الكاتب الصحفي أسامة الألفي يتحدث لـ "المصريون"

أبو الحسن الجمّال

الكاتب الصحفي أسامة الألفي

يتحدث لـ "المصريون"

أبو الحسن الجمّال

  فى زمن شحت فيه القدوة وندرت كان لزاما علينا أن نهرع إلى الأصلاء والبقية الباقية من الزمن الجميل، وهذه الصفات تنطبق على محدثنا اليوم الكاتب الصحفى والأديب الناقد الأستاذ أسامة الألفى نستجلى معه رحلته مع الثقافة والأدب فكان حديثا عذباً جميلاً من القلب عرفنا من خلاله أسراراً ومواقف عن حياته ونشأتته وبعض الأعلام الذين تأثر بهم فى المرحلة الثانوية عندما ألف أول كتاب له وقدم له الأستاذ العلامة أحمد كمال زكى، ثم ذكرياته فى المرحلة الجامعة وفى بلاط صاحبة الجلالة.

  ولد محمد أسامة عمر أحمد الألفى (أسامة الألفى) فى مدينة القاهرة فى العاشر من نوفمبر 1949، حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية جامعة عين شمس 1972، وكان الثامن على دفعته، وعمل بالصحافة فى مصر وعدد من الدول العربية منها ليبيا وزامل هناك أعلام الفكر والأدب، وله على الصعيد الأدب والثقافى العديد من الأنشطة منها تأسيسه لصالون المتنبى الثقافى ومشاركته فى أكثر من مؤتمر ومهرجان ثقافى وأثرى المكتبة الثقافية بالعديد من المؤلفات التى دلت على تبحره وتكمنه من مجال الأدب والفكر والثقافة منها "تطور الشعر العربى فى العصر الحديث" ألفه أثناء المرحلة الثانوية سنة 1967، وقد له الدكتور أحمد كمال زكى كما أسلفنا، وكتاب "لماذا أسلموا"، و"نزار قبانى قيل وقال"، و"اللغة العربية وكيف ننهض بها نطقًا وكتابة" و"الهوية القومية في الشعر العراقي المعاصر"، و"عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم" وغيرها وقد حصل الألفى خلال مشواره على صور من التكريم والجوائز منها جائزة يوسف السباعى النقدية، وجائزة وقف الفنجرى أكثر من مرة، وجائزة جماعة الوسطية الأدبية وهو عضو بنقابة الصحفيين واتحاد كتاب مصر ورابطة الأدب الحديث بالقاهرة ورابطة الأدب الإسلامى وغيرها ...

وفى السطور التالية نحاوره حول أهم القضايا التى تشغل الشأن الثقافى والأدبى فى مصر إضافة إلى نشأته وعلاقته بأساتذته وأعلام عصره وإلى نص الحوار:    

بداية حدثنا عن النشأة وكيف كانت للقدوة أثرها فى تلك النشأة؟

نشأتي كانت عادية دينية متنورة بين والدين يخشيان الله، ولم يكن أي من أسرتي مهتمًا بالأدب، وبرغم أن والدي كان يردد من حين لآخر أبيات حكمة لأمية بن الصلت والإمام الشافعي وأبي العتاهية وأبي العلاء المعري، إلا أن الكتب التي كان يطالعها تنحصر في كتاب الله وتفسير بن كثير وصحيحي البخاري ومسلم وبعض كتب الشيخ شلتوت، وفي الرابعة من عمري في خمسينيات القرن الماضي كسبت أول قرشين بجهدي، إذ كان أخي الأكبر - يرحمه الله - يعمل مدرسًا للغة الإنجليزية في إحدى مدارس القاهرة، ويزامله الشاعر الراحل  صلاح عبد الصبور مدرسًا للغة العربية، وكان عبد الصبور يأتي إلى منزلنا برفقة أخي وأصدقائهما، وكثيرًا ما كنت ألمحه يقف على شباك الغرفة يدندن منعزلاً عن المجموعة، وكنت في تلك السن الصغيرة ألتقط كلماته، وأظنه مجنونًا يكلم نفسه، وفي أحد الأيام وبعد انصرافه مع أصدقاء أخي، صعدت على كرسي ووقفت على الشباك أردد ما كان يردده، وسمعني أخي الأكبر فاستغرق في الضحك، وحين جاءت الشلة ومن بينها الشاعر الكبير استدعاني أخي، وطلب مني أن أقلد عبد الصبور، وفعلت وضحك الجميع مصفقين ومهللين، فيما أقبل عليّ صلاح وحملني وأخرج من جيبه قرشين صاغ - وكانا أيامها ثروة بالنسبة لطفل صغير في الرابعة من عمره - وأعطاني أياهما وقبلني، وكانت هذه بداية تعرفي على الأدب، إلا أن أكبر مؤثر في اتجاهي أدين به لشخصين أولهما بائع كتب لا يحمل مؤهلاً لكنه مثقف كان يقف بعربة كارو بالقرب من منزلنا بحدائق القبة، وكنت في صباي أستأجر منه الكتاب بنصف قرش، لأقرأه ثم أعيده، وكانت عربته الكارو أول مكتبة ثقفتني، الشخص الثاني الذي أثر في مسيرتي كان أستاذي الشاعر والناقد الكبير د.سعد دعبيس، الذي تتلمذت على يديه في المرحلة الثانوية، قبل حصوله على الدكتوراة وانتقاله للعمل في الجامعة.

وما هى الدوافع التى جعلتك تتجه إلى دراسة الأدب العربى وما هى ذكرياتك عن الأساتذة ورفاق دربك خلال مشوارك وما علاقة هذا باتجاهك إلى الصحافة؟

وجودي في المرحلة الثانوية مع أستاذ وشاعر رائع مثل د.سعد دعبيس حبب إليّ الأدب، لهذا ما أن وصلت إلى السنة الثالثة الثانوية حتى وضعت أول كتبي "تطور الشعر العربي في العصر الحديث"، وهو عبارة عن دراسة يغلب عليها النقل لا إمعان العقل، وشرفني بمراجعتها وكتابة مقدمتها متطوعًا رعاية لي دون سابق معرفة الناقد الكبير د.أحمد كمال ذكي - يرحمه الله – وطُبع الكتاب في مطبعة مدرسة النقراشي النموذجية الثانوية، التي كانت مدرسة شاملة وقتها، ففيها ملاعب ومعامل لكل شيء منها ملعب كرة بالحجم الطبيعي (توجد مكانه الآن عمارات الرئاسة) وفيها حصص هوايات للفنون والآداب والصحافة والطباعة، تخرج فيها عديد من الوزراء مثل د.ممدوح بلتاجي واللواء حسن الألفي وآخرين، والفنان التشكيلي يوسف فرنسيس، والرياضيين: أحمد صفوت (خامس العالم في الإسكواش يرحمه الله) وعصام عبد المنعم وشريف مدكور وصلاح حسني (لاعبي كرة القدم بالنادي الأهلي) وآخرين، وكانت النقراشي مفرخة للمواهب والمباديء، ويكفي أن أذكر أن المرحوم حسام السادات ابن شقيق الرئيس أنور السادات (رئيس مجلس الأمة وقتها) تطاول ذات مرة على أحد المدرسين، فما كان من ناظر المدرسة إلا أن فصله فصلاً نهائيًا، ولم تفلح وساطة عمه السادات في إعادته للمدرسة، وإن عدّل القرار لينقل إلى مدرسة أخرى، هكذا كان التعليم زمان يفرخ المباديء ولا يكتفي بمجرد تلقين العلوم.

وفي آداب عين شمس درست على يد جهابذة اللغة والأدب العربي من أمثال الدكاترة العظام مهدي علام، عبد القادر القط، عز الدين إسماعيل، رمضان عبد التواب – يرحمهم الله – ومحمد عبد المطلب وعفت الشرقاوي، متعهما الله بالصحة وأطال عمرهما لتنتفع أجيال جديدة من علمهما.

وكاد مستقبلي ينتهي في عامي الجامعي الثاني، إذ كان من بين المواد المقررة مادة "العروض" التي تعتمد أساسًا على السمع والنطق السليم للفظة، كي يمكن تشكيل الكلمة وتقطيع البيت الشعري تقطيعًا سليمًا، ولأن محصولي اللغوي السماعي توقف عند سن 9 سنوات - وهي السن التي تعرضت فيها لحادثة أدت إلى فقدي السمع كليا بكلتي الأذنين- فقد رسبت في هذه المادة فيها برغم نجاحي بتفوق في باقي المواد، ولإدراكي باستحالة اجتيازها لكون 90% من محصولي اللغوي اكتسبته من خلال قراءة الكتب، وهي غير مشكولة، وبالتالي أنطق اللفظة خطأ في أحيان كثيرة بتسكين الحرف المتحرك وتحريك الساكن، لجأت إلى الصحفي الراحل فيليب جلاب، الذي أحالني بتوصية إلى أ.محمود عارف محرر أخبار الجامعة بجريدة الأخبار - أطال الله عمره ومتعه بالصحة - وكتب أ.عارف حكايتي مناشدًا الوزير إعفائي من هذه المادة وتقرير كتاب إضافي عليّ بدلا منها، أو تشكيل الكلمات لي على أساس أن الدرجة تمنح على صحة تقطيع البيت الشعري، وأهتزت الوزارة إذ كنت أول حالة تعرفها جامعات مصر، وتحركت واجتمع مجلس قسم اللغة العربية برئاسة د.عبد القادر القط، ووافق الجميع على تشكيل الكلمات لي لأقوم بالتقطيع ولم يشذ عن الإجماع سوى الراحل د.إبراهيم عبد الرحمن، الذي لم يصدق حقيقة حالتي وتوهم أني أدعي ذلك، والغريب أني كنت أحصل في مادته "الأدب العربي"على تقدير ممتاز ولم يشفع لي ذلك عنده، وجرى تشكيل الكلمات لي ونجحت في المادة وتخرجت، وجاء ترتيبي الثامن على دفعة القسم بفارق درجة ونصف مئوية عن زميلي الذي عُين معيدًا.

وكانت هذه الواقعة سببًا في اتجاهي للعمل الصحفي، حيث عملت بداية في جريدة "التعاون" وكانت ظروفها سيئة، فتركتها بعد شهور حينما جاءني تكليف القوى العاملة أمينًا لمكتبة مدرسة، لكني لم أمكث كثيرًا وتركت الوظيفة لأمارس عشقي للصحافة.

ومن أثروا فيّ خلال عملي بالتعاون رئيس تحريرها الراحل أ.محمد صبيح، وهو رجل من مظاليم الإعلام، فقدراته الصحافية والثقافية تفوق قدرات هيكل ونافع وسعدة وسمير رجب مجتمعين، لكنه لم يكن محظوظًا في علاقته بالسلطة لاعتزازه بنفسه فتم وضعه في جريدة لا يقرأها أحد، وأذكر أيضًا من كتّاب "التعاون" الفنان القدير عبد الوارث عسر، والذي لا يعرف كثيرون أنه كاتب رائع وشاعر كبير، وأيضا شيخ كتّاب فن المقامة الراحل عباس الأسواني، والمفكر الإسلامي د.محمد أحمد عيسى عاشور رئيس تحرير المجلة المحتجبة "الإعتصام" ونجل مؤسسها – يرحمهما الله – إلا أن بداية تجربتي الصحفية الحقيقية كانت بسفري إلى ليبيا حيث عملت بصحيفة "البلاغ" لعام و8 شهور استقلت بعدها لظروف العداء بين السادات والقذافي، ومن زملائي في الجريدة معالي الأستاذ عبد الرحمن شلقم وزير الخارجية فيما بعد، والأديب الكبير أحمد إبراهيم الفقيه، والصحافي الفلسطيني عبد الباري عطوان واعتبر فترة العمل في ليبيا فترة تأسيس الوعي بالعمل الصحفي، ولا تزال صلتي بكل الزملاء الذن زاملتهم في ليبيا ثم السعودية مستمرة عبر المراسلة على الشبكة العنكبوتية "الإنترنت"، والالتقاء بمن يزور منهم مصر.

كيف ترى الواقع الثقافى فى مصر فى الوقت الراهن؟

يجب أن نعترف أن واقعنا الثقافي لا يسر وفي تدهور مستمر منذ 4 عقود ولا يزال، والسبب يتمثل في أمرين، الأول أن التعليم بوضعه الحالي المعتمد على تلقين المناهج وصيرورة الامتحان غاية لا وسيلة، وغياب النشاطات اللامنهجية التي تعوّد الطلاب على استخدام العقل والاستنباط والتحليل، وتكشف مواهبهم وميولهم وتنميها قد أفرز لنا شبابًا يقرأ ويكتب لكنه غير مثقف، والأمر الثاني أننا أبتلينا على امتداد 4 عقود بأناس من أمثال من أمثال جاد أبو العلا في رائعة نجيب محفوظ "المرايا"، وهؤلاء يحاربون ظهور أية مواهب أو قدرات ليظلوا يأكلون على موائد كل الرؤساء.

ما السبل التى ينبغى أن نتبعها لإعادة إبراز دور مصر الثقافى على المستوى العربى والعالمى؟

حين يعود المثقف المصري الحقيقي إلى مكانته في بلده ويمارس دوره بفاعلية، فسوف يعود دوره عربيًا وإقليميًا وعالميًا، فتقلص هذا الدور محليًا هو ما أدى إلى تراجعه على المستويين العربي والعالمي.

كيف ترى مستقبل الثقافة فى مصر؟

ثقتي كبيرة أن وعي الشعب والمثقفين بعد ثورة 25 يناير سوف يؤدي إلى ثورة ثقافية تطيح بكل الرموز الثقافية المصطنعة المهيمنة حاليًا على الساحة، والمسألة مسألة وقت ليس إلا.

متى تذلل العقبات التى تواجه المبدع كى يرى عمله النور فى ظل هيمنة تيار أحادى على وزارة الثقافة الذى يستبعد كل معارض له؟

لن يحدث ذلك بين يوم وليلة، فالأمر يحتاج إلى تضافر جهود كل الأصلاء، للتخلص من بقايا مثقفي الحظيرة الذين لا يزالون يسيطرون على الساحة الثقافية ويتبادلون الجوائز والمؤتمرات في غيبة من تواجد حقيقي للمثقفين الأصلاء.

متى نرى نظرية أدبية حقيقة تنبع من الثقافة المصرية العربية ولا تصطدم بالتربة المصرية التى تطرد كل غريب وشاذ؟

هناك بالفعل نظرية موجودة تقوم على أسس من فكر الجرجاني وابن جني مع أخذها برؤى حديثة، ولكنها للأسف لم تكتمل إذ حوربت في مهدها، عن نظرية الأدب الإسلامي اتحدث.

كيف نستفيد من تراثنا العظيم؟

بقتله بحثًا ودرسًا وفهمًا واستيعابًا، فعندئذ سوف ندرك قيمته وسنعرف كيف نستفيد منه.

كيف ترى مستقبل الأدب الإسلامى؟

حتى الآن لم يأخذ  الأدب الإسلامي الوضع اللائق به لسببين: الأول أن فكرته لدى العامة غير واضحة، وأسهمت السياسات الإعلامية العلمانية في ذلك، حين اعتبرته أدبًا موجهًا وسعت إلى حصر مضمونه في الروايات التاريخية والدعوة إلى الإسلام، في حين أن مضمونه أشمل من ذلك، فهو باعتباره أدبًا يعبر عن ضمير المجتمع ويتناول كافة قضاياه، والفرق بين الأدب بمفهومه لدي العامة والأدب الإسلامي أن الأخير يرفض الإسفاف وينفر مما يتعارض مع القيم، فهو حين يتناول قصة حب – مثلاً - يقدمها في طابع إنساني عفيف، ولا يلجأ للإيحاءات المبتذلة، والأدب الإسلامي بهذا المفهوم ينطبق على كل أدب راقٍ يراعي مكارم الأخلاق سواء كان كاتبه مسلمًا أو غير مسلم، السبب الآخر أن الأدب الإسلامي على المستوى التنظيري لم يصل بعد لمرتبة النظرية العلمية، فما تزال نظريته غير مبلورة، وحالت ظروف سيطرة العلمانيين على وسائل الإعلام دون استكمال بلورة النظرية، وآمل أن يتم ذك إن شاء الله عبر المخلصين لفكرته من أمثال د.عبد القدوس أبو صالح و د.حلمي محمد القاعود ، وغيرهما.

مستقبل الترجمة من اللغات الأخرى وكيف تراها فى الوقت الحالي؟ (طبعا نريد رأيكم دور الدولة متمثلة فى المجلس القومى للترجمة والنصوص المترجمة هل أدت الغرض أم هناك عوامل أخرى من الشللية والصداقة والأدلجة)

كي تكون لدينا فعلاً حركة ترجمة حقيقة ونشطة، علينا أن نعرف أولا: ماذا نترجم؟ ولماذا نترجم؟ وكيف نترجم؟ فالترجمة ليست هدفًا في حد ذاتها، وإنما وسيلة لنقل المعرفة، ولابد أن تكون هذه المعرفة مفيدة وغير مفسدة أو ضارة، فلا أرى جدوى مثلاً لترجمة أدب البورنو أو أدب الإعتراف أو ثقافة العنف والإلحاد وكتب السحر والتنجيم، لتعارضها مع قيمنا وعاداتنا، والمجلس القومي للترجمة فكرة طيبة، لكنه ككل الأفكار يعتمد على من يطبق وينفذ وتوجهه، وهنا موضع الخلل، فالكثير مما يترجم لا يعتمد الجودة معيارًا للترجمة، بقدر ما يتعمد على علاقة المترجم وصلاته ومدى نفوذه وتأثيره في ولاة الأمور، فالشللية موجودة وفاعلة أيضًا.

مظاهر الفساد الثقافى فى كل مؤسسات الدولة منها دار الكتب وهيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة؟ وكيف السبيل إلى القضاء على هذا الفساد؟

المنظومة الثقافية كلها أصلاً تعاني أمراض الشيخوخة والفساد، وقد سجلت في كتابي "ثقافة بوس الواوا" بعضًا من هذه الجوانب، والمشكلة ليست فقط في الأشخاص، إنما أيضًا في الظروف والعوامل التي تسهم في صنعهم.

هل أدت وزارة الثقافة دورها على مدار ستة عقود؟ وهل يمكن الاستغناء عنها وإلغاءها؟

منذ تأسست وزارة الثقافة وهي ترتبط بالسلطة وتحاول ربط المثقفين بها، وكان هذا الدور مستترًا في حياء في عهدي د.ثروت عكاشة ويوسف السباعي، ثم نُزع برقع الحياء في عهد فاروق حسني كاشفًا دور الوزارة الحقيقي الرامي إلى إدخال المثقفين إلى حظيرة السلطان، وعلى الرغم من رفضي للأسلوب الذي تتبعه وزرة الثقافة، إلا أنني أرى وجودها ضروريًا، بشرط أن يدرك الوزير أنه ليس صانعًا للثقافة وأن دوره توفير أدواتها فقط، وأن يغير عتبة بابه، فعليها يجلس مجموعة من الضباط السابقين وبعض المومياوات من أرباب المعاشات الذين مكانهم متحف التاريخ الطبيعي لا أروقة وزارة للثقافة.

ما هو دور مجامع اللغة العربية فى الحفاظ على اللغة العربية بعد سواد لغة النت ولغة مواقع التواصل الإجتماعى؟ 

ماذا يمكن للمجامع أن تفعل بينما المدارس تكرس العامية في الفصول، والإعلام الجاهل يكرسها في الفضائيات، والشوارع تنطق وتعج بمصطلحات غريبة لدرجة أني عرفت معنى بعضها من حفيدي ابن الثامنة !!

كيف ترى دور الصحافة الثقافية فى خدمة الأدب؟

الصحافة الثقافية في مصر لا تخدم سوى القائمين عليها، وتوظف من أجل مصالحهم، والأدهى أن بعض العاملين فيها لا يعرفون الفرق بين العقاد وطه حسين!!..

وقد حدث مرة أن توفى شاعر كبير لكنه ليس مشهورًا بسبب شخصيته النائية عن الأضواء، وكنت قد درست إحدى قصائده الوطنية في المرحلة الإعدادية، وربطتني به صداقة بتكرار حضوره صالوني الثقافي، فأحببته برغم فارق العمر بيننا حيث أني أصغر عمرًا من أبنه، الذي كان يشغل منصبًا مرموقًا في إحدى المؤسسات الصحفية الكبرى ويعد – وقتها - من قياداتها، وأعددت عرضًا لديوان الشاعر وقدمته للمشرف على الصفحة الأدبية، فنظر إلى اسم الشاعر ورفض قائلاً بالحرف "هذا شاعر زبالة وشعره زبالة"، فاعترضت وقلت هذا شاعر مجيد أحبه وأريد أن أفيه حقه من التقدير بعد رحيله، فقال أرجوك لا تلح فهذه صفحة أدب وليست صفحة مجاملات وإذا أردت مجاملته فأنشر في صفحة الاجتماعيات، عندها أدركت أن لا سبيل للتفاهم فأخذت الموضوع وصعدت للرئيس الأعلى، والذي كان يعرف الشاعر الراحل منذ أيام الكلية من خلال زمالته لأبنه، فقال لي أترك الموضوع وسأتصرف، وتركت الموضوع وعدت إلى المنزل ولم تمر سوى ساعة حتى وجدت المشرف على الصفحة يتصل بي معاتبًا :"لماذا لم تقل لي إن هذا الشاعر والد أ.فلان؟" فرددت وما علاقة كتابتي عن شاعر بالموقع الوظيفي لأبنه؟ أنا أعرف الشاعر الراحل لذا أكتب عنه ولا يهمني أ.فلان فلسنا على صلة، فقال لو تقدر تزود كمان في مقالتك وتحضر صورة للشاعر غدًا معك، لأن مقالتك سوف تكون الموضوع الرئيسي للصفحة!!.. لحظتها أصابني اشمئزاز، وهتفت في نفسي: أصارت صفحة مجاملات لا صفحة أدب؟!