إيران إذْ تتجاوزُ الخطوطَ الحمراء في سورية

لم تُخفِ إسرائيل دوافعَها في قيام طائراتها ( 28 ) بإطلاق ( 60 ) صاروخًا على مواقع تتموضع فيها إيران في منطقة المثلث الواصلة بين ( ريف دمشق الجنوبي و محافظتي درعا و القنيطرة جنوبًا )، فضلاً على مواقع أخرى سورية، بدأتها ليلة الاربعاء، و استمرت حتى فجر الخميس: 10/ 5/ 2018.

و قد أتَتْ على البُنى التحتية الإيرانية العسكرية في سورية، و أعادت تمركزها شهورًا إلى الوراء، حسبما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في مقالة للمحلل العسكري عاموس هرئيل، الذي أشار إلى أنّ الضربة كانت قاسية للغاية.

 و بحسب بيان صادر عن الجيش الإسرائيليّ، فإنّها قد طالت أكثر من (50 ) هدفًا، شملت مواقع استخباراتية إيرانية، و مقرات قيادة لوجستية، بالإضافة إلى مواقع تخزين السلاح، تمثَّلت في مواقع مليشياتها في مدينة البعث و خان أرنبه، و محيط بلدة حضر و منطقة قرص النفل، و اللواء ( 137 ) في ريف دمشق، والفوج ( 175) القريب من إزرع، وتل مقداد القريب من بلدة محجة، وتل الشعار، ومطار خلخلة، و اللواء (150 ) في السويداء، و مطار المزة العسكري، و مواقع للفرقة الرابعة في ريف دمشق، و تواردت أنباء عن استهداف الطيران الإسرائيلي مواقع مليشيا حزب الله، قرب مدينة القصير في حمص، فضلاً على تدمير ( 5 ) بطاريات صواريخ سورية، مضادة للطائرات حاولت إسقاط طائرات إسرائيلية.

و ذلك فيما يعتبر أوسع هجوم من نوعه على سورية، منذ حرب تشرين عام 1973؛ الأمر الذي سيجعل الجنرال قاسم سليماني ( قائد فيلق القدس )، سيدهش حين يرى حجم الدمار الذي لحق بقواته في سورية، بحسب ما أعلن رونين منيلس ( المتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ ).

في مقابل هجوم نمطي نفذته إيران، تمثَّل في إطلاق (20 ) صاروخًا من نوع ( غراد )، أسقطها نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي، أو لم يصل مداها إلى الأهداف بالجولان، و ذلك في إطار حسابات دقيقة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي رصدت كل التحركات الإيرانية بدقة، و خرجت من المواجهة من دون أيّة خسائر، و أنّ الأمر كان بإشراف الجنرال سليماني نفسه، و بمباشرة عناصر إيرانية من فيلق القدس، و أخرى من حزب الله.

هناك عدّة أمور استوقف المراقبين، في هذا التصعيد غير المسبوق، تمثَّلت في:

ـ ضآلة الخسائر البشرية في الجانبين ( السوريّ، و الإيرانيّ )، لم تتعدَّ ( 23 ) شخصًا، جلّهم من الإيرانيين، و ذلك أنّ التركيز الإسرائيليّ لم يكن على الأفراد، بقدر ما كان على الإمكانيات والعتاد؛ بغية إلحاق ضرر طويل الأمد بالمؤسسة العسكرية الإيرانية في سورية، التي يُعتقد أنها ستحتاج قدرًا لا بأس به من الوقت لتعويضها.

ـ لقد كان التبريرات الإسرائيليّ متمحوِرة في أنّ إيران قد تجاوزت الخطوط الحمراء، في وجودها في سورية، متمثّلة في:

1ـ عدم ابتعادها مسافة ( 40 كم ) عن الجولان المحتل.

2ـ تكديسها ترسانة صاروخية، تشكّل تهديدًا واضحًا للأمن القوميّ الإسرائيليّ، تضغط بها على إسرائيل، من أجل أن تبتزّ أمريكا و حلفاءها في المنطقة، و هو ما لا تسمح به إسرائيل مطلقًا، فبحسب تصريح أفيغدور ليبرمان ( وزير الدفاع )، في مؤتمر هرتسيليا الأمني، قرب تل أبيب: " لن نسمح بوجود أيّة تشكيلات عسكرية، أو أنظمة دفاعية، أو أيّة بنى تحتية إيرانية بالقرب من حدودنا، و آمل أن نكون انتهينا من هذا الفصل، و أن يكون الجميع قد فهم الرسالة ".

ـ لقد حصل هذا التصعيد عقب زيارة قام بها ( نتن ياهو ) إلى موسكو قبل يومين؛ ما يشير إلى أنّ روسيا غير معنية بأمن إيران في سورية، بمقدار ما يعنيها تفاهماتها مع إسرائيل، حيث أوقف منظومات دفاعاتها الجوية، التي تغطي الأجواء السورية عن العمل، و أنّ سياسة الفصل بين الملفات التي يقوم بها بوتين، لتشير إلى أنّ تحالفاته مع الإيرانيين و السوريين، هي تكتيكيّة أكثر منها استراتيجيّة.

ـ نفي إيران مسؤوليتها عن إطلاق موجة الصواريخ العشرين، و تحميل ذلك إلى الجانب السوريّ؛ و ذلك استشعارًا منها لخطورة التهديد الإسرائيليّ بأنّ هذا الأمر لن يمرّ من دون ردّ ماحق، بحسب تصريحات نتن ياهو الأخيرة؛ و بحسب تصريحات وزير دفاعه ليبرمان: " إذا أمطرتنا إيران بالصواريخ، فسيكون لديهم طوفان".

الأمر الذي تحسّست له طهران، و حملته على محمل الجدّ، و أعاد إلى ذاكرتها العواقب الوخيمة التي طالت صدام حسين، جرّاء إطلاقه ( 39 ) صاروخ سكود على إسرائيل سنة 1991، ( متحدّيًا الزعماء العرب في حينها أن يكملوها إلى الأربعين )، و هي غير أبهة أن يكون ذلك من نصيب حليفها الأسد، الذي ذهب يؤاف غالانت ( وزيـر الإسكان الإسرائيلي ) إلى المناداة بتصفيته.

وسوم: العدد 778