وجع المجتمع

رسالة المنبر - ١٠/ ١٠/ ٢٠١٨م.

المحاور:

- تعددت أوجاع مجتمعاتنا وآلامها بتعدد أزماتها ومشكلاتها .. ولعل من أشد أوجاعها ألماً وأكثرها انتشاراً وأعظمها امتداداً تاريخياً؛ ذلك المرض العضال الذي يسمى: (النفاق).

- ‏والنفاق مرض كالسرطان تماماً في خفائه ودهائه وسرعة انتشاره وصعوبة علاجه، لأنك لا تستطيع خلعه من جسدك إلا بخلع جزء من هذا الجسد، ولا تستطيع علاجه إلا بدواء يتألم له سائر الجسد (الكيماوي) .. فهو ورم خبيث لا يمكننا استئصاله بسهولة، ولا السكوت عليه؛ لأنه سريع الانتشار عظيم المفعول (وفيكم سماعون لهم).

- ‏ كان النفاق ولا يزال وسيبقى طالما أن هنالك خير وشر أو حق وباطل .. ذلك أن ضعاف النفوس ومرضى القلوب يخافون أن تدور الدوائر .. فهم يتقنعون بأقنعة تتعدد فيها وجوههم (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء).

 ‏النفاق وجع كل مجتمع؛ لأنه لولا النفاق ما حلت بنا المصائب والبلاءات الآتية:

١. بناء الجسور لأعداء الوطن والأمة لتسهيل مهمتهم في استهدافنا واستنزافنا.

٢. دعم وإسناد الفاسدين والمستبدين وتزيين صورتهم القبيحة والدفاع عن مواقفهم المخزية.

٣. تعطيل حركة الإصلاح والتغيير وعرقلة مسارها واتهام روادها ورجالها (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا).

٤. توفير أوعية وهياكل إصلاحية مزيفة وقنوات توعوية مغشوشة لصرف الأنظار عن كل ما هو نقي ونظيف ( .. لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه).

٥. محاولات ضرب النسيج الاجتماعي من خلال اللعب على أوتار العنصريات والجهويات والفئويات (دعوها فإنها منتنة).

٦. العبث بالروح المعنوية الصاعدة، وتخذيل الأمة وبث معاني اليأس والإحباط في النفوس (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا).

 لقد كان لهؤلاء المجرمين الذين حجز الله تعالى لهم مقعداً في الدرك الأسفل من النار أدوار خطيرة في العهد المدني من السيرة النبوية الشريفة، مما أحزن قلب النبي صلى الله عليه وسلم وأرهقه، ومن تلك المواقف التي لا زلنا نراها تتكرر في زماننا هذا:

١. المنافحة عن يهود بني قينقاع وعن المجرم كعب بن الأشرف.

٢. الانسحاب من جيش أحد في وقت كان المسلمون بحاجة إلى من يسندهم لا من ينسحب ويتولى من الزحف.

٣. محاولة ضرب المهاجرين بالأنصار عند العودة من غزوة بني المصطلق.

٤. محاولة تشويه صورة البيت النبوي بالخوض في حادثة الإفك.

٥. محاولة ضرب الأوس بالخزرج أثناء معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لحادثة الإفك.

٦. تسهيل مهمة الغزاة يوم غزوة الأحزاب والتواطؤ معهم.

٧. التخلف عن الغزوات بأعذار مكذوبة (لا تنفروا في الحر).

٨. بناء مسجد ضرار للصد عن سبيل الله وتحشيد المجرمين ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٩. الهمز واللمز والايذاء المعنوي للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل منفق ومجاهد.

١٠. التسابق عند الغنيمة والتكاسل عند الطاعة والعزيمة.

- في الوقت الذي لا نرى فيه سورة اسمها اليهود ولا المشركون (على الرغم من كثرة ذكرهم في القرآن) فإننا نجد سورة كاملة اسمها المنافقون على الرغم من كونهم كانوا يحذرون أن ينزل الله سورة تفضحهم، وكانت سورة التوبة كذلك (الفاضحة) لهم.

- ‏المنافقون على أصناف يجمعهم تعدد الوجوه وتلون المواقف والكذب والمداهنة؛ فمنهم من كان نفاقه اعتقاديا يبطن الكفر ويظهر الإسلام، ومنهم من كان نفاقاً عملياً (سياسيا أو اجتماعيا) يبطن الحرص الشديد على هواه ومصلحته ويظهر الانتماء للوطن والأمة.

- ‏ لا يوجد لمنافق احترام ولا كرامة فهو ذليل عند من يستخدمه لاهوائه ثم يلقي به في مزبلة التاريخ، مثلما أنه مُهان عند من تجسس عليهم أو تسبب في إيذائهم، وصدق الله: (ومن يهن الله فما له من مكرم).

- ‏المنافقون في بلادنا هم حبل الناس الذين تشبث بهم يهود للوصول إلى ما وصلوا إليه من إفساد وعلو، فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

- ‏ تعامل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مع المشركين واليهود والروم والمنافقين واستطاع أن يضع للجميع حدا وأن يؤدبهم، ثم مات وترك المنافقين يعيثون ويعبثون، لأجل ذلك استغرب عمر رضي الله عنه عندما علم بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: كيف يموت رسول الله وفي المدينة منافق واحد؟!.

- ‏يوهم المنافقون أنفسهم أنهم على صواب ويجدون لأنفسهم من المبررات التي تبرر مواقفهم، ولكنهم يعلمون أنهم يكذبون (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) فهم من كثرة كذبهم صدّقوا أنفسهم.

 قد يضعف المرء ويسلك مسالك أهل النفاق، وهنا لابد من تعامل حكيم يرده إلى صوابه، ومن ذلك في السيرة النبوية:

١. موقف حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وهو من أهل بدر لكنه أوشك يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). 

٢. موقف سعد بن عبادة وقد دافع عن رأس النفاق ابن سلول يوم حادثة الإفك، فقال له أسيد بن حضير: إنك منافق تنافح عن المنافقين .. فهدأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

٣. موقف كعب بن مالك وقد تخلف مع بعض الصحابة الصادقين عن تبوك فمنع النبي صلى الله عليه وسلم التحدث معهم حتى نزلت توبتهم. 

- في بعض ما نستهين به من سلوكات ما يوقعنا في شبهة النفاق، ومن ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان). 

- ‏لا ينخدع المؤمنون بمظاهر وشكليات يتلبس بها المنافقون ليتسللوا في صفوف الطيبين الأطهار، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من كل منافق عليم اللسان، وأخبرنا أن أكثر منافقي أمته قراؤها، وكشف لنا عن إعانة الله له في كشف نفاقهم من لحن أقوالهم (ولتعرفنهم في لحن القول). 

 ‏في منهجية تعامل الإسلام مع هذا الوجع المجتمعي لا بد من مراعاة ما يأتي:

١. تصنيفهم من ضمن الأعداء وليس الأصدقاء (هم العدو). 

٢. الحذر الشديد منهم (فاحذرهم).

٣. الدعاء عليهم لاسيما عند اشتداد ايذائهم (قاتلهم الله).

٤. مداراتهم والتقليل من استعدائهم، والصبر على استفزازهم (حتى لا يقال بأن محمداً يقتل أصحابه).

٥. رفع سقف التعامل معهم بإغلاظ القول لهم والتشديد عليهم ونبذهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التحريم: 9). 

٦. تربص لحظة تأديبهم ومواجهتهم (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الاحزاب: 62).

وختاما:

فتش عن قلبك ألا يداخله شيء من نفاق وبهتان، واحذر ممن تشكّ في نفاقهم وإن تسربلوا بثياب أهل الإيمان .. والمواقف كشافات، وللفتن فضائح كامنات، والعاصم من القواصم رب الأرض والسموات.

وسوم: العدد 793