يجمعهم الاستبداد وتفرّقهم الثورة

بالتوازي مع بداية الموسم السياسي،انطلق الهجوم على حركة النهضة من قبل عدّة حساسيات سياسية في البلاد. بما يشير ويؤكّد أنّ هذه الحساسيات قد اتّفقت على أمر قد دبّر بليل. فمن هجوم محمّد عبّو، الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، على حركة النهضة عبر تصريحه لقناة الجزيرة. إلى هجوم نجيب الشابي رئيس الحركة الديمقراطية عبر تصريحه في وسائل الإعلام الذي قال فيه "انتخبوني وسوف أخلّصكم من حركة النّهضة". إلى اتهامات حزب الجبهة الشعبية لحركة النّهضة مجدّدا بالضّلوع في قتل شكري بالعيد ومحمّد البراهمي. إلى مبروكة البراهمي أرملة محمد البراهمي التي اتّهمت حركة النهضة مجدّدا بتسفير الشباب  إلى سوريا للقتال في صفوف داعش. إلى التصريح الإعلامي لزياد لخضر ،الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد،الذي ورد فيه بأنّ الجبهة سوف تفوز بالرئاسة ومجلس النواّب إذا ما تمّ وضع قيادات وأبناء حركة النّهضة والمتعاطفين معها في السّجون!!!

فهذه الحساسيات السياسية إذن لا تبني البرامج انطلاقا من تصوّراتها وإنّما انطلاقا من عداءها التاريخي لحركة النهضة ولا شيء غير عداءها للنهضة وحقدها عليها بهدف حشرها في الزّاوية والإلقاء بها وبأنصارها في السجون. فأيّ سياسيين هؤلاء الذين لا يبنون مجدهم إلاّ على جماجم الآخرين. ؟

إنّ هذه الحملة المسعورة تعود بنا إلى سنوات ما قبل انتخابات 2014 وإلى ما قبل اعتصام الرّحيل. حيث تكتّلت كلّ هذه الحساسيات السياسية على محاربة ومطاردة ومحاصرة حركة النّهضة ولا شيء غير النّهضة. هذا الأمر يؤكّد لنا بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ هذه الأحزاب وهذه الحساسيات لا قيمة ولا وزن لها وإنّما هي كيانات عاشت على مرّ الزمن  على هامش وعلى وقع الاستبداد تأتمر بأمره وتقدّم له الولاء التّام ولا تشقّ له عصا الطّاعة . فقد كانت في عهد المخلوع بن علي تمارس النضال من فئة خمسة نجوم في الصّالونات وفي المنتديات والرّحلات. بما يعني أنّها كانت تمثّل على الشّعب طوال هذه المدّة. ففي سنة 2008 وبينما كان العديد من مناضلي حركة النّهضة يقبعون في السجون وتحت الإقامة الجبرية، كان حمّة الهمّامي،الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، يصول ويجول على طول البلاد وعرضها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ويلتقط الصور مع قادة تحرّك الحوض المنجمي. ثمّ وفي سنة 2013  وحّد وجمّع الاستبداد هذه الأحزاب من جديد تحت خيمة اعتصام الرّحيل حيث تكتّلت من جديد على الثّورة وقياداتها ونادت بإسقاطها على مائدة الروز بالفاكية.

وعلى إثر حصول التوافق بين الشيخين صدرت لهم التعليمات والإيحاءات بالتريّث والتعقّل وملازمة الصمت. ولكن وبمجرّد أن اغتاظ رئيس الدولة السيد الباجي قائد السبسي من حركة النّهضة (لعدم مساندتها له وابنه في معركتهما ضدّ رئيس الحكومة يوسف الشّاهد وانحازت لمصلحة الوطن) وشرع في رفع رجله عن الفرامل خرجت هذه الأحزاب من مخابئها وعادت إلى التكتّل من جديد لمحاربة ومهاجمة حركة النّهضة وإعادة إحياء الحملات المسعورة ضدّها. ذلك أنّ هذه الأحزاب تسيّر  وتقاد بالفرامل وبالرّوموت كنترول  وعن بعد. والأحزاب التي  تتنكّر لهويتها وتنحاز لتقرير بشرى بالحاج حميدة (كما فعل السيّد محمد عبّو وغيره) هي قطعا أحزاب لا تمتلك قرارا وإنّما تدار بالرّموت كنترول.  ليس من طرف الاستبداد المحلّي وحسب بل وكذلك من طرف الاستبداد الإقليمي والعالمي أيضا. فليس هناك في تاريخ وقاموس النّضال مناضلون يتنكّرون لتاريخهم ولهويتهم اللّهمّ إلاّ أن يكونوا مناضلين مزيّفين يمتهنون تمثيل النضال في الصّالونات المغلقة أو أمام عدسات الكاميرا.

إنّ ما ساعد هذه الأحزاب على الظّهور بمظهر غير مظهرها الحقيقي وإخراجها في هيئة الأحزاب التي تبدو مكافحة ومناضلة إنّما هو ذلك الإعلام الفاسد الذي نشأ وترعرع بدوره في حضن الاستبداد. والذي يتلقّى هو الآخر التعليمات عن طريق الرموت كنترول من السلط المحلّية والإقليمية والعالمية. هذا الإعلام كانت مهمّته الأساسية طمس هويّة البلاد والعباد ونشر الأكاذيب وتزييف الحقائق والاستمرار في إلصاق التهم بالمناضلين الحقيقيين وبحركة النّهضة تحديدا وإعداد التقارير تلو التقارير والملفّات تلو الملفّات والحلقات تلو الحلقات التي تثير الشبهات حول حركة النّهضة بهدف إلصاق التّهم العديدة بها من مثل اتهامها بقتل شكري بالعيد ومحمّد البراهمي وكذا اتهامها بتسفير الشباب إلى سوريا. ولكن لماذا لم تنجز هذه القنوات تقارير وملفّات وحلقات تميط اللّثام عن عملية قتل الشهيد كمال المطماطي وكيف تمّ قتله ودفنه داخل عمود خرساني بجسر الجمهورية ؟ ومن قتله وماهي الأطراف المتواطئة في عمليّة قتله ؟

وسوم: العدد 794