شبكات التواصل الاجتماعي

شبكات التواصل الاجتماعي

م. أسامة الطنطاوي

[email protected]

ان ظهور المجموعات و تشكيلاتها على مواقع التواصل الاجتماعي يعد من مظاهر التقدم التكنولوجي الذي نشهده في وقتنا الراهن .

ومثل أي منتج جديد فان له سلبيات وإيجابيات لابد من الوقوف عندها ، ولابد من وضع ضوابط و اشتراطات لاستخدامها والا فان الامور ستتجه الى الفوضى والتشرذم ، و إن عدم استغلال هذه الوسائل بالطريقة الصحيحة سيؤدي الى الفشل و الانكفاء ، شأنها في ذلك شأن اي من وسائل وتقنيات الحضارة الاخرى....

وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مساحة تواصل ونقطة تلاقي بين الثقافات المختلفة وتعتبر فرصة للتواصل وبناء علاقات إنسانية راقية بين مختلف الأفراد ومن سائر البلدان بهدف تبادل الثقافات والخبرات والتجارب بين المجتمعات في البلدان العربية كما أنها توفر فرصة للتفاعل الحضاري مع الثقافات المختلفة عَنَّا كالثقافة الغربية الأوربية أوالأمريكية، إضافة لذلك هي فرصة ملائمة لتطوير الذات واكتساب مهارات ومعارف تثري تجربة كل إنسان فينا.

إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي لدى مجتماعتنا تأخذ أبعاد أخرى ولها مفاهيم مختلفة وهي تمثل انعكاس للواقع العربي وتُفهَم على أنها فرصة للتسلية وهدر الوقت والهروب من الواقع في كثير من الأحيان ... ومفهوم الشعوب العربية للتكنولوجيا غالبا يكون وفق الأوجه السلبية لأن المواطن العربي غالبا يستخدم وسائل التواصل والاتصال الحديثة دون أن يكون له هدف محدد يعمل من أجله أو رسالة يوصلها ، وأي عمل لايرمي لهدف أو يحمل رسالة محكوم عليه بالفشل لأنه يفتقد لروح التي تؤمن له النجاح .

ومما يستدعي الانتباه في كثير من الصفحات العربية على مواقع التواصل الاجتماعي هو أنها حروف بدون روح وهيكل بلا مضمون ... و تهدف لجمع المعجبين دون أن أن يكون لها رسالة تتبناها أو فكرة تريد إيصالها ولذلك من الطبيعي أن لاتضع على سلم أولوياتها السوية العلمية والثقافية لمتتبعيها ، وهي بطبيعة الحال لاتسعى لأن تطور ذاتها ولاتعتبر نفسها مشروع ثقافي أو أخلاقي يؤمن لها الاستمرارية والتأثير على فكر وبيئة من يتابعها لذلك لاتهتم بجودة إنتاجها! ... هي تهدف فقط لجمع الأرقام حتى لوكانت هذه الأرقام مجرد أشخاص بلا هوية ولا شخصية ...هم عبارة عن فكر ميت وأرواح مقعدة لاتملك لتعطي،وهذا الأمر طبيعي لأن الفضاء الافتراضي هو انعكاس للواقع الحالي لمجتمعاتنا العربية التي يغلب عليها السطحية في التفكير وانعدام الطموح وقصور الفكر والوهن وضياع القيم ومانعجز عن تقديمه في مجتمعنا الفعلي لن نتمكن من تقديمه في مجتمعنا الافتراضي .

وقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي متنفسا للكثيرين .. لكن هناك من يخلط ما بين الحق والباطل .. ما يجوز وما لا يجوز .. ما يصح تداوله من مواضيع وأخبار وقضايا وما لا يصح .. ومع أهمية هذه الوسائل إلا أن هناك من يسيء استخدامها بشكل مفرط .. لقد أوجدت هذه الوسائل مساحات كبيرة للشهرة لكثيرين ولأسباب عديدة .. هناك من يستحق منهم تلك الشهرة ومن لا يستحقها .. وهناك من يجيد التعامل والتعاطي معها ومن لا يستحق .. وهناك من استغل تلك الوسائل بشكل إيجابي ومن استغلها بشكل سلبي .. حتى أصبحت تضج بالغث والسمين .. لكنها وبالواقع أصبحت مرتعا لضعاف النفوس والمتوترين خاصة أولئك الذين يتخفون خلف أسماء وهمية ويحاولون تعكير المياه الراكدة .. وما نحتاج إليه هو الوعي والتوعية للآثار السلبية التي يخلفها التعامل السيئ معها على كافة الأصعدة

وبما أن بعض وسائل التواصل الاجتماعي خلقت نماذج مختلفة للمشاهير الذين أصبحوا قدوة لغيرهم وصاروا يسعون لتقليدهم لتحقيق ما حققوه أو جزء منه ، نجد أن الكثير منهم انتهجوا نهج التسطيح واستغلال مساحات الحرية التي توفرها تلك الوسائل بطرق غير سليمة وغير مقبولة، وأصبحت الساحة تضج بالكثير من النشاز الذي يجب أن تتم معالجته بطرق مختلفة خاصة فيما يخص حقوق الأفراد وما يتعرضون له من تعريض للسمعة وتشهير بطرق مختلفة، وهنا تقع المسؤولية على العديد من الجهات وأهمها الأسرة والمجتمع الذي يجب أن يساهم بشكل فاعل في رفض كل الأصوات الشاذة التي تسعى بشكل أو بآخر لتشويهه.

ولو نظرنا إلى استخدامات وسائل التواصل الإجتماعي بين حالنا وواقعنا العربي، وبين مجتمعات أخرى سنجد أن فكرة استخدام تلك الوسائل مختلفة تماما .. وأن ما يتم استخدامه لدينا مختلف تماما عن واقع وحقيقة وأهداف وجود تلك الوسائل التي كان الهدف الحقيقي من ورائها التواصل الاجتماعي السليم .. لكننا حرفناها كما حرفنا الكثير من الأمور الأخرى .. وتلك قضية تحتاج إلى الوقوف عندها من قبل متخصصين وخبراء حماية لقيمنا ومجتمعنا وحقوق الأفراد .

إن الدراسات تشير إلى أن المجتمعات العربية هي أكثر المجتمعات استخداما لتلك الوسائل والوسائط الإعلامية .. وتنوعت طرق الاستخدام وتعددت مساراتها بكل اتجاه .. وأصبحنا حائرين بين الحقيقة والخزعبلات، وبين الواقع والتلفيق .. وصارت تلك الوسائل مرتعا للإشاعات والأقاويل .. وحكايات التسالي الوردية التي يسعى البعض لأن يروجها باعتبارها واقعا وحقائق .. وهناك للأسف الشديد من يصدقها .. ومن تستهويه .. فيعمل على ترويجها دون أن يتأكد من حقيقتها ومصداقيتها ..

وعليه فيصبح من الضرورة الملحة أن يتم الالتزام بالمبادئ الاخلاقية في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والاستفادة منها لنشر المعلومة الصحيحة والتواصل الايجابي بين الاعضاء والمشاركين و البعد عن استخدامها بالطرق المسيئة وترويج الشائعات والاكاذيب مما يجعلها مجالا لهدر الأوقات و تسطيح المعرفة وإثارة الفتن مما يؤدي بالتيجة إلى ما لا يحمد عقباه.