حوار مع الدكتور حلمي محمد القاعود بمناسبة موسم الحج

أبو الحسن الجمّال

clip_image001_5248d.jpg

 (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ )

(البقرة /197 (.

الحج مؤتمر سنوى يجتمع فيه المسلمون بعد أن يتخلصوا من شوائب الدنيا وزخرفها ويجتمعون فى صعيد واحد لا تستطيع أن تميز حاكمهم من محكومهم ..ويندد هذا الاجتماع السنوى المثالى بالتشرذم الذى يسيطر على أمة الإسلام ويشمت بها الأعداء الذين يتربصون بهم الدوائر منذ 15قرنا ولو أحسن استخدام هذا الجمع الكريم لتلاشت مشكلات كثيرة من حياتنا.

  وقد انفعل بموسم الحج عديد من المفكرين والأدباء ودبحوا الأشعار والمقالات والرحلات عنه وهم كثر عبر التاريخ الإسلامى وسوف نلتقى فى السطور التالية مع الأستاذ الدكتور حلمى محمد القاعود أستاذ الأدب العربى فى كلية الآداب جامعة طنطا ليحكى لنا تجربته مع الحج وشعوره عندما رأى البيت الحرام لأول مرة عام 1978 وجعل روحه تسمو فوق السحاب ثم يعرج ليذكر لنا الحج والعمرة فى الأدب العربى  بحكم تخصصه الرفيع وذكر أمثلة وشواهد على ذلك وموضوعات أخرى سوف نطالعها فى هذا الحوار الثرى...

1-   متى حججتم أول مرة ؟ وكم عدد مرات الحج والعمرة؟

وفقني الله إلى الحج أول مرة عام 1978 ، ثم حججت ثلاث مرات أخرى متوالية بعد هذا العام ، وكانت سعادتي كبيرة ولا أستطيع التعبير عنها وخاصة حين رأيت الحرم  المكي الشريف والكعبة الزهراء لأول مرة .. كان مشهدا مهيبا جعل روحي تسمو وقلبي ينبض وأنسى ما حولي ومن معي .

وقد أتيح لي أن أؤدي العمرة مرات كثيرة لا أذكر عددها ، وقد أسفت عندما كنت في الرياض وتمنيت أن أذهب للعمرة ، ولم أجد مرافقا يصحبني بسب ظروفي الصحية ليساعدني على أداء المناسك حيث لا أقدر على الحركة بطريقة طبيعية معتادة ، والمسافة بين الرياض وجدة تبدو أطول من القاهرة إلى جدة ، وقد سألت ربي أن يسامحني وييسر لي العمرة في وقت آخر إن كان في العمر بقية.

2-   ما هى ذكرياتكم عن موسم الحج؟

ذكريا تي عن الحج عديدة وبعضها فيه طرافة وغرابة . أذكر في المرة الأولى أو الثانية أني كدت أموت في أثناء رمي الجمرات . كانت الأمور غير منظمة مثل الآن ، وكان يحكمها منطق القوة . قوة جماعات الحجيج وخاصة الأفارقة الذين يتحركون بعواطف مشبوبة لا تلقي بالا لبعض آداب الحج ، فقد كانت هذه الجماعات قوية الأبدان للغاية ويكتسحون في طريقهم الأفراد أو الجماعات الصغيرة ، وكنت أمشي مع بعض الزملاء ، فإذا بي أقع ضحية للجماعات القوية ولم أدر بنفسي . كنت على الأرض والأقدام تدوسني وكدت أموت لولا لطف الله ورحمته ، ويبدو أنني كنت أمسك بأحدهم وعاونه آخرون، فرفعوني وحملوني حتى أفقت بين أيديهم وتنفست الصعداء وصرت في مأمن . بالطبع ذهب الشبشب الذي كنت أرتديه في قدمي وما كنت أحمله في يدى ولا أذكر ما هو الآن ، ولكني حمدت الله على النجاة ، وعلى بقاء النساء في الخيام وعدم مشاركتهن في لجة الرمي .

لا حظت أن الإيرانيين يمشون في كتل متماسكة والنساء داخلها حيث يقوم الرجال بحمايتهن ، ويتقدمها داعية يحمل مكبر صوت يدعو وهم يرددون وراءه ، ويسيرون بتؤدة ودون خوف لأن عنصر الحماية متوفر .

الأمور الآن تغيرت كما قيل لي ، وتم تخطيط منطقة الرمي بحيث يمكن للحاج  أن يتحرك بانتظام ودون متاعب كثيرة ..

من الطرائف المتكررة أنك تجد بعض الحجاج المصريين يقذفون شباشبهم نحو الجمرات ويقولون مخاطبين الشيطان : خذ يا بن الـ ... انت الذي جعلتني أفعل كذا وكذا .. ويذكرون ما فعلوه من أخطاء دون حرج والناس من حولهم يضحكون على ما يسمعون ..

3-   الحج والعمرة فى الأدب العربى ؟

هذا باب طرقته في بعض كتاباتي وكنت أركز فيه على الرواية المعاصرة، وقد اهتم الأدب العربي قديما بوصف رحلة الحج ولدينا تراث ملموس في هذا المجال، بالإضافة إلى عدد كبير من القصص والحكايات التي جرت لحجاج قادمين من شتى بقاع الأرض . وقد تناول رحلة الحج وأرض الحجاز عدد من أدبائنا الكبار في العصر الحديث منهم :طه حسين، وعبد الوهاب عزام، ومحمد حسين هيكل .

ويبقى الشعر خير معبر عن الحج ومناسكه وزيارة المقام النبوي الشريف، وإنتاج الشعراء في هذا الباب كثير سواء في العصور القديمة أو العصر الحديث . وعندما أتيح للتيارات الشيوعية والعلمانية السيطرة على وسائل التعبير والنشر في عصرنا، اختفى الحديث تقريبا عن المشاعر الإسلامية والمناسبات الدينية السنوية ومنها الحج والعمرة وذكر الكعبة والمقام، ولم يبق إلا بعض النماذج المتواضعة التي تظهر على استحياء في بعض المنابر محدودة التأثير والانتشار.

حاولت أن أعثر على آثار الحج والعمرة في بعض الإنتاج القصصي ، فلم أجد شيئا ذا بال . ولعل ما لفتني ما جاء في بعض أعمال كاتب سكندري راحل هو أحمد حميدة وكان يتناول ظروف بعض الأفراد الذين يعيشون في العشوائيات، وذهب بعضهم إلى الحج ليكسبوا لقبا شعبيا ، وفي الوقت نفسه يسرقون الحجاج ويعودون محملين بالغنائم الحرام ..!

لا يوجد على كل حال العمل القصصي المبهر الذي يستقي وهج الفريضة الخامسة ويتمثل عطاءها ودلالتها وأبعادها في عمل فني جيد . 

4-   ما المأمول الذى تريده ان يتم فى موسم الحج ؟

المأمول كثير ولكن الحصاد شبه سلبي للأسف . الحق تبارك وتعالى يقول: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" ( الحج : 28 ) .

يرى ابن عباس أن المقصود بالمنافع : منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان اللّه تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات، أما الأيام المعلومات فهي أيام العشر الأولى من ذي الحجة ، وهي كما  قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من أعظم الأيام وأحبها عند الله تعالى: (ما من أيام أعظم عند اللّه ولا أحب إليه العلم فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)،  وهذا العشر هو الذي أقسم اللّه به في قوله: {والفجر وليال عش} .

وأعتقد أن هناك جهدا طيبا لجمع الأضاحي التي يضحي بها الحجاج، وتوزيعها على الفقراء في بلاد المسلمين، ولكني أتمني أن تكون هناك منافع أخرى في هذه المناسبة الطيبة تتركز في بحث أمور المسلمين والمحن التي يتعرضون لها على امتداد العالم ووضع أفضل الحلول العلمية المناسبة لها .

5-   أمنيات تمنيتها أثناء الحج وتحققت؟

الأمنيات كثيرة ما بين خاصة وعامة ، أما الخاصة فالحمد لله أعطاني ربي أكثر مما طلبت فله الشكر أولا وآخرا . أما الأمنيات العامة فقد تمنيت أن يهدي الله الأمة إلى طريق الخير والنور، وأن يخرجها من ظلمات الجهل والفرقة والتناحر، وأن يوفقها لبناء القوة وإشاعة العدل على أساس من التراحم والمشاورة والمشاركة، وفقا لتعاليم الإسلام ومفاهيمه .

ونسأل الله العفو والعافية . وكل عام وأنتم بخير .

وسوم: 634