مع الملا كريكار

تحدث بمرارة من النرويج

الملا كريكار:

الإسلاميون كبقية الأكراد مع مطلب الانفصال

علي عبد العال

صحفي مصري/ القاهرة

[email protected]

منذ دخول الاحتلال الأمريكي إلى العراق وإقليم كردستان يشهد حالة لافتة من التجاذبات، بين تراثه وواقعه، بين جماعاته الإسلامية وأحزابه العلمانية، بين شعبه وحكامه (حلفاء أمريكا وإسرائيل)، بين مليشياته المسلحة وجيوش الدول المجاورة، وبين هذا الكم من التجاذبات بقي الإسلاميون نشازًا بين قوى هذا الإقليم المثقل بهمومه، فهم إسلاميون لتدينهم وحبهم للعربية (لغة القرآن)، وهم انفصاليون مع كرديتهم وعشقهم المفرط لقراهم وجبالهم، وهم مسلمون في عدائهم للاحتلال الأمريكي والغطرسة الصهيونية بالأراضي المحتلة.

 وعلى الرغم مما تلحظه من تعارض لهذه القضايا بعضها ببعض، لم يكن الأمر كذلك لدى زعيم ومؤسس جماعة "أنصار الإسلام" الملا كريكار (الشيخ نجم الدين فاتح كريكار) المقيم في النرويج، الذي التقيناه نستجلي منه حقيقة موقف الإسلاميين الكرد.

 والملا كريكار يعد أشهر أجنبي يقيم في النرويج إن لم يكن الأشهر بين النرويجيين، حتى غدت النرويج تعرف على سبيل التندر "بدولة كريكار"؛ نظرا للتسلط السياسي والإعلامي الذي جرى بحق الرجل، والتهم العديدة التي وجهها له القضاء النرويجي.

 انضم إلى "الإخوان المسلمين" منذ نعومة أظفاره، وبقي عضوًا بالجماعة حتى وقعت "فاجعة حلبجة" التي اعتبرها نقطة تحول في مساره وتفكيره، وفي عام 1988 أسس "جماعة أنصار الإسلام" كحركة إسلامية جهادية مسلحة متأثرا بما حدث في حلبجة، ولا يخفي كريكار الذي دمر الأمريكيون مواقع ومعسكرات جماعته في شمال العراق عام 2003، ما يكنه للمفكر الإسلامي الأستاذ (سيد قطب) من إعجاب، ومدى تأثره بأفكاره حتى أنه سمى أحد أبنائه "سيد قطب" وإحدى بناته "معالم" في إشارة إلى كتاب سيد قطب الشهير "معالم في الطريق".

 غربة الإسلاميين في كردستان

 بداية وقبل أن نبدأ الحوار، بأي الألقاب تفضل أن نناديك: (ملا) أم (شيخ) خاصة في ظل التشويه الإعلامي الذي لحق باللقب الأول؟

 كلمة (الملا) يستخدمها الأكراد للعلماء، ولكن عند الناطقين بالفارسية وعند العرب العراقيين تستخدم لمن يقرأ الترانيم الدينية والأناشيد في المرثيات.. أما عن لصوق هذه الكلمة بي فهو من ابتداع جلال طالباني (الرئيس العراقي الحالي) الذي ذكرني في إحدى اجتماعات كوادر حزبه عام 1992 طعنا واستهزاء بي فقال: "ملا كريكار ملا بروليتار، الذي كان كادرا في الحزب الشيوعي والآن أصبح ملا"، ولم أكن شيوعيًّا قط! أما من يحترمني فلا يقول ملا بل "الشيخ فاتح".. واللقب ليس كاريكار، بل كريكار وهو لقب شعري بمعنى العامل.

 طيب.. على ذكر (الملا) كيف ترون العلاقة القوية التي باتت تجمع بعض رموز الإسلاميين الأكراد بملالي إيران، خاصة في ظل الخلافات الحادة بين سياسة الدولة الشيعية والعالم السني؟

 لا أرى صلة قوية بين رموز الإسلاميين الأكراد وبين إيران، ولا أرى تأثيرا كبيرا لإيران برغم حضورها المكثف بين أكراد العراق منذ السنة الأولى من نجاح الثورة.. الإسلاميون في كردستان ثلاثة اتجاهات:الاتجاه الأول: "الإخوان المسلمون" وهم الأقدم في ديارنا (كانت الأسرة الإخوانية الثالثة في العراق بعد بغداد والموصل في حلبجة عام 1952)، ويتمثل هذا الاتجاه الآن بالاتحاد الإسلامي بزعامة الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين.

 الاتجاه الثاني: هو الخط الإيراني من دون تشيعه ويتمثل في الجماعة الإسلامية في كردستان بزعامة الأستاذ علي بابير. والاتجاه الثالث: اتجاه سلفي جهادي جاء من جهد الملا أمين رحمه الله وجهد صاحب الحوار (الملا كريكار) ولله الحمد كلاهما جاء من تنظيمات الإخوان المسلمين، الواجهة البارزة لهذا الاتجاه ليس حصرا هي "أنصار الإسلام"، إذن اثنان من الاتجاهات الثلاثة ليس لهم صلة بالنظام الإيراني.

 كيف تقيمون واقع الحركة الإسلامية الآن في كردستان؟ وماذا عن ثقل الجماعات في الخارطة السياسية الكردية؟

 يعيش الإسلاميون الأكراد مرحلة الكمالية (نسبة إلى كمال أتاتورك) بكل أبعادها، وهي أقسى من الناصرية! (نسبة إلى جمال عبد الناصر)؛ لأن كفر الأعاجم أغلظ، وعداؤهم للإسلام أشرس.. الإسلام اليوم غريب في ديارنا، كغربته يوم سطا (محمد سياد بري) على حكم مقديشو!! أنا أعتقد أننا الإسلاميون في كردستان خسرنا الجولة الأولى، رغم أن كثيرا من إخواننا لا يريدون أن يعترفوا بذلك.. ويرون تواجدهم الهزيل في برلمان وحكومة في مجتمع قبلي، تتحكم فيه ميليشيا الحزبين الحاكمين إثباتا لوجود!! وأنا مع كل احترامي لأصحاب هذا الرأي أرى ذلك تضليلا لا ينبغي أن نمارسه.

 إن بيئة الأكراد ليست بيئة دولة تحكمها سلطة مركزية، بل هي بيئة سائبة لا سياج لها، ولا سلطة إلا لمن يمتلك قوة مسلحة، وإلا لما سكت صوت الإسلام بعد "أنصار الإسلام" (الحركة الإسلامية التي كان يتزعمها الشيخ في كردستان وقضى عليه الأمريكيون)، وسمعت "لعلعة" رصاص حزب العمال الكردستاني (التركي) الذي يحكم أكثر من مائة قرية من قرى كردستان العراق!!.

   

إن الإسلام في بلادنا ومجتمعنا كأي مجتمع مسلم آخر متجذر فيه، ولكن الإسلاميين بلغوا من الضعف منزلة ترمى فيها المصاحف في حلبجة والسليمانية وأربيل في المرافق الصحية للمساجد، وهم لا يستطيعون أن يسيروا مظاهرة ضده!، يشتم الرسول صلى الله عليه وسلم علنا، وتهان المقدسات الإسلامية جهارا دون أن يحدث ذلك رد فعل كريم!! مئات من شباب الإسلام في سجون الطواغيت الكرديين (يقصد الحزبين الحاكمين اللذين يتزعمهما جلال طالباني ومسعود بارزاني) دون محاكمة أو توجيه تهمة! منهم من قضى سبع سنوات قيد الاعتقال القسري، وهو يئن تحت سياط الجلادين.

 أنا لا أريد أن أعطي صورة تشاؤمية، لكن وصف الواقع بما فيه مطلوب، وإلا فأنا أيضا مثل غيري أعرف أن لنا أرضية عقائدية قوية، واعية مستوعبة لصراعها الفكري، لكنها متشرذمة، وغير مكافئة لقوى الشر المجتمعة المتداعية علينا، وأنا لا أرى مبررا للاصطدام بها في الوقت الحاضر، ولكن أرى الصبر والثبات بل الاصطبار والعمل لحين ما نطوي هذه المرحلة بإذن الله، وهي لا تطول إذا أكرمنا الله بالاستقامة والثبات على الثوابت.

أين "أنصار الإسلام" ؟

 في ظل العلاقة القوية التي تربط الحكومة الكردية بالأمريكيين وإسرائيل، كيف هي علاقة الجماعات بهذه الأحزاب العلمانية وحكومتها؟

 علاقات عدائية غير معلنة، وهامشية رسمية معلنة، يحكم الأمريكي والإسرائيلي بلادنا خلف الحزبين الحاكمين كما يحلو لهم، وتتسابق المنظمات الغربية في كردستان مع الزمن لترسيخ الكفر الكردي حاكما على مجتمع يحاصر خارجيا ويجهَّـل داخليا!.

 الجماعات الإسلامية لا تستطيع حماية مكاتبها!! ويكفي أن تعرف أن شخصية مثل السيد صلاح الدين محمد بهاء الدين -وهو رئيس حزب رسمي له تسعة أعضاء في البرلمان- مساير للحزبين الكرديين في كل موقف سياسي!، لكنه خالفهم في حضور مؤتمر في القاهرة مع إياد علاوي وآخرين، مجرد مؤتمر فأقام الحزبان الكرديان القيامة عليه وتكلم مسعود البارزاني والطالباني كل على حدة في أجهزة الإعلام علنا ضده وذكروه بالاسم، ثم عدنان المفتي رئيس ما يسمى بالبرلمان طالبه بالتوبة!! وبأسلوب غير مهذب، فيه نبرات التهديد!!.

 فماذا عن "أنصار الإسلام" وماذا عن عناصرها إن كان ثمة عناصر أحياء لها، وهل ثمة تواصل بينك وبينهم؟

 بعد أن ضرب الاحتلال الأمريكي مناطقنا بمائة وسبعة صواريخ انطلقت من البحر الأحمر، ثم الهجوم البري على المنطقة، على غرار هجمات تحالف الشمال الأفغاني مع المحتل واستمرار القتال لسبعة أيام قتل من "الأنصار" أكثر من ثمانين وأسر مثلهم عند الحزبين، كما اعتقل في إيران خمسة عشر منهم، ثم اختفت البقية في القرى الكردية الإيرانية لحين ترتيب أوراق مزورة استطاعوا بواسطتها عبور الحدود العراقية الإيرانية من جهة الجنوب الشيعي، ثم استطاعوا الوصول إلى بغداد والرمادي، ثم الاجتماع في ديالى والموصل.. حيث هم الآن والحمد لله.

 إلى أي مدى بقي تواصلكم شخصيًّا مع الحركة الإسلامية في كردستان الداخل، وخاصة "أنصار الإسلام"؟

 انقطع التواصل العام والخاص بصورته المباشرة قبل الاحتلال، حيث اعتقلت في النرويج، واستمر الانقطاع لسني سجني الخمس ومحاكماتي، ولكني قاومت بجرأة ودون كلل محاولات التهميش، كي لا أغيب عن جيلي وعن من يلينا، فكان لي حضور هائل في الصحافة بلغ أكثر من مائة وعشرين مقابلة في الشهر أحيانًا من أقصى (فوكس نيوز) إلى أبسط صحافة محلية كردية.. ثم إصدار مجلة في أوروبا وإنشاء موقع إلكتروني ثم في غرف الدردشة (البالتوك) وحضوري الأسبوعي المستمر وإنشائي (معهد ابن تيمية) للدعوة ودروسي اليومية فيه.

 هل يحق للماركسيين قتال تركيا؟

 كيف وضعكم الآن في النرويج، بشكل عام؟

 جيد نسبيًّا بفضل الله وكرمه.. صدر آخر قرار قانوني في النرويج بتسليمي إلى العراق أو إبعادي إن أمكن، ولكن دون ذلك عقبات.. وأخيرًا التجأت إلى المحكمة الأوروبية.

 ألا تفكرون بالعودة إلى كردستان؟ أم أن هذا التفكير لا زال بعيدًا في ظل الأخطار التي تحدق بكم جرائه؟

 أفكر بكل تأكيد في العودة إلى كردستان، ولكن كما تعلمون فإن الأمر من الناحية القانونية ليس سهلا، ومن الناحية غير القانونية فالمسافة بين النرويج وكردستان شاسعة جغرافيًّا ومحاطة بالمخاطر.

 في ظل الصراع الدائر بين حزب العمال والدولة التركية، ما حقيقة موقفكم من هجمات الحزب اليساري على دولة إسلامية مجاورة، وقتل جنودها؟

 لا فرق عندي بين جندي تركي يدافع عن الكمالية المرتدة وبين مقاتل كردي ماركسي يدافع عن حزبه الكافر.. كلاهما يقاتل تحت راية عمية وقِتلتهما جاهلية، فهما عندي سيان.. كافران تناطحا وإنا بكل كافرون.. ولكن رغم أنهما في الكفر سواء فحق الدفاع عند الحزب اليساري أشرف عندي من حق الدولة الكافرة المهاجمة.

 ألا ترى في موقفك تعصبًا للكردية، ومحاباة لها، خاصة أن جمعًا ليس بالهين من أبناء الأمة الإسلامية لا يذهب مذهبك في تكفير الدولة التركية؟

 

لا، لا تعصب للكردية مطلقًا، وليس هناك محاباة إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، والأكراد قوم كبقية الأقوام في أمتنا، فيهم الكافر وفيهم المسلم، فيهم السابق بالخيرات، وفيهم المقتصد، وفيهم الظالم لنفسه... الظلم الواقع على الأكراد من حكام وشعوب جيرانهم من العرب والفرس والأتراك لا يقل عن ظلم إسرائيل والصرب والهنود من أجزاء أمتنا.

 القرى الكردية المدمرة في شمال كردستان (الملتصق بتركيا) خلال العشرين سنة الأخيرة هي ضعفي عـدد القرى المدمرة في فلسطين منذ عام 1948.. كل مذبحة صربية في البوسنة ترويها أو مجزرة هندية تشير إليها في كشمير أروي لك أفظع منها في تركيا والعراق!! أما من لا يذهب مذهبي في تكفير الدولة التركية، فما الضير؟! أنا معي نصوص قاطعة أستند عليها، فلربما لدى المخالف ما يقوم دليلا شرعيا.. أنا أسأل يوم القيامة وحدي عن ديني و تديني.

 العربية وعاء يسع المسلمين الأكراد

 بالمناسبة كيف تتعاطى كإسلامي مع (العروبة) كوعاء للإسلام عقيدة ودينا؟

 أشم من مصطلح العروبة رائحة القومية الجاهلية، ولو قلت العربية لأصبت بلا شك، فالعربية انتماء حضاري بكل أبعادها، وهي الوعاء الطبيعي للإسلام عقيدة وعبادة وشريعة إلى يوم القيامة.. وهي منزلة خالدة تالدة للعرب لا ينزعها عنهم إلا ظالم.. ولا أعتقد أن بإمكان قوة في الأرض نزعها عنهم؛ لأنها مكرمة ربانية.

 بعيدا عن النظرة الانفصالية للأكراد، كيف ترى واقع العراق -كدولة إسلامية لها تاريخها وحضارتها- في ظل هذا الاحتلال؟

 أنا أنتمي للعراق منذ حضارته الإسلامية، فلا انتماء لي لا إلى (حمورابي) ولا إلى هذا الصنم الجغرافي الإنجليزي الذي يسمى بالعراق الحديث.. أنا بريء من كل حدود سميت بحدود العراق، ومن كل حكومة مركزية ظهرت في بغداد منذ 1918، حيث استقرار الاستعمار البريطاني وإلى اليوم.. وما تسميه بـ"نظرة الأكراد الانفصالية" عندي حق شرعي لا غبار عليه.. كنا في بلادنا قبل مجيء الأتراك إلى المنطقة بمئات السنين فما الذي جعلك تنظر إليهم في تركيا نظرة علوية وإلينا نظرة دونية؟! أليس هو الكيان الدولي الرسمي؟! فما المانع الشرعي من حصول الأكراد لهذا الحق أيضا؟! ولإنشاء كيانهم السياسي المستقل؟! هل إذا أعطى طاغوت العصر (الأمم المتحدة) حق الأكراد في إنشاء دولة كردية قلتم: إي وربي إنه الحق؟! أم إن الحق هو شرع الله الذي يتساوى فيه الكردي فردا وجمعا مع التركي فردا وجمعا.

 أما احتلال الأجنبي (وهو أمريكا الكافرة المحاربة) ففتوانا فيه واضحة، وهي مقاتلتهم ومن يناصرهم، وتخذيل مشاريعهم، وإفشالها مهما طال الزمان.

 انفصال كردستان حق شرعي

 ألا ترى أن (المزاج الكردي) أصبحت له ميوله الانفصالية الواضحة؟ وأنه ربما يجاري الإسلاميون الأحزاب والقوى العلمانية في مطلبها الانفصالي؟

 هذا ليس مزاجًا.. بل اقتناع شعب منذ عشرات السنين، وما قامت ثورات أجدادنا الكرام إلا لاسترداد حقوقنا، ولماذا تسميه بالميل الانفصالي؟! وكأنه جريمة نرتكبها في الظلام! وما هذه العبارة يا أخي (يجاري الإسلاميون مساعي الأحزاب العلمانية في مطلبها الانفصالي)؟ ولماذا نتهم ولا يتهم الإسلامي الفلسطيني وهو مع العلماني العميل؟! لماذا نتهم ولا يتهم عملاق مثل الإمام المودودي رحمه الله كان يتفق مع الشيوعيين البشتون؟! كما لا يتهم الإخواني المصري وقد اتفق مع الوفد والأحرار والعمل في سبيل الاشتراك في الانتخابات؟! لم لا نتفق مع شعبنا وأحزابه في بناء قوة تحمينا من حملات (الجينوسايد) ثانية؟! في إنشاء كيان لم نسلبه من أحد؟! مع برائنا من كل كافر كردي، وتحفظنا على كل مشروع علماني ملحد.. يا أخي ويا إخوتنا جميعا، نعم ننادي بانفصال أكرادنا من العرب والفرس والترك، اليوم قبل الغد، من شعوبهم قبل حكوماتهم؛ لأن أشقياءهم اضطهدونا كل في منطقته وأشقاؤنا منهم سكتوا.