الإسلام في أفريقيا الحلقة (41)

العبيديون يستغلون العنصر البربري في إقامة دولتهم في أفريقيا

لقد استغل العبيديون ما كان بين البربر والعرب من نفور وتباين في العادات والأخلاق والقيم والأعراف، فقد كان مشهوراً عنهم حبهم للقتال وما تعودوه من شظف العيش، وما فطروا عليه من عدم حب للانضباط أو خلود للنظام، كانوا دائماً متأهبين للمخاطرة إذا ما عرض لهم باعث يحرك في نفوسهم ما جبلوا عليه من إقدام على المخاطر وركوب متن الأهوال. كل هذه الأحوال وهذه التداعيات جعلت أبا عبد الله الشيعي يجد الأرض الخصبة لنمو دعوته وانتشارها بيسر وسهولة، وخاصة وهو يستثير البربر على الذين اغتصبوا الأمر من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. على حدِّ زعمه.

وعرفنا من خلال ما نقلته لنا كتب التاريخ أن السلام لم تتوطد أركانه بين البربر والعرب النازلين في بلادهم منذ ظهور الإسلام وامتداد فتوحه إلى هذه البلاد.. وقد كان البربر - بلا شك - دون العرب حضارة وثقافة، وقد نظروا إلى العرب نظرهم إلى الغاصب والمستعمر من الرومان والبيزنطيين. فكم من ثورات قادها البربر على العرب أججتها نار العصبية.

ولم تكن الضرائب التي فرضها الأمراء والولاة والتي أثقلت كاهل الأهلين بأقل أهمية مما تقدم، فلم يكن تمرّد الخوارج على السلطة الحاكمة.. إلا لظلمهم وضرائبهم الفادحة وليس مرده خروجا على الدين.

أضف أن العرب عندما دخلوا المغرب فاتحين كان كثير منهم يعاملون البربر على أنهم دونهم في الاحترام والمعاملة وليست معاملة الند للند كما أمر الإسلام.

ولما أرادوا الانتصاف من أمرائهم بثوا شكواهم إلى الخليفة العباسي في بغداد دون أن يروا آذانا صاغية تستمع إلى مظالمهم. فكان كل ذلك مما دفعهم لقبول الدعوة العبيدية، وخاصة أن دعاتها كانوا يتظاهرون بالصلاح والتقشف والتقوى.

وسهلت كل هذه الأمور مجتمعة الطريق للانضمام لأبي عبيد الله الشيعي، الأمر الذي ساعد بالتالي على تأسيس الدولة العبيدية في القيروان.

مما تقدم نستطيع أن ندرك كيف مهدت الأحوال في إفريقية دخول كثير من البربر في حظيرة الدعوة العبيدية، فلا غرو في ذلك فقد وجهت الدعوة عنايتها الكبيرة في تحقيق غايتها وهدفها على يد أبي عبد الله الشيعي، حتى إذا ما وصل إلى بلاد كتامة سنة (288هـ/900م) التي حرثها الحلواني وأبو سفيان من قبله، وجد هذه البلاد ممهدة له. وبالتالي مهد السبيل لعبيد الله المهدي ليظهر في عيون العامة وكأنه المهدي المنتظر حقيقة.

ولا يفوتنا أن نذكر بالإعجاب صبر وجلد وذكاء وفطنة دعاة العبيدية وهمتهم العالية.. التي كان لها الأثر البعيد في اكتساب ولاء القبائل في المغرب على اختلافها.. ومعونة رجالها الذين عُرفوا بغيرتهم وتعصبهم، فكان اجتماع كل هذه الأسباب فرصة ذهبية انتهزها العبيديون لتأسيس دولتهم في شمال إفريقية.

أحوال الدولة العبيدية

بعد أن استتب الأمر لعبيد الله المهدي في القيروان سنة (297هـ/909م) قسَّم أعمال دولته على رؤساء قبيلة كتامة البربرية، الذين ساعدوه في إقامة دولته ثم دوَّن الدواوين، وجبى الأموال، واستقرت قدمه في هذه البلاد. وراح عبيد الله في رسم خططه لمدِّ سلطانه إلى مصر، كما بدأ على الفور بمد نفوذه في جميع بلاد المغرب، فعزل الولاة ونصَّب ولاة من أتباع مذهبه.. بما في ذلك ولاية صقلية وجنوب إيطاليا.

وبعد أن أقدم عبيد الله على قتل داعيته الكبير أبو عبد الله الشيعي سنة (298هـ/910م).. قام باستبدال العديد من ولاته، ثم ما لبثت العديد من القبائل البربرية أن أعلنت الثورة انتقاماً لأبي عبد الله سنة (299هـ/911م) وكان في مقدمتهم أهل زناتة وتاهرت وكتامة، كما ثار أهل طرابلس في سنة (300هـ/912م)، وثار أهل صقلية، وكاتبوا الخليفة العباسي (المقتدر)(1) ودانوا له بالطاعة. إلا أن عبيد الله ظفر أخيراً على كل المعارضين والثائرين.

ومات عبيد الله المهدي والبلاد في حروب وثورات سنة (322هـ/933م)، وبويع ولده أبو القاسم محمد بن عبيد الله، وتلقب بالقائم بأمر الله، وكان في الثالثة والأربعين من عمره، فأخفى وفاة أبيه خوفاً من انتقاض البلاد عليه. فلما تمكن وفرغ من جميع ما يريد أظهر موت أبيه.

وفي سنة (333هـ/944م) اشتدت شوكة أبي يزيد مخلد بن كيداد الخارجي بإفريقية وكثر أتباعه وهزم الجيوش التي التقى بها، ونزل على (رقادة) في مئة ألف مقاتل، وملك القيروان وهزم العساكر العبيدية، فلجأ القائم بأمر الله وأتباعه إلى (المهدية) وتحصنوا بها.

وحاصر أبو يزيد المهدية عدة شهور (جمادي الثانية 333-صفر 334هـ/شباط 945-أيلول 945م)حتى كثر الجوع والغلاء بها. ودخلت سنة (334هـ/945م)، والقتال مستمر بين القائم وبين أبي يزيد، فكانت بينهما حروب آلت إلى رحيله عن المهدية في (سادس صفر منه سنة 334هـ/17 أيلول 945م). ونزل على القيروان، وقوي القائم، وبعث إلى البلاد العمال وطردوا أصحاب أبي يزيد وأخذوهم، فتفرق الناس عن أبي يزيد.

يتبع

وسوم: العدد 794