في فقه الإخوان المسلمين وفكرهم وطريقتهم ومعاركهم

وعندما نشر شيخنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى كتابه ( رسالة المسترشدين ) في ستينات القرن الماضي . وهو كتاب جميل في تهذيب النفوس للحارث المحاسبي ، سابق المؤلفين إلى هذا الفن . علق الشيخ أبو زاهد رحمه الله تعالى في إحدى تعليقاته ، مستندا على قوله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ..) أن الهداية لا تتوقف على الالتزام بشيخ وبيعة ..

وثارت معركة من الانتقاد اللاهب من بعض المشيخات التي كانت ترى في الالتزام بالشيخ وفق رسوم وحدود ومبادئ وعلى قاعدة ( من لا شيخ له فشيخه الشيطان ).

لقد ظلت مدرسة الإخوان على مدى سبعة عقود تعمل على تحرير العقول ، وصون القلوب ، وتصحيح الأفكار على أكثر من محور؛ فعلى محورهدم الباطل والتصدي له عملت جماعة الإخوان المسلمين على :

المحور الأول : محاربة الجهل الموروث المتراكم عبر العصور ..فبثت قيم الإسلام الحقيقية وتصدت للعادات البالية وللخرافات السائدة ، وتحملت نصيبها من جهد محو الأمية ، وتعليم المرأة الذي سبقت إلى تبنيه والحض عليه .

المحور الثاني : وتصدت جماعة الإخوان المسلمين إلى الفهوم الضيقة للإسلام ، ولتكريس الانغلاق في حياة الناس ، وكذا تصدت لمحاولات حصار الإسلام ببعض الطقوس الشكلية الذي كانت تمارسه بعض المشيخات المحدودة ، وإن بحسن نية ..

المحور الثالث : شاركت جماعة الإخوان المسلمين في فضح حقيقة علماء السلاطين ، الذين كانوا يأكلون الدنيا بالدين ، ويلبسون للناس جلود الضأن من اللين . وهل من أعجب أن يتحول الشيخ المعمم إلى قاضي حاجات الناس عند أجهزة المخابرات ، ويلعب دور السمسار بين رجال السلطة والثروة ، فيعقد صفقات الشيطان باسم الله وملة رسول الله !!..

على المحور الرابع : شاركت جماعة الإخوان المسلمين مع نخبة صالحة من علماء الأمة في التصدي للحركات الهدامة ، والدعوات الضالة ، والأفكار المسمومة ، فكما حارب الإخوان المسلمون الموروث البائد الذي ما أنزل الله به من سلطان فقد تصدوا للضلال الوافد المتلبس بالعلم والعصر والمدنية . لم يكن موقفهم من الوافد العلمي والثقافي والفكري رفضا مطلقا ، ولا سلبيا دائما ؛ ولكنهم كانوا يميزون ويتخيرون مجتهدين .

يفعلون كل ذلك وهم في صميم المحنة ، وتحت قوس الملاحقة والمطالبة والاعتقال والتهجير .

وما دامت هذه الكلمة للتاريخ فمن حق أن أقول أن الإخوان المسلمين كجماعة بشرية لم تخل من خطأ في تقدير مواقفها واجتهاداتها سواء على صعيد الفكر أو الثقافة أو الاجتماع أو السياسة , أخطاء لا تنكر ، ولا تضخم فتلغي سمو الهدف ، وصوابية الرؤية ، وسداد الطريق ، وحسن العاقبة المأمول بإذن الله ..

ربما لم يمتلك الإخوان المسلمون القدرة التي تعينهم على تقديم البديل النافع للموقف الرافض الذي يدينون .

وحيثما حلّ الإخوان المسلمون ، ظلوا الأوفياء للعقيدة وللدين وللمنهج ، وعانوا في بعض مواطن إقامتهم أكثر مما عانوا في أوطانهم ، مع أهل الضيق والجمود حيث القبضة الحديدية لفقه منغلق في أصول الدين وفروعه على السواء ..

الإخوان المسلمون ليسوا تنظيما ويضل ضلالا بعيدا من يحسبهم كذلك . وليسوا أشخاصا ويعبر عن سوداء في نفسه من يحول معركته مع الإسلام إلى معركة مع أشخاصهم . الإخوان المسلمون منهج في التمسك بالكتاب ، واتباع أحسن ما أنزل الله فيه ، وفي فهمه بما يحفظ للأمة كيانها ، ويحقق للفرد مصالحه..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 765