مع نبيل عودة

ملتقى مشاهير العرب
 

"ملتقى أدباء ومشاهير العرب"

نبيل عودة

كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة

[email protected]l

لم أعرف من فترة شبابي الا النضال بلا توقف * دم الانسان في كل مكان يثير غضبي وألمي * للأسف لم نحافظ عل مجمل نتائج " حقبة الناصرة "  *  يؤذيني استعمال الانتماءات الدينية .. لأن الانسان لا يقاس بطائفته  * ليس السلاح النووي الايراني أو العربي هو الانقاذ ، بل القوة الاقتصادية والعلمية ورفع مستوى الحياة للشعوب العربية *

***

وجه لي "ملتقى ادباء ومشاهير العرب" مجموعة من الأسئلة ، جاء فيها :

نبيل عودة ماذا قدمت لـبلدكْ ..! ومـاذا قدمتْ لأمتك العربية  ?!

* هل ترى يا نبيل عودة إن ما يجرى فى بلداننا العربية يمثل كل طموحاتْ الشارع السياسى ؟

* ومـا هـو الشىء الذى تأمـل أن تراه يتحققْ , ولم يتحققْ ..!؟

* صِف شعـورك وأنتْ ترى الدمْ العـربى يراقْ حين تشـاهـد تلفازكْ ... ألا يحـرككْ ذلك ؟

نظرا لأهمية التساؤلات ، والحوار الذي يدور في المنتديات المختلفة حول هذا الموضوع ، وتكرر الآسئلة التي توجه لي حول نفس المواضيع ، رأيت ان أعمم الأسئلة والأجوبة خارج اطار "ملتقى ادباء ومشاهير العرب". خاصة وأني أطرح رأيي الشخصي – نبيل عودة

كان من عادة الشاعر الجاهلي الفخر بقبيلته وصنائعها ..ويبكي على أطلال محبوبته ، ويصف فرسه وسيفه وبطولاته وكرمه … فهل هي عودة للجاهلية للتفاخر بصنائعنا ؟

ليس من طباع الانسان المتزن ان يقدم عرضا  "لبطولاته وصولاته وجولاته " وأظن أن كتاباتي تكفي للشهادة حول تاريخي في نضال شعبي ، ولم أناضل لأتفاخر بنضالي ، انما هو واجبي الأول الذي وعيت عليه كشاب نشأ في بيت وطني ، وفي ظروف مأساوية لشعبه ّّ .

ومع ذلك …

انا ولدت في فلسطين قبل نكبة شعبها بسنة ونصف تقريبا…وقد واجهت أسوأ أيام شعبنا الباقي في وطنه ، ومنذ بداية وعيي كنت منظما في اتحاد الشبيبة الشيوعية ، الدرع السياسي والوطني الذي قاد نضال الاف الشباب ضد سياسة التجهيل بلغتنا وتراثنا وقوميتنا .. وكنا دائما عرضة ، أنا ورفاقي الشباب ، لملاحقة الشرطة والسجن .. وتحديد تنقلنا بأوامر عسكرية . ويمكنني القول اني لم أعش حياة شاب مفتوحة ورغدة !!

كانت الشبيبة الشيوعية هي المنظمة الشبابية الوحيدة التي خاضت نضالا الى جانب حزبها الشيوعي ، من أجل الحفاظ على الانتماء القومي وصيانة المقدسات والأرض والتاريخ ومنع تهجير الذين لم يشملهم التسجيل الأول للسكان الفلسطينيين الباقين أو العائدين الى وطنهم بعد النكبة ( كما كان حال الشاعر المرحوم محمود درويش وابناء عائلته ) ، بعد ان تبين ان فلسطين ليست واردة في حساب الدول العربية ، وان هناك صفقات وسخة من وراء ظهر الشعب الفلسطيني ، لم تعد سرا اليوم … وأن تحرير فلسطين مجرد اكذوبة دعائية سافلة روجها الحكام الفاسدين والمتآمرين عى الشعب الفلسطيني مع قيادت صهيونية .. ساهمت ، الى جانب التطهير العرقي وجرائم التصفية الجسدية للمواطنين المتمسكين بالبقاء في وطنهم   الذي نفذته الحركة الصهيونية ،الى تهجير أكثرية شعبنا الى المنافي وانتظار "التحرير" الذي مضى على الوعد العربي به 60 عاما !!

 ولا بد من اضافة هامة أخرى : اثناء حرب فلسطين لم تدخل الجيوش العربية اطلاقا الى المناطق التي حددتها الأمم المتحدة بقرار التقسيم للدولة اليهودية ، رغم تواجد الجيوش العربية قرب تلك المناطق ورغم معرفة قادة الجيوش انه ترتكب مذابح ضد الفلسطينيين .. ورغم استنجاد السكان العرب بتلك "الجيوش "!!

حتى دراستي الجامعية في التخنيون – حيفا ( المعهد التكنلوجي ) في موضوع هندسة الميكانيكيات لم يتيسر ، أضطررت لوقفه بسبب أوامر عسكرية تفرض على الحصول على تصريح عسكري للوصول الى حيفا والعودة الى مدينتي الناصرة قبل الساعة الخامسة مساء ، وكان من المستحيل ان أواصل الدراسة … فارسلت من حزبي الشيوعي الى الدراسة السياسية في الاتحاد السوفييتي . وهي أول فترة حرية لشاب ناشئ في  أوج نشاطه وشبابه يحظى بها ويتمتع بمعنى ان يكون شابا وان يمارس حياة الشباب ،دون انتظار طرق باب البيت لاعتقاله في ساعات الفجر أو دعوته للتحقيق ، الى جانب النشاط الأدبيوالنهل من الثقافة العربية والإنسانية  بظروف مريحة لم يحلم بها في وطنه ...

لا افاخر بما قدمته لشعبي ، ونتيجة له كسرنا الارهاب البوليسي ونجحنا بالغاء الحكم العسكري .. ومع ذلك ظلت القوائم السوداء  تشمل العرب المتطرفين أمثالي ، حتى بعد عودتي من دراستي ، وعن تلك القوائم كتب شاعرنا محمود درويش قصيدته الشهيرة المعروفة " سجل انا عربي " التي صارت نشيدا قوميا لشعبنا ..  وكتب الشاعر سالم جران قصيدة اشتهرت في وقته " سجل اسمي في القائمة السوداء / سجل اسم أبي أمي أخواني / سجل حتى حيطاني / في بيتي لن تلقى الا شرفاء " .

وكانت معركة شرسة ضد القوائم السوداء لمن سمتهم السلطات العنصرية "العرب السلبيين".

وبعمل نضالي مثابر حررنا بلدية الناصرة ( الناصرة عاصمة الجماهير العربي في اسرائيل ) من سيطرة زلم السلطة وأوصلنا الشاعر توفيق زياد لرئاستها بحصولة على ما يقارب ال 70% من الأصوات ، وأحدثنا انقلابا سياسيا في الوسط العربي ، أثر في وقته على انتخابات موازية جرت في المناطق الفلسطينية المحتلة لأنتخاب رؤساء بلديات قادت الى فوز قوى نضالية  وطنية معروفة ..

 للأسف لم نحافظ عل مجمل نتائج " حقبة الناصرة "  في تاريخ شعبنا السياسي ،لأساب لا مكان لها هنا الآن ، تجدون لي مساهمات كثيرة حولها في العديد من مقالاتي المنشورة على الشبكة الألكترونية . ولكن انتصار الناصرة فتح الطريق للمعركة الأهم ، معركة الأرض … فكان يوم الأرض لوقف مصادرة الاف الدونمات الجديدة .. وأعتقد يكفيني ان أكون برغيا صغيرا في هذه المعارك النضالية …

 في تلك الأيام الهامة كنت نشيطا سياسيا بصفوف الحزب الشيوعي  الذي قاد هذا الانجاز التاريخي النضالي الكبير ،والذي صار يوما نضاليا وطنيا لكل شعبنا الفلسطيني داخل الوطن وفي مناطق السلطة الوطنية وفي اللجوء المتواصل منذ 60 عاما .

لم أعرف في شبابي أياما بلا واجبات سياسية ووطنية وثقافية واعلامية ، وما عدا السنتين في موسكو ، كنت دائم الانشغال بالتثقيف السياسي والفكري والنضال المتواصل .. وعندما وصلت الى قناعة ان الحزب الشيوعي لم يعد ذلك الجهاز الذي نشأنا وتثقفنا في صفوفه ، لم أتردد في نقده رغم ان ذلك قادني للخروج من التنظيم ، والنشاط الفكري والسياسي والأدبي كمستقل لا يعرف اخفاء مواقفه والتودد  لكسب مواقع وامتيازات ، كما هي حالنا الفاسدة اليوم..

الدم العربي ، أو دم الانسان في كل مكان يثير غضبي وألمي ويجندني الى جانب أصحاب الحق بغض النظر عن انتمائهم الديني أو الاثني .. ويؤذيني استعمال الانتماءات الدينية .. لأن الانسان لا يقاس بطائفته  وعقيدته الدينية ، انما بأفعاله ومساهماته ومواقفه .. والدين لله والوطن للجميع !!

ان ما أكرهه في عالمنا العربي هو التعامل  مع الأقليات الدينية والاثنية  بتمييز وقمع غير عادي ، ودفع الأقليات للهجرة .. الآمر الذي يشوة الفسيفساء الوطنية العربية .. ويشوه تعدد الثقافات .. ويفقد العالم العربي الاف العقول من أهم الاختصاصات العلمية  ومن كل الانتماءات .

حلمي ان أرى عالم عربي دمقراطي يعمل على تطوير اقتصاده ومرافقه الحيوية ، ويمحو الامية – كارثة العرب الرهيبة ، ويتقدم في تقليص البطالة التي  يعاني منها اليوم ما يقارب ال 30 مليون عربي …تجعل المجتمعات العربي مجتمعات فقر مدقع وتخلف مريع !!

لا مستقبل للشعوب العربية بالتطرف الديني والكراهية الطائفية ضد الآخرين المختلفين .. يجب سن قوانين صارمة تقمع من الجذور هذه الظواهر المرضية المدمرة  ، والتثقيف على احترام الانتماءات المختلفة مهما تعددت .

أأمنيتي ان أرى الأنظمة العربية تطور مؤسسات السلطة المستقلة ، وتضع رقابة على تصرفات المسؤولين … وان ننتهي من زمن الزعماء الأبديين والتوريث …

امنيتي ان ارى تطور التعليم والعلوم والابحاث والخدمات الاجتماعية ورفع مستوى الحياة والصحة . عندما توظف اسرائيل 15 ضعفا في الابحاث العلمية أكثر من  كل العالم العربي .. الى أين سيصل العالم العربي ..؟ انظروا ، حتى ايران تتقدم علميا .. ولن يكون تقدمها لمصلحة العرب بل لعودة الفرس الى أطماعهم التاريخية في العالم العربي .. اليوم يحتلون جزرا عربية في الخليج ، ومناطق عربية في اطار ايران ، وأنظارهم  نحو تحويل الخليج العربي الى فارسي بالفعل وليس بالتسمية فقط .والوهم ان سلاح نووي سينقذ العالم العربي أو ايران هو وهم .. الخطر ان تتحول ايران الى اسرائيل ثانية بأطماعها وسطوتها على دولنا المتخلفة ، وهذا أقرب للمنطق السياسي .. وربما نصبح  كعرب ، بين السدان الايراني والمطرقة الاسرائيلية.

الويل لعالم عربي لا يرى أهمية تطوره الشامل .. لا ليس السلاح النووي هو الانقاذ ، بل القوة الاقتصادية والعلمية ورفع مستوى الحياة ، وجعل الصوت العربي يحسب حسابه في المحافل الدولية ، والعمل على نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط .

 وما أخافة ان الزمن لا يرحم ، لأنه لا ينتظر القاصرين !!