التطرف والتدين وجهان لعملة واحدة عند الروائيين

مغالطات ..أم خلط للمفاهيم؟

التطرف والتدين وجهان لعملة واحدة عند الروائيين

محيط - شيماء عيسى

ليس كل من تظهر عليه أمارات الإلتزام الديني يستحق الوثوق به، ففي حالات كثيرة يكون المظهر خادعاً مغايراً للجوهر، ولكن أن يحدث العكس ولا تعرض الروايات ورسوم الكاريكاتير غير نموذج نمطي لمدعي التدين، الذين جعلوا الدين عبئا بدلا من كونه حافزا للحياة، في الوقت الذي تختفي فيه النماذج الجيدة التي نقابلها كل يوم للمتدين الشريف، هنا تلوح علامات التعجب حول رؤية الكتاب لهذه القضية الشائكة، وموقف الروائيين ومسئوليتهم من الدين والمتدينين. 

د. علاء الأسواني ، الأديب المصري صاحب رواية "عمارة يعقوبيان" الشهيرة التي تلاها برواية "شيكاغو" يرد على صورة المتدين المشوهة بكتاباته قائلا بنبرة واثقة : حينما أبرز أشخاصا يتظاهرون بالتدين وهم منافقون بداخلهم وتغلب مصالحهم الشخصية على كل القيم ، فأنا لا أسيء لصورة الدين الإسلامي ، ولكني أخدمه لأني أكشف عورات هذه النماذج التي تسيء للدين وليس لمن يكتب عنها ، وطالما أنها موجودة بالحياة يحق لي أن أسلط الضوء عليه. فالأدب يركز على الغريب وغير المألوف، والإنسان السوي الذي يحترم نفسه ودينه لن يخرج للأديب شيئا يكتب عنه.

سألته: ألا ترى أنك خاصمت المتدينين في هذه الرواية ؟

فأجاب :لم أخاصم الإسلام ولكني تعمدت مخاصمة المتدينين الحاليين، أولئك الذين فهموا التدين على أنه مجرد شكل فارغ من أى مضمون أخلاقي وروحي في الأساس ، والذي جعل الدين عبئا علينا بدلا من كونه حافزا للحياة ، فقد كتبت على سبيل المثال بإحدى مقالاتي عن ظاهرة "الحجاب والإستريتش" ، كيف أسير على الكورنيش وأرى فتاة محجبة تجلس في أوضاع غير لائقة مع شخص غريب ، أو كيف يترك الأطباء مرضاهم في رمضان ليصلوا التراويح ؟ .

واختتم مجيبا على سؤال حول انتقاده للمتدينين في العالم العربي ، بأنه في العشرين عاما اختفت قراءتنا المنفتحة للدين ليتحول لمجرد شكل ، وكأن كل من أطلق اللحية وارتدى الجلباب أصبح متدينا وشيخا ، رغم أن المتدين يميزه عن غيره تعاملاته مع الآخرين.

إساءة مقصودة

   ويرد د ابراهيم عوض أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس على الرأى السابق قائلا: تعمد تصوير المتدينين في الروايات بهذه السلبية يدل على أن المسألة مقصودة ؛ فالأديب الذي لا يتمكن من مهاجمة الدين يهاجم المتدين بدلاً منه، فالمتدين الحقيقي ينادي بالعفة والتقوى وحتى لو ارتكب ما يخالف ذلك فإن ضميره يؤنبه، أما الآخر فيمارس أي شيء معيب وفق فلسفة رسمها لنفسه .

ويستطرد الكاتب الصحفي في دهشة : الغريب أن دور النشر المتخصصة تحتضن الكتاب والأدباء الذين أسموا أنفسهم المتحررين، وهذه الدور لها مؤسسات في الخارج تدعمها ماديا وأدبيا من خلال الجوائز المقدمة، لأن هذه الأفكار "التحررية" مطلوب نشرها بالعالم العربي بقوة.

فهناك مثلا ميرال الطحاوي روائية مصرية لم يسمع أحد بها إلا حينما طرحت روايتها "الباذنجانة الزرقاء" وخلعت الحجاب وأصبح لها آراء جديدة تتماشى مع الغرب ، ومن الأمثلة التي تدهشنا أيضا د. نوال السعداوي فلغتها الأدبيه تثير الإشمئزاز ومع ذلك تدعي أنها أفضل من طه حسين والعقاد .

ريشة عمرو

أما عمرو عكاشة رسام الكاريكاتير بصحيفة "الوفد" المصرية فبسؤاله عن الأسباب التي تجعل رسامي الكاريكاتير يركزون على الشخصية المتدينة بصورتها النمطية التي قدمها الإعلام العربي، قال: الفن مرآة للمجتمع، وما يلفت إنتباه الفنان ويستثير ريشته للحركة هو الشخص اللافت للإنتباه، فإذا شاهد شاباً ذو شعر" كانيش" ويرتدي شورت أو بنطلون "ساقط" على الموضة سيسجل هذه المسألة ، كذلك الأمر إذا شاهد رجلا ذو لحية وعلى جبهته علامة الصلاة لابد أن يراقب تصرفاته، وأغلب من صادفتهم ممن تبدو عليهم أمارات التدين الظاهري وجدتهم "محتالين" .

وبسؤاله عن وجود نماذج إيجابية من المتدينين صادفهم بعمله أجاب أنه لا ينكر ذلك ، ولكن أغلبهم لا يظهرون تدينهم هذا بل هو يكتشفه ، وهم من جميع الطبقات من الميكانيكي حتى أستاذ الجامعة ، وإن كان يعيب عليهم "الإنغلاق" وعبوس الوجه ، واعترض على سبيل المثال على أحد المهندسين الذين تبدو عليهم علامات الإلتزام الديني وقد قال له أن " الله سيعذبه على رسومه لأن الروح ستنفخ فيها يوم القيامة " على الرغم من أنه لا يوجد إجماع بين الفقهاء على ذلك .

وظيفة تنويرية

   ويرى د. عبدالله الفيفي الناقد المعروف ونائب رئيس اللجنة الثقافية بمجلس الشورى السعودي، أن مفردات ( الدين - الجنس- السياسة) تمثل ثلاثية محرمة، الاقتراب منها يستفز دوما ردود أفعال تزداد حدتها بالعالم العربي ، نتيجة لحرمة النقد نفسه وترادفه في بعض الأذهان بالإنتقاص ، إضافة لمكبوتات اجتماعية وثقافية شتى تحيط بتلك المفردات ، إلا أنه لا يمكن أن نغفل في المقابل أن دوافع الحصول على المال أو الصيت قد تبعث على تعمد استثارة ردود الأفعال تلك من قبل الكتاب أو الناشرين.

ويشير الى أننا لا يجب أن ننسى أن النشر تجارة ولكنه أيضا رسالة، لذا فإن البحث عن الإثارة المجانية ومن ثم التسويق والمردود المادي تحت شعار "كل ممنوع مرغوب"، و"الجمهور عاوز كذا" أصبح اليوم يُملي على بعض الدور الناشرة أجنداتها.

وقال: "أنا لا أميل لتصنيف قضايا اجتماعية أو دينية على أنها محرمة الكتابة فيها ، كما أن فضح المسكوت عنه (الذي فيه ظلم) هو واجب أخلاقي قبل أن يكون واجبا أدبيا ، ولكن هل يلزم من ذلك شرح تفاصيل المسكوت عنه على الملأ ، بكل قبحياته؟ هنا ندخل دائرة الترويج للمسكوت عنه والإغراء به! ، إذن العملية سلاح ذو حدين.

ويعتبر النائب السعودي أن تصوير المتدين بصورته المشوهة النمطية أمر تقليدي، تبنّته تيارات عربية لها مواقفها من الدين أصلاً، وقد بدأ ظهور تلك الصورة مع المسرح العربي ثم السينما، وليس من تصوير الواقع في شيء أن يكرر الكاتب تلك الصورة النمطية التقليدية مسلما بمضامينها ، وإلا يكون قد شذ عن وظيفته التنويرية إلى وظيفة تشويهية انتقامية؛ إذ ليست هناك فئة من الناس ذات صورة واحدة، لا خيرة بإطلاق ولا شريرة بإطلاق، فمسؤولية الكاتب الحقيقي تحتم عليه ألا يجعل نصه مطية ثأر شخصي أو أو قَبلي أو مذهبي مهما وقع عليه ظلم كي يشفي نفسه بنفث سمومها في نفوس الآخرين، وهو أسوأ ما ينزلق إليه أديب يحترم قلمه ، إذ الأدب ليس للفضفضة ، وبين حدي "الفضفضة" و"التطهير" يقع الخلاف في فهم رسالة الأدب بين الناس منذ الأزل.

مفهوم التدين

   وينهي شوقي حافظ المترجم والكاتب الصحفي هذا الجدل موضحا معنى كلمة "متدين" فيقول: البعض يرى أن صلاح الأمة لا يعود إلا بالعودة إلى ما كان الحال عليه في صدر الإسلام، بما يعنيه ذلك من إعادة إنتاج لثقافة "الخيمة والنخلة والناقة" وتناقل التراث الفقهي للسلف، دون أي جهد في التحقيق والتفسير والتأويل بما يساعد في إيجاد سبل رشيدة للتعامل مع عالم تتوالى مستجداته بسرعة هائلة ، وهناك من يرفض كل هذا الموروث ويكتفي من الدين بأداء العبادات ، بينما تفاصيل حياته اليومية وتعاملاته تحكمها ثقافات مغايرة ، وتيار ثالث يحاول التوفيق بين هذا وذاك بوسطية تسعى لتجديد الخطاب الإسلامي بعقلانية تنأى عن زعيق المتعصبين والمتطرفين.

ويتصل بهذا الأمر ذيوع تفسيرات مغلوطة يدعي أصحابها أنها الحق ولا يعترفون بحق الآخر في الإختلاف ، وقد يصل الأمر درجة الإتهام بالكفر ، ثم ننتقل لدعاة الإسلام في هذا العصر لابد أن يكونوا مسئولين بالدرجة التي لا تجعل منهجهم متوقفا على الأحكام الفقهية، مثل مبطلات الصيام ونواقض الوضوء دون التطرق إلى روح الشريعة المنحازة للعدل والحرية والمستضعفين في الأرض ضد الطغاة . !!

على المسلمين أن يتفقوا على ما ليس فيه اختلاف القرآن والسنة النبوية المؤكدة، وأن يحيوا علوم الدنيا لتوفير الطعام للأفواه المسلمة والبحث العلمي وصولا للحاق بقاطرة التقدم التي سبقتنا كثيرا ، مع انفراجة ديمقراطية حقيقية تمارس دورها في النقد والمراجعة والمحاسبة لتقويم المسار ، وإيمان بالتعددية وحقوق الآخر .

   وإلى أن يحدث ذلك ستظل الصورة المنفرة الكريهة لنموذج المتدين الذي يلجأ إلى فتونة المنابر والتهديد والوعيد والصراخ المتشنج ، وتقديم نموذج رب توراتي يميل لحسم العلاقة بينه وبين عباده ببطش دموي ، ليس هو بالقطع رب التقوى ورب المغفرة الذي وسعت رحمته كل شيء ، ولم تسعه سماواته وأرضه ولكن وسعه قلب عبده !