قصصُ العُروج(102)

تَقاسيمُ الوُجُوه

 تَسويد الوُجوه:

لقد سَوَّد إخوةُ يوسف وجهوهَم بمرض قلوبهم وجنايات أيديهم، وهم يريدون وإذْ أرادوا أن يَخلو لهم وجهُ أبيهم وحدهم، فقد ملؤوا قلبَه بالحزن وغَطَّوا وجهَه بالكآبة حتى أصابه العمى، وذلك بعد أن حملوا إليه قميص يوسف زاعمين أن الذئب قد أكله، وكان يتفرّس في وجوههم فيرى الكذب الأسوَد، بجانب أن القميص السليم قد فضح تآمرهم على أخيهم، ويأبى الله إلا أن يجعل قميص يوسف سبباً لرفع قَسَمات الحزن عن وجه يعقوب بل ولإعادة البصر إليه، فقد قال يوسف: {اذْهبوا بقميصي هذا فألقُوه على وجْهِ أبي يأتِ بصيراً} [يوسف: 96]، وبالفعل: {فلما أنْ جاءَ البشيرُ ألقاه على وجْهِه فارْتَدَّ بَصيراً} [يوسف: 96].

 وَجاهةُ الأنبياء:

إن من يُقيمون وجوههم عند كل مسجد، ويُوَلّون وجوههم شطر أوامر السماء، ويُسْلِمون وجوههم لله في شؤون حياتهم كلها؛ يجعلهم الله من الوجهاء في الدنيا والآخرة، كما جعل المسيحَ عليه السلام وجيهاً، فقد قال تعالى عنه: {اسْمُه المسيحُ ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة} [آل عمران: 45]، ومهما حاولت أدخنة الاتهامات أن تَحجب هذه الوجاهة فإنها لا تستطيع ذلك، فقد اتهم بنو إسرائيل موسى بكل نقيصة: {فبَرَّأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً} [الأحزاب: 69].

 وُجوهُ القلق والرّجاء:

الوجه هو الجزء الأكثر حساسية بالنسبة للكائن المعنوي في الإنسان، كأنه مرآة قلبه، حيث تنعكس عليه انفعالات القلب من قلق وحيرة ومن رغبة ورجاء، ولقد قال تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {قد نَرى تَقلُّبَ وَجْهك في السّماء فلَنُوَلِّينّك قبلةً ترضاها..} [البقرة: 144]، حيث كان صلى الله عليه وسلم يرجو من الله أن يوليه قِبلةَ الخليل إبراهيم وهي الكعبة، إذ كان ما زال يولّي وجهه شطر المسجد الأقصى على طريقة أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

ولأن الوجوه مرآة القلوب فقد قال تعالى في وصف المؤمنين: {سِيماهُم في وُجوههم من أثَر السُّجود} [الفتح: 29].

 إقامةُ الوَجه:

أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: {وأنْ أقِمْ وجهَك للدين حنيفاً ولا تكونَنّ من المشركين} [يونس: 105]، وإقامة الوجه هنا كناية عن تسليم الجوانح والجوارح كلها لله، بحيث لا يحضر أي منها في مواضع النهي ولا يغيب عن مقامات الأمر، ولذلك فقد كرّر الأمر في سورة الروم: 30 بذات اللفظ، ثم كرّره في ذات السورة بقوله تعالى: {فأقِمْ وجْهَك للدِّين القَيِّم} [الروم: 43]، فإن هذا هو ما يليق بالدين القيِّم الذي ما يزال قرآنه يهدي للتي هي أقوَم حتى تطلع الشمسُ من مغربها.

وسوم: العدد 799