عشّ المجتمعات

معمر حبار

[email protected]

للسنة الثانية على التوالي، وأنا أتابع طائر اللقلق في غدوه ورواحه، وقدومه وهجرته. وماشدّ الانتباه العام الماضي، وقد تمّ التعبير عنه في حينه عبر صفحة المعني، قوله ..

اللقلق يختار أعلى مكان، لأمن بيضه وسلامة فراخه. وكلما علا الإنسان في البنيان، وافتخر بعلوه، أرسل له ربه طائر اللقلق، يبيض فوق رأسه، ويقضي حاجاته فوق علوه، ليعلمه أن العلو بيد العلي.

وهذا العام، عاد اللقلق مبكرا، فوجد العشّ الذي بناه من قبل، رفقة أنثاه التي تقاسمه السّكينة والاستقرار. ولم يرهقوا أجسادهم في السّهر والبحث عن مكان لهم، أومايساهم في بناء العشّ.

إن المجتمعات السّوية، تسهر لبناء الأوطان للأبناء والأحفاد. فينمو أفرادها، وقد وجدوا سماء تقلّهم، وأرضا تحتضنهم، فينمو الابن على حب الكبيرالذي سهر في بناء الوطن، فيفني عمره في سبيل أرضه، واحترام وتقدير من كان السبب في ذلك.

إن العرب لم تعرف حضارة مثل الحضارات التي عايشتها، لأنها أمة غير مستقرة، تعيش على رحلتي الشتاء والصيف، لذلك تجد أسماء أثاث البيت، أغلبها أسماء أجنبية، لأن الخيمة غير مستقرة، لاتتناسب وأثاث البيت، الذي يحتاج لمساحة دائمة مستقرة.

إن بعض المجتمعات العربية والإسلامية حاليا، تدمر عشّها بأيديها. هذا العشّ الذي أنفق الأسلاف في بناءه قرونا من الزمن، وعاشوا وماتوا لأجله، وحرموا أنفسهم كل غالي، ومنحوه دون مقابل للأبناء والأحفاد.

إن العشّ يُبنى بأيدي الأبناء، لأنهم ألصق بالأرض، وأعرف بالسّماء. والعرق الذي بنى، سيسبقه الجهد في المحافظة عليه. وإذا تُرك العشّ لمن لايعرف قدر البَنّاء والبِناء، خرّ السّقف من فوقهم، وأمسوا طعما سهلا لكل متربص يتسلّق الجدر، وضعيف العزيمة، يبيع العشّ بما فيه ومن فيه، بأبخس الأثمان، ولأول سمسار.