ألا كلكم راع..

د. حامد بن أحمد الرفاعي

ألا كلكم راع.. ألا وكلكم مسؤول عن رعيته..هذه قاعدة نورانيَّة أطلقها رسول الهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليُؤصِّل ويُرسِّخ بها أهميَّة قيم مسؤولية الأداء والإنتاج في سلوك الأجيال وثقافتهم..فالإسلام أسس عَقْدَهُ الاجتِّماعيّ المُقدَّس على التعاقد بين الأمة(ولاة أمر ورعية)وبين ربِّها جلَّ جلاله..ليتعاونوا على النهوض بمسؤوليات عمارة الأرض واستثمار مكنونات الكون وإقامة الحياة..وذلك على أساس من القيم الربَّانيَّة الساميَّة..التي تقوم على التكامل والتلازم بين العبادات الروحيَّة والعبادات العُمرانيَّة..أو التكامل والتلازم بين أداء فروض عبادته سبحانه في محاريب المعابد وأداء فروض عبادته جلَّ شأنه في محاريب الأسواق..فهجر الأسواق لا يقِّلُ إثماً ومعصيَّة من هجر المساجد..فمهمة العبادة الروحية في الإسلام إعداد وتزكية الإنسان ليكون على مستوى النهوض بقدسيّة مسؤوليات إقامة الحياة وتحقيق مصالح العباد..أجل إن بناء ثقافة مسؤوليات الأداء والابتكار والإبداع والإنتاج..لهي الثمرة الطيبَّة اليانعة والدليل الأصدق على صحة أداء العبادات الروحيَّة وشعائرها المتنوعة..فالفشل والتخلف والغياب والانسحاب من محاريب الأسواق..لهو دليلٌ يطعن بصدقيَّة وجديَّة وإخلاص العبادة في محاريب المعابد..والشيء المؤسف أن ثقافة الأجيال اليوم اختزلت عبادة الله تعالى في الأسواق بما يسمى(الوظيفة) وحبسوا أنفسهم في خانات انتظار الدولة لتفتح لهم أبوابها وتقعدهم على مكاتبها..ونسوا أو تناسوا أن محاريب السوق مفتَّحة وهي أجدى نفعاً لأنفسهم ولمكانة أمتهم بين الأمم..لذا علينا أن ننمي ثقافة السعي إلى (المهنة) وكبح ظاهرة تنامي ثقافة السعي إلى (الوظيفة) وحالة التثاؤب والتمَّطي على مقاعد انتظارها ..؟؟؟! والخليفة الرشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:"إنمَّا وليَّنا عليهم من أجل ثلاثة:ستر عورتهم..وسدُ جوعتهم..وتامين مهنتهم"أجل مهنتهم وليس وظيفتهم فحسب..وكان رضي الله عنه يردد قولته الجليلة فيقول:"أرى المرء فيعجبني ..فإن قيل لي لا عمل له..سقط من عيني"أجل يا أبا حفص:فالسقوط كل السقوط ألا يحترف المرء مهنة وألا يزاول عملاً والله تعالى يقول:"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"أجل فالبطالة التي يتحدث عنها النَّاس اليوم ويعتبرونها معيار التقدم..هي ليست في عدم توفير الوظيفة فحسب ..بل البطالة كل البطالة هي في العزوف عن المهنة والاحتراف..وفي عدم توفير أسبابها وعوامل تيسيرها وتأهيل الأجيال لها..وبعد..فكل عام والجميع بخير وأمن وسلام..وفي محارب السوق والعمل يتعانقون ويتبادلون التهاني بنهضة الأمة وتألق مكانتها وعزتها بين الأمم.

وسوم: العدد 777