نوروز حقيقة أم زيف

طارق ابو فراس الاحوازي

طارق ابو فراس الاحوازي

منذ الصغر وأنا كنت أعتقد أن " عيد نوروز " عيد فارسي أو مجوسي وكما هو شائع عندنا في الأحواز ، يجب أن لا نشارك الفرس في عيدهم هذا حتى في شراء " سمكة حمراء " ، احدى أهم مكونات ماتسمى ب"سفرة هفت سين " التي كانت تزين البيوت عند الفرس في هذا العيد ، ما أثار فضولي لأجري بحثا مفصلاً عن ماهية هذا العيد وحقيقته ، حتى أصل الى إجابة مقنعة لسؤال : هل عيد نوروز يعود للفرس حقاّ أم أنهم نسبوه لأنفسهم زوراَ وبهتاناَ اعتماداَ على ما ورد في كتاب الأكاذيب والأساطير " شاهنامة فردوسي "؟!!

أثناء بحثي ، وجدت أن أول من اتخذ هذا العيد هو " جمشيد " ابن الملك الذي ينتسبون له الفرس وهو " طهومرث " ، ويذكر أن عندما ولد " جمشيد " اتخذ الفرس يوم ولادته عيداَ وسمي " عيد نوروز " بمعنى اليوم الجديد وكذلك نسب اليهم لأنه أول أيام السنة الفارسية .

ولكنني لم أجد أي مرجع يؤكد فيه هذه الادعائات ، بل خلافاَ وجدت ما ينقض ذلك وهو أن في كتاب" البلدان لإبن الفقيه"(والعشرات من المراجع) ذكر أن الملك طهومرث " له عشرة بنين وهم ، (جمّ و شيراز و إصطخر و فسا و جنّابا و كسكر و كلواذى و قرقيسيا و عقرقوف و دارابجرد) ! إذن أين المزعوم " جمشيد إبن طهومرث ؟

ووجدت أيضا في كتاب "بحار الأنوار "  للعلامة المجلسي ، المناقب : أن الامام موسى بن جعفر الصادق قال : ، فقال: إني قد فتشت الاخبار عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله فلم أجد لهذا العيد خبرا، وإنه سنة الفرس ومحاها الاسلام ومعاذ الله أن نحيي ما محاها الاسلام.!

ولكن في نفس الكتاب يذكر أن : قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : ان يوم النيروز هو اليوم الذي اخذ الله فيه مواثيق العباد ان يعبدوه ولايشركوا به شيئا وان يؤمنوا برسله وحججه، وان يؤمنوا بالائمة عليهم السلام وهو اول يوم طلعت فيه شمس، وهبت ‏به الرياح، وخلقت فيه زهرة الارض، وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودي، وهو اليوم الذي احيى الله فيه الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبي صلى الله ‏عليه ‏وآله وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى ‏الله‏ عليه ‏وآله اميرالمؤمنين علي عليه ‏السلام منكبه حتى رمى اصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشمها، وكذلك ابراهيم عليه‏ السلام وهو اليوم الذي امر النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏وآله اصحابه ان يبايعوا علياً عليه السلام، بامرة المؤمنين، وهو الذي وجه النبي، صلى الله‏ عليه وآله، علياً الى وادي الجن ياخذ عليهم بالبيعة له، وهو اليوم الذي بويع لاميرالمؤمنين عليه ‏السلام فيه البيعة الثانية، وهو اليوم الذي ظفر فيه باهل النهروان وقتل ذالثدية وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا وولاة الامر وهو اليوم الذي يظفر فيه قائمنا بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز الا ونحن نتوقع فيه الفرج، لانه من ايامنا وايام شيعتنا، حفظته العجم وضيعتموه انتم!

وأمّا أعمال يوم النّيروز فهي ما علّمها الصّادق عليه السلام مُعلى بن خنيس قال : اذا كان يوم النّيروز فاغتسل والبس ثيابك وتطيّب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائماً فاذا صلّيت النّوافل والظّهر والعصر فصلّ بعد ذلك أربع ركعات أي بسلامين يقرأ في أوّل ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات اِنّا اَنْزَلْناهُ وفي الثّانية فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ يا اَيُّها الْكافِرُونَ وفي الثّالثة فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ هُوَ اللهُ اَحَدٌ وفي الرّابعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ اَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ اَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ وتسجد بعد فراغك من الرّكعات فتقول :كذا و الخ..

فإذا اردنا أن نتفق جدلا على أن هذا العيد هو بمناسبة يوم ولادة جمشيد ملك الفرس ، هل مارسوا هذه الأعمال التي وصى بها الامام الصادق (وهو برئ منهم ومن افترائاتهم )؟؟

وأن هناك معطيات تاريخية مفادها أن هذا العيد احتفلت به الفرس بعد ممات الملك جمشيد (جمشاد) أذ أن بعد مماته أتى ملكا جبارا ظالما يدعى ( الضحاك ) ، كما نقل المؤرخ ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان ، أن : ( تدعي العجم أن الملك الضحاك كان له ثلاثة أفواه ، وست أعين ، وقد مَلَكَ الف سنة إلا يوماً واحداً ونصف يوم !، ثم أسَرَهُ ( أفريدون ) وحبسه في جبل ( زنباوند ) ، والعجم يعتبرون يوم أسر الضحاك عيدا!، ولكن من جانب آخر يذكر فردوسي في كتابه الشاهنامة ،أن في قديم الزمان كان هناك ملكُ اشوري شريّرُ سَمّي(الضحاك) وكان هذا الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه وقد جاء أحد الفتية في ذلك الزمان سمي بـ كاوة الحداد ، حيث أعد جيشا وهجم على هذا الملك الظالم وقتله وبعد هذا ذهب الى الجبال و أشعل مشعلا كبيرا أنار السماء نوره لإيصال خبر الانتصار الى بلاد مابين النهرين ، و أيضا هناك معطيات تاريخية كثيرة تتناقض مع بعضها ، ولكن هذا مفاد هذه القصة أو الاسطورة التي تحكي عن ثورة شعب ضد حاكم مستبد وظالم . 

وجميع المصادر التاريخية تتفق على أن هذا الشعب الذي أطاح بالـ"ضحاك" هو الشعب " الميدي " ، والميديين هم أجداد الأكراد أي بمعنى أن أصل الأكراد يرجع للميديين .

وأن أساسا أن هذه القصة ترجع الى حقيقة تاريخية وهي أن كان الصراع سجالاً بين الميديين (أجداد الكرد الحاليين) والآشوريين في الفترة من 836 ق.م إلى غاية 612 ق.م عندما تمكن الميديون بالتحالف مع الكلدانيين بقيادة زعيمهم نبوبلاصر من إلحاق الهزيمة بالآشوريين واحتلال عاصمتهم نينوى عام 612 ق.م، وبذلك تقاسمت الدولتان الميدية والكلدانية منطقة الشرق الأدنى مناصفةً بينهما وبهذه المناسبة كما يذكر المؤرخين أن يوم الانتصار هذا هو اعتبره الميديين والكلدانيين يوما جديدا واتخذوه لهم عيدا وطنيا يحتفلون به كل عام .

وأيضا هناك معطيات تاريخية اخرى فحواها أن يوم الانتصار هذا صادف أول يوم السنة في التقويم الميديين وهو يوم 21 من آذار وكانو يحتفلون كل عام في هذا اليوم لدخولهم في السنة الجديدة اعتباراّ منهم أن اله الطبيعة كان ينزل الى الأرض وتزدهر الأرض ولهذا وحسب دياناتهم في بلاد مابين النهرين التي كانت مأخوذة من المعتقدات السومرية والبابلية ، كانو يحتفلون بهذا اليوم الا أن هناك بعض المؤرخين ينفون هذا بدليل أن السومريين تحويل سنتهم كانت في شهر نيسان وليس آذار ولكن يتفقون على هذا بسبب أن الفارق بين تحويل السنة السومرية والسنة الميدية بضعة أيام معدودة وهذا لاينفي عند بعض المؤرخين أن هذا العيد في الأصل مأخوذ من الحضارة السومرية وهو سبب نزول اله الطبيعة الى الأرض وازدهارها ونمو الأشجار فيها وازدياد الخير الذي كان يدل على رأفة الاله ورحمته بهم .

وأيضا كما ذكر الكاتب والباحث " جرجيس كوليزاده " أن عيد نوروز، عيد اليوم الجديد وهو أول يوم من السنة في التقويم الكردي الذي يبدأ بسبعمائة عام قبل الميلاد، وهو اليوم الحادي والعشرين من أذار في التقويم الغربي، يوم يتساوى فيه الليل مع النهار ويحتفل الشعب الكوردي به منذ آلاف السنين باعتباره عيداً قومياً ووطنياً.

والأمة الكردية تحتفل بهذا العيد القومي في كل أجزاء كردستان الكبرى الموزعة على تركيا والعراق وايران وسوريا ،وتجري مراسيم الاحتفال بيوم نوروز في كل مدن كردستان وبهذه المناسبة توقد مشاعل النار رمزا للحرية التي تذكر باشارة نجاح ثورة الربيع الكردي قبل الفين وسبعمائة سنة التي انطلقت ضد ملك مستبد وظالم وجائر محطما جسد الحاكم القاتل الذي كان يفتك بارواح شباب الكرد. والأمر المميز في عيد نوروز، أن اغلب الباحثين المختصين بعالم الأساطير والتاريخ القديم يتفقون على أن نوروز هو احد أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، وفي التاريخ القديم لبلاد ما بين النهرين يشير أكاديمي مختص بالأساطير الى ان عيد (ديموز) المعروف لدى السومريين هو ذاته عيد نوروز، ويستدل للرابط بين (ديموز) و(نوروز) بان الاثنان يقامان في نفس اليوم حسب التقويم الشمسي ولهما نفس الأبعاد الدلالية من حيث اعتبارهما اليوم الأول من العام الجديد وبداية فصل الربيع.

ولكن فردوسي في كتابه الشاهنامه يذكر أن الأكراد يرجع أصلهم الى الفرس ولهذا ينسب هذا العيد عيدا وطنيا للفرس ! وهو يستدل بفارسية الأكراد بسبب أن زعيم قبائل البارسيين (الفرس) كورش الإخميني ، تمكن من الانقلاب على جده لأمه الملك الميدي (أستياكس) في العاصمة (همكتانا – همدان) فأسس أول دولة فارسية في التاريخ تحت اسم (الدولة الإخمينية). وفي سنة 550 ق. م  . ولهذا اعتبر فردوسي الأكراد من الأصل الفارسي وكم هذا يتشابه  بقضية إحتلال الأحواز العربية الذي بعد تسعة عقود من الاحتلال اعتبر الفرس الأحواز فارسية !!

ويقول الدكتور مولود إبراهيم حسن: "النوروز هو أول أيام العام الكردي، ويصادف 21 من شهر آذار الميلادي. والعام 2009 الميلادي يصادف العام 2709 الكردي. وتاريخ 1 من شهر نوروز الكردي، هو تاريخ يعود إلى العصر الميدي، ويعود التاريخ الميدي بحسب بعض المصادر التاريخية، الى الألفية الرابعة قبل الميلاد، وفي ذلك التاريخ كان للميديين حوادث تاريخية كثيرة، وعدا الميديين هناك قوميات أخرى لها علاقات مع الأصل الكردي". ويقول بعض المؤرخين بأن مؤسس الإمبراطورية الميدية (دايوكي) أو (داهيوكا) حسب الأختام الأسطوانية والألواح الفخارية، جعل سقوط نينوى في العام 612 ق.م. في 21 آذار؛ ليتوافق هذا الحدث الجلل مع انتصار النور على الظلام، أي مع عيد نوروز.

ومن جانب آخر أيضا كتب الكاتب والباحث " قاسم مرزا الجندي " أن عيد نوروز مناسبة تعبر عن الثورة والشجاعة الكردية الأصيلة ضد العبودية والتسلط والقضاء على الظلم والطاغية الفارسي(اشدهاك) وتحرر العباد والبلاد من ظلمه وعدوانه.!

اذن بعض الحقائق التاريخية تنص على أن الملك " الضحاك " كان أصله فارسيا وهذا يدل على أن هذا العيد ليس فارسيا ولايجوز للفرس الاحتفال به لأنه يعد يوم النكبة والخسارة والاطاحة بحكمهم على يد الميديين (الأكراد) ولهذا لايجوز لشعب أن يحتفل بذكرى خسارة حكومة اجداده الا اذا كان وقحا لحد أنه يغير مجرى التأريخ كله وتنقلب الحقائق رأسا الى عقب !!.

وأضاف مرزا الجندي أن احتفال البابليون والآشوريون بعيد(أكيتو) يشابه عيد نوروز ووضع البابليون تقويماً جديداً لهم يبدأ من (21) آذار(شيكركو) السومري وكان عنده (1) نيسان (نيسانو) أي أن شهر نيسان عندهم لا يطابق نيسان الحالي في تقويمنا بل يطابق(21)آذار في تقويمنا وهو بداية السنة عندهم وقد أصبح عيد رأس السنة عندهم يسمى بـ (آكيتو)وهي كلمة بابلية ذات جذر سومري لأن أقدم صيغة لها جاءت بحدود 2500 ق.م وعلى شكل (آ- كي- تي) العلامة (آ) تعني الماء و(كي) تعني الأرض و (تي)تعني القدوم الى الأرض ، فيكون بذلك معنى الكلمة كاملاً (قدوم حياة جديدة الى الأرض) .

اذن اليوم ، الجمعية العامة في الأمم المتحدة أعلنت وبموجب قرارها(64/253)يوم 21 آذار/مارس من كل عام يوماً دولياً للاحتفال بعيد النوروز، بناء على مبادرة قدمتها في عام (2010)م عدة بلدان هي (أفغانستان ,جمهورية ألبانيا , إيران , وتركيا, وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة,وأفغانستان,والهند وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة(جمهورية طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان !) ، وللعلم أن في العالم الكثير من الشعوب منهم البهائيين والأقباط في مصر يحتفلون بهذا العيد(السنة الأولي لحكم دقلديانوس =282 ميلادية= 1 قبطية =4525 توتية ( فرعونية )  

 الذين لم يطّلعوا بشكل جيد على مشروع القرار الذي قدّم للأم المتحدة بهذا الصدد، وصادقت عليه، والذي يقرّ كذلك بإيرانية عيد نوروز!. حسب وسائل الإعلام الإيرانية فإن مشروع القرار الذي قدّم إلى الأمم المتحدة أُعدّ من قبل إيران حصرياً، وبأن الدول الأخرى التي ورد ذكرها، والمغلوبة على أمرها؛ ليست إلا للتغطية على النوايا السيئة المبيتة في عرض مثل هذا المشروع على الأمم المتحدة، وأولها إسقاط حق الشعب الاخرى، وكما ذكرنا، في هذا العيد.

ولكن في الأخير أن جميع المعطيات التاريخية تؤكد على أن هذا العيد ليس فارسيا ، ولاتوجد هناك أدلة كافية واضحة وأيضا لاتوجد أدلة متناقضة حتى ! على أن هذا العيد من أصل فارسي كما يدعي الفرس !

ولكن نحن كعرب وبالأخص كمسلمين منعنا الاسلام من الاحتفال بغير الأعياد الاسلامية ، ولكن من الواجب الأخلاقي والانساني أن نبارك للشعوب التي تحتفل بهذا اليوم وخاصة الشعب الكردي المناضل وباقي الشعوب الراضخة تحت الاحتلال الفارسي في جغرافية ماتسمى بإيران ، الذين يحتفلون بهذا العيد .

وأن كثرة الكتابات والشعارات الحاثة على مقاطعة هذا العيد بإعتبار هذا العيد عيد الفرس ، هذه تعطي رسمية وتؤكد للفرس أن عيد نوروز عيد فارسي وهذا خطأ كبير يرتكبه البعض من كتابنا وشعرائنا والنشطاء السياسيين وهذا يساعد في تأكيد أكاذيب الفرس واعطاء المصداقية لأكاذيبهم حول هذا العيد الذي نسبوه لأنفسهم ، وأيضا عندما نقول قاطعو عيد الفرس ، ناهيك عن أننا اعطينا الرسمية أي اننا اعترفنا أن هذا العيد فارسي الأصل ، بنفس الوقت ساهمنا مع الفرس بطمس هوية وتشويه الحقائق التاريخية لدى الشعوب التي تعتبر هذا العيد عيدا وطنيا لهم .

لا شك اننا كاحوازيين علينا الحفاظ على هويتنا و ثقافتنا العربية و ذلك من خلال التمسك بهما ولكن في نفس الوقت علينا احترام ثقافات الشعوب الاخرى ولا نتعدى عليها وان نكشف دجل الفرس و تاريخهم المزور بدل ان نضرب عادات شعوب باكملها.

المصادر :

مركز الدراسات الكردية (الجزيرة نت)

موسوعة ويكيبيديا

العراق القديم (جورج رو)

الفكر السياسي في العراق القديم ( د/ عبد الرضا الطعان)

طقوس ومراسيم الاعياد في الواقع العام للشعب الكردي(الايزيدي)

يا فُرس، عيد نوروز كردي شئتم أم أبيتم؟(فايق عمر)( موقع إيلاف(

قصة الحضارة (ول ديورانت)

مسْكَوَيه: تجارب الأُمم وتَعاقب الهِمَم

جان راسل هینلز