ، ألا تعلم أن " شعر المناسبات " من ألوان الشعر التي يضعها النقاد في المرتبة الأخيرة من قافلة الشعر؟

  وأقول : " هذه هي الغلطة القاتلة التي تصاغ في " معلومة " تحشر في أذهان أبنائنا في المدارس حشرا " . أقول : هي غلطة شاعت بلا تدبر ، لأن الناقد الحصيف لا ينظر إلى القصيدة من خارجها ، ولكنه ذلك الذي يعايش القصيدة موقفا وموضوعا وفكرا وتصويرا وتعبيرا ومشاعر وأحاسيس ، يستوي في ذلك أن تكون القصيدة تدور حول نكسة يونيو 1967 أو انتصار أكتوبر سنة1973 أو فتيان الانتفاضة ، أو تصوير آلام النفس فى تجربة خاصة .. ومن ثم ليس بالنقد البصير أن نزري بالقصيدة لأنها تدور حول مناسبات ووقائع " خارجية " . وليس بالنقد البصير كذلك أن نجل القصيدة ونعظمها لأنها قصيدة " ذات " وعاطفة خاصة . المهم ما في القصيدة من فكر وفن.

ثم هل في الشعر قصيدة بلا " مناسبة " ؟ الواقع يقول " لا " فكل قصيدة – واسأل تاريخ الشعر – تدور حول مناسبة ما ، أو موقف ما ، أو واقعة ما . وهذه المناسبة أو الواقعة قد يكون محورها ذات الفرد ، وقد يكون موضوعها خارج هذه الذات ... تاريخيا .. أو سياسيا .. أو اجتماعيا ... المهم أن يكون الشاعر " في القصيدة " أيا كانت مناسبتها أو موضوعها أو الموقف الذي تمثله القصيدة . وهذا هو " معيار التقييم " الصحيح .. وهذا ما حاولنا أن نكون في هذه القصائد المتواضعة .. في ديواننا " الزحف المدنس" .

********

أما عن الزحوف فمنها ماهو مقدس . ومنها ماهو مدنس – والزحف يكون مقدسا بقدر ارتباطه بالقيم الإنسانية العليا في غايته وبقدر سلوكه الوسائل المشروعة التي تحترم قيمة الإنسان حتى في لهيب الحرب وأتون المعارك .

وعلى النقيض من ذلك يكون الزحف " مدنسا " إذا كان خسيس الغاية . ليس وراءه إلا التخريب والتدمير والنهب والسلب وسفك الدماء .. وقد عرف التاريخ النوعين من الزحوف : المقدس والمدنس:

كان زحف المسلمين لفتح مكة زحفا مقدسا : لأن هدفه كان إنقاذ الإنسان المكي من أسر الضلالة ، وتحريره من الكفر والمهانة والذلة والضياع .. وأثناء الزحف المقدس حينما تأخذ الحماسة أحد القادة وهو سعد بن عبادة فيهتف " اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة ، اليوم أذل الله قريشا " . يرفض الرسول – صلى الله عليه وسلم – هذا المنطق ، ويعلن على رءوس الأشهاد – أثناء الزحف – " بل اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة .. اليوم يعز الله قريشا بالإسلام ".

وحينما يصل الزحف المقدس إلى قلب الحرم ، ويطهر الكعبة من دنس الشرك ، يعلن الزاحف العظيم " العفو العام " " ... اذهبوا فأنتم الطلقاء..." ويعلن بداية عهد إنساني جديد... " اليوم أذهب الله عنكم عُبِّيَّة الجاهلية ، وتعاظمها بآبائها . فالناس رجلان : بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله ، والناس بنو آدم ، وخلق الله آدم من تراب : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " . زحف مقدس حقا في أهدافه وغاياته ، ووسائله وطرقه ... فما اكرمه من زحف .

ومن الزحوف المقدسة زحف صلاح الدين لتحرير القدس ، وزحف قطز لضرب التتار في عين جالوت ، وبذلك أنقذ الشرق والغرب والإنسانية جمعاء من شرهم وبغيهم .

**********

ومن الزحوف المدنسة زحوفات التتار التي كانت تحرق وتدمر الأخضر واليابس في طريقها ، وتريق الدماء أنهارا ولا هدف لها إلا السيطرة والسيادة وتحقيق الأطماع ..

ومن الزحوف المدنسة زحوف الصليبين ، الذين اتخذوا من " حماية قبر المسيح " شعارا لإراقة دماء مئات الألوف من المسلمين المسالمين ، بل إنهم – كما يروى التاريخ – وهم في طريقهم إلى فلسطين كانوا ينهبون القرى الأوربية المسيحية ويهتكون أعراض نسائها ، ويدمرون ويحرقون من لايمدهم بما يطلبون من طعام وخمر وشراب .

وجاء صدام حسين ليعيد " أمجاد الزحوف المدنسة فيجتاح بأشاوسه ونشاميه دولة عربية مسلمة مسالمة.. فكان زحفا مدنسا بكل المقاييس . وهو زحف مدنس في غايته : لأنه لاغاية له إلا الطمع في ثروة دولة شقيقة ، وهو زحف مدنس فى وسائله لأنه ارتكب أبشع ما يرتكبه إنسان في حق إنسان : إراقة الدم ، وهتك الأعراض، وحرق المباني ، ونهب الأموال والحوانيت ، وسرقة السيارات ... و..

وهو زحف مدنس لأنه جاء في وقت كانت فيه جراح الأمة تنزف بغزارة... وكانت إسرائيل تعربد في الأرض المحتلة بإجرام ووحشية ، ومئات الألوف من المهاجرين من روسيا ودول الكتلة الشرقية يفدون إليها فى موجات لا تنقطع .

كان هذا هو رأينا ومازال هو رأينا الذي طرحناه شعرا ونثرا من أول النكبة حتى الآن . أما التفصيل فأوثر أن أعرضه نقلا عما نشر في صحيفة " اليوم السعودية يوم الجمعة 3 من أغسطس سنة1991 . أي بعد مرور عام على العدوان العراقي.

 كتب / المحرر الثقافي:

  عام يمر على الأمة العربية .. والإسلامية والعالم أجمع .. عام امتلأ بالأحداث .. أبرزها وعنوانها الأول والأكبر حرب الخليج .. والعدوان العراقي الغاشم على الكويت المسالمة .. عام يترك بصماته واضحة على جدار التاريخ . وقسمات الوجه العربي .. وتحديدا الوجه الكويتي .. لقد ملأت أخبار الخليج كل الصفحات .. وقنوات الأعلام التلفزيونية ومحطات الإذاعة شرقا وغربا .

  وعندما نطل إطلالة عابرة أو سريعة على حصاد هذا العام ثقافيا .. لن نلمح الكثير من القمم أو الوقفات البارزة على الساحة ..

  إن دور الثقافة على امتداد العام لا يعدو أن يكون بعض القصائد .. ذات النفس الطويل .. ويمكن القول أن هذا البعض قد استهدف طول النفس بحد ذاته .. وهذا لايعني أن الساحة الثقافية قد خلت من التعبير عن الحث الجلل . ولكن يمكن القول أن الحدث كان أكبر من حجم وطريقة التعبير...

  فهل أفرزت القرائح التي عاشت اللحظة ما يمكن أن يسمى بالعمل المسرحي الجيد .. أو الرواية الطويلة التي جاءت تعبيرا عما دار .. أو القصة القصيرة التي كثفت الحدث وعمقت من أبعاده .. أو الملحمة وهذا ما كنا نتمنى أن نراه .

  اللقاء القادم عبر السطور مع الدكتور جابر قميحة – الأستاذ بجامعة الملك فهد بالظهران ... والذي عاش اللحظة .. وكتب العديد من القصائد المعبرة عن الحدث .. هذا اللقاء يكشف الغطاء عن الكثير من الإجابات على هذه الأسئلة الدائرة .. والحائرة .

· ماذا ترى في العدوان العراقي على الكويت وعلام استند هذا العدوان ؟ وما الذي يكشف عنه هذا العدوان ؟

-  الحقيقة التي يسجلها التاريخ أن عدوان العراق على الكويت في 2 من أغسطس سنة 1990 لم يكن هو العدوان الأول بل هو العدوان الثالث الذي سبقه عدوانان:

الأول : فى عهد عبد الكريم قاسم .

الثاني: فى عهد أحمد حسن البكر .

 وكل هذه الاعتداءات كانت الحكومات العراقية تستند فيها إلى ما سمته الحق التاريخي الأصيل " فقد كانت الكويت تابعة في الماضي للواء البصرة .. إلخ " ولو صح هذا الادعاء من الناحية التاريخية لكان من حق سوريا مثلا أن تطالب بضم العراق التي " كانت تابعة للخلافة الأموية في دمشق " ومن حق العراق المطالبة بسوريا أو الشام لأنها كانت تابعة للحكومة المركزية في بغداد في العصر العباسي .

لقد نشأت دول وبادت دول ، وأصبح لكل دولة في وقتنا الحاضر " مركز قانوني " يخضع للقانون الدولي . وللمواضعات العالمية .

ولندع هذه المغالطة مؤقتا لنرى أن العدوانين الأول والثاني على الكويت – وإن لم يحققا هدفهما – كانا أكبر من مجرد محاولتين ساذجتين ، كما وصفهما بعض المحللين السياسيين ، بل كانا عملية جس نبض على المستوى المحلي والعربي والعالمي من ناحية ، وتمهيدا للعدوان الاجتياحي الأكبر الذي وقع في 2 من أغسطس سنة 1990 .

وهذا الاجتياح المدمر الذي تم في ساعة أو بعض ساعة كشف عن " حقيقة مرة " يجب ألا تغيب عنا ، بل علينا وعلى المسئولين أن يجابهوها بكل شجاعة ، وهي أنه كان هناك قصور في نظام " الدفاع الكويتي " الذي كان يمكن على الأقل أن يعرقل هذا الزحف ليوم أو أيام أو حتى ساعات .

  وهذا القصور بالقطع ليس سببه قلة السلاح ، أوالتخلف " التقني " فى نوعية السلاح ، بل العكس هو الصحيح    ولا يقال إنه التفوق العددي فجيش العراق من ناحية الكم ضعف جيش الكويت عشرين مرة ، لأن التفوق البشري العددي لم يعد له قيمة في عصر التقدم التنقي ؟، وأمامنا مثل واضح هو إسرائيل .. عدد العرب الذين يحيطون بها يمثل عدد سكانها مضروبا في ثلاثين على الأقل ، وقد رأينا كيف تمتد " يد إسرائيل الطولى " للاغتيالات والعدوان بالطائرات على بعض بلاد المغرب العربي وهى تونس ، وتملك أقوى نظام دفاعي في العالم ، وأقوى نظام هجومي في الشرق الأوسط .

  ولا يقال كذلك إنما أخذت الكويت على غرة لأنه " لم يخطر على عقل الكويتي المسالم أن يعتدي الأخ العربي على أخيه العربي ، وخصوصا أنه كان بين حكومتي العراق والكويت معاهدة تعترف فيها الحكومة العراقية بحدود الكويت وسيادته على أراضيه .."

  وهذا الكلام يصلح أن يكون " تهويمة" شعرية أو فكرية أو حوارا روائيا ، ولكنه بالتأكيد – واعتمادا على سوابق تاريخيه عربية وعالمية - لايصلح أن يكون " منطقا سياسيا " أو " حيثية عسكرية "

  السياسة فى العالم الآن " علم " له أصوله ومرتكزاته ومناهجه .. علم يقوم على " الاستشعار البعيد" بحيث يستطيع أن يتعرف على النتائج مسبقا من مقدماتها .. وما ينقصنا في حياتنا هو الفهم الحقيقي .. لطبيعة " السياسة " وفهمها بوصفها علما له أعماقه وأبعاده وطروحاته .

· اعتقد أن هذه مقولة تحتاج إلى توضيح ..

- أنا معك .. وسأوضحها بمثال من تاريخنا القريب الذي عاش أغلبنا أحداثه :

 بالاشتراك مع فرنسا وانجلترا ضربت إسرائيل مصر سنة1956 وفي سنة1967 ضربت إسرائيل مصر وأصابتها بما سمى ( النكسة ) مطبقة خطة 1956 بحذافيرها .

  وسئل عبد الناصر عن سبب الهزيمة الثانية سنة1967 فكان جوابه : السبب أننا بنينا خطتنا على أساس أن الهجوم الإسرائيلي لو تم فسيتبع خطة مختلفة تماما عن خطته سنة1956 إذ ليس من المعقول – والكلام لعبد الناصر – أن يطبقوا خطة واحدة مرتين ".

  هذا ما يقوله "المنطق العقلي الدارج " ليس من المعقول أن يطبق عدوك نفس الخطة التي طبقها سابقا حتى لو حققت نجاحا لأنها أصبحت " مكشوفة " .

أما " المنطق العسكري السياسي الواعي " فيقول : استثمر وهْم عدوك إلى آخر قطرة " كما يقول : جورج سباين " نفس الخطة .. ونفس الأهداف . لأن " وهم " عدوها كان ينتظرها من مكان آخر ، كما كانت قوات صدام حسين تنتظر قوات الحلفاء فأتتها على غير توقع من جنوب العراق وتحولت أم المعارك إلي " طفل " المعارك .. وتحول النشامى والأشاوس إلى حطام محترق .

" وبطريقة ضربني وبكى وسبقني واشتكى" استثمرت إسرائيل كلمة عبد الناصر الشهيرة وهي " إلقاء إسرائيل في البحر " ونشرت كل صحف العالم إعلانات مدفوعة الأجر تطلب من " ذوي القلوب الرحيمة في أية بلدة من بلدان العالم أن يستضيف كل منهم طفلا صغيرا أو شيخا جاوز الستين من رعايا إسرائيل بسبب تهديدات عبد الناصر المتلاحقة بإلقاء إسرائيل فى البحر ."

ولاحظ حتى الآن أن الجيش الإسرائيلي اسمه " جيش الدفاع الإسرائيلي" مع أنه في الحقيقة جيش هجوم عدواني لاجيش دفاع كما يزعمون ، بدليل أنه من سنة 1948 حتى الآن لم يخض معركة دفاعية واحدة في أرض فلسطين المحتلة بل أن كل معاركه ضدنا هجومية .

هذه هي السياسة " العلم " لا السياسة " العاطفة " .. وتتمة لما سبق سئل موشى ديان كيف تطبقون سنة 1967 نفس خطة 1956 أما خشيتم إخفاق الخطة بسب انكشافها وسبق تطبيقها سنة 1956 فأجاب : " لا .. كنا مطمئنين لأن العرب قوم ل يقرءون" .

وهذه مشكلة كأداء .. نحن قوم لا نقرأ وإذا قرأنا لا نتعمق فيما نقرأ ، وإذا تعمقنا. وهذا يحدث نادرا – لا نفيد منه في حياتنا العملية سياسيا وعسكريا واجتماعيا .

  وهذا طبعا يتمخض عنه " فهم عاطفي" للسياسة . ويبقى الفرق بين فهمنا للسياسة وفهم الغرب لها كالفرق بين تكسير الجرة وتحطيم الذرة – كما يقول أحمد حسن الزيات يرحمه الله – فتكسير الجرة يحدث " فرقعة " قد تزعج الحاضرين من الصبية والنساء للحظة من الوقت " كالصوت الذي أحدثه صدام حسين بأنه سيحرق نصف إسرائيل " ، ولست أدري لماذا النصف وليس الكل أما تحطيم الذرة فناتجه طاقة رهيبة هائلة .

· ولكن ما رأيك فى دعوى النظام العراقي بأن واقع التاريخ يقرر أن الوحدة لم تتم إلا بالقوة ، كما حدث في بعض دول أوربا . وهذا ما دفعه إلى استخدام القوة في " توحيد" العراق بضم الكويت إلى الدولة الأم ؟

- كان هذا المنطق مستساغا في الماضي : تتم الوحدة بالقوة العسكرية ، وتأتي بعد ذلك بالتبعية الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . حاليا ترفض المواضعات العالمية هذا المنطق تماما .. وما يجري في العالم حاليا هو العكس تماما .. حاليا توضع اللمسات الأخيرة للوحدة الأوربية السياسية الشاملة اعتمادا على " وحدة اقتصادية" ناجحة هي "السوق الأوربية المشتركة " التي تعتبر أعظم مشروع اقتصادي في تاريخ البشرية . أتعلم أن الدراسة المسبقة لهذا المشروع الاقتصادي الفذ استغرقت 11 ( احدى عشرة سنة ) قبل إعلان المشروع رسميا .

· وهناك ادعاء آخر بأن للعراق حقا تاريخيا فى الكويت .

- نعم وهذا ادعاء آخر .. " الكويت كانت تابعة سابقا للواء البصرة .. إلخ "..

ولو فرضنا صحة هذا الادعاء فلماذا لا تطالب العراق بضم مصر إليها وقد كانت تابعة للخلافة العباسية في بغداد ؟ ولماذا لا تطالب سوريا بضم العراق إليها لأن العراق كان ضمن أملاك الدولة الأموية التي كانت دمشق عاصمتها ..الخ ؟

 ولكن الذي يثير الضحك حقا إدعاء النظام العراقي أنه احتل الكويت لتكون نقطة وثوب على إسرائيل .. إذا كان هذا هو الهدف فلماذا لم يحتل عمان مثلا وهي أقرب البلاد العربية إلى الأرض المحتلة .. وقد عبرتُ عن هذه الفكرة أو هذا " التفنيد" في قصديتي" الزحف المدنس " في الأبيات التالية :

وتـزعـم  أن الكويت iiالطريق
وضـم  الـكـويـت إلى iiأمها
فهل خلص القدس حرق الكويت
ولـمْ لا تـكـون العراق سبيلا
وعـمـان أقـرب إمـا iiاردتَ
ولـكـنـه مـنـطق iiالمستبيح





إلـى  الـقدس والمركز الأوفقُ
"عـراق الـرشـيـد" بها iiاليقُ
ومـا قـد نـهـبتَ وما iiتسرق
إلـى  الـقدس وهْيَ بها iiألصق
تـذيـق  الـيـهود لظى iiيدفق
ولـلـص  بـرهـانه iiالأخرق

· بعد ذلك نسأل عن أهم النتائج التى تمخض عنها العدوان العراقي التدميري على الكويت؟

- فى الواقع نتائج لا تحصي ولا تعد ولعل من أهمها :

أولا : على المستوى العراقي:

1- استطاع النظام العراقي أن يعيد العراق بنجاح فائق إلى " القرن التاسع عشر " بالنظر إلى المستوى المعيشي حيث يعيش الناس الآن في الظلام ويشربون الماء الملوث من الأنهار مباشرة ، وبعد انهيار القدرات والإمكانات والمؤسسات العلمية والتعليمية .

2- انهيار الاقتصاد العراقي تماما .. وحتى لو رفعت العقوبات المفروضة على العراق سيظل هذا الاقتصاد- كما يقول الخبراء – مختلا لنصف قرن على الأقل .

3- أصبح الإجهاض الدائم مفروضا على العراق – من الدول الكبرى – لكل محاولة منه للنهوض العسكري ، وربما يستمر ذلك لعشرات من السنين ، وسيترتب على هذا تخلف العراق من ناحية التقنية العلمية العسكرية وعجزه عن ملاحقة العالم في هذا المجال الذي ينطلق فيه الجميع بسرعة الصاروخ .

4- فرض هذا العدوان ( الذي تحول ضد شعب العراق نفسه ).. فرض على ثلث الشعب العراقي - على الأقل- الشعور " بعقدة الاضطهاد – وفقد هؤلاء الثقة.. لا بالنظام العراقي فحسب .. بل بأنفسهم أيضا .. وقد يمتد ذلك إلى فقد الولاء للوطن نفسه .

5- وهذا العدوان " المتحول " ضد الشعب أعطى مبررا قويا لظهور الدعوة إلى قوميات أخرى غير عربية .. بل هناك أصوات قوية جدا داخل العراق وخارجها تدعو إلى تقسيمه إلى دولتين أو ثلاث .

6- فقد العراق ثقة العالم كله حكومات وساسة وشعوبا ومنظمات دولية وأصبح النظام العراقي رمزا للغدر والخيانة والكذب .

ثانيا : على المستوى الكويتي

1- جريمة النظام العراقي أفقدت الأمة العربية – ولا أقول العراق فحسب – طاقة هائلة ، وأعني بها القوة العسكرية العراقية التي دمرت تماما" جنودا وسلاحا " . وكان يمكن استثمار هذه الطاقة لصالح فلسطين . والأمة العربية ولو " كورقة سياسية " تنضم إلى طاقات عربية أخرى في مواجهة القوى الصهيونية .

2- إصابة الجدار العربي بشرخ لايستهان به حتى لو قيل أن الخارجين على الخط العربي الواحد دولتان أو ثلاث دول .

3- وكشفت النكبة – كما أشرت سابقا – أننا عاطفيون مسرفون في العاطفة .. لا نعرف إلا طرفي النقيض بلا وسطية .. إننا لا نؤمن إلا " بالأبيض " ، فإذا رفضناه انطلقنا لنرتمي في أحضان " الأسود" أما اللون " الرمادي" أي " اللون الوسطي" فهو غائب من حياتنا .

 فالحقيقة ضائعة بيننا .. ولا نجد إلا الانتقال الحاد من الأبيض إلى الأسود أو العكس . من النقيض إلى النقيض تبعا لمقتضيات الأحوال .

رابعا : على المستوى الفلسطيني :

1- استطاع صدام – بادعاء الحق التاريخي في الكويت – أن يعطي إسرائيل مرتكزا سياسيا رائعا ، فأخرجت ونشرت بكل لغات العالم " نصوصها التوراتية " التي تثبت " حقها التاريخي " في فلسطين .

2- والعرب مشغولون بنكبة الكويت تمت أكبر هجرة إلى إسرائيل من روسيا والكتلة الشرقية ، في الوقت نفسه قامت أوسع حركة بناء للمستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية .

3- وأفادت إسرائيل ماديا بتلقي المعونات المالية الضخمة .. هذا غير السلاح والصواريخ المضادة للصواريخ .

· شخصية صدام .. أو سياسة صدام ما المعايير التى تحكمها من وجهة نظركم ؟.

- الحقيقة .. وأقولها لك وللقراء في كلمات مكثفة أنها سياسة " لا تخضع لأي معيار ثابت عرفته البشرية ".

ولنسأل أنفسنا ( حتى نرى مدى صدق هذه المقولة ) واضعين أمامنا كل الاحتمالات .

 هل هي سياسة تنطلق من منطق الشعور المفرط بالقوة والاستعلاء والثقة بالنفس ؟

- لو أجبنا بالإيجاب لأطل علينا اعتراض في هيئة سؤال مؤداه : فبماذا تفسر انهياره السريع واستجابته الفورية لكل ما تطلب الدول الكبرى ، ولنسأل أنفسنا مرة ثانية : هل ينطلق الرجل من منطلق ديني جهادي – كما كان يعلن ؟ الإجابة أيضا لا : فالرجل من أجهل الناس بالدين حتى بكيفية الصلاة ، والقريبون منه يقولون إنه لا يملك لا خلفية ولا أمامية دينية . ثم هل يتفق مع الدين ما قام به أشاوسه من سرقات ونهب وهتك أعراض وتدمير وحرق آبار البترول؟

  لقد ادعي أنه ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ألم يقرأ أنه كان يوصي جنوده الخارجين لقتال الكفار – وكذلك خلفاؤه الراشدون بألا " يقتلوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ، ولا يحرقوا بيتا ولا يقطعوا نخلا.. إلخ " هذا هو منطق الإسلام في التعامل " مع الكفار " . فكيف يعامل صدام " الحسيب النسيب " المسلمين بسياسة التدمير والحرق والخنق ، وتدمير آبار النفط؟

  صدقني هي سياسة يصعب بل يستحيل أن تخضها لمعيار معين أو نصنفها تحت لون سياسي معين معروف . وصدق الشاعر العربي القديم إذ قال :

لا تمدحنّ ابن عبادٍ وإن هطلتْ        كفاه  بالجودِ حتى شابَهَ الديما

فإنها  خطراتٌ   منْ   وساوسِه        يعطي ويمنعُ لاجودا ولاكرما

(الديم : جمع ديمة وهي السحابه ).

· لقد شدتنا النكبة ببعدها السياسي عن بعدها الثقافي .. والسؤال الآن عن أثر النكبة فى الوضعية الثقافية للأمة العربية .

- هي أثار ونتائج محزنة أهمها :

1- القضاء على مصدر مهم جدا من مصادر الثقافة العربية والإسلامية بتدمير الكويت . فمثلا توقفت سلسلة شهرية من أرقى ماعرفت المكتبة العربية في تاريخها الطويل وهي سلسلة الكتب الشهرية المسماه " بعالم المعرفة " ، وكذلك مجلة العربي ، عدا مجلات فصلية وصحف يومية متعددة .

2- وكذلك توقف مصدر ثقافي آخر وهو " العراق " نفسه – فبصرف النظر عن المجلدات الضخمة المدنسة بفكر صدام وسيرته وبطولاته – أخرجت المطابع العراقية عددا ضخما من كتب التراث والمسلسلات الشهرية التي كانت تباع في مصر بسعر رخيص جدا .

3- أصاب صف المثقفين كذلك – والإسلاميين منهم بصفة خاصة – بشرخ لا يستهان به بسبب التضاربات الفكرية . وكثير منهم خدع بدعاوى صدام الزائفة .

4- أصيب المثقف العربي أثناء النكبة وبعدها بحالة نفسية غريبة أصارحك – وصدقني – أنني شخصيا عاجز عن إعطاء وصف جامع لها ويمكن أن اسميها " الحالة المزيج" .. فهي مزيج من الشعور الحاد بالإحباط والكآبة والحزن والخوف ، يزاحمه شعور بالرفض والتمرد . ومن المثقفين من آثر لونا من الانعزال الصوفي.

وأدباء الكويت وشعراء الكويت أين هم من النكبة ؟ وما طروحاتهم الفنية فيى هذا المجال ؟

-فى الكويت شعراء وأدباء على مستوى طيب جدا أعرف منهم الشاعر الدكتور خليفة الوقيان ، وهو شاعر عظيم مثقف متمكن من لغته .. وأكاد أقول إننا لم نسمع له صوتا .. أين أنت من " القضية الفجيعة " أيها الشاعر الكبير ؟

 وأعرف الدكتور سليمان الشطي الأستاذ بجامعة الكويت .. إنه قصاص بارع .. وهو من " المرابطين " الذين رفضوا أن يغادروا الكويت ، وأصر على البقاء فيها هو وأبناؤه طيلة مدة " الاحتلال العراقي" .. ونحن نطرح عليه السؤال نفسه .. الذي وجهناه للأخ الدكتور خليفة الوقيان .

  وما تفسير هذا ؟ربما نجد التفسير فيما ذكرته آنفا من الحالة الشعورية الغريبة التي أصابت كثيرين من المثقفين . وقد نرى لهم أعمالا عظيمة في المستقبل . فعلم النفس يقرر أن من المبدعين من تعجزه " الصدمة الشعورية " عن الإبداع .. فيتأخر إبداعه إلى ما بعد الإفاقة الأولية . ومنهم من تفجر " الصدمة" طاقته الإبداعية في آنها .. أي في الوقت المزامن لها .

· وعن موقف الشعراء العرب وتقييمك لعملهم :

-ساهم كثير من الشعراء العرب من السعودية ودول الخليج ومصر وسوريا وفلسطين بشعرهم في هذه النكبة . وكثير من هذا الشعر قصائده جيدة ، كما أن أغلب هذه القصائد يتسم من الناحية الشكلية بطول النفس ، ولكني لاحظت على بعض الشعراء – ولا داعي لذكر الأسماء – أن طول النفس عنده كأنه مقصود لذاته ، لذلك يحس القارئ المثقف أن هذه المطولة تفقد كثيرا من حرارتها وصدقها الفني في أبياتها الأخيرة ، كأن الشاعر أصر على أن يقحم هذه الأبيات على تجربته إقحاما حتى يكثر بها أبيات القصيدة.

  ومن الناحية الموضوعية : نلمس التسطيح والمباشرية على هذه القصائد مع التركيز على " الشخصية السيكيوباتية " لصدام ، وكان ذلك على حساب المعايشة الحقيقية لمأساة الشعب الكويتي .

  ولكن الحكم النهائي الشامل – وبصراحة تامة – أن مجموع ما نظم في هذه النكبة في مجموعه لم يكن على مستوى النكبة ... كانت النكبة أشد وأعتى في آثارها السياسية والاقتصادية والنفسية من أن يكتفي فيها بما قيل كما وكيفا .

  ثم أين " العمل الكبير " الذي استلهمه كبار المبدعين من إيقاعات النكبة .. من شعراء وقصاصين وفنانين وأقصد " بالعمل الكبير الملحمة والرواية والمسرحية والفيلم .. لم نر شيئا من ذلك.

· لكن بماذا تعلل ذلك ؟

- قد أضيف إلى التعليل الذي ذكرته من قبل تعليلا – آخر وهو أننا حاليا نعيش " أزمة شعرية " قهارة يتحمل النقاد " المجاملون " قدرا كبيرا من مسئوليتها . هي أزمة حقيقية إذا وازنا شعرنا الحالي بالشعر العربي في الربع الثاني من القرن العشرين الذي اتسع لشوقي وحافظ ومطران وعلي محمود طه وشعراء المهجر وإبراهيم طوقان وأبوسلمى . والحسن العواد والمهدي الجواهري وغيرهم.

  لقد كان الشعر في هذه الفترة أرقى وأقوى و" ألصق " بالعربية في صورتها المثلى ، وأسرع استجابة للأحداث الوطنية والاجتماعية والسياسية .

· وماذا عن شعرك في نكبة الكويت ؟ وما اهم الموضوعات التي عالجها ؟

- كانت أول قصيدة نظمتها في نكبة الكويت هي قصيدتي الطويلة ( الزحف المدنس) ، وقد انتهيت من نظمها يوم السبت 4 من أغسطس 1990 ، ونشرت في جريدة " الوفد " القاهرية واعتقد – حسب علمي – أنها أول قصيدة نشرت في الوطن العربي عن نكبة الكويت .

  ثم توالت القصائد بعد ذلك وكلها قصائد طويلة تربو الواحدة على الخمسين بيتا مثل " قصيدة صوت المقاومة الكويتية " .

 أما قصيدتي ( إلى سحر بنت الكويت المشردة ) فيرجع الفضل فيها إلى فتاة كويتية رأيتها في مساء أحد أيام أكتوبر 1990 فى التلفاز السعودي... واحدة ضمن آلاف المهاجرين من الكويت عن طريق الخفجي . وكانت الفتاة شعثاء غبراء يظهر على وجهها إمارات الأسى والحزن فأثارت كوامن اشجاني فكانت قصيدة تزيد على ستين بيتا .. أقول في مطلعها :

خـذى دموعك من عينيّ يا iiسحرُ
ومـا ذرفـتِ غـرير قد تلاه iiدم
تـبـغـين  شربة ماء أو iiثمالتها
وتـنـشـديـن فتاتا من iiغنائمهم
كـأنـهم  بمصير الخلق قد iiوكلوا




فـقـد تـقرح منك الخد iiوالبصر
من بعد ماقد غشاك الحزن والسهر
فـلا يجيبك إلا الحر .. iiوالضجر
حـتى تعيشي فضنت منهم iiالكسر
فـكل من ليس منهم.. عمرة iiهدر

ثم كانت قصيدة " إلى الشعراء المربديين " ، وهي نقد مر لهؤلاء الذين وثنوا صدام في قصائدهم بالمريد العراقي.

واعتز بصفة خاصة بعمل شعري درامي طويل يستغرق قرابة مائة صفحة من القطع الكبير بعنوان (أغسطس الدماء والأعراض : يوميات جندي عراقي في الكويت المنهوب )..

· وهل نشرت هذه القصائد كلها ..

 نشرت في الصحف السعودية والعربية وكانت بحمد الله موضع رضاء القراء .

  كما ألقيت بعضها فى النادي الأدبي بالدمام ، وفي امسيات شعرية اقمناها في جامعتنا : جامعة الملك فهد بالظهران .

  ولكن الذي أعتزبه حقا أني عشت القضية بكل أبعادها ؛ لانها لم تكن قضية شعب يواجه شعبا، أو قضية حكومة تواجه حكومة .. ولكنها كانت ولا زالت قضية حق يواجه باطلا مظلما ظالما .

  ولا بد للحق أن ينتصر وان طال المدى .