آمنَّا بربِّ الشَّهيد

clip_image001_e3e53.jpg

في ذكرى انتصارِ العُنقِ على المشنَقة، والحنجرةِ على الرّصاص، والقلمِ على سبطانَة ‏المدفع؛ ترتجف الكفُّ والرُّوح وهي تكتبُ في حضرة الشَّهادة، وفي محرابك يا سيِّد ‏الشّهداءِ؛ سيّد قطب!! ‏

كم تفيّأنا وارفَ "الظّلال"، وانتَشَينَا بِشَهدِ كلماتك التي ما إن تخالط الرّوح حتى تحلِّقَ ‏بها في فضاءاتٍ لا نهاية لها، وما تزال معالمُكَ تنير للقابضينَ على الجمرِ طريقَهم فتزلزلَ ‏عروش الطُّغاة.‏

كلماتُك لم تكن يوماً عرائسَ من شمعٍ وقد روّيتها طُهرَ دمك، فانتَفَضَت تجوبُ ‏الأرض شرقاً وغرباً؛ تبذُر الحقَّ وتسقيَه الثَّبات، لتجنِيَهِ الأجيال حريّةً وتمكينًا، ‏وسبَّابتُك التي شهدَتْ بالتّوحيد ترسلُ على الدَّوام أمواجَ الرُّعب في قلوبهم المصنوعة من ‏طغيانٍ ووَرَق.‏

كلّما ألقَوا حَبيبًا لنَا في غَيابةِ الجبِّ استَعَرنَا لِسانكَ مُعلنِينَ له: "أَخي أنتَ حرٌّ وراء ‏السُّدود".‏

وتَتفجّر فينَا الحريّة بمعناها الأشمّ، إذ نصدح له بأيقونَتِك : "أخي أنت حرٌّ بتلك ‏القيود".‏

وتعلُو على هاماتِ الطُّغاة نِعالُنَا، ونحنُ نغرّد ترانيمَك عن "هُبَل؛ رمز السَّخافة ‏والدّجل".‏

ونستنشِقُ عبيرَ الجيل الأوَّل في ركب الاسلامِ إذ تَزدَري في لحظةَ الرّحيلِ الى الخلودِ ‏العمائمَ التي ما فَتِئَتْ تأكلُ الفُتَاتَ على مَوائدِ فراعنَة العَصر، ونَمارِيد الزَّمان، فنعلم ‏كيفَ تكون لا إله الا الله سلاحًا أمضى من السَّيف وأقطعَ من النَّصل، وقد أَرادوها ‏مُثَلَّمةً لا روحَ فيها، وأرَدْتَها مُسَلَّمَةً لا شِيَةَ فيها تسرُّ النَّاظرينَ وتُحيِي الغَافلينَ وتزلزلُ ‏الطُّغاةَ المجرمين.‏

تطيرُ أفئدتُنا إليكَ لنراكَ وأنت تقابلُ القاتلَ بابتسامةِ النَّصرِ لنوقنَ كيفَ تكون الكلمةُ ‏أسطعَ من الشَّمسِ في محو دياجيرِ الاستبداد والطغيان.‏

أيّها الرّاحلُ من اثنتين خمسينَ سنةً عن أدرانِنَا ولوثَاتِ حياتِنَا:‏

قَرَّ عيناً فقد فرّ طغاةُ القيروان؛ وأُحرِقَت بالنَّار جبهةُ مسيلمةَ اليمن قبل هلاكِه مذءوماً ‏مدحوراً؛ وداسَ أحفادُكَ عنقَ القاذفِ شَرَّهُ في ليبيا، فغدا تحت الرّمال مجندلاً عبرةً لكلِّ ‏معتبر، وجُندُ قلمكَ ومواقفكَ في الشَّامِ يستحيلُ الياسمينُ في أيديهِم رصاصًا يصرخُ في ‏وجه طاغية العصرِ وزبانيتِه: "المستقبلُ لهذا الدِّين".‏

ودماءُ بناتِكَ وأبنائكَ في رابعةَ ـ الذينَ أَبَوا إلَّا دربكَ لهم ـ تنتصبُ لكلِّ من أرادَ كرامةَ ‏الدَّارَين "معالمَ في الطَّريق".‏

أيُّها السَّاكنُ من اثنتين خمسينَ سنةً في شغافِ المَسرَى:‏

كم حاولوا أن يسلَخوا فلسطينَ عنكَ فما ازدادَتْ الاّ تعلُّقًا بك، وهاهم قد حفروا ‏الأَخاديدَ في جَنَبَات غَزَّة كلّها، لَيحرِقُوا أحبابكَ فما أحرَقُوا غيرَ الخَوفِ المُعشِّشِ في ‏قُلوبِهِم، وكانَتْ الأجسادُ وقودَ جهادٍ يعيدُ إلى النِّصابِ "معركَتَنا معَ اليهود".‏

ها هي غزَّة؛ مثلك في السِّيادة والشَّهادة؛ صاحَ النَّاسُ فاهتزَّت جَنَبَاتُها يومَ أطلَقوا ‏سهامَهم إلى صدرِها لِيُخرِسُوا أصواتَ أبنائِها، ويدفنوا الحقَّ في نفوسِهِم؛ وعَلَتْ ‏صيحاتُهم هاتفينَ مثلما عَلَتْ صيحاتُ تلاميذكَ في أرجاءِ المعمورةِ يوم اهتَزَّت أعوادُ ‏المشنقَةِ بجسدِكَ المعجونِ بالضِّياء: آمنَّا بربِّ الشَّهيد؛ آمنَّا بربِّ الشَّهيد!!‏

#ذكرى_إعدام_سيد_قطب

وسوم: العدد 787