الكاتب والمفكر صلاح الإمام يبوح بتجربته الفكرية

أبو الحسن الجمّال

clip_image001_8c095.jpg

عرفته قبل بضعة أعوام كاتباً ومحللاً رصيناً، يتمير بعمق الرؤية والفكرة فى مقالاته وكتبه وأبحاثه.. تقلب بين الأيدلوجيات حتى انتصر للفكرة الإسلامية فى النهاية ..مهموما طوال الوقت ...إنه الكاتب الصحفى صلاح الإمام نلتقيه نتعرف منه على تجربته الفكرية منذ أن بدأ البدايات الأولى له وحتى اليوم، حياته كلها محطات مختلفة ..كل محطة مختلفة تمام الإختلاف عن سابقتها ..ففى البداية كان شغوفاً بقراءة الروايات البوليسية ومعرفة مشاهير المخترعين وأحب أن يدلو فى المجال بدلوه فى هذا المجال فاخترع سنة 1977 جهازاً لإطفاء الحريق واستضافته  آمال فهمى فى برنامج "على الناصية" فى الإذاعة المصرية، بعد ذلك أغرم بأعلام الأدب والقصة والشعر وقرأ معظم أعمالهم منهم: نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف إدريس وغيرهم كما أطلع على الأعمال العالمية المترجم منها والذى كان يصدر عن دار الهلال، ومنذ منتصف الثمانيات اهتم بالتحليل السياسى والتاريخى وقد للمكتبة العربية مصنفات منها "مختصر تاريخ الجبرتى" وهو أهم مؤلفاته و"أشهر الثورات العربية"، و"أشهر الجرائم فى مصر"، كما صدر له مجموعة قصصية "لمن يكون الحب".

فى السطور التالية نستعرض معه تجربته الفكرية ونشأته الريفية التى بصمات على حياته فى كل المراحل، وعمله فى بلاط صاحبة الجلالة رغم تخرجه فى كلية الحقوق وهذا لم يكن بدعاً فمشاهير الكتاب تخرجوا من هذه الكلية كما عرج معنا ليحدثنا عن ذكرياته مع أعلام عصر فى الفكر والأدب ومنهم الأستاذ الدكتور محمد عباس وموضوعات أخرى سوف نطالعها فى هذا الحوار ....    

1-   ماذا عن النشأة وأثرها فى توجهكم العلمى والأدبى بعد ذلك؟

نشأتى الريفية تركت بصماتها على حياتى فى كافة المراحل، فأنا ولدت فى مجتمع بدائى كان يطهو الطعام على "الكانون"، ونذاكر على لمبة الجاز، وننام بعد آذان العشاء .. فلم يكن هناك أية وسائل لهو أو نسهر لأجلها ولا يوجد ما يشغلنا كمجتمع عن الانغماس فى العمل الذى هو الفلاحة والزراعة وجنى المحاصيل ..

فى هذا الجو كان الكتاب هو الوسيلة الوحيدة لقتل الفراغ والملل، ولم تكن الكتب متاحة فى الجو الريفى، لكن من حسن حظى أن خالى أخذنى للإقامة عنده بمدينة المحلة الكبرى فى عام 1975، فانتقلت لجو المدينة بما فيه من (أضواء) وصخب وحركة، وعرفت السينما لأول مرة فى حياتى، وتعرفت الى مكتبة تبيع الكتب القديمة، فكانت هى مثل الكعبة بالنسبة لى، لم أعد أقصد غيرها، وكلما تجمع معى عشرة قروش كنت أذهب اليها واشترى منها كتب، وكان بعض الكتب المستعملة يبدأ سعرها من قرش واحد .. وهذه كانت بدايتى فى القراءة والإطلاع.

2-   ما الذى جعلكم تحط فى بلاط صاحبة الجلالة رغم تخرجكم فى كلية الحقوق؟

أولا كلية الحقوق كانت تعرف بـ "كلية الزعماء" .. ففيها تخرج كل زعماء الحركة الوطنية فى بداية القرن العشرين، وفيها تخرج كبار الساسة، وحتى وقت قريب كان الحقوقيون هم الأغلبية فى أى تشكيل وزارى، فهى لا تعنى قانون فقط، بل قانون وسياسة واقتصاد وتاريخ وفقه وشريعة .... فيها تعرف شيئا عن كل شىء، وجميع رواد الصحافة فى مصر كانوا حقوقيين، وأنا أمارس العمل الصحفى منذ كنت طالبا بالثانوية، فقد عملت مراسلا لجريدة "الطلبة" التى كانت تصدر زمان عن دار التعاون، ثم كانت بداياتى فى العمل الصحفى الحقيقى بجريدة المنصورة عام 1985 التى كان يرأس تحريرها أسامة سرايا ابن أخت المحافظ اللواء سعد الشربينى، وبعدها بشهور جئت للقاهرة والتحقت بالعمل فى جريدة الأحرار ومنها الى "صوت العرب" الناصرية حتى أغلقت فى أغسطس 1988، فانتقلت بعدها لجريدة الوفد ........ وهكذا.

3-   ما هى ذكرياتكم مع أعلام الفكر والثقافة والأدب؟

أنا شخص انطوائى، قليل الاختلاط، بمعنى أننى كنت قليل المشاركة فى أى فعاليات أدبية كالندوات والأمسيات والمؤتمرات، وكذا فى الحياة السياسية، لم أنضم الى أى حزب وإن كنت أمضيت عمرى مبهوراً بالتجربة الناصرية التى ثبت زيفها فيما بعد، وتأسيسا على ذلك كانت علاقاتى الشخصية محدودة ... ارتبطت بعلاقة صداقة قوية جدا بالمفكر الكبير الدكتور محمد عباس منذ عام 1990، ومازالت مستمرة ونتحدث هاتفيا كل كام يوم، وقبل العام 90 أيام الشباب وكثرة الحركة كانت لى علاقات جيدة بعدد من رموز الفكر والسياسة والأدب والفن أيضا .. فمن شعراء الزمن الجميل ارتبطت بعلاقات شخصية بالدكتور مختار الوكيل، والشاعر محمود التهامى، وسعيد جودة السحار، والأديب فتحى أبو الفضل، والأديب والشاعر العلامة الدكتور جابر قميحة الذى رحل عنا عام 2012، وهؤلاء من الذين ربطتنى بهم علاقات خاصة وبينى وبينهم ذكريات كثيرة.

4-   عرفت أن لكم بدايات مع القصة والرواية لماذا لم تكمل فى هذا المجال؟

أنا حياتى عبارة عن مراحل منفصلة، كل مرحلة مختلفة عن سابقتها، ففى عمر الصبا كنت شغوفا بقراءة القصص البوليسية، بدأتها بالمغامرين الخمسة والشياطين الـ 13، ثم روايات أجاثا كريستى ومغامرات أرسين لوبين، ثم استهوتنى مؤلفات المرحوم أنيس منصور، وكنت مولعاً بكل ما يكتب، فقرأت حوالى 20 مؤلف له وأنا فى مرحلة الصبا، وفى هذه المرحلة كانت اهتماماتى بجانب القراءة ممارسة الرسم والخط، ثم استهوتنى قصص العلماء والمخترعين، وأحطت بسيرة العشرات منهم، وكنت أهوى تقصى كل اختراع من المخترعات الحديثة، من اخترعه ومتى وكيف، واخترعت وقتها جهاز لإطفاء الحريق أوتوماتيكيا، وكان ذلك سنة 77 قبل دخول الكهرباء بلدتنا، واستضافتنى آمال فهمى فى برنامجها الشهير (على الناصية) ثم قدمنى التليفزيون المصرى فى برنامج (نادى الكشافة والعلوم) عام 80 بهذا الاختراع، وكتبت عنه مجلة (العلم) التى كان رئيس تحريرها وقتها المرحوم عبدالمنعم الصاوى، ثم قمت بتنفيذ دائرة جهاز كشف الكذب، واستقبلنى المرحوم صلاح جلال رئيس نوادى علوم الأهرام وسلمنى شهادة تقدير، وكان وقتها نقيب الصحفيين أيضا الى جانب رئاسته للقسم العلمى بمؤسسة الأهرام، وهذا القسم اندثر بعد وفاته.

استهوتنى بعد ذلك قصص إحسان عبدالقدوس ويوسف ادريس القصيرة، وقرأت للاثنين مجموعات كثيرة، ثم قرأت أيضا روايات لنجيب محفوظ، وروايات لكبار الأدباء العالميين التى كانت تصدر عن دار الهلال، فقرأت لشكسبير، وألكسندر ديماس، وديستوفسكى، وتشيكوف، وفيكتور هوجو، وكنت أتابع أدباء نوبل بالذات، ثم قرأت أشعار أبو القاسم الشابى وافتتنت بها، ووجدت نفسى أكتب الشعر، ثم بدأت أكتب القصة القصيرة، وصدر لى مجموعة قصصية عام 1983 بعنوان (لمن يكون الحب)، وكانت جائزة نوبل فى الأدب قد فاز فيها الأديب الكولمبى جابرييل جارسيا ماركيز عام 82، فقرأت اشهر رواياته (الحب فى زمن الكوليرا)، ومائة عام من العزلة.

لكنى اتجهت بعد ذلك للقراءات السياسية منذ منتصف الثمانينيات.

5-   لكم أعمال تاريخية .. ما الدوافع التى جعلتك تلج هذا المجال؟

كما قلت لك .. حياتى مراحل منفصلة، تحولت من القراءات السياسية الى القراءة فى التراث الإسلامى، والتراث الاسلامى هو التاريخ السابق لهذه الأمة المنكوبة منذ عهد الخلافة بالفتن والمؤامرات، فاستهوانى هذا التاريخ المثير، وأصبحت كل اهتماماتى هى البحث والتمحيص فى التاريخ الاسلامى، وقد كتبت جزءً من تاريخها الذى واكب خروج المغول فى القرنين 12 و 13 ، وما تبع ذلك من سقوط الخلافة العباسية، ونشرت ذلك فى حلقات بجريدة (الجريدة) الكويتية عام 2010، وتعمقت فى تاريخ الامبراطورية العثمانية، ووقفت على أسباب ضعفها وسقوطها، وحققت تاريخ الجبرتى، وهو من أعز مؤلفاتى.

واستهوانى تاريخ الجريمة فى مصر، فكتبت (أشهر الجرائم والمجرمين فى مصر) فنشرت القصة الحقيقيى لـ (خط الصعيد) ونشرت قصة محمود سليمان البطل الحقيقى لرواية نجيب محفوظ (اللص والكلاب)، ونشرت تاريخ البغاء فى مصر، وتاريخ البلطجة ايضا ... التاريخ متعة وأصبح شغفى الوحيد.

6-   متى  نرى كتابة تاريخنا الحديث برؤية إسلامية صحيحة بعيداً عن النظريات والأيدلوجيات التى تخاصم الفكرة الإسلامية ؟

التاريخ يجب أن يكتب بعيدا عن أى رؤية، يكتب بحيادية وتجرد، لكن هذا أمر مستحيل، كل كتاب التاريخ منذ بدأ التاريخ كانوا أسرى للهوى الشخصى، فكل مؤرخ تناول سرد أحداث زمنه بحسب مزاجه الشخصى، ونحن حاليا نعيش أحداثا جساما، تجد من يحقر فى أبطال، ومن يرفع فى حقراء، فما بالك بمن سيأتى بعد خمسين أو مائة سنة؟؟ .. ماذا عساه أن يقول على هذه الفترة ومن عاشوها مختلفين، وكل شخص ينعت نفس الحدث بعكس الآخرين .. أنظر ماذا يكتب عن تفريعة قناة السويس؟؟ .. الآلة الاعلامية تروج للمشروع على انه فتح عظيم وانه معجزة وانه سينقذ مصر من كل مشاكلها ........!!, لكن الحقيقة غير ذلك، ومع ذلك ستصل الأوصاف الكاذبة للأجيال القادمة .. وهكذا فكل أحداث التاريخ الانسانى محل شك، فكم من أبطال قرأنا عنهم وفى الحقيقة هم عملاء وخونة ولصوص، وكم من عملاء قرأنا عنهم لكن الحقيقة هم أبطال .. تزييف التاريخ من المسلمات التى يجب أن يدركها من يتعرض للبحث فى وقائعه، ولذلك فان مهمة تحقيق التاريخ صعبة وتحتاج أدوات كثيرة يجب ان تتوفر فيمن يقومون بها.

7-   كيف ترى الإعلام الإسلامى... نجاحاته وإخفاقاته؟

الأصل انه لا يوجد ما يسمى (إعلام إسلامى) .. لكن الصحيح هو إعلام يدافع عن الهوية الاسلامية، وله أن يسلك ما شاء له من المسالك والوسائل فى سبيل قضيته، لكن هذا الاعلام غير موجود ولم يوجد حتى الآن، فقبل الانقلاب كانت توجد حوالى 20 فضائية تنعت بـ (قنوات اسلامية) لكنها كانت عبارة عن منصات لإلقاء الخطب والمحاضرات التى سبق وانتشرت بواسطة الكاسيت .. يعنى تنفق ملايين لأجل تشغيل فضائية وتقدم فى النهاية ما يقدمه الكاسيت، ولا زيادة الا فى ظهور الداعية بشحمه ولحمه ولباسه الابيض، لنراه وهو يبكى ويصرخ !!!.

هذا ليس إعلاما .. الاعلام علم وحرفة وله أصول وقواعد، وله خبراء ومحترفين .. واليهود يقودون العالم بواسطة الاعلام، وأعداء الاسلام هزمونا فى ميدان الاعلام، والانقلاب فى مصر وقع تحت قصف اعلامى، ويواصل طريقه تحت مظلة إعلامية رهيبة .... لو كان المدافعون عن المشروع الاسلامى يملكون إعلاما حقيقيا لما استطاع أحدا أن يهزمهم.

8-    ما هى رؤيتك لمن يتصدون للفكر الإسلامى تنظيراً وتقييماً وهم له كارهون ومنكرون والأمثلة كثيرة؟

يوجد (فقه) اسلامى، ولاحقا وجد (الفكر) الاسلامى، والمفكرون فى العصر الحديث حلوا محل الفقهاء قديما، فهم يتصدون للدفاع عن الاسلام من زوايا جديدة، ويعالجون قضايا هامة جدا، ويسدون ثغرات خطيرة ينفذ منها المستشرقون وأعداء الاسلام، وقد قيض الله لهذا الدين رجالا من عليهم بنعمة العلم الحقيقى تصدوا للمشككين فى ثوابت الدين .. لكن المصيبة ان هناك من هم أعداء للدين يقال عليهم (مفكرون اسلاميون) .. وهم أبالسة ومجرد وكلاء لأعداء الدين الأصليين .. ومن هؤلاء محمد سعيد العشماوى، ونصر أبو زيد، والقمنى ............. والقائمة طويلة جدا.

9-    تجديد الخطاب الدينى، والحوار بين الأديان، ومشكلات الأقليات المسلمة وقضايا فى رحاب الفكر الإسلامى ، كيف ترى هذا؟

تجديد الخطاب الدينى مقولة يتم تسويقها منذ بدايات عهد مبارك، وهى مثل (حصان طروادة) .. بواسطتها يتم هدم الدين تحت هذا الشعار البدعى، ومقولة الحوار بين الأديان تهدم أهم قواعد الدين الاسلامى، لأن القرآن يقول: (إن الدين عند الله الاسلام) .. إذن كل ما هو غير الاسلام ليس دينا، وأنبياء الله جميعا كانوا مسلمين، ومجرد انك باسم الاسلام تتحاور مع المنتمى لما يقال عنه دين فأنت هدمت قاعدة أصلية فيه، لك ان تتعايش معهم بالحسنى وتتعامل معهم، بل وتشاركهم فى تجارتك، لكن عند الدين قل: (لكم دينكم ولى دين) ودينهم هذا التى ذكرها الله فى القرآن أمر مجازى، بمعنى انه ليس دين حق وإنما معتقد ضال، والدليل على ذلك أن الله تعالى وجه خطابه إليهم قائلا: (يا أيها الكافرون)..

وبالنسبة لاضطهاد الأقليات المسلمة فى بلدان كثيرة، فهم يتعرضون للإبادة لأن حكام الدول الاسلامية لا يهمهم هذا، بل الخط الأحمر عندهم ألا يدافعوا عن الاسلام والا يصبح مصيرهم كمصير محمد مرسى .. المسلمون فى البلاد ذات الأغلبية الاسلامية التى يمثل غير المسلمين فيها حوالى 5% فقط أو أقل ليس لهم كرامة، وهناك دول تحولت هويتها من إسلامية الى مسيحية مثل نيجيريا .. نحن كمسلمين هنا على أنفسنا فاستهان بنا الأعداء .. نحن نعيش فتن وملاحم آخر الزمان .. اللهم نجنا شرور هذه الفتن.

وسوم: 635