حوار خاص مع الأديب ناجي ظاهر

لا حدود للإبداع والسماء هي السقف

حوار: نادية ضاهر

[email protected]

السلام عليكم  ورحمة الله وبركاته.

1- أهلاً بك  .كيف الحال أستاذ ناجي ؟

بخير والحمد الله .عانيت بعد رحيل الوالدة لكن هذه المعاناة كانت عابرة . مرت والحمد لله .

2- قرأت مسرحيتك الأخيرة أنا سيرين والتي جعلت الحوار فيها يدور بين بطلين هما أنت ووالدتك .هل مع كل تلك السنين ما زال الحزن نفسه كما في الساعات الأولى لرحيل الوالدة ؟

أمي بالنسبة لي هي العالم. عرفت في السنوات الأخيرة انها ليست مخلدة كما اعتقدت  سابقاً، فابتدأت أعيشها.

كان هذا مؤلماً أن ترى أعز الناس وأحبهم يذوى مثل وردة في عزّ تفتحها، بعد وفاة أخي الأكبر جوهر طابت ذكراه لم تعش سوى خمسين يوما. آلمني جداً رحيلها.

 منذ قالت لي أنها ستموت حينما كنت صغيراً وأنا أجلس إلى جانب الهاتف وأخشى كلما رن أن تولي إلى عالمها.  بقيت خائفاً أكثر من خمسين عاماً. إلى أن رن الهاتف واتصل بي من يخبرني أنها لم تعد هنا كما أردت دائماً .

3- هل ما كتبته وتكتبه هو عربون وفاء ورد جميل لتضحياتها رحمها الله؟

كلا أنا حينما أكتب لا أرد جميلاً لأمي وإنما أعيشها على إعتبار أنها اللحظات الأجمل في حياتي.

أنا لا أعتبر الحياة جميلاً وردّ جميل. إنما أعتبرها جميلاً متواصلاً يعذبنا حينما ينقطع خيطه ، لكننا نبقى ونواصل العيش على أمل وهمي، في تواصل متخيل لهذا الخيط.

أمي عاشت أربعاً وثمانين عاماً، إلا أنني أحسست بأن عمرها لم يتجاوز الأربع والثمانين دقيقة. العمر قصير مهما طال.

رحيلها كان الكارثة الأصعب في حياتي. بعدها إبتدأت أشعر ماذا يعني أن يعيش الإنسان بدون أمه.

أنه يعيش الوحدة الحقيقية والوحدة الرهيبة التي يخشاها دائماً. مغادرة الأم هو المغادرة الأساسية في أعمارنا.

4- عندما طلبت منك الفنانة سناء لهب أن تكتب لها مسرحية ، لما اخترت أمك لتكون بطلتها؟ ولما كنت أنت الشخصية الأخرى؟  

في البداية هي طلبت مني أن أكتب مسرحية عن إمراة فلسطينية تحمل مفتاح العودة إلى بيتها وتلوح به.

عندما فكرت في طلبها شرعت أفكر في أمي.فهي إمراة فلسطينية وأنا لا أعرف أمراة أخرى في الدنيا مثلما عرفتها، فلماذا لا أكتب عنها؟

أضيفي إلى هذا أنني حينما أكتب أفكر عادة في الزمن والمكان اللذين أعيش فيهما.

سأخبرك شيئاً أن القصة الأولى التي نشرتها لي مجلة الجديد الحيفاوية عام 1968 كانت عن أمي وحملت عنوان الكلمة الأخيرة مع أنها كانت الكلمة الأولى تقريباً.

في الأدب كثيراً ما تكون الكلمة الأخيرة هي الأولى، والكلمة في الأدب كثيراً ما تحمل ظلالاً خاصة بها، حتى أنني قلت ذات يوم أن أهم ما في الكلمة الأدبية هو ما يكمن وراءها.

أعني بهذا أن ما تحمله الكلمة الأدبية من ظلال هو الأهم، أمي بهذا المعنى هي العالم، هي عالمي ووجودي.

5- ما هي قيمة كل من الأم والأرض عندك؟ وهل خسارتك للأم يجعلك تتمسك أكثر بالمكان الذي عشت فيه؟

نعم. أنا مسكون بإحساس الفقد. منذ رأيت قريتي المسلوبة في عيني والدي طابت ذكراه، وأنا أشعر بالخسارة. لقد خسر المسكين كل شيئ بمغادرته لقريته سيرين، لهذا كنت أراه دائماً عائداً إليها دون أن يكون له ما أراد.

 المرة الأولى لزيارتنا لها بعد عام النكسة 1967، مع أقارب وفدوا من الأردن ليروا قريتهم. رأيته حينما قذف نفسه من باب السيارة قبل أن تتوقف كان محزناً جداً أنه بكى وهو يحفن من ترابها مثلما يفعل العاشق حينما يضع يده على شعر حبيبته .

آلمني جداً أنه دفن في أرض غير أرضه التي أحب أن يدفن فيها. لقد أوصاني أن أواريه تراب قريته إلا أنني لم أتمكن من فعل ما أراد. رحيله كان مرعباً لهذا السبب أيضاً. 

هذا الكلام ينطبق على رحيل الوالدة بهذه الصورة أو تلك، في أيامها الأخيرة كانت تطلب مني في أواسط الليالي أن أفتح باب البيت للأحبة الذين عادوا إليه ، ليمكثوا في الأرض التي أحبوها وأخلصوا لها .

الأم هي الأرض وقد سبق أن أطلقوا على الأرض الأم الثانية، إنها أم لا تقل حنوا عن الأولى، إنها تحتضننا حينما نولي تاركين كل شيئ وراءنا، بهذا المعنى هي تسكن فينا بقدر ما نقيم فيها.بين الأم والأرض أكثر من علاقة أبرزها العطاء والاثنتان تعطيان ولا ترجوان الأخذ.

6- هل سنقرأ يوما رواية لك تتناول فيها حلم العودة وتكون تاريخ تجسد فيها معاناة شعب بكامله ؟

منذ ابتدأت الكتابة مثلت الكتابة بالنسبة لي عودة من نوع ما. هي عودة الى ما أريد وأتمنى، وهي عودة إلى حلم، هي عودة إلى الذات، إنها عودة متواصلة الحلقات، بهذا المعنى بإمكاني أن أقول لك أنني لم أكتب حرفاً واحداً لا يعني العودة، لكن بطريقتي الخاصة، طريقة الأدب بما تشمله من إيحاء ومعايشة وليس بطريقة السياسة بما تحتويه من مباشرة منفرة أحياناً .

حلم العودة بالنسبة لي هو حلم متواصل، إنه حلمي ككاتب أيضاً.

7- هل هناك موضوع أساسي تتناوله في قصصك ؟ أم أن ما ذكرته أاعتبره إجابة لسؤالي هذا؟

الموضوع الأساسي في كتاباتي هو الإنسان. أنا أعتبر نفسي كاتباً إنسانياً في الدرجة الأولى. لست سياسياً ولن أكون.

أنا أنرت طريق الإبداع الأدبي، هذا الطريق هو طريق إنساني وفي رأيـي أن المبدع الحقيقي يريد دائمأ أن يتعالى على جراحه فيرى إلى الأفق الإنساني الذي يجمع بينه وبين أقرانه من بني البشر.

أنا لا أكره ولا أعرف الكره. ويحزنني جداً أنه يوجد هناك من قد يفرح لإغتياله أحلامي دون ذنب، سوى الإختلاف المشروع بيننا.

8- الأدب هو إستعمال لغة. وبدون لغة لا يوجد أدب . لماذا تجعل أبطالك يتكلمون اللغة المحكية في قصصك؟ وما رأيك في إستعمال اللغة المحكية في كتابة القصة؟ وما الهدف منها؟

اللغة في العمل الأدبي ليست وسيلة للإتصال فحسب كما هو الأمر في لغة الحياة اليومية.

هذه اللغة كثيراً ما تتحول إلى غاية تساهم في توصيل ما نريد، لكن ليس بما تتضمنه من مباشرة وإنما بما تحتويه من دلالات وظلال.

لهذا كثيراً ما أجد نفسي أكتب بالعامية، محاولاً من ناحية ثانية أن ألغي الإزداوجية اللغوية.

اللغة العامية لدي ليست عامية صرفة. وسوف يسعدني أن يقوم دارس ما بإجراء دراسة على هذه اللغة لاستخلاص العبرة وللكشف عن سر.

9- ما الذي يميز القصة الفلسطينية القصيرة المعاصرة عن غيرها في عالمنا العربي؟

هذا سؤال مركب جداً أرجو أن أوفق في الإجابة عنه.

القصة الفلسطينية حاولت لظروف تاريخية أن تكون قصة مسيسة. هذا أساء إليها نوعاً ما وبقدر ما أساء أحسن، بالنسبة لي ولعدد آخر من الكتاب لم تغرنا السياسة فقد كنا مدركين منذ البداية أن الإنسان أهم مما يتعلق به بما فيه السياسة، لهذا كتبنا عن الإنسان وحاولنا أن نكتب أدبا إنسانياً، عن الأم والأب والأخ والأخت والجارة وما إليهم.

أما فيما يتعلق بالتميز أعتقد أن لكل مما يكتب في العالم من قصص تميزه المبني على ذاتيته الإمكانية والمكانية. بمعنى أن الحس المكاني هو هو واحد من الميزات الكبرى للقصة الفلسطينية.

الناصرة بالنسبة لي هي العالم بالضبط مثلما كانت القاهرة بالنسبة لنجيب محفوظ والأمثلة لا تعد ولا تحصى بهذا الصدد.

10- السياسة شيء والوطنية شيء آخر؟ ألا يتسحق الوطن أن تكتب عنه ؟

بلى. كل ما كتبته هو كتابة وطنية. هذا ينطبق على الكتاب كلهم تقريباً في العالم.

لا يوجد هناك كاتب غير مخلص لوطنه، يوجد هناك كاتب سياسي، يحاول أن يستغل شرف الكلمة خدمة لسيده رجل السياسة. بين الوطنية والسياسة فرق كبير، السياسة كثيرا ما تبعدنا عن الوطنية خدمة لهذا السيد أو ذاك أما الأدب فإنه لا يخدم سوى الوطن. إذا قلنا أننا نحن الوطن يتضح ما أردت أن أقول.

11- هل لعبت المرأة الفلسطينية دورا في القصة القصيرة؟ وهل هناك أسماء نسائية ؟

المرأة في العالم عامة ابتدأت هذه الفترة، تتنفس من رئتها. نحن في بدايات مرحلة المرأة في رأيـي. هناك كتابات نسائية ابتدأت في فرض نفسها، لكننا ما زلنا في البداية. المرأة ستكون الكاتب الأكثر عطاء في الفترة القريـبة بسبب انتهاء عهد الحروب. معركة الإبداع الأدبي هي معركة الوجود، فإما أن يعود الكتاب الذكور الى النساء في داخلهم وإلا فإن المرأة ستبزهم جميعا كما ابتدأت في الفترة الأخيرة.

ألفت نظرك إلى إن الكاتبات المبدعات في العالم حاليا هن من النساء، لنتذكر اليزابيت اللندي مثلا والقائمة مرعبة في غناها. المرأة الفلسطينية لا تقل عن غيرها بل قد تتفوق لأنها عاشت مأساة الوجود الإنساني من أقصاها إلى أقصاها.

12- هل تذكر لي بعض من الأسماء النسائية الفلسطينية ؟

أعتقد أن الجميع قرأ لسحر خليفة. لي بعض المآخذ عليها. ما قراته لها قال لي أنها تفتقر إلى الاستدارة النسوية في الابداع. أثارني أن كتابتها مقولبة نوعا ما. إلا أنها تمكنت من أن تفرض نفسها وتترجم إلى لغات أخرى فتحظى باهتمام لا بأس به. هناك كاتبة أخرى تدعى ليلى الأطرش، هناك العديد من الأسماء لكنني لا أنكر أن هذه الكتابة ما زالت في البداية وهو ما يتضح مما تنتجه مع الاحترام لكل من يحاول.الحديث يدور عن الرواية بالطبع.

13- هل يمكن أن تحدثنا عن الحضور المكثف لذاكرة ناجي ظاهر والتعاطي بمكاشفة تمزج بين الواقع والماضي؟

أكثر من أربعين عاما مضت على كتاباتي الأولى وأنا ما أزال أرى أنني ما زلت في مرحلة البداية، السنوات جرت بسرعة هائلة. إلا أنني بقيت مسكونا في الماضي، كثيرا ما ينبهني أصدقاء إلى أن ما يدور الحديث عنه تجاوز حدوثه الربع قرن من الزمن فأستغرب. إلى هذا الحد هو الزمن قصير؟ قبل فترة قلت لإنسانة عزيزة على أترين إلى الماضي كيف مر بسرعة البرق؟ إننا حينما نضحي في المستقبل عن الماضي الذي هو الحاضر الآن ذات الكلام  الماضي حينما يولى لا يترك سوى الحسرات والخسارة والفقد. أنا رجل مسكون بالماضي لا أستطيع أن أتخلص منه مما حاولت وأعيش الحاضر بكل عنفوانه. معايشة اللحظة تعني وجودي ماضيا وحاضرا  خيالا وواقعا .

14- ما رأيك برواية بنات الرياض ؟ الصراع الأيديولوجي ؟ الظاهرة الفنية؟ الجسد؟ لما في اعتقادك يلجأ إليها بعض الكتاب؟

قرأت الكثير عن هذه الرواية. اعتقد انها قدمت صورة يريد ان يراها الآخر والغرب المتوحش عنا، لهذا قام بترجمتها والاهتمام بالترويج لها، الرواية كما أفهم هي قصة بسيط كتبتها صبية في الثالثة والعشرين من عمرها لما يشب ساعدها في المجال الأدبي بعد. لكن يبدو أنها تلت مع كل ما تقدم بنوع من الجرأة. ليس المهم أننا وقفنا أمام رواية قرأها الآخر فقرأناها. إنما المهم هو أن هذه الرواية تحولت إلى موديل يحذو حذوه آخرون.

الإبداع الأدبي حينما يتحول إلى موديل يقلده آخرون يضع ذاته في قفص لا يخرج منه بسهولة هذا القفص هو قفص التقليد والابتذال، هو نوع من الهبل ينتظره من انتظروا الفرصة دون أن تأتي.

15- هل تقصد أن بنات الرياض أصبحت مدرسة للرواية المعاصرة وأخذت طابع التقليد بسبب ما نالته من شهرة؟

كلا. بالمرة لم أقصد هذا. قصدت أنها ضربت على وتر أعجب الآخر أن تعزف عليه كاتبة شابة فجن جنون آخرين، صاحبة الرواية لا تعرف ما هي على ما بدا وأعجبني مقال لكاتب خليجي اعتقد انه سعودي زعم فيه أن عنوان الرواية هو الذي رفع من أسهمها، الويل لنا إذا ما بقينا ننتظر اعتراف الآخر بنا حتى نعترف بأنفسنا كما حصل مع بنات الرياض التي تلتها بنات طهران. أمر مضحك حقا.

هناك الكثير من القصص التي لاهدف ولا رسالة  منها ومع هذا نالت شهرة واسعة بين الشعوب  ,وفي الطرف الآخر هناك كتاب محترمون لا أحد يسمع عنهم. لما هذا برأيك؟

أريد أن أقول لك أنه يوجد هناك فرق كبير بين الشهرة والأهمية، إذا أردت أن تكون كاتبا مشهورا في فتراتنا التعيسة هذه ما عليك الا أن تقيم علاقة مع دار نشر معروفة ومشهود لها، ولا يهم أن تكون كاتبا لا يملك سوى نصف موهبة. أما إذا أردت أن تكون كاتبا هاما فإنه يطلب منك أن تحفر طريقك بأظافر الإبداع التي لا تكل ولا تمل من الحفر، شتان ما بين الشهرة والأهمية هناك كتاب مشهورون ولا أهمية لهم وهناك كتاب على العكس من هؤلاء، أعتقد أن مسؤولية القارئ تجاه ما يقبل على قراءته باتت مسؤولية صعبة وعلى النقد النزيه أن يؤدي دوره وإلا سار العالم إلى المزيد من الدمار.

16- هل هناك ممنوعات  في كتابة القصة أو الرواية؟ وكيف يتغلب الكاتب عليها؟

فضاء الكتابة الادبية في ذروتها هو فضاء الحرية؟، في هذا الفضاء لا ممنوعات. بالمرة لا توجد ممنوعات، بل إنني أرى أن الكاتب المبدع ينبغي أن يرتاد دائما آفاقه المتفردة في حريتها.

أنني أرثي لحال أولئك الذين يريدون أن يضعوا القيود في أيدي الكتاب ويريدون منهم أن يبدعوا اكثر. أجدادنا كانوا أكثر جرأة مني اقرأوا ألف ليلة وليلة لتروا في أي من الآفاق حلقوا إقرأوا أبو حيان التوحيدي أيضا القائمة لا حدود لها.

لا حدود للإبداع والسماء هي السقف.وعلى النقد النزيه غير المجند .

فهمت؟ هذا ما أردت أن أقوله.

17- بتصورك لما يلجا بعض الكتاب لتصوير الحب بصور وعبارات مثيرة؟

اعتقد أن السبب في هذا هو الجهل، هناك الكثيرون من الكتاب لا يعرفون ما هي الكتابة والكاتب المبدع حينما يريد أن يكتب في الجنس لا يكتب الجنس لذاته وإنما هو يوظفه لأهداف أكثر نبلا، الجنس بهذا المعنى، يكتسب بعده الانساني ، أما الكتابة بطرق مبتذلة فإنها تجعل من الكتابة شريطا اباحيا فوتغرافيا لا قيمة له.

الجنس أشبه بواحة فنية أبدعتها ريشة فنان بينما الكتابة في الجنس لمجرد الرغبة والتقليد فإنه لا يعدو كونه صورا فوتغرافية لا تزيد ولا تنقص، بل كثيرا ما تنقص من قيمة صاحبها.

أضيفي إلى هذا أنه يوجد هناك كتاب مقلدون لآخرين من الكتاب المبدعين فإذا ما لاحظوا أن هذا الكاتب انتشر أكثر لأنه كتب عن الجنس قاموا بتقليده دون أن يتمكنوا من الدخول إلى أعماق الكتابة التي توصل إليها.

18- فيما يلجأ البعض الآخر لتصويره على أنه عملية اغتصاب بما نلحظه من عبارات العنف والقسوة.مع أن الحب هو حالة رومنسية بين حبيبين؟

ساهم في تفاقم هذا كله أولئك المراهقون الذين لا يميزون بين الغث والثمين في عالم الكتابة، من هنا أكرر تتبع أهمية أن يتخذ الناقد دوره في التنوير وفي نشر القيم النبيلة حتى لا يحصل المزيد من الضياع باسم الحرية المزعومة.

أنا لا أحاسب الكاتب على الموضوع الذي يكتب عنه إنما أريد أن أحاسبه على طريقة التناول. لا يهمني أن يكتب الكاتب عن أشد الأمور قسوة في الحياة ليكتب عن الاغتصاب مثلا لكن عليه أن يقنعني عليه أن يضيف إلي وإلا لماذا أضيع وقتي في قراءة ترهاته؟.

الكتابة الأدبية هي الشكل وطريقة التناول ولن تكون مهما حاولنا الموضوع نقادنا العرب القدماء انتبهوا الى هذا فادعوا أن المعاني ملقاة على قارعة الطريق وأن المهم هو صياغتها، الأفكار في العمل الأدبي لا تشكل العمود الفقري، بدليل أننا كثيرا ما نقف مبهورين أمام كاتب كتب عن مصح للمجانين والمرضى نفسيا كما فعل توماس مان في روايته الساحرة الجبل السحري.

19- وهل تعتقد أن من حق الكاتب أن يشبه أنبل علاقة بين حبيبين بطريقة وحشية ؟ أن يكتب عن الحب على أنه افتراس وعنف  ؟ ألا يعطي هذا انطباعا سيئا عن الحب؟

ما دام هناك وحوش في عالمنا لم لا؟ المهم في رأيي هو أن ينقل إلينا تجربة تضيف إلينا وتغني تجربتنا الإنسانية المحدودة، أضيفي إلى هذا أننا لا نقرأ ما نريد عادة وإنما نقرا ما لا نعرف ونريد أن نعرف، نحن نقرأ كي نثري تجربتنا المحدودة مهما اتسعت دائرتها، ولا نقرأ ما يؤكد هذه التجربة فحسب.

الحب هو العالم، هناك الحب المعقد والحب العادي، وهناك حب الرجل للرجل والمرأة للمرأة، وحب الرجل للمراة، ليس من حقنا أن نحصر الحب في صورة واحدة وإلا ألغينا الاختلافات بين أنواع الحب، وألغينا بالتالي تجربة انسانية من حقها أن تكون ما دامت كائنة وليس بيدنا إلغاء .

السادية في التلذذ بتعذيب المحبوب، في رواية بول كويليو مثلا إحدى عشرة دقيقة نجد مثل هذا الحب وقد نرى فيه نوعا من التجربة الفريدة .

لماذا تريدين أن تكون الحياة تجربة واحدة في حين أنها بحر من التجارب؟ ألا ترين في هذا تفكيرا محدودا نوعا ما؟

20- ما رأيك  بالأعراف والعادات التي تفرق بين حبيبين ؟ بسب الفوارق الاجتماعية ؟ وهل من حق الاهل أن يفعلوا هذا بأبنائهم بحجة أنهم اعلم منهم بمصلحتهم؟يعني أنت مع ممارسة العنف مع الحبيب؟

تريدينني أن أتحدث في موضوع تربوي له علاقة بالإبداع؟ نعم سأجيبك، أعتقد أنه ليس من حق الأهل أن يتدخلوا في أمور أبنائهم إلى حد الجبر والقسر، فأبناؤنا ليسوا لنا انما هم ابناء الحياة، بإمكان الأهل ان يقولوا رأيهم أما إذا ركب الابن رأسه فليكن له ما يريد، الحق ليس دائما مع الأهل، هناك الكثيرون من الأهالي أرادوا أبناءهم غير ما أراد هؤلاء، والد توفيق الحكيم شكا ذات يوم من أن ابنه لا يريد أن يكون محاميا .

ويريد أن يكون كاتبا، الوقت مضى لنرى أن الحق كان مع الحكيم، تصوري لو أنه رضخ لرغبة والده كما كنا نحن العرب سنخسر هذا واحد من آلاف الأمثلة

هذا لا يتناقض مع الأعراف والتقاليد وهناك أقو ل تدعمه لعلي بن أبي طالب كرمه الله ولعمر بن الخطاب أيضا.

21- ما هي مقومات وقواعد القصة الناجحة ؟ وكيف يبدأ ناجي ظاهر كتابة قصته؟

القصة الناجحة باختصار شديد هي تجربة ناضجة يعيشها الكاتب ولا يهم أن يكون هذا واقعا ويعبر عنها بعد امتلاكه لها جماليا،  أما كيف أكتب قصة فإن هذا متعلق أحيانا بصوت أو صورة ونغم. الكاتب يجب أن يكون فاهما لعصره ممتلكا للقدرة التعبيرية أيضا.

أما الخيال فهو أهم مقومات القصة الناجحة.

22- هل هناك قواعد  للقصة  لا يجب تخطيها؟

هناك فرق بين القصة الصحفية والقصة الابداعية هو فرق بين لوحة فنية وصورة فوتغرافية.

23- ما الكتاب الذي قرأته وأثر فيك؟

هناك الكثير من الكتب. ما يحضرني الآن كتاب ألف ليلة وليلة، لو ذهبت إلى جزيرة لأعيش هناك وحيدا لأخذته معي. هذا الكتاب يحكي قصة الحياة بصورة خيالية مذهلة .إنه يضيف إلى قارئه الكثير

24- هل ترى أن هناك أزمة ثقافة في وقتنا الحاضر ؟ ومن المسؤول عنها؟

لأقل لك، عالمنا اليوم يعيش حالة من الانتقال من فترة الحرب الباردة إلى العولمة على الطريقة الأمريكية، أمريكا نجحت ربما مؤقتا في أن تسيطر على العالم، هذه السيطرة جعلت من القضايا الاجتماعية هي القضايا الأهم، ربما لهذا ابتدأت المرأة في أخذ مكانها اللائق بها، سيكون الكثير من الضحايا حتى تستقر قيم جديدة في العالم,

نعم نحن نعيش في عصر مأزوم.

تريدين أن تحملي أحدا المسؤولية؟ كلام يضحكني قليلا، نحن دائما نبحث عن المسؤول وننسى أننا هو هذا المسؤول ، أننا بصمتنا نعطي للمتجبر الطاغي أن يبالغ في طغيانه أما حينما نرده ولو بكلمة أو سؤال فإنه من المؤكد أنه سيعيد التفكير فيما يقوم به ويمارسه. ذات مرة قلت لإمرة ارفضي الظلم فقالت أنني أخشى ما يمكن أن يمارس ضدي من عنف فعدت لأقول لها إن خوفك هو أشد أنواع العنف تمارسينها ضد ذاتك دون أن تدري، وتشاركين في تواصل ما تعيشينه من مأساة، إن أقوى سلاح في أيدي الطغاة هو صمت المقهورين.

هل تذكرين ما قاله المتنبي وهو : إذا لم يكن من الموت بد .. فمن العار أن تموت جبانا؟

25- هل ترى في الأدباء الشبان أملا في إحياء النهضة الثقافية في عصرنا ؟ تقصد ما يعيشه العالم العربي هو كله بسبب الصمت؟

الشباب بكل ما فيهم من تناقضات هم رسل المستقبل، نعم هم الأمل وهم حاملوا لواء الكلمة لزمن آخر سيكون أردنا أو ابينا ، الزمن في حالة تغير دائمة والشباب هم من سيكونون في الغد لا نحن. هذا ينطبق على الجميع بمن فيهم الشباب العربي الذي ولد أكثر من مرة مثل العنقاء متجددا دائما وأبدا.نعم الصمت هو المشكلة .

26- هل يحتاج الكاتب لبعض التنازلات ليكون معروفاً .كما تفعل فتيات الفيديو كليب؟وأيهما مطلوب أكثر في الوطن العربي فتيات الفيديو كليب أم الكتاب؟

قلت فتيات الفيديو كليب؟ أصبت كبد الحقيقة فالكاتب الذي يتنازل أول ما يتنازل عن نفسه، حينها أفضل له أن يبيع الفشار في شوارع لا سمار فيها.

المتنبي كان مصيبا حينما قال : من يهن يسهل الهوان عليه

على الكاتب ألا يهون لأنه سيسعى إلى حتفه برجليه.

27- ما رأيك بمسلسل نور ومهند ؟هل أضاف شيئا مميزا  للمجتمع العربي؟ ولما يلجأ الشارع العربي لمتابعة مثل هذه المسلسلات؟  

أولا أنا لم أشاهد سوى حلقة واحدة من هذا المسلسل، هذا نقص لا بد من الاعتراف به. ما قرأته عن المسلسل ورفضه لم يعجبني، في رأيي أننا يجب أن نبحث في سبب انتشار المسلسل لأن رفضنا له لن يغير من الواقع شيئا، الأفضل لنا أن ندخل أعمق في رؤيتنا بدل ثقافة الرفض المسبق التي لا تعود على أحد بأية فائدة، هناك من رفض كل جديد تقريبا، غير أن الجديد مضى يتقدم، امعان الفكر أفضل من الرفض السريع، بالنسبة لهذا المسلسل مباشرة أعتقد أنه يكمن وراء الإقبال عليه ظمأ عاطفي.

28- هناك من أفتى بحرمة مشاهدته؟

من حق الناس أن يروا إلى الحب ولو في الخيال من أجل أن يتابعوا الحياة راكضين وراء الحب . من يفتون بتحريم مثل هذه الأمور هم أناس لا يرون أبعد من أنوفهم. تحريم؟ وماذا يفيد هذا؟ الكثير من الامور حرمت في السابق، النتيجة كانت المزيد من الإقبال عليها، أعتقد أن المطلوب منا هو أن نعيش العصر لا أن نبتعد عن نبضه بطرق التحريم والانغلاق.

29- لمن تستمع من مطربات الجيل الحديث ؟ ومن هي مطربتك المفضلة؟

أنغام وأصالة وما إليهما عودي إلى الأجوبة قبل قليل.

30- يقولون أن الجرائد والمجلات العربية تتحيز كثيرا للمبدعين والكتاب من كبار السن حتى وإن كانت كتاباتهم أقل من بعض كتابات الأدباء الشبان مما يكون له أكبر الأثر في تحطيم نفسيتهم. أحمد شوقي وتوفيق الحكيم لم يولدوا مشاهير .فهل ترى أن هذا التصرف  هو تصرف صحيح .أم أن الشباب هم من يرون ذلك فقط؟

الحقيقة القريبة من المطلقة تقول أنه لا يوجد أجيال في الأدب لا شباب ولا شيوخ، يوجد هناك مبدعون ولا يوجد. أما ما يقوم به الإعلام العربي بصورة عامة فهو ما يكرس التخلف الواقع، ويجعل حياتنا عجوزا يقح . التعامل يجب أن يتم وفق الابداع وليس وفق السن، أما إذا تم وفق السن فإن الكارثة ستتواصل حتى نهايتها بالدمار المحتم.

31- كم نسبة من يدعمون المواهب الشابة  من الكتاب الكبار ؟ وهل ترى تلك النسبة قادرة على ايجاد جيل جديد من الكتاب الكبار؟

المبدعون الشباب في الفترة الراهنة لم يعودوا بحاجة إلى الكبار سنا، أو قيمة، ذلك أن وسائل الاتصال وفرض الرأي الواحد انتهى، الخوف الحقيقي الآن يأتي من أن يدخل الشباب إلى نوع من السطحية والكذب والنفاق من أجل الظهور المجاني وهو ما نشاهد بعضه في بلادنا، على كل حال حاليا في فترة الانترنت أعتقد أن الآية انقلبت وأن الشيوخ باتوا يطالبون بحقهم من الشباب الذين يتقنون التعامل مع أدوات الاتصال العصرية في طليعتها الانترنت، كما أنهم يتقنون اللغات الأخرى بصورة أفضل،عالمنا العربي ليس استثناء في هذا،المستقبل للشباب.

32- لما لم يظهر في جيلكم من هو بكفاءة وابداع حافظ ابراهيم  واحمد شوقي وجبران وايليا ابو ماضي ونزار قباني وغيرهم.لماذا؟ ومثل القدماء امثال الفرذدق والمتنبي ؟ المستقبل للشباب  واليوم لمن؟ الشباب يرى ان حقه ضائع ولم تمنحوه الفرصة ؟

دعي التاريخ يحكم. دعي الوقت فلدي إحساس أنه يوجد بيننا من لا يقل أهمية، ليمضي الوقت كما مضى السابق بعد ذلك نتحدث.

34- كيف؟

الكلام عن الشباب، كان صحيحا إلى ما قبل انتشار الانترنت، بعده تغيرت الآية، من لا يعترف بهذه الحقيقة اليوم سيبصم عليها مرغما في الغد.

أنت تتحدثين عن أشخاص ومبدعين باتوا حاليا في حكم التاريخ والماضي، أقول دعينا نصبح مثلهم ألا يمكن أن تأتي فيما بعد فترة تاريخية لتطرح مثل سؤالك على كاتب آخر سيأتي بعد مئة أو مائتي عام إذا ما بقيت هناك قيمة للكلمة المكتوبة.

35- هل ترى أن المسئولين عن الأدب والثقافة في وطننا العربي قادرون على التعاطي مع الأدباء الشبان ؟ وما رأيك بمن يقومون بفتح مواقع خاصة لهم على الشبكة العنكبوتية ؟ مثل المدونات وغيرها ... وأيضا بإنشاء مواقع أدبية ومواقع ثقافية أو مجلات ؟

إذا لم يكن هذا بإرادتهم سيكون غصبا عنهم وإلا فإنهم سيحكمون على الحياة العربية بالمزيد من الدمار.المدونات هي طرق مشروعة لكن المدونة بحد ذاتها لا تصنع مبدعا، المبدع هو من يصنع نفسه.نعم هذا كله يساعد على تطور الحياة ومنح الشباب مكانهم اللائق بهم .إلا أنني أؤكد أن الكاتب المبدع هو من يصنع نفسه وليس الموقع أو المدونة

36- هل سيأتي زمن يصبح فيه الكتاب منسيا وتصبح الأولوية للشبكة العنكبوتية؟

اعتقد هذا، الكتاب الورقي في طريقه الى النهاية، اقول هذا الكلام وفي عيني دمعة على زمن عشته، الا ان هذه هي الحقيقة لا أريد أن أقول المرة حتى لا أتهم بالتخلف. وانما أريد أن أقول أن التغير هو القيمة الأساسية في الوجود .

37- دائما ما  يسأل الناس عن الحياة.لكني سأسأل عن الموت . ما رأيك بالموت؟ وهل تخاف منه؟ وما يعني الموت للكاتب ؟ بعد عمر طويل بالصحة والعافية طبعا.

موت الكاتب في رأيي هو بداية من نوع آخر نحن العرب وحتى الأجانب إلى حد ما، اعتدنا على أن نهتم بأدبائنا بعد رحيلهم، الموت بهذا المفهوم هو فرصة لتسليط الضوء على كاتب مهم، أما إذا كنت تقصدين الموت بمفهومه الجسدي، فإنني لا أملك إلا أن أردد ما قالته لي أمي عندما رفضت أن تموت، قالت إن الموت حق .

38- هل أنت راض عن ما كتبته؟ وهل ما زال عندك ما تكتبه؟ هل سيأتي يوم تتوقف فيه عن الكتابة؟

الرضا التام أمر لا يمكن ادراكه، لكن ربما يكفي أن أقول لك أنني أتحمل مسؤولية ما أكتبه ولا أنشره إلا بعد أن يخضع لذائقتي النقدية المتشددة. ما دمت حيا سأواصل الكتابة وسوف أطمح دائما لأن  أجد القارئ الذي يرضى عني ويتقبلني بسلبياتي وايجابياتي أي يتقبلني كإنسان وككاتب.أنا أعيش بالأمل وأحاول أن أتصادق معه .قلت إن الحياة مستمرة ولا تتوقف، ما قلناه هنا هو واحد من المشاوير.

- كلمة أخيرة توجهها للأدباء الشبان.

كونوا جادين، لا تستسهلوا النشر، أكتبوا لأنفسكم قبل أن تكتبوا لآخرين، اصنعوا أنفسكم بأنفسكم، فإذا لم تربحوا العالم ستربحون أنفسكم وهذا هو المطلوب في النهاية.

شكرا لك لأنك أتحت لي هذا الشرف في لقاء ثاني معك .

شكرا لكِ لأنك أتحت لي فرصة لأقول كلاما كنت أحب أن أقوله منذ فترة. وعندي الكثير لكن أتركه للقاءات أخرى .