خطايا الثورة ومعركة الكرامة ..

غسان مصطفى الشامي

[email protected]

شكلت معركة الكرامة البطولية الباسلة، حدثا تاريخيا مهما في تاريخ الثورة الفلسطينية المجيدة، وسطرت وقائعها بأحرف من نور على صفحات تاريخ نضالات شعبنا الفلسطيني المجاهد .. كيف لا فهي أذاقت العدو الصهيوني الويلات وكبدته الخسائر الكثيرة التي لم يكن يتوقعها .

إن معركة الكرامة الباسلة التي رسم ملاحمها وخارطة النصر فيها الفدائيون الفلسطينيون من قوات العاصفة، و قوات جيش التحرير  الفلسطيني، وقوات الجيش الأردني البطل، جرت أحداثها المشهودة في الحادي والعشرين من مارس آذار عام 1968م، وقد شكلت هذه العملية البطولية انطلاقة رائدة في العمل العسكري الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، وذلك عندما حاولت قوات الاحتلال (الإسرائيلي) التي كان يقودها قائد الأركان (حاييم بارليف) القضاء على الفدائيين الفلسطينيين و احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن لأسباب تعتبرها الدولة العبرية إستراتيجية.

وخلال معركة الكرامة تلاحمت وتشابكت صفوف المقاتلين في هذه المعركة حيث كان الفدائيون الفلسطينيون،و أسود الجيش العربي الأردني يزأرون في ميدان العمليات وجبهات القتال بشراسة، وبدأت وقائع ومجريات هذه المعركة بعد وجود النوايا الخبيثة للكيان الصهيوني لتأمين حدود وضرورة مهاجمة الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة ومنطقة الغور التي كانت تمثل منطقة مركزية لعمليات الفدائيون الفلسطينيين ضد العدو الصهيوني.

 ومن شدة غضب ( إسرائيل) قام وزير الدفاع الصهيوني آنذاك ( موشيه ديان ) بالتحذير من هجمات الفدائيين على الصهاينة قائلا " إن الأردن لا يفعل شيئا لوضع حد لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أراضيه وسنضطر لحماية أمننا " .

وقبيل المعركة البطولية شهدت  المنطقة التطورات الميدانية على الأرض مزيدا من السخونة ممن جعل (إسرائيل ) تعلن، أنه في حال استمرار عمليات  الفدائيين ضد الكيان  عبر نهر الأردن فإنها ستقوم بالرد المناسب.

وتمهيدا للهجوم الواسع قامت (إسرائيل) بهجمات عديدة ومركزة واعتمدت بشكل رئيسي على القصف الجوي والمدفعي على طول الجبهة الأردنية طوال أسابيع عديدة سبقت بداية المعركة في الساعة الخامسة والنصف صباح يوم الأحد في 21 آذار 1968م.

وقد تشكلت القوة الصهيونية المهاجمة، من قوات رأس الجسر، ومن لواءين من المشاة والمظليين، ولواءين من الدروع، وعدد من طائرات الهليكوبتر لإنزال المظليين على مخيم الكرامة، وخمس كتائب مدفعية، وأربعة أسراب طائرات جوية، أما قوة الهجوم الرئيسية حسب البيان الرسمي الصادر عن المملكة الأردنية الهاشمية فقد تشكلت من فرقة مدرعة، وفرقة مشاة آلية..

وتحركت قوات العدو لاجتياح الأغوار على أربعة محاور : محور العارضة ومحور وادي شعيب ومحور سويمة ومحور غور الصافي من جنوب البحر الميت، وقد تم مواجهة القوات الصهيونية بكل بطولة وباسلة وإقدام ومقاومة عنيفة لمنعها من التقدم .

كما شهدت المعركة البطولية قتالا عنيفا من قبل الفدائيين الفلسطينيين، والجيش العربي الأردني الباسل، وبرزت خلال هذه المعركة شجاعة كبيرة منهم حيث أهلكوا القوات (الإسرائيلية) الغازية بقتالهم وجها لوجه مع ( الإسرائيليين) الذين لم يألفوا مثل هذه الشجاعة وبالكمائن التي اصطادوا بها الدبابات بقذائف ألـــــ ( آر بي جي )، كما دار قتالا عنيفا خسر الجيش الصهيوني خلال خسائر بشرية كبيرة فقد قتل حسب الروايات أكثر من 100 جندي صهيوني، كما كانت هناك خسائر مادية مما أدى إلى تقهقره وتراجعه.

 وفي الساعة الحادية عشر والنصف ظهرا، طلبت (إسرائيل) وأمام خسائرها الهائلة ، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من الجنرال (أودبول) كبير المراقبين الدوليين وقف إطلاق النار، وتم انسحاب آخر الجنود في الساعة الثامنة والنصف مساء حيث تكبدت (إسرائيل) خسائر إضافية خلال انسحابها من جراء القصف المدفعي الأردني وكمائن المقاومة الفلسطينية المنتشرة على كافة المحاور.

الفدائيون الفلسطينيون وجيش الأردن قاتلوا ببسالة نادرة، وقدموا حوالي مائة شهيد خلال المعركة البطولية، وقدموا تضحيات كبيرة خلال المعركة لتكون نقطة تحول كبرى في تاريخنا الفلسطيني وتاريخ ثورتنا ونضالنا العربي ضد المحتل الصهيوني .

 وكانت معركة الكرامة تمثل نقطة تحول استراتيجية حقيقية، رغم الإمكانات المتواضعة، وأعطت هذه المعركة زخم نضالي في التاريخ الفلسطيني والعربي  المشرق، كما مثلت نموذجا مشرقا أجبرت القوات الصهيونية على التقهقر والتراجع.

أمام دماء الشهداء الأبطال والبطولات الفلسطينية العريقة في هذه المعركة الثورية الباسلة وغيرها من المعارك، يطل علينا علينا الرئيس عباس وزمرته لكي يسيئوا للنضال الفلسطيني ويشهوا ثوراته، من خلال ما تحدث عنه من فضائح مخزية واتهامات للفاسدين والعملاء الذين سرقوا الثورة ونهبوا خيرات البلاد وباعوا الأرض والوطن في سوق النخاسة .. كان الأجدر بالرئيس عباس منذ توليه السلطة وهو يعرف كل الساقطين والفاسدين إعلان أسمائهم للعامة وتقديمهم للمحاكمات الثورية أمام كافة أبناء شعبنا المجاهد لكي ينالوا عقابهم وجزائهم.. ففلسطين تحتاج إلى الأوفياء والأقوياء لكي يواصلوا مسيرة التحرير وبناء الدولة الفلسطينية الأبية وعاصمتها القدس على كافة التراب الفلسطيني.