إسرائيل واليهودية الحقيقية

في بيان لمناسبة الذكرى السبعين لقيام إسرائيل ؛ أوضحت جماعة ناطوري كارتا اليهودية الأرثوذكسية ( حراس المدينة ) أن ذلك القيام كان مأساة للشعب الفلسطيني وللشعب اليهودي ، وأضاف البيان أن " إسرائيل دولة بلا شرعية ، وصاحبة سوابق ، وعاصية لأمر الله ، ومنتهكة للدين اليهودي " ، وتفسير ما وصفت به الجماعة إسرائيل من نواقص وسيئات أن الدين اليهودي الحقيقي ليس له أهداف سياسية أو وطنية ، ويحظر على الشعب اليهودي إقامة دولة دنيوية دون إرادة ربانية ما دام هذا الشعب تائها ، في رأيها ، حتى الآن . وترى الجماعة نفسها الممثل الوحيد لليهودية الحقيقية ، وتؤكد أنها تحتفظ بالتوراة الأصلية  النقية لا التوراة التي كتبت بعد 400 عام من نزولها ، فلحقها التحريف والتزييف . ونضيف إلى رأي الجماعة أن أغلب اليهود في إسرائيل وفي العالم ليسوا يهودا بالعِرق والدم وإنما بالتدين ، أي هم ليسوا أحفاد الأسباط أو القبائل الاثنتي عشرة أبناء يعقوب الملقب بإسرائيل ، أي عبدالله _ عليه السلام _ ، تلك القبائل التي فقد بعضها ، وتوالي إسرائيل البحث عنها . وانعقد مؤخرا منتدى في القدس للغجر الرومانيين أشرف عليه الباحث في التوراة شموئيل أفيوكيا ، وأعلن فيه  أن الرومانيين يهود غجر من قبيلة شمعون إحدى القبائل المفقودة ! والحقيقة أن أغلب يهود إسرائيل والعالم أتراك خزر من إقليم بحر قزوين   تهودوا في القرن التاسع الميلادي ، وهم المعروفون بالأشكناز ، ولا تتوقف صحيفة " في . تي " الأميركية المناوئة للصهيونية ولإسرائيل عن نشر المقالات المطولة عن خزرية أغلب اليهود الحاليين . بيان ناطوري كارتا ورؤية جماعتها في جملتها تؤكد حقيقة إسرائيل بصفتها مشروعا استيطانيا عدوانيا لا يختلف عن حركة الاستعمار والاستيطان الأوروبية ، بل هو جزء عضوي منها زمنا في ظهوره وأهدافا في توجهه ، والقائمون العلمانيون عليه أكثر من المتدينين ، وأولهم وأهمهم الملحد تيودور هرتزل ، والبعد الديني في المشروع كان عنصرا وظيفيا لجذب من يمكن جذبه ممن يدينون باليهودية . وقد استنكر عالم التحليل النفسي سيجموند فرويد تمسك القائمين على المشروع بذلك البعد  ، وقال لهم إن موسي _ عليه السلام _ لم يكن يهوديا ، بل كان مواطنا مصريا ، فلم يربطون اسمه برغبتهم في استيطان فلسطين ؟!  واشتراط إسرائيل اعتراف الفلسطينيين بيهوديتها أهدافه سياسية ، خلاصتها نزع شرعية وجودهم  في أراضي ال48 المحتلة ، واعتبارهم جالية أجنبية يحق لها طردهم متى أرادت  . وواجبنا رؤيةً وموقفا وإعلاما التركيز على حقيقة إسرائيل بصفتها بعيدة عن اليهودية الحقيقية دينا ، وعن اليهود الحقيقيين عرقا ، وأنها مشروع استيطاني إحلالي عدواني لمهاجرين غرباء تاريخيا عن المنطقة ، هو في الحق أسوأ من كل المشاريع الاستيطانية الأوروبية حتى في صورتها الأميركية الشمالية الممثلة في الولايات المتحدة وكندا مع إدراكنا للفرق الكبير بين عنصرية الولايات المتحدة الداخلية وعدوانيتها الخارجية عن كندا ، وأننا لا يهمنا في شيء ما تدين به . يهمنا أنها سرقت وطننا ، وتواصل تشريدنا عنه ، وقتلنا وجرحنا  واعتقالنا وخنق حياتنا . ويجب أن نفيد في كل ذلك من موقف جماعة ناطوري كارتا التي يعيش أتباعها في نابلس مواطنين فلسطينيين ، ويعمل بعضهم في مؤسسات السلطة الفلسطينية ، ويلبس بعضهم الملابس الفلاحية الفلسطينية ، كذلك يجب الإفادة من الأصوات المنصفة للفلسطينيين في النخبة المثقفة والإعلامية الإسرائيلية مثل جدعون ليفي وعميرة هاس وأوري أفنيري ، ومن مواقف بعض اليهود في الخارج الرافضة للسياسة الإسرائيلية العنصرية والعدوانية تجاه الفلسطينيين مثل حركة " جي ستريت " في الولايات المتحدة . للعمل الوطني الفلسطيني وجوه وأساليب كثيرة ، ومعركتنا كونية الأبعاد . 

وسوم: العدد 774