نثر في غوطة دمشق

أتى لي في الغوطة سبعون سنة ، تسلمني الطفولة إلى الشباب ، والشباب إلى الكهولة ، والكهولة إلى الشيخوخة ، ولاقيت ربيعها وصيفها ، وخريفها وشتاءها ، وما لقيت إلا نضرة وسروراً .

أنعشني هواؤها ، وأدهشتني أرضها وسماؤها ، وما فتئت منذ وعيت أقرأ في صفحة وجهها الفتان آيات الإبداع والإعجاز .

في ربوعها شهدت الطبيعة تقسو وتلين ، وتغضب وترضى ، وتشح وتسمخ ، فراعني جمالها وجلالها ، وشاقني تزيدها واتزانها .

نشقت أنفاس رياها ، وهي ترفل في زهرها ووردها ، واستهوتني مجردة من ورقها وثمرها ونباتها ، فأخذت بها كاسية عارية ، وطابت لي مطيبة وتفلة (1) .

" همت بسحرها في سحرها ، وبشمسها تأفل وراء شجرها ، وراقني وابلها وطلها ، ونداها وضبابها ، وجليدها وجمدها ، وثلجها ، وبردها ، وودقها وزمهريرها ، ونسيمها وأعاصيرها .

غنتني طيورها بأطيب الأنغام ، ترددها من وكناتها في جناتها ، وما تبرمت الأذن بنعيق البوم ، ونعيق الغربان ، وعواء ابن آوى ، ونباح الكلاب ونقيق الضفادع في المظلم والمقمر من لياليها ، واهتززت للديكة تصيح ، والغنم تثأج ، والمعيز تثغو ، والبقر يخور ، والخيل تصهل ، والحمير تنهق.

وسوم: العدد 767